السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-09-27

"إلا تنصروه فقد نصره الله"


الحمد لله الذي جعل الهجرة تنبيها وتذكيرا، يستنهض بها همم المتقاعسين فكان للمهاجرين وليا ونصيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله خلق الزمان فقدره تقديرا، وحذرنا من الخيانة والخذلان تحذيرا، وأشهد ن سيدنا محمدا أرسله الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، فكان في ظلام الكفر الدامس سراجا منيرا، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم يحدد مصير الناس جنة أو سعيرا.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
ها نحن قد وضعنا أرجلنا على عتبة العام الهجري الجديد، وقد حزم العام الماضي حقائبه وانصرف، حاملا معه ملفات العباد بما لهم وبما عليهم، فطوبى لمن رفع ملفه في سلك أصحاب اليمين، وويل لمن وضع ملفه في سلك أصحاب الشمال. 
وقد قدمنا لكم أن أول شيء نتذكره في بداية كل عام هجري جديد، هو هجرة النبيﷺ من مكة إلى المدينة، ليس لأن الهجرة وقعت في شهر محرم كما يعتقد البعض؛ بل لأن شهر محرم هو بداية عام هجري جديد. أما الهجرة فإنما وقعت في شهر ربيع الأول الشهر الثالث من السنة الهجرية. 
نتذكر الهجرة التي اتخذها الله تعالى وسيلة يذكر بها الناسين، وينبه بها الغافلين، ورسالة يستنهض بها همم المتقاعسين، ويوقظ بها عزائم المتهاونين، على مر العصور والأزمان. وهل تدرون كيف كانت الهجرة كذلك؟
لقد ذكر الله تعالى الهجرة في سورة الأنفال فقال: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
وذكرها سبحانه أيضا في سورة التوبة فقال: {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا}، وهاتان الآيتان الكريمتان لم تنزلا أثناء الهجرة، ولا بعدها مباشرة. 
أما آية سورة الأنفال فقد نزلت بعد خمس سنوات من الهجرة حين حاصر رسول اللهﷺ بجيوشه يهود بني قريظة في المدينة، وأرسل إليهم وهم محاصرون الصحابي الجليل أبا لبابة، لما له معهم من علاقة قرابة وأسرة، وعلاقة مال وتجارة. ولكنه رضي الله عنه في لحظة ضعف، وتحت ضغط روابط القرابة والمال، كشف لهم عن سر رسول اللهﷺ وعن أهدافه، فلما تبن له أن ما فعله خيانة لله ورسوله، ندم أشد الندم، فربط نفسه بسارية في المسجد النبوي لازالت إلى الآن تسمى بسارية التوبة أو سارية أبي لبابة، وحلف ألا يفك أحد وثاقه حتى يتوب الله عليه، وبعد أيام نزلت هذه الآية الكريمة توبيخا له على خيانته لله ورسوله، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى أن قال الله سبحانه وهو يذكره بالهجرة:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فذكرته الآية الكريمة بأنه لو خان النبيﷺ فإن الله قد نصره في الهجرة وحيدا. 
أما آية سورة التوبة {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} فقد نزلت بعد تسع سنوات من الهجرة، عندما دعا النبيﷺ أصحابه لمحاربة الروم في غزوة تبوك، تلك الغزوة التي جاءت في فصل الحرارة والصيف، وفي سنة الجفاف والقحط، مع بعد المسافة والشقة، فتخلف من أجل ذلك بعض الصحابة، فنزلت هذه الآية الكريمة توبيخا لهم على تقاعسهم عن الاستجابة لنداء النبيﷺ، تذكرهم بالهجرة وبأن الله تعالى ليس في حاجة لجهادهم إن أراد أن ينصر نبيهﷺ.
فما أحوج الأمة اليوم للتذكير بالهجرة وقد تقاعس أفرادها عن نصرة الإسلام في كثير من المجالات، وخذلوا إخوانهم المضطهدين في كثير من الساحات، وتغافلوا نسيانا أو تهاونا عن سيطرة الصهيونية على جميع المستويات، تستنزف الأرواح والأعراض والثروات، كأني بالآية الكريمة اليوم تخاطبنا؛ بل إنها لتخاطبنا: 
إلا تنصروا نبيكمﷺ في أنفسكم بالاقتداء والاتباع، إلا تنصروا نبيكمﷺ في أسركم بحسن التربية والأدب، إلا تنصروا نبيكمﷺ في أموالكم بالحلال الطيب، إلا تنصروا نبيكمﷺ في نسائكم بالعفاف والحجاب، إلا تنصروا نبيكمﷺ في مجتمعكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا تنصروا نبيكمﷺ في إعلامكم بالصدق والأمانة، إلا تنصروا نبيكمﷺ في أحكامكم بالقسط والعدل، إلا تنصروا نبيكمﷺ في القدس وفلسطين، فقد نصره الله في الهجرة وحيدا. فالله تعالى ليس في حاجة لمؤتمرات تستسلم لمؤامرات الأعداء، ليس في حاجة لأمة قد تشت شمل دولها، فكانت الخلافات بينها شديدة، والآمال في اتفاقهم ووحدة كلمتهم لازالت بعيدة، فالله تعالى ليس في حاجة لنصرنا وجهادنا إذا خذلنا نبيناﷺ، بل نحن في حاجة لذلك! {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد}.
فلازال القرآن الكريم يخاطبنا بالهجرة: إن لم تنصروا نبيكمﷺ فقد نصره الله تعالى حين تنكر له كفار مكة ومكروا به، وأجمعوا أمرهم على اغتياله، وقد طوقوا باب بيته بسيوف مشرعة، فمر النبيﷺ بين أيديهم وقد أعمى الله أبصارهم، كما عميت قبل بصائرهم، بعد أن نثر التراب والغبار على رؤوسهم ووجوههم، وهو يقرأ قوله سبحانه وتعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سد ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}.
لازال القرآن الكريم يخاطبنا: إن لم تنصروا نبيكمﷺ فقد نصره الله وحيدا ليس معه إلا أبو بكر في الغار، يوم كتف الكفار البحث ليقتلوه، وتتبعوا الآثار إلى فم الغار، فيقول أبو بكر: «والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا» فتبسم الرسولﷺ والتبسم في وجه الموت أمر لا يجيده إلا العظماء الواثقون بحفظ الله ونصره، فيقولﷺ: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»؟ فمن المغلوب؟ ومن الخاسر في الجولة؟ {لا تحزن إن الله معنا} فلا خوف مع الله ولا حزن مع الله ولا ضرر مع الله.
لازال القرآن الكريم يخاطبنا: إن لم تنصروا نبيكمﷺ فقد نصره الله في هجرته يوم رصدت قريش من أجل القبض عليه جوائز مغرية مائة ناقة، يوم طارده في الطريق مشرك اسمه سراقة، يرجو من وراءه الفوز بمائة ناقة، والرسولﷺ يقرأ القرآن ولا يلتفت لأن الله معه، فيدعو على سراقة فتغوص به قوائم فرسه في الأرض، فيصبح مهددا بالموت بعد أن هدد به الرسولﷺ فلما تبين له أن الرسولﷺ في حماية ربانية، وتيقن أن النصر حليفه ولو بعد حين، طلب منه أن يكتب له أمانا على حياته، فأمر النبيﷺ له بذلك، فرجع من حيث أتى وهو يصد عن النبيﷺ كل من صادف يبحث عنه، ففي الصباح خرج عدوا للنبيﷺ وفي العشي رجع حاميا للنبيﷺ. 
لقد ذكر الله تعالى إذن الهجرة في معرض تذكير الناس كلما تأخروا عن نصرة الإسلام، وكلما ظهرت منهم بوادر الخيانة والخدلان، بأن الله سينصر نبيه بهم أو بغيرهم؛ بل بجنود من ملائكة الرحمن لا ترى، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب -كما يقول العلماء-، فدل ذلك على أن الهجرة هي أعظم وسيلة تذكر الناسين وتنبه الغافلين، وأجل رسالة تستنهض همم المتقاعسين، وتوقظ عزائم المتهاونين، وقد روى البخاري أن النبيﷺ قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
وفرصة الهجرة لا زالت مواتية، بإمكان المسلم أن يغتنمها فيحصل له أجرها وهذا الحديث يبين لنا أن المهاجر هو من هجر وابتعد عن المحرمات التي نهى الله عنها.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق