السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2015-07-16

العيد أحكام وآداب:





العيد أحكام وآداب:
هذه مجموعة من أحكام العيد - أعاده الله تعالى علينا وعلى أمتنا بالنصر- وقفْنا عليها جمعًا وترتيبًا[*]؛ فذكرنا حكم صلاة العيدَين، وصفة الصلاة فيهما، والدعاء والتكبير فيهما، ومشروعية الصلاة قبل الخطبة، وخطبة العيد وما يتعلق بها، وقضاء صلاة العيدَين، ومكان صلاة العيد، وهديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيدَين، وما يُشرع لمن أتى مصلى العيد، والمرأة والعيد، وآداب العيد، والأخطاء التي تقع في العيد، والتهنئة بالعيد والمصافحة والمعانقة بعد الصلاة.
حكم صلاة العيدَين:
صلاة العيدَين؛ الفطر والأضحى، كلٌّ منهما فرض كفاية، وقال بعض أهل العلم: إنهما فرض عين كالجمعة؛ فلا ينبغي للمؤمن تركُها[1].
وقت غسل العيد:
أولاً: الاغتسال يوم العيد مستحبٌّ، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل يوم العيد، وروي الاغتسال يوم العيد كذلك عن بعض الصحابة؛ كعلي بن أبي طالب، وسلمة بن الأكوع، وابن عمر - رضي الله عنهم.
قال النووي في المجموع: "وأسانيدُ الجميع ضعيفة باطلة إلا أثر ابن عمر، والمعتمد فيه (أي في إثبات استحبابه) أثر ابن عمر، والقياس على الجمعة" اهـ.
وقال ابن القيم: "فيه حديثان ضعيفان، ولكنْ ثبَت عن ابن عمر - مع شدَّة اتباعه للسنَّة - أنه كان يَغتسِل يوم العيد قبل خروجه" اهـ.
ثانيًا: وأما وقت الاغتسال للعيد، فالأفضل أن يكون ذلك بعد صلاة الفجر، ولو اغتسل قبل الفجر أجزأ؛ نظرًا لضيق الوقت والمشقَّة في كونه بعد صلاة الفجر، مع حاجة الناس للانصِراف إلى صلاة العيد، وقد يكون المصلى بعيدًا.
قال في المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: "ويستحبُّ أن يكون غسله متصلاً بغدوه إلى المصلى، قال ابن حبيب: أفضل أوقات الغسل للعيد بعد صلاة الصبح، قال مالك في المختصر:"فإن اغتسَل للعيدَين قبل الفجر فواسع" اهـ.
وفي شرح مختصر خليل (2/102) أن وقته من سدس الليل الأخير.
وقال ابن قدامة في "المغني": "ووقت الغسل - يعني: للعيد - بعد طلوع الفجر في ظاهر كلام الخرقي، قال القاضي، والآمدي: إن اغتسل قبل الفجر لم يُصبْ سنَّة الاغتسال؛ لأنه غسل الصلاة في اليوم فلم يَجُزْ قبل الفجر؛ كغسْل الجمعة، وقال ابن عقيل: المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده؛ لأنَّ زمن العيد أضيق من وقت الجمعة، فلو وقف على الفجر ربما فات، ولأن المقصود منه التنظيف، وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة، والأفضل أن يكون بعد الفجر، ليخرج من الخلاف، ويكون أبلغ في النظافة؛ لقربه من الصلاة" اهـ.
قال النووي في المجموع: وفي وقت صحة هذا الغسل قولان مشهوران، (أحدهما) بعد طلوع الفجر؛ نصَّ عليه في الأم، (وأصحهما) باتِّفاق الأصحاب يجوز بعد الفجر وقبله.
وقال القاضي أبو الطيب في كتابه "المجرد": نصَّ الشافعي في "البويطي" على صحَّة الغسل للعيد قبل طلوع الفجر.
قال النووي: فإذا قلنا بالأصحِّ إنه يصحُّ قبل الفجر، ففي ضبطه ثلاثة أوجه (أصحها) وأشهرها: يصحُّ بعد نصف الليل، ولا يصح قبله، (والثاني): يصح في جميع الليل، وبه جزم الغزالي، واختاره ابن الصباغ وغيره، (الثالث): أنه إنما يصحُّ قبيل الفجر عند السحر، وبه جزم البغوي" اهـ باختصار.
وعلى هذا، فلا بأس من الاغتسال للعيد قبل صلاة الفجر؛ حتى يتمكَّن المسلم من الخروج لصلاة العيد،والله تعالى أعلم[2].
صفة صلاة العيد: صفة صلاة العيد أن يحضر الإمام ويؤم الناس بركعتَين، قال عمر - رضي الله عنه -: صلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، تمام غير قصْر على لسان نبيِّكم، وقد خابَ مَن افترى[3].
وعن أبي سعيد قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخرُج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة[4].
يكبِّر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يكبر بعدها ستَّ تكبيرات أو سبع تكبيرات لحديث عائشة - رضي الله عنها: "التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، سوى تكبيرتي الركوع"[5].
ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة "ق" في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقوم مكبرًا فإذا انتهى من القيام يكبر خمس تكبيرات، ويقرأ سورة الفاتحة، ثم سورة ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]، فهاتان السورتان كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما في العيدين، وإن شاء قرأ في الأولى بسبِّح، وفي الثانية بـ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ [الغاشية: 1]؛ فقد ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية.
وينبغي للإمام إحياء السنَّة بقراءة هذه السور؛ حتى يعرفها المسلمون ولا يستنكروها إذا وقعت.
وبعد الصلاة يخطب الإمام في الناس، وينبغي أن يخصَّ شيئًا من الخطبة يوجهه إلى النساء يأمرهنَّ بما يَنبغي أن يقمْن به، ويَنهاهنَّ عما يَنبغي أن يتجنَّبنَه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم[6].
الدعاء في صلاة العيد:
لا نعلم دعاء خاصًّا يُشرَع للمسلمين في صلاة العيد أو يومه، ولكن يُشرَع للمسلمين التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد في ليلتي العيدَين، وصباح يومهما، إلى انتهاء الخطبة من يوم عيد الفطر، وإلى انتهاء أيام التشريق يومَ عيد النحر، كما شُرع ذلك في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجَّة؛ لقول الله سبحانه في عيد الفطر: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 185]، ولأحاديث وآثار وردت في ذلك[7].
التكبير في العيد:
الأصل في العبادات التوقيف، وأن نتعبَّد بما أمرنا به الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - سواء عرفْنا الحكمة في ذلك أم لا، وخاصَّةً كيفيات الصلاة والصوم والحجِّ، فليس للعقل فيها مجال، ومِن ذلك ما شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا من التكبير ستَّ تكبيرات أو سبْع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من صلاة العيدَين، وخمس تكبيرات قبل قراءة الفاتحة في الركعة الثانية من صلاة العيدَين دون الصلوات المَفروضة.
فعلينا أن نؤمن بتشريع الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ونَستسلِم له، ونسمع ونُطيع؛ لأن الأصل في ذلك التعبُّد لا التعليل.
وليس للعبد أن يدخل فيما هو من شؤون الله واختصاصه من العبادات وأنواعها وكيفياتها، ولا أن يسأل: لمَ شرع الله كذا وترك كذا؟ وما فائدة هذا الذي شرعه؟ بل عليه أن يعرف ما شرع الله ورسوله ويعمل به، فإن ظهرت له الحكمة فالحمد لله، وإلا استسلم لحكم الله وأطاع، وأيقن أنه لم يُشرع إلا لحكمة ومصلحة للعباد؛ لأنه سبحانه حكيم عليم في أقواله وأفعاله، وشرعه وقَدَره؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 83].
ومما يدلُّ على ما ذكرنا قوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))؛ رواه البخاري في صحيحه، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّة الوداع: ((خذوا عني مناسِككم))؛ رواه مسلم: 378[8].
النداء لصلاة العيدَين:
من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا يُنادى لصلاة عيد الفطر ولا لصلاة عيد الأضحى قبلها؛ من أجْل أن يَحضُروا إلى المصلى، ولا من أجْل إفهامهم حكم الصلاة، ولا يَنبغي فعل ذلك، لا بالميكرفون ولا بغيره؛ لأن وقتهما معلوم والحمد لله، وقد قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21]، وينبغي لأولي الأمر من الحكام والعلماء أن يبيِّنوا للمسلمين حكم هذه الصلاة قبل يوم العيد، وأن يبينوا لهم كيفيتها، وما ينبغي لهم فيها، فيما قبلها وما بعدها؛ حتى يتأهَّبوا للحضور إلى المصلى في وقتها، ويؤدُّوها على وجهها الشرعي[9].
متى يبدأ التكبير في عيد الفطر؟ ومتى ينتهي؟
في ختام شهر رمضان شرع الله لعباده أن يكبِّروه؛ فقال تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، "تكبِّروا الله"؛ أي: تعظِّموه بقلوبكم وألسنتكم، ويكون ذلك بلفظ التكبير.
فتقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أو تكبِّر ثلاثًا، فتقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
كل هذا جائز، وهذا التكبير سنَّة عند جمهور أهل العلم، وهو سنَّة للرجال والنساء، في المساجد والبيوت والأسواق.
أما الرجال فيَجهرون به، وأما النساء فيُسرِرْن به بدون جهر؛ لأن المرأة مأمورة بخفض صوتها، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا نابكم شيء في صلاتكم فليُسبِّح الرجال، ولتصفِّق النساء))،فالنساء يُخفين التكبير والرجال يجهرون به.
وابتداؤه من غروب الشمس ليلة العيد إذا عُلم دخول الشهر قبل الغروب كما لو أكمل الناس الشهر ثلاثين يومًا، أو من ثبوت رؤية هلال شوال، وينتهي بالصلاة، يعني إذا شرع الناس في صلاة العيد انتهى وقت التكبير[10].
وقال الشافعي في "الأم": قال الله - تبارك وتعالى - في شهر رمضان: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 185]، فسمعتُ مَن أرضى مِن أهل العلم بالقرآن يقول: لتُكملوا العدَّة عدَّةَ صوم شهر رمضان، وتكبِّروا الله عند إكماله على ما هداكم، وإكماله مَغيبُ الشمس من آخِر يوم من أيام شهر رمضان.
ثم قال الشافعي: فإذا رأوا هلال شوال أحببتُ أن يكبِّر الناس جماعةً، وفرادى في المسجد والأسواق، والطرق، والمنازل، ومسافرين، ومقيمين في كل حال، وأين كانوا، وأن يُظهروا التكبير، ولا يزالون يكبِّرون حتى يغدوا إلى المصلى، وبعد الغدو حتى يخرج الإمام للصلاة ثم يَدَعوا التكبير،ثم روي عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي سلمة وأبي بكر بن عبدالرحمن أنهم كانوا يكبِّرون ليلة الفطر في المسجد يَجهرون بالتكبير،وعن عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبدالرحمن أنهما كانا يجهران بالتكبير حين يغدوان إلى المصلى،وعن نافع بن جبير أنه كان يجهر بالتكبير حين يغدو إلى المصلى يوم العيد،وعن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعَتِ الشمس فيكبِّر حتى يأتي المصلَّى يوم العيد ثم يكبِّر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير اهـ.
الصلاة قبل الخُطبة:
من أحكام العيد أن الصلاة قبل الخطبة؛ لحديث جابر بن عبدالله قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة[11].
ومما يدلُّ على أن الخطبة بعد الصلاة حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخرُج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مُقابل الناس - والناس جلوس على صفوفهم - فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يُريد أن يقطع بعثًا قطَعه أو يأمر بشيء أمر به ثم يَنصرف.
قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحًى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلْت، فإذا مروان يريد أن يَرتقِيَه قبل أن يصلي فجبذْت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم والله!فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم.
فقلت: ما أعلم والله خيرٌ مما لا أعلم.
فقال: إن الناس لم يكونوا يَجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة "[12].
في خطبة العيد:
ذهب جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أنه يخطب في العيد بخطبتَين، يفصل بينهما بجلوس، كما يفعل ذلك في خطبة صلاة الجمعة.
جاء في المدونة (1/231): "وقال مالك: الخُطَب كلها، خطبة الإمام في الاستسقاء والعيدين ويوم عرفة والجمعة، يجلس فيما بينها، يَفصل فيما بين الخطبتين بالجلوس" انتهى.
وقال الشافعي - رحمه الله -[13]: "عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: السنَّة أن يخطب الإمام في العيدَين خطبتين يفصل بينهما بجلوس، (قال الشافعي): وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف، وخطبة الحجِّ، وكل خطبة جماعة"، انتهى.
قال الشوكاني - رحمه الله - معلقًا على الأثر السابق: "والحديث الثاني يرجِّحه القياس على الجمعة، وعبيدالله بن عبدالله تابعي كما عرفت، فلا يكون قوله: "من السنَّة" دليلاً على أنها سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما تقرَّر في الأصول،وقد ورد في الجلوس بين خطبتي العيد حديث مرفوع رواه ابن ماجه، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف"[14].
وما روي عن جابر - رضي الله عنه - قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى، فخطب قائمًا، ثم قعد قعدةً، ثم قام"[15]؛ والحديث أورده الألباني في ضعيف ابن ماجه، وقال عنه: منكر.
قال في "عون المعبود" (4/4): " قال النووي في الخلاصة: وما روي عن ابن مسعود أنه قال: السنة أن يخطب في العيد خطبتَين يَفصِل بينهما بجلوس، ضعيف غير متَّصل، ولم يَثبُت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة"، انتهى.
فتحصَّل من ذلك أن مستند الخطبتَين:
1- حديث ابن ماجه، وأثر ابن مسعود - رضي الله عنه - وكلاهما ضعيف كما سبق.
2- أثر عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، وهو تابعي.
3- القياس على الجمعة.
4- وذكر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - أمرًا رابعًا قد يُحتجُّ به، قال - رحمه الله -: "وقوله: "خطبتين" هذا ما مشى عليه الفقهاء - رحمهم الله - أن خطبة العيد اثنتان؛ لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر، ظاهره أنه كان يخطب خطبتين، ومَن نظَر في السنَّة المتَّفق عليها في الصحيحَين وغيرهما تبين له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخطب إلا خطبةً واحدةً، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجَّه إلى النساء ووعظهنَّ، فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه بعيد؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهنَّ لعدم وصول الخطبة إليهنَّ، وهذا احتمال. ويُحتمَل أن يكون الكلام وصلهنَّ، ولكن أراد أن يخصَّهنَّ بخصيصة، ولهذا ذكرهن ووعظهن بأشياء خاصة بهن"[16].
وقد سُئلت "اللجنة الدائمة" ما نصه: " هل في خطبة العيدَين جلوس بين الخطبتَين؟
فأجابت:
" خطبتا العيدَين سنَّة وهي بعد صلاة العيد، وذلك لما روى النسائي وابن ماجه وأبو داود عن عطاء عن عبدالله بن السائب - رضي الله عنه -ما قال: شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العيد فلما قضى الصلاة قال: ((إنا نخطب فمن أحبَّ أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب))، قال الشوكاني - رحمه الله - في النَّيل: " قال المصنف - رحمه الله - تعالى: وفيه بيان أن الخطبة سنَّة؛ إذ لو وجبت وجب الجلوس لها " اهـ.
ويُشرع لمن خطب خطبتين في العيد أن يفصل بينهما بجلوس خفيف قياسًا على خطبتي الجمعة، ولما روى الشافعي - رحمه الله - عن عبيد بن عبدالله بن عتبة - رضي الله عنه - قال: السنَّة أن يخطب الإمام في العيدَين خطبتَين يَفصِل بينهما بجلوس.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لصلاة العيد إلا خطبة واحدة؛ لأن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيها إلا خطبة واحدة، والله أعلم " انتهى نقلاً عن "فتاوى إسلامية" (1/425).
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هل يخطب الإمام في العيد خطبة واحدة أو خطبتين؟
فأجاب:
"المشهور عند الفقهاء - رحمهم الله - أن خطبة العيد اثنتان، لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يخطبْ إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع"[17].
وقال أيضًا (16/248):
"السنة أن تكون للعيد خطبة واحدة، وإن جعلها خطبتين فلا حرج؛ لأنه قد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن لا ينبغي أن يهمل عظة النساء الخاصة بهن؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - وعظهنَّ.
فإن كان يتكلم مِن مكبر تسمعه النساء، فليخصِّص آخِر الخطبة بموعظة خاصة للنساء، وإن كان لا يخطب بمكبر وكان النساء لا يسمعْنَ فإنه يذهب إليهن، ومعه رجل أو رجلان يتكلم معهنَّ بما تيسر"، انتهى.
وخلاصة الجواب:
أن المسألة من مسائل الاجتهاد، والأمر في هذا واسع، وليس في السنة النبوية نصٌّ فاصل في المسألة، وإن كان ظاهِرها أنها خطبة واحدة، فيَفعل الإمام ما يَراه أقرب إلى السنَّة في نظَرِه.
قضاء صلاة العيدَين:
مَن حضر يوم العيد والإمام يخطب له أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتَين.
فصلاة العيدين فرض كفاية- كما أشرنا سابقًا -فمن فاتتْه الصلاة وأحب قضاءها استحبَّ له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم.
والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا))، وما روي عن أنس - رضي الله عنه - أنه كان إذا فاتتْه صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبدالله بن أبي عتبة مولاه فيُصلِّي بهم ركعتَين، يكبِّر فيهما[18].
تأخير صلاة العيدَين عن يوم العيد:
صلاة العيدَين فرْض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرض عين كالجمعة، وبما أن المركز الإسلامي يقوم بإقامة صلاة العيد بناءً على رؤية الهلال؛ فإن هذه الصلاة تسقط فرض الكفاية عمن لم يحضرها، ولا يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني أو الثالث من شوال من أجل أن يحضرها جميع المسلمين في لندن؛ لأن هذا التأخير خلاف ما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم، فإننا لا نعلم أحدًا من أهل العلم قال بذلك، نعم يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس[19] .
مكان صلاة العيد:
مضت سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - العملية على ترك مسجده في صلاة العيدين، وأدائها في المصلى الذي على باب المدينة الخارجي[20].
قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله -: "وقد تضافرت أقوال العلماء على ذلك؛ فقال العلامة العيني الحنفي في شرح البخاري، وهو يستنبط من حديث أبي سعيد الخدري: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف، قال أبو سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحًى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يَرتقِيَه قبل أن يصلي فجبَذْت بثوبه فجبَذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيَّرتم والله، فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلتُ: ما أعلم والله خيرٌ مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة"[21]، قال: "وفيه البروز إلى المصلى والخروج إليه، ولا يصلى في المسجد إلا عن ضرورة، وروى ابن زياد عن مالك قال: السنة الخروج إلى الجبانة [يعني المصلى] إلا لأهل مكة ففي المسجد".
وفي الفتاوى الهندية[22]: "الخروج إلى الجبانة في صلاة العيد سنة، وإن كان يسعهم المسجد الجامع، على هذا عامة المشايخ وهو الصحيح".
وفي المدونة المروية عن مالك[23] قال مالك: لا يصلى في العيدَين في موضعَين، ولا يُصلُّون في مسجدهم، ولكن يخرجون كما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم -وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى المصلى، ثم استنَّ بذلك أهل الأمصار".
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: "السنة أن يصلى العيد في المصلى, أمر بذلك علي - رضي الله عنه - واستحسنه الأوزاعي، وأصحاب الرأي، وهو قول ابن المنذر.
وحكي عن الشافعي: إن كان مسجد البلد واسعًا، فالصلاةُ فيه أولى؛ لأنه خير البقاع وأطهرها، ولذلك يصلي أهل مكة في المسجد الحرام.
ثم استدل ابن قدامة على قوله فقال: "ولنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده، ولا يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الأفضل مع قربه، ويتكلَّف فعل الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل، ولأننا قد أمرنا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص، والمنهي عنه هو الكامل، ولم يُنقَل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى العيد بمسجده إلا مِن عذر، ولأن هذا إجماع المسلمين، فإن الناس في كل عصر ومصر يَخرُجون إلى المصلى، فيُصلُّون العيد في المصلى، مع سعة المسجد وضيقه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في المصلى مع شرف مسجده".
وأقول - القائل أحمد شاكر -: إن قول ابن قدامة: "ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر"، يشير به إلى حديث أبي هريرة[24]: "أنهم أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد"[25]؛ صحَّحه الذهبي.
وقال الإمام الشافعي[26]: "بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج في العيدَين إلى المصلى بالمدينة، وكذلك من كان بعده، وعامة أهل البلدان إلا مكة، فإنه لم يبلغنا أن أحدًا من السلف صلى بهم عيدًا إلا في مسجدهم، وأحسب ذلك - والله تعالى أعلم - لأن المسجد الحرام خير بقاع الدنيا، فلم يحبُّوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه ما أمكنهم.
فإن عَمَر بلدٌ فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أرَ أنهم يخرجون منه، وإن خرجوا فلا بأس، ولو أنه كان يسعهم فصلى بهم إمامٌ فيه كرهتُ له ذلك ولا إعادة عليهم، وإذا كان العذر من مطر أو غيره أمرتُه بأن يصلي في المساجد ولا يخرج إلى الصحراء".
وقال العلامة ابن الحاج في كتاب المدخل[27]: "والسنَّة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))[28]، ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى وتركه، فهذا دليلٌ واضح على تأكُّد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدَين، فهي السنة، وصلاتهما في المسجد على مذهب مالك - رحمه الله - بدعة، إلا أن تكون ثَمَّ ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده، ولأنه - عليه السلام - أمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيدَين، وأمر الحُيَّض وربَّات الخدور بالخروج إليهما فقالتْ إحداهنَّ: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((تُعيرها أختها من جلبابها لتشهد الخير ودعوة المسلمين))[29].
فلما أن شرع - عليه الصلاة والسلام - لهن الخروج، شرع الصلاة في البَراح؛ لإظهار شعيرة الإسلام.
فالسنة النبوية التي وردَت في الأحاديث الصحيحة دلَّت على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العيدَين في الصحراء في خارج البلد، وقد استمرَّ العمل على ذلك في الصدر الأول، ولم يكونوا يُصلُّون العيد في المساجد، إلا إذا كانت ضرورة من مطر ونحوه.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم من الأئمة - رضوان الله عليهم - لا أعلم أن أحدًا خالف في ذلك، إلا قول الشافعي - رضي الله عنه - في اختياره الصلاة في المسجد إذا كان يسع أهل البلد، ومع هذا فإنه لم يرَ بأسًا بالصلاة في الصحراء وإن وسعهم المسجد، وقد صرح - رضي الله عنه - بأنه يَكره صلاة العيدَين في المسجد إذا كان لا يسع أهل البلد.
فهذه الأحاديث الصحيحة وغيرها، ثم استمرار العمل في الصدر الأول، ثم أقوال العلماء: كل أولئك يدل على أن صلاة العيدَين الآن في المساجد بدعة، حتى على قول الشافعي؛ لأنه لا يوجد مسجد واحد في بلادنا يسع أهل البلد الذي هو فيه.
ثم إن هذه السنة يجتمع فيها أهل كل بلدة رجالاً ونساءً وصبيانًا، يتوجهون إلى الله بقلوبهم، تجمعهم كلمة واحدة، ويصلون خلف إمام واحد، يُكبِّرون ويهلِّلون، ويدعون الله مخلصين، كأنهم على قلب رجل واحد، فَرِحين مُستبشِرين بنعمة الله عليهم، فيكون العيد عندهم عيدًا.
وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخروج النساء لصلاة العيد مع الناس ولم يستثن منهن أحدًا، حتى إنه لم يرخِّص لمن لم يكن عندها ما تلبس في خروجها، بل أمر أن تستعير من غيرها، وحتى إنه أمر من كان عندهنَّ عذرٌ يمنعهنَّ الصلاة بالخروج إلى المصلى: ((ليشهدْنَ الخير ودعوة المسلمين)).
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم خلفاؤه من بعده، والأمراء النائبون عنهم في البلاد يصلون بالناس العيد، ثم يخطبونهم بما يعظونهم به، ويعلِّمونهم مما يَنفعهم في دينهم ودنياهم، ويأمرونهم بالصدقة في ذلك الجمع المبارك، الذي تتنزَّل عليه الرحمة والرضوان.
فعسى أن يستجيب المسلمون لاتِّباع سنة نبيهم ولإحياء شعائر دينهم، الذي هو معقد عزِّهم وفلاحهم؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24].
[*]وردت معظم هذه الأحكام؛ كإجابات على بعض أسئلة القراء في موقع: الإسلام سؤال وجواب، وكانت مفرقة؛ فأحببنا جمعها في مقالٍ واحد لسهولة مطالعتها.
[1]اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8: 284).
[2]الإسلام سؤال وجواب.
[3]رواه النسائي (1420) وابن خزيمة وصحَّحه الألباني في صحيح النسائي.
[4]رواه البخاري (956 ).
[5]رواه أبو داود وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (639).
[6]انظر "فتاوى أركان الإسلام" للشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله – (ص:398)، وفتاوى اللجنة الدائمة (8 : 300 - 316).
[7]اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8: 302).
[8]اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8: 299).
[9]اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8: 313).
[10] "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16: 269-272).
[11]رواه البخاري:(958)، ومسلم:(885).
[12]رواه البخاري:(956).
[13]الأم (1: 272)، وينظر: "بدائع الصنائع": (1: 276)، "المغني": (2: 121).
[14] "نيل الأوطار" (3: 323).
[15]ابن ماجه (1279).
[16] "الشرح الممتع" (5: 191).
[17] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين": (16: 246).
[18]اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8: 306).
[19]اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8: 289).
[20]انظر:"زاد المعاد" لابن القيم (1: 441).
[21]رواه البخاري:(956)، ومسلم: (889).
[22] (1:118).
[23] (1:171).
[24]في "المستدرك" للحاكم: (1: 295).
[25]قال عنه ابن القيم: إن ثبَت الحديث، وهو في "سنن أبي داود" وابن ماجه، انتهى من الزاد (1: 441)، وضعَّفه الألباني في رسالة "صلاة العيدين في المصلى هي السنة"، ورد قول الحاكم والذهبي.
[26]الأم (1: 207).
[27] (2: 283).
[28]البخاري: (1190)، ومسلم: (1394).
[29]انظر صحيحَي (البخاري): (324)، و(مسلم): (890)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق