السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-03-17

" النجاح الأسري " أطفالنا والتربية الإبداعية


لقد اهتمت التربية الإسلامية بالطفولة وأولتها مكانًة عاليًة، وذلك لما لها من تأثير في مستقبل الفرد وبالتالي مستقبل الجماعات، لذلك كانت هناك عدة مؤسسات تربوية تعنى بالطفولة مثل المسجد، والمدرسة، ووسائل الإعلام. إلا أن أهم هذه المؤسسات على الإطلاق هي الأسرة، فالأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، ولذلك شرع الإسلام الزواج .

ووضع أسسًا وقواعد لاختيار الزوجين، أهمها الاختيار على أساس الدين، لهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم راغبي الزواج بأن يظفروا بذات الدين، لتقوم الزوجة بواجبها الأكمل في أداء حق الزوج، وأداء حق الأولاد، على النحو الذي أمر به الإسلام ذلك لتنشأ أسرة صالحة تتسم بالرحمة، والمودة، والألفة، والمحبة، وتكون أساسًا لتربية الأجيال التربية الإسلامية التي تقود إلى رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بسعادة الدارين.
والأسرة هي المكان الأول الذي يحتضن الطفل ويرعاه رعاية شاملة، لذا كان من المهم في بناء الأسرة المسلمة أن يستشعر كل من الأب والأم مسؤولياتهما المشتركة في تربية الأبناء. وخاصة مع وجود قوى تأثير خارجية. وهذه المسؤولية التي تقع على كاهل الآباء لا تختص فقط بمجال دون الآخر، فالأسرة لها دور في التربية الإيمانية، والجسمية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية. إن مواجهة العالم اليوم لتحديات متعددة ثقافية، واجتماعية، وفكرية، وتقنية، وموجات مختلفة من التغيير في كل الميادين يضاعف دور الأسرة ويزيد من المهمات التي يجب عليها القيام ا لتربية طفلها تربية إسلامية متكاملة.
إننا نعيش في عصر الاختراعات والابتكارات والإبداعات، ومن هنا لابد للأسرة أن تنهض بدورها لتربي الطفل تربية إبداعية متميزة لتوجد للساحة الإسلامية أعلاما وًنجومًا أمثال الفارابي، وابن سينا، وابن النفيس، والرازي، وغيرهم من العلماء المبدعين الذين أثروا العالم الإسلامي بإبداعاتهم النفيسة. فالأمة الإسلامية اليوم تحتاج لمبدعين يعيدون لها مجدها وحضارتها حتى تصبح هذه الأمة كما كانت في السابق صانعة للحضارة 
أولا: تعريف الأسرة:
المعنى اللغوي للأسرة:
جاء في لسان العرب بأنها: "الدرع الحصينة وفي تاج العروس: الدرع الحصينة كذلك. والأسرة من الرجل الرهط الأدنون وعشيرته ( لأنه يتقوى بهم 
المعنى الاصطلاحي للأسرة:
هناك تعريفات متعددة للأسرة تختلف باختلاف وجهات نظر معرفيها، ومن هذه التعريفات:
الأسرة عند علماء الاجتماع: " المؤسسة الاجتماعية التي تنبعث من ظروف الحياة والطبيعة الإنسانية وهي ضرورة فطرية لحياة البشر واستمرارهم إن هذا التعريف قد ركز على الهدف من وجود الأسرة وهو استمرار الجنس البشري.
الأسرة هي: نظام اجتماعي ذو خصائص مميزة، وحاجات فريدة، تربط أفراده علاقات قوية ومؤثّرة، بحيث إن أية خبرة تؤثر في أحد الأفراد يصل أثرها إلى الآخرين جميعًا.
الأسرة هي: ذلك المجتمع الصغير الذي يتكون من الزوج والزوجة والأولاد، وتسوده المودة والرحمة، ويحدث فيه المران والتدريب على كيفية التعامل مع المجتمع الخارجي الكبير.
ثانيًا: أهمية الأسرة:
لا يخفى على أحد منا ما للأسرة من أهمية بالغة في تربية الأبناء وتنمية مداركهم وربطهم بالتمتع الخارجي، فهي بمثابة وسيط ينقل ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده لأفرادها. ومن هم أفرادها؟ إنهم فلذات كبد الأب والأم اللذان يضحيان بكل غالي ونفيس من أجل هؤلاء الأبناء. فالأسرة هي المدرسة الأساسية لكل طفل والجماعة
الأولية التي تغذي أبناءها بكل جوانب المعرفة والثقافة. ومن هنا تتضح أهمية ثقافة ومعرفة الوالدين بشؤون التربية وما ينتج عنها من ثمار.
والأسرة هي المحضن الأساسي والأول للطفل والتي تؤثر في تصرفاته وسلوكه وآدابه وأخلاقه ولغته،فأول تأثير يتلقاه الطفل في حياته هو تأثير الأشخاص الذين يحيطونه،وهم والده وأهله في المنزل والأسرة " محضن حساس وخطير، إنها مصنع وأي مصنع؟ مصنع الأبطال والعلماء، والتقاة والأتقياء، أو مصنع للعابثين اللاهين والمجرمين المتسكعين"" وقد أثبتت التجارب العملية أن أي جهاز آخر غير جهاز الأسرة لا يعوض عنها، ولا يقوم مقامها، بل لا يخلو من أضرار مفسدة لتكوين الطفل وتربيته"، فمن الصعب إيجاد بديل آخر عن المترل يزود الطفل باحتياجاته الخاصة.
والتاريخ الإسلامي يقدم لنا نماذج من شخصيات عظيمة كان للجو الأسري أثرًا في بزوغها وإبداعها، فعلى سبيل المثال الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين عندما أتت به أمه أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسّلم لما قدم المدينة، فقالت له: هذا أنس غلام يخدمك فقبله. فأثرت تلك الصحبة أيما أثر، وفي هذا يقول الإمام الذهبي رحمه الله:"فصحب أنس نبيه صلى الله عليه وسلم أتم الصحبة، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر، وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة والأسرة هي لبنة من لبنات المجتمع ، والقاعدة الصلبة التي يقوم عليها بناء المجتمع ، فإذا قامت كل أسرة بتربية أبنائها التربية الإسلامية صلح المجتمع بأسره ونهضت أمة الإسلام وظهر الإبداع في أبنائها. فعلى الآباء أن يتقوا الله في هذه الأمانة لأنهم مسؤولون عنها يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله : "اعلم أن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه جوهرة ساذجة، وهي قابلة لكل نقش، فإن عود الخير نشأ عليه، وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه، وإن عود الشر نشأ عليه، وكان الوزر في عنق وليه، فينبغي أن يصونه ويؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم، ولا يحبب إليه أسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذاكبر.
رابعًا: دور الأسرة المسلمة في التربية:
إن وظيفة الأسرة في تربية الأطفال هي وظيفة متكاملة متناسقة متوازنة لجميع جوانب ومطالب نموهم، "فالطفل وحدة واحدة، مكونة من جسم، وعقل وروح. وهذه الوحدة تنموبشكل مطرد ومترابط، والعناية بأحد جوانب هذه الوحدة، يؤثر تأثيرًا مباشرًا في جوانبها الأخرى"( ٤ولهذا سوف يتم تناول الجانب الإيماني والخلقي والنفسي والعقلي والاجتماعي والجسمي وذلك لأهميتها بالنسبة للطفل، ولكن بشيء من الاختصار باعتبار أنها ليست هي موضوع الدراسة الأساسي. أما الموضوع الأساسي وهو الجانب الإبداعي فسيفرد له فصل خاص بإذن الله تعالى، مع العلم بأن هذه الوظائف مجتمعة تؤثر تأثيرًا مباشرًا وقويًا في تربية الإبداع لدى الطفل. كما وسوف يتم التركيز في هذه الوظائف على مرحلة الطفولة من سن 06 إلى 12
أو لا: دور الأسرة في التربية الإيمانية: إذا أتم الطفل سبع سنين من عمره دخل في سن التمييز، ومنهم من يميز قبل ذلك، ولهذه المرحلة متطلبات إيمانية تناسبها، ويترتب على الأسرة تعويد الطفل عليها.
والمقصود بالتربية الإيمانية "ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان، وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام، وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة الغراء". وأصول الإيمان هي أركان الإيمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام، " فما أجمل أن " تربي الأسرة المؤمنة وليدها في جو مفعم بالإيمان، يشرق فيه القلب على الجوارح فتنطق بتوحيد الله، وتعمل بأوامر الله، وتؤدي فرائض الله، وتتلو كتاب الله، فتلتقط مخيلة الطفل هذه الصورة الإيمانية السلوكية وتعرضها على الفطرة، فتزداد الفطرة بذلك نفحًا وإشراقًا."فإذا تربى خيال الطفل على الصور الإيمانية، فإن ذلك سيؤثر في إنتاجه الإبداعي الذي سيكون مسخرًا لنفع الأمة الإسلامية.
بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الإيمانية:
١. حث الطفل على تعلم القرآن الكريم: إن القرآن الكريم ليؤثر تأثيرًا عظيمًا في إصلاح النفوس وتزكيتها، ومما لاشك فيه أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. يقول ابن خلدون رحمه الله تعالى: "اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات.وسبب ذلك أن التعليم في الصغر أشد رسوخًا، وهو أصل لما بعده )فحفظ القرآن للطفل وتدارسه يعين على تربية الإبداع لديه
٢. حث الطفل على التعرف على صفات النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه الكريمة:
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وما جبل عليه من الأخلاق الكريمة، وما أيده الله عز وجل به من المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة، ومعرفة سيرته صلى الله عليه وسلم، وما أيده الله عز وجل به من الانتصارات، ومن المحبة في قلوب أتباعه، فكل ذلك يزيد الإيمان بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن معرفة إبداعاته صلى الله عليه وسلم يجعل منه قدوة إبداعية تحث الطفل المؤمن أن يقتدي بها.
٣. حث الطفل على التفكر في مخلوقات الله: أشار القرآن الكريم في مواضع عدة إلى التفكر في مخلوقات الله عز وجل وكيف أبدع سبحانه وتعالى ذلك الخلق، هذا التفكر يمكن أن يكون أداة لتنمية الإبداع في نفس الطفل قال تعالى : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" .
٤. حث الطفل على القيام بالعبادات: الطفولة ليست مرحلة تكليف للقيام بالعبادات وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب " حتى يتعلم الولد أحكام العبادات منذ نشأته، ويعتاد أداءها والقيام بها منذ نعومة أظفاره، وحتى يتربى كذلك على طاعة الله، والقيام بحقه، والشكر
له،والالتجاء إليه، والثقة به، والاعتماد عليه، والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع." وللعبادة فوائدها العظيمة والعجيبة على نفسية الطفل "فهي تشعره بالاتصال بالله تبارك وتعالى، وتهدئ من ثوراته النفسية، وتلجم انفعالاته الغاضبة، فتجعله سويًا مستقيمًا لأنه في هذه الفترة لا تغلب عليه الشهوات، مما يجعل روحه تتجاوب أكثر فأكثر." فهذا الهدوء النفسي والضبط الانفعالي التي توفره العبادة من العوامل الأساسية لتنمية الإبداع، قال رسول الله صلى الله عليه "علموا ابناءكم الصلاة لسبع"
النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لأنها شعار الدين، وعمود الإسلام، ومن أعظم مظاهر الإيمان. "ويقاس على الصلاة الترويض على بعض أيام الصوم إذا كان الولد يطيقه، وتعويده
الحج إذا كان الأب يستطيعه."كما وأنه لابد أن يعتاد الطفل على أن كل عمل صالح يقوم به فهو عبادة ويجب أن يبتغي به وجه الله تعالى. فاستذكاره لدرسه عبادة، ونومه المبكر عبادة، وترتيبه لغرفته عبادة، وإبداعاته المفيدة لمجتمعه عبادة، وهكذا.
ثانيًا: دور الأسرة في التربية الجسمية:
إن سلامة الجسد أمر ضروري للطفل حث عليه الدين الإسلامي وجعل من حقوق الطفل على والديه الاهتمام بسلامته وصحته، فالطفل صحيح الجسم يكون ذا بنية قوية وذا عقل راجح ومن ثم يستطيع النجاح والإبداع في حياته العملية ويكون فردًا ناجحًا مبدعًا في المجتمع فالإنسان وحدة متكاملة من الجسد والعقل والروح لايمكن تجزئته ولذا وجب الاعتناء بجميع الجوانب حتى ينشأ الطفل صحيحًا سليمًا. وهناك أحاديث كثيرة تبين ضرورة العناية بالجسد حتى يستطيع المسلم القيام بواجباته الدينية من صلاة وصيام وجهاد وحج وغير ذلك قال رسول صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" 
بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الجسمية:
1 المحافظة على نظافة البدن والملبس والمكان
2. إتباع القواعد الصحية في الأكل والشرب والنوم: على الوالدين تعليم أطفالهما كيفية الأكل والشرب والنوم السليم كما حثنا عليه رسولنا الكريم في كثير من الأحاديث، "عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" فمازالت تلك طعمتي بعد.
3 تعويد الطفل على القيام بالتمارين الرياضية: الرياضة تقوي البدن وتجعله خفيفًا في حركته نشيطًا في القيام بأعماله وهي ضرورية لنمو الطفل، فاللعب بالنسبة للطفل"عمل هام جدًا، ومن خلال انغماسه في اللعب يطور كلا من عقله وجسده، ويحقق التكامل ما بين وظائفه الاجتماعية، والانفعالية، التي تضمن التفكير، والمحاكمات العقلية، وحل المشكلات، وسرعة التخيل، كما وتلعب البيئة الطبيعية، وتوجيه الآباء أدوارًا حاسمة في تطوير الطفل من خلال اللعب.
4. الوقاية والعلاج من الأمراض: لابد على الوالدين من وقاية أطفالهما من المرض وذلك بتجنب كل ما يؤدي إليه، وذلك لأن الجسم المريض الهزيل لا يستطيع أن يكون مبدعًا منتجًا فعالا كما أن على الوالدين رقية أطفالهما صباحًا مساءً كما أرشدنا إلى ذلك سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، عندما كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما وإذا نزل المرض بالطفل فلابد من الإسراع إلى معالجة الطفل وعدم الإهمال في ذلك لأن ذلك قد يؤدي إلى نتائج تضر بالطفل، وقد "وضع صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة للأمة جميعًا كبيرها وصغيرها، وهي عدم ورود الإنسان المريض الذي يحمل مرضا معديًا إلى تجمع الناس، ولا أن يقوم بزيارة أحد، وذلك لتجنب إصابة المسلمين.
ثالثًا: دور الأسرة في التربية العقلية:
التربية العقلية هي: "تربية عقل الطفل بتغذيته بالمعرفة وتدريبه تدريبًا منظمًا على التفكيرالصحيح، والاستدلال الصادق والنظر البعيد حتى يستطيع أن يحسن إدراك ما يحيط به من المؤثرات المختلفة، والظواهر المتعددة بقدر ما يناسب سن الطفل وقدرته العقلية واستعداده الفكري على أن يكون ذلك بطريقة تحبب الطفل فيما يقدم له من معلومات ومعارف وبطريقة تحمله على التفكير فيها، وتشوقه إليها، وتثير انتباهه نحوها."
فكما أن للأسرة أهمية بالغة في صحة الطفل الجسمية وسلامته، فلها كذلك ذات الأهمية في صحته العقلية " بما يسمعه الأطفال من حكايات وحوادث وقصص..وبما يوجهونه من  أسئلة ويتلقون عليها من أجوبة تغذي عقولهم أو تثير حب الاستطلاع فيهم، وتبعدهم عن الاعتقاد في الخرافات." فلقد حبا الله تعالى الطفل قدرات عقلية عظيمة ما على الأسرة إلا استخراجها وتنميتها وتوجيهها إلى الخير.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين قدوة حسنة في اهتمامهم بالجانب العقلي ورعايته، فهذا لقمان الحكيم يوصى ابنه فيقول:" يابني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة. كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل
السماء.
رابعًا: دور الأسرة في التربية الخلقية:
الأخلاق الفاضلة هي أجمل مايكتسبه الطفل، وكلما كانت راسخة ممتدة الجذور كلما استمرت معه ولازمته طوال حياته أسعدته وأسعدت من حوله، فهي بمثابة مرآة تنعكس فيها شخصيته ويتعامل مع الآخرين على أساسها، وهي من صفات المبدعين، فمن الأخلاق الفاضلة يولد الإبداع. وهذه الأخلاق مستمدة من الدين، فالإسلام هو الذي ينادي بحسن الخلق. ومن كان إيمانه قويًا حسنت أخلاقه والمقصود بالتربية الخلقية: " مجموعة المبادئ الخلقية، والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الطفل ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلى أن يصبح مكلفًا إلى أن يتدرج شابًا إلى أن يخوض خضم الحياة."
بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الخلقية:
١. الوعظ والإرشاد: ويجب أن لايأخذ الوعظ والإرشاد منحىً واحدًا عن طريق التلقين والوعظ الكلامي بل لابد من التنويع في طريقة الوعظ، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون الوعظ عن طريق القصص والمواقف التربوية، فمن الخطأ أن نلجأ إلى وسائل الوعظ
الكلامي والتلقين، وفرض المبادئ الخلقية فرضًا خارجيًا، والأولى أن نبني هذه التربية عن طريق الإيمان والاقتناع والخبرة التي تتم عن طريق التفاعل الاجتماعي." والوعظ والإرشاد لابد أن يكون حسنًا لينًا حتى يؤتي جدواه." ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"
٢. القدوة الحسنة: من أهم وسائل التربية تأثيرًا في نفس الطفل، لذا ينبغي على الأبوين أن
يكونا قدوة صالحة في جميع تصرفاتهما قال تعالى:"لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة" والأطفال في رأي ابن خلدون "يتأثرون بالتقليد والمحاكاة والمثل العليا التي يروها أكثر مما
يتأثرون بالنصح والإرشاد." والطفل وإن كان لايدرك كل ما يراه، فإنه يتأثر به كله، فهناك جهازان شديدا الحساسية في نفسه هما: جهاز الالتقاط، وجهاز المحاكاة، وقد يتأخر الوعي قلي ً لا أو كثيرًا، ولكن هذا لا يغير شيئًا من الأمر، فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير( وعي كامل، وهو يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه أو يسمعه 
٣. تعريفهم بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام: اعتنت طائفة من أهل العلم بجمع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مؤلفات، لذا فإن على الآباء الاطلاع على هذه المؤلفات العظيمة وروايتها لأبنائهم لتكون خير وسيلة لاقتفاء أثرها والسيرعلى منهاجها .
خامسًا: دور الأسرة في التربية النفسية:
المقصود بالتربية النفسية: "تربية الولد منذ أن يعقل على الجرأة والصراحة، والشجاعة، والشعور بالكمال، وحب الخير للآخرين، والانضباط عند الغضب، والتحلي بكل الفضائل ( النفسية والخلقية على الإطلاق. والاهتمام بنفسية الطفل أمر ضروري له فائدته العظيمة في تنمية الإبداع لديه "لأن الطفل الذي يتلقى مزيدًا من العناية في حال حاجته لها يكون جيد السلوك بدونها ، أي عندما يكون في وضعه العادي الطبيعي 
بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية النفسية:
١. إشباع الحاجات النفسية لدى الطفل: " إن الأسرة هي المجال الطبيعي الذي فيه يحقق الطفل إشباع حاجاته الأساسية إلى الحب والتقدير والأمن والطمأنينة، إلى الشعور بالنجاح والازدهار، إن هذه الحاجات النفسية تستمر معه طوال حياته في مرحلة طفولته ثم مراهقته ثم شبابه إلى أن يغدو رجلا يواجه مسؤولياته كفرد ثم كرائد لأسرته الجديدة، وعضو في مجتمع أكبر هو مجتمع الإنسانية فهناك الكثير من الحاجات النفسية التي لابد من إشباعها
لدى الأطفال وذلك لأن أشياعها يجعل منه مبدعًا منتجًا فيما بعد، أما فقدانها فإنه يؤدي إلى انحرافات سلوكية يصعب علاجها بعد ذلك. وقد ذكر بعض من علماء التربية كثيرًا من : هذه الحاجات منها الحاجة إلى الحب والمحبة: فالطفل الذي لا يشبع هذه الحاجة، فإنه يعاني من الجوع العاطفي ويشعر أنه غير مرغوب فيه.
الحاجة إلى الحرية والاستقلال: يحتاج الطفل إلى تسيير أموره بنفسه دون معاونة الآخرين  مما يزيد من ثقته بنفسه، فيجب تشجيع التفكير الذاتي المستقل لدى الطفل ومعاملته على أن له شخصيته المستقلة ووجهة نظره الخاصة. فهذه من الأمور التي تنمي لدى الطفل روح الإبداع. الحاجة إلى سلطة ضابطة موجهة: لأن سلوك الطفل ما زال غير ناضج وخبراته فجة، إلا أن هذه السلطة يجب أن تراعي مستوى الطفل وأن تكون حازمة حنونة في نفس الوقت. الحاجة إلى التحصيل والنجاح: هذه الحاجة أساسية في توسيع مدارك الطفل وتنمية شخصيته، لذا فهو بحاجة إلى تشجيع الكبار وغرس روح الشجاعة فيه.
الحاجة للتقدير واحترام الذات: هذه الحاجة تساعده في تحسين سلوكه لأنه يسعى  للحصول على المكانة المرموقة التي تعزز ذاته، وتؤكد أهميتها.
الحاجة إلى الأمن والطمأنينة: إن الطفل يحتاج إلى الرعاية في جو آمن، يشعر فيه بالحماية  من كل العوامل الخارجية المهددة.
٢٢. تحقيق الاستقرار الأسري: إن الاستقرار الأسري أمر في غاية الأهمية في سبيل تربية أطفال أسوياء مبدعون منتجون. فكثرة الخلافات بين الوالدين والطلاق وكثرة انشغال الآباء عن أبنائهم يفقد الأسرة استقرارها وبالتالي يشعر الأطفال بفقدان الأمن وتنطبع لدى الأطفال صورة سيئة عن المستقبل الذي سيواجهونه. لذا على الآباء أن يفكروا كثيرًا قبل الاسترسال مع خلافاتهم، وأن يدركوا أثر هذه الخلافات الأسرية على أطفالهم الذين هم أغلى ما يملكون.
وقد أسفرت دراسات عديدة "عن وجود ارتباط موجب بين التوتر الذي يشيع في جو الأسرة نتيجة لخلافات الوالدين، وبين أنماط السلوك لدى الأبناء... كالغيرة والأنانية والخوف وعدم الاتزان الانفعالي."
٣٣. تكوين اتجاهات إيجابية نحو الأطفال: تقبل الآباء لأطفالهم بكمالهم ونقصهم يسهم في تدعيم الصحة النفسية لهؤلاء الأطفال، بعكس حالة الآباء النابذين لأبنائهم والذين لا يقدمون لهم الحب ولا يهتمون بشؤون حياتهم مما يضر بصحتهم النفسية. لذلك فإن على الآباء أن يكونوا اتجاهات إيجابية نحو أطفالهم دون مغالاة أو تقتير، وأن يتمتعوا بهم ويعطونهم كل الفرص المواتية للنمو والنضج واكتساب الخبرة، وأن لا يحرموهم من هذا بدافع الخوف عليهم 
سادسًا: دور الأسرة في التربية الاجتماعية:
المقصود بالتربية الاجتماعية: "تأديب الولد منذ نعومة أظفاره على التزام آداب اجتماعية فاضلة، وأصول نفسية نبيلة تنبع من العقيدة الإسلامية الخالدة، والشعور الإيماني العميق، ليظهر الولد في المجتمع على خير ما يظهر به من حسن التعامل، والأدب، والاتزان، والعقل الناضج، والتصرف الحكيم وقد اهتم الإسلام بالتربية الاجتماعية "لأنها تمثل الظواهر السلوكية والوجدانية المترتبة على التربية الدينية والخلقية والنفسية، والأسرة هي التي تنقل القيم والمعايير والثقافة من المجتمع إلى أبنائها بصورة انتقائية بمعنى أنها تنتقي مايلائم أطفالها من القيم والمعايير والثقافة السائدة في المجتمع وذلك وفقًا للشريعة الإسلامية ومن ثم تخرج الأسرة أبناء يكون لهم تأثيرهم القوي في مجتمعاتهم.
بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الاجتماعية:
١. تعليم الآداب والأحكام الشرعية في الحياة الاجتماعية: إن التربية الإسلامية معين لا ينضب من الآداب الاجتماعية التي لو غرستها الأسرة في أبنائها وطبقوها التطبيق الصحيح لكان المجتمع مجتمعًا إسلاميًا رفيع المستوى. ومن الآداب الاجتماعية آداب الطعام والشراب، وآداب المشي والكلام والجلوس، وآداب التعامل مع الكبار والمعلم والجار والصديق،وآداب الاستئذان وغيرها الكثير الكثير من الآداب الاجتماعية التي ينبغي على الآباء تعليمها لأبنائهم وذلك لأن ممارسة هذه الآداب من قبل الطفل تزيد من ثقة الطفل بنفسه مما يشجعه على الإبداع في مستقبل حياته 
٢. تنمية قدرة الطفل على إقامة علاقات اجتماعية ناجحة: على الوالدين تعويد وتدريب أطفالهما كيفية التعامل مع الآخرين (الأصدقاء ،الجيران، الأقارب، زملاء الدراسة) ليعيشوا حياتهم مع أفراد المجتمع بيسر وسهولة ويكونوا علاقات حميمة مع أفراد مجتمعهم. فالتعامل البارع مع الآخرين إبداع في حد ذاته، فالطفل يتعلم التعاون مع الآخرين واحترامهم واحترام آرائهم ومراعاة مشاعرهم عندما يمارس ذلك في محيط أسرته فينشأ على كره التباغض، والتحاسد، والهجر.
٣٣. تنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية: الشعور بأن الفرد مسؤول عن الجماعة المحيطة به أمر في غاية الأهمية فالفرد مرتبط ارتباطًا شديدًا بمجتمعه، ومن الصعوبة بمكان الحياة بدون المجتمع أو بمعزل عنه،فالمجتمع هو مصدر لأنسه وأمنه وسعادته، وعلى كل فرد في هذا المجتمع واجبات ومسؤوليات نحو مجتمعه، ولذا كان لزامًا على الوالدين تنمية هذه المسؤولية في نفوس أطفالهما من الصغر حتى يألفوها في الكبر
أولا :تعريف الإبداع:
الإبداع في اللغة:
الإبداع في اللغة مشتق من الفعل بدع أو أبدع. وقد ورد معنى الإبداع في كثير من معاجم  اللغة مثل:
مختار الصحاح: "ب د ع أبدع الشيء اخترعه لا على مثال، والله بديع السماوات 􀂃 والأرض أي مبدعهما، و البديع المبتدع و المُبتدع أيضا، و أبدع الشاعر جاء بالبديع وشيء بدع بالكسر أي مبتدع وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع ومنه قوله  " ما كنت بدعا من الرسل" مما سبق يتضح أن المعنى اللغوي للإبداع هو الإتيان بالجديد الذي لا سابق له.
الإبداع في اصطلاح علماء الإبداع:
بعد الاطلاع على العديد من الدراسات التي تناولت الإبداع، اتضح أنه لا يوجد تعريف جامع مانع للإبداع، فمفهومه يختلف من باحث لآخر ومن فئة لأخرى، وذلك الاختلاف يعود لاختلاف الزاوية التي ينظر كل منهم للإبداع مما أدى إلى وجود عدد كبير من التعريفات. إلا أنه يمكن تصنيف هذه التعريفات إلى أربع فئات كما أشار إلى ذلك عدد من الباحثين في مجال الإبداع( ١) منهم: خليل المعايطة، وزيد الهويدي، وسعيد العزة، وفتحي جروان، وسناء حجازي، وهذه التصنيفات هي:
١. تعريفات تركز على العملية الإبداعية أو الكيفية التي يبدع المبدع عمله ومن هذه التعريفات:
تعريف تورانس( ٢: يعرف تورانس الإبداع على أنه: " عملية تشبه البحث العلمي، فهو 􀂃 عملية الإحساس بالمشاكل، والثغرات في المعلومات، وتشكيل أفكار أو فرضيات، ثم اختبار .( هذه الفرضيات و تعديلها حتى يتم الوصول إلى النتائج"( ٣  " هو قدرة عقلية يحاول فيها الإنسان أن ينتج ( فكرة ، وسيلة ، أداة، طريقة...) لم تكن􀂃 ( موجودة من قبل، أو تطوير رئيسي لها دون تقليد، بما يحقق نفعًا للمجتمع."( ٤( "الإبداع عملية مزج عناصر في قالب جديد يحقق فائدة معينة. "( ٥ 􀂃 " جهد مكثف، أثناءه ينتج الشخص شيئًا غير محدد بأي ظروف خارجية، وهو يمنح 􀂃
( المتعة أثناء العمل ويمنح الرضا عندما يكتمل."( ٦٢. 
تعريفات تركز على السمات الشخصية للمبدعين ومنها:
تعريف جيلفورد الإبداع سمات استعدادية تضم طلاقة التفكير ومرونة التفكير( والأصالة والحساسية للمشكلات وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات
٣. تعريفات تركز على الإنتاج الإبداعي ومنها:
الإبداع هو:"عملية ينتج عنها عمل جديد يرضي جماعة ما أو تقبله على أنه مفيد
عمل هادف يقود إلى نواتج أصيلة وغير معروفة سابقًا التميز في العمل أو الإنجاز بصورة تشكل إضافة إلى الحدود المعروفة في ميدان معين  " الوحدة المتكاملة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعية التي تقود إلى تحقيق إنتاج جديد  ( وأصيل،وذي قيمة للفرد أو المجتمع الذي يعيش فيه
٤. تعريفات تركز على البيئة المبدعة:
ويقصد بالبيئة المبدعة: " المناخ بما يتضمنه من ظروف ومواقف تيسر الإبداع أو تحول ( دون إطلاق طاقات المتعلم الإبداعية
ومن هذه التعريفات:
الإبداع هو: " إنتاج جديد يتوصل إليه الفرد من تفاعله مع المثيرات البيئية المتاحة" 
الإبداع هو:" ظاهرة اجتماعية ذات محتوى ثقافي وحضاري، وأن الفرد يصبح جديرًا  بصفة المبدع إذا تجاوز تأثيره على المجتمع حدود المعايير العادية، وبهذا المعنى يمكن النظر للإبداع باعتباره شكلا من أشكال القيادة التي يمارس فيها المبدع تأثيرا شخصيا واضحا على الآخرين". إلا أن هناك بعض التعريفات قد جمعت بين هذه الفئات ومنها:
الإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا ما وجدت  بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتاجات أصيلة وجديدة سواء بالنسبة لخبرات الفرد أو خبرات المؤسسة أو المجتمع أو العالم إذا كانت النتاجات من مستوى الاختراقات الإبداعية في أحد ميادين الحياة الإنسانية١
الإبداع هو: " عملية عقلية تعتمد على مجموعة من القدرات العقلية o (الطلاقة،والمرونة،والأصالة) وسمات الشخصية( الشخصية المبتكرة)،وتعتمد أيضًا على بيئة ميسرة لهذا النوع من التفكير، لتعطي في النهاية المحصلة الابتكارية وهي الإنتاج الابتكاري
( الحلول الابتكارية لمشكلة ما) الذي يتميز بالأصالة والفائدة والقبول الاجتماعي وفي نفس ( الوقت يثير الدهشة لدى الآخرين."( ٢ وهناك تعريفات أخرى للإبداع لا تدخل ضمن التصنيفات السابقة الذكر ومنها:
 الإبداع هو: " أن ترى مالايراه الآخرون." ( ٣ 􀂃
" الإبداع يحدث عندما يستطيع الفرد إدراك العلاقة بين شيئين بطريقة ما لينبثق عنها 􀂃 ( ظهور شيء ثالث مخالف لشكليهما الأولين." ( ٤ " الإبداع نمط حياة، وسمة شخصية، وطريقة لإدراك العالم، فالحياة الإبداعية هي تطوير 􀂃 لمواهب الفرد واستخدام لقدراته، فهذا يعني استنباط أفكار جديدة وتطوير حساسيته ( لمشاكل الآخرين." للتسهيل على الباحثين في هذا المجال صنفت هذه التعاريف إلى أربع فئات: o  فئة ركزت على العملية الإبداعية، وفئة أخرى ركزت على السمات الشخصية للمبدع، وفئة ثالثة ركزت على الناتج الإبداعي، أما الفئة الرابعة فركزت على البيئة الإبداعية.
حاول جروان و عبادة أن يجمعا بين هذه الفئات الأربع في تعريف واحد. لاتدخل جميع التعريفات ضمن الفئات الأربع المذكورة، فهناك تعريفات تعتبر الإبداع o  في القدرة على الربط بين أشياء موجودة معروفة للوصول إلى شيء جديد غير معروف مسبقًا، أوهو رؤية الشيء الذي لا يستطيع الآخرون رؤيته، حيث أن هناك أمورًا كثيرة قد يراها كثير من الناس ولكن لا تشكل لهم أي قيمة، إلا أن الشخص المبدع عندما يراها يربطها بعلاقات أخرى فيخرج من ذلك بفكرة إبداعية. وهذا ما حدث مع نيوتن عندما  رأى التفاحة تسقط من الشجرة، فكثير من الناس يرون سقوط التفاحة ولكن رؤية نيوتن لذلك السقوط هداه إلى قانون الجاذبية. كما أن هناك من ينظر إلى الإبداع بمعناه الواسع   على أنه أسلوب حياة.
عرض هذا الكم من التعريفات هو محاولة لإعطاء صورة شاملة عن الإبداع بجميع  أبعاده وذلك لأن معرفة ماهية الإبداع يسهل على الآباء البحث عنه و تنميته لدى أطفالهم.
والتعريف الذي أتبناه هو تعريف الموسوعة الفلسفية العربية والتي تعرف الإبداع بأنه: "إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة في أحد المجالات   كالعلوم والفنون والآداب".( ١
الإبداع والابتكار: هناك من فرق بين الإبداع والابتكار باعتبار أن الابتكار أعلى مستوى من الإبداع، "فالإنسان يمكنه أن يحقق الإبداع، ولكن قد يكون سبقه أو تساوى معه غيره، فبذلك يكون مبدعًا، ولا يكون في ذلك ابتكارًا. ولكنه عندما يصل إلى شيء
( مبدع لم يسبقه إليه غيره فهو الابتكار."(
مستويات الإبداع:
هناك عدة مستويات للإبداع، ولا تخلو حياة الفرد من الإبداع، فقد يكون إبداعًُا بسيطًا  كإبداع الطفل في حل مسألة حسابية، أو إبداع الفتاة في حياكة سترة جميلة جذابة. وقد يصل إلى قمته عند وصوله إلى المخترعات والمبتكرات التي تغير مجرى حياة المجتمعات. لذلك وضع العديد من الباحثين عدة مستويات للإبداع وقد يسميها البعض أنواع الإبداع، وهي: 
١. الإبداع التعبيري: وهو " تطوير أفكار فريدة بغض النظر عن نوعيتها، كما هو الحال في الرسوم العفوية للأطفال."( ٢)وكذلك كتابة قصة أو عمل لوحة فنية.
٢. الإبداع الابتكاري: "ويشير إلى البراعة في استخدام المواد لتطوير استعمالات جديدة لها ( دون أن يمثل ذلك إسهامًا جوهريا في تقديم أفكار أو معارف أساسية جديدة."( وهذا يعني استحداث شيء جديد لأول مرة إلا أن عناصره والأجزاء المكون منها موجودة من قبل ولكن تم إدخال تعديل وتغيير عليها يجعلها تأخذ شك ً لا جديدًا وتؤدي مهمة مميزة مثل اختراع الكمبيوتر.
٣. الإبداع التجديدي: " ويعني قدرة الفرد على دراسة نظريات أو قوانين أو مبادئ ( وتقديم إضافات جديدة."( ١ مثال على ذلك الهاتف المحمول، فقد كان الهدف من استخدام الهاتف المحمول هو التواصل بين الأفراد، فأضافوا إليه إضافات إبداعية مثل الآلة الحاسبة، والمنبه، والتقويم، و الكاميرا، وغير ذلك.
٤. الإبداع التخيلي: هو أعلى مستويات الإبداع وأندرها ويتحقق فيه الوصول إلى مبدأ ( أو نظرية أو افتراض جديد كليًا، مثال على ذلك أعمال أينشتاين في العلوم.
صفات المبدعين:
إن الإبداع متوفر لدى كل الأفراد، ولكن بدرجات متفاوتة من فرد لآخر، فهو ليس حكرًا على فئة دون أخرى. والبيئة لها دور في زيادة الصفات الإبداعية لدى الأطفال. وتلعب التنشئة الأسرية والظروف المحيطة دورًا هامًا في استمرار تنمية هذه الخصائص مع التقدم في السن، بينما قد يؤدي عدم توافر الرعاية السليمة إلى إخفاء كثير من هذه الخصائص. والصفات الإبداعية ليست ثابتة ولكنها تتطور من خلال التفاعل مع المحيط، وعليه فإن بعض الخصائص قد لا تظهر لدى بعض الأطفال في مراحل مبكرة من نموهم ولكن يمكن أن تظهر في مراحل متأخرة تبعًا للرعاية التي توفرها بيئاتهم .
إلا أن هذه الصفات الإبداعية تبدو أكثر وضوحًا في الأشخاص ذوي الإبداع العالي، ثم إنها لا تتوفر جميعها في الشخص المبدع، فقد يتوفر بعض منها. وغياب بعضها لا يعني عدم القدرة على الإبداع. ويقرر شتاين أمر في غاية الأهمية بالنسبة لصفات المبدعين وهي " أنه ليس هناك رأي قاطع حول ما إذا كانت خصائص الشخصية تسبق ابتكارية الشخص أو تليها بمعنى هل كانت هذه الخصائص هي السبب في إبداعية الفرد أم أنها من نتائج هذه الإبداعية.
يصنف عدد من الباحثين خصائص المبدعين إلى ثلاث فئات وهي:
خصائص معرفية. 􀂃
خصائص الشخصية والانفعالية. 􀂃
خصائص تطورية. 􀂃
أو لا: الخصائص المعرفية:
تضم الخصائص المعرفية للمبدعين مجموعة من السمات والقدرات وأساليب معالجة المعلومات والتي يمكن ذكر بعض منها فيما يلي:
١. القدرة على التعامل مع الألفاظ والرموز المجردة : حيث يظهر الأطفال في الأسرة وفي المدرسة القدرة اللغوية والقدرة على استخدام الكلمات في جمل تامة، كما أنهم  يظهرون قدرة واضحة في استخدام الأعداد ومدلولاا بشكل متقن رغم حداثة سنهم،
لذلك من أهم القدرات التي يتصف ا المبدع هي قدرته على فهم الرموز واستخدامها ( بشكل صحيح. ( ١
٢. حب الاستطلاع : يمتلك الفرد المبدع رغبة قوية في التعرف على ماحوله وفهمه وذلك عن طريق قوة ملاحظته للأشياء وطرح الكثير من الأسئلة. وهنا لابد للآباء أن يكونوا على درجة من الوعي لإجابة أسئلة أطفالهم بجدية وعدم إهمالها، بل وعلى العكس
من ذلك فلابد من تشجيعهم على إثارة الأسئلة ومناقشتها معهم. فالطفل المبدع " دائم السؤال عن كل ما يقع عليه حسه، ويريد أن يعرف كيف ولماذا حدثت الأشياء وذلك ( بتوجيه كثير من الأسئلة الاستثارية."( ٢ وحب الاستطلاع يتضمن الخصائص التالية:
أ- "الاستجابة الإيجابية للعناصر الجديدة أو الغريبة أو المتعارضة أو الغامضة في البيئة، والتحرك نحوها، ومحاولة استكشافها.
ب - إظهار الفرد حاجة أو رغبة نحو مزيد من المعرفة لنفسه ولبيئته.
ج - تفحص البيئة بحثًا عن الخبرات الجديدة.
د- المثابرة في فحص أو استكشاف المثيرات من أجل مزيد من المعرفة.
٣. قوة الذاكرة: يمتاز الفرد المبدع بقدرته على اكتساب كم هائل من المعلومات وحفظها في وقت قصير، وذلك يعود إلى الغايات والأهداف التي يرمي إليها من جراء اكتسابه لهذه المعلومات. فالذاكرة عملية معقدة تتطلب إرادة من جانب الفرد في عمليتي الحفظ والتذكر والعملية المعقدة بحد ذاتها ذات شطرين:
جانب ذاتي: يتوقف على حالة الفرد النفسية، ووضعه الجسمي، وما يرمي إليه من غايات وأهداف في الحفظ.
جانب موضوعي: يتعلق بالمادة المراد حفظها، ونوعها، والتكرار، والتسميع والتاريخ الإسلامي مليء بالمبدعين الذين برزوا في الحفظ أمثال أبي هريرة رضي الله عنه الذي كان من أحفظ الصحابة، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أكثر حديثًا من أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.( 
٤. الاستقلالية: الفرد المبدع لديه الرغبة للعمل بمفرده، واكتشاف الأشياء بطريقته الخاصة، والتمتع بكفاءته الذاتية، وعدم التبعية لغيره. والاستقلالية أيضا في إصدار الأحكام.
و" استقلال المبتكر في تفكيره وعدم خضوعه إلى ما هو مألوف يبدأ بإدراك الفرد لما لا يدركه الآخرون ممن يعملون في مجاله
٥. قوة التركيز: وتعني " القدرة على تركيز الانتباه والتفكير في مشكلة معينة زمنًا طوي ً لا، وبمعنى آخر هو التركيز على العمل الذي يقوم به الفرد لفترات لا حد لها بصورة تمكنه من ( الوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه."( ٣ فالفرد المبدع يتمتع بقدرة فائقة على التركيز سواء عند إيجاد حل لمشكلة أو عند القيام بمهمة ما دون المبالاة بالمشتتات من حوله من ضوضاء وغيرها، ودون الالتفات إلى ما يصادفه من عقبات وذلك لأن جل تفكيره في الهدف الذي يسعى لتحقيقه.
٦. حب القراءة: يتصف الأفراد المبدعون بأنهم يحبون القراءة والمطالعة للكتب المتنوعة والمتعمقة،"وحتى قبل تعلم القراءة فإنهم يظهرون مستويات متقدمة من التطور اللغوي والقدرة اللفظية."( ٤) فهم يميلون إلى قراءة العلوم والتاريخ والتراجم والقصص والشعر وقراءة كتب الكبار ومجلاتهم، ويصرفون جزءًا كبيرًا من وقتهم في القراءة المتعمقة برغبة قوية في المعرفة. ويمكن تلخيص نتائج العديد من الدراسات التي أجريت في مجال القراءة بالنسبة
للأطفال المبدعين وهي: "سن مبكرة يتعلمون عندها القراءة
ميل غير عادي للقراءة.  نضج مبكر في قراءة كتب الكبار.
. تنوع الاهتمامات: يتصف المبدعون بتنوع اهتماماتهم وهواياتهم وكثرتها ، وربما كانت الدافعية والفضول والقدرة على الاستيعاب هي التي تقود إلى تطور مستويات متقدمة من الاهتمامات"
. الخيال الخصب: يغلب على المبدع التخيل في جميع المواضيع،"وهو مؤشر إيجابي للاستعداد الإبداعي ومعناه انطلاق الأفكار غير التقليدية بحرية دون تقييد أو تقييم، فالأطفال الذين يشتركون في التخيل من المحتمل أن يكونوا مفكرين خياليين، ونشاط التخيل ( بما فيه اللعب التخيلي يزيد من الذخيرة السلوكية للطفل وينمي التفكير الإبداعي لديه  "فالمبدعون من العلماء هم أناس حالمون عبروا حدود الحقائق إلى مرافئ الخيال لكي يعودوا مرة أخرى إلى عالم الحقائق ويحولوها إلى أشياء أقرب للخيال."( ٦)ويمكن للأسرة أن تحفز خيال الطفل بتوفير قصص الخيال العلمي لهم ومشاركتهم في قراءتها.
.القدرة على النقد: فالمبدع يمتلك القدرة على النقد من جانبين: إحداهما نقد مواطن القصور أو الخطأ، والثانية إيجاد البدائل المقترحة للحلول محل مايحذف أو يعدل. "ولا يقتصر المبدع على نقد الآخرين، بل هو ينقد نفسه بصفة مستمرة. وقد يكون هذا هو سر التطور المستمر للعمليات الإبداعية التي يضطلع عليها الشخص المبدع ، فهو لا يخجل إذا ما اكتشف معايب معينة فيما انتهى إليه من نشاط إبداعي. وإذا كان هذا هو حاله إزاء نفسه، فإنه حاله أيضا إزاء الآخرين الذين يهتم بأعمالهم وأنشطتهم."( ١) ومما يلاحظ على العالم المبدع التحلي بالشك العلمي " مما يدفعه إلى ملاحظة الظواهر بشكل دقيق، واكتشاف الأخطاء أو العلل، والتعرف على الفروض الباطلة والحقائق الزائفة واستبعادها
ثانيًا: الخصائص الشخصية والانفعالية:
١.حس الدعابة و المرح: يمتلك المبدعون حس الدعابة والمرح، ولقد قام تورانس بدراسة للمقارنة بين مجموعة من أطفال المدارس الابتدائية ذوي الإبداع العالي ومن هم أقل منهم إبداعًا، فوجد أن تلاميذ المجموعة الأولى أكثر مرحًا، ولديهم شهرة واسعة بين زملائهم لما يقدمون من أفكار غريبة
٢.تقدير الذات: تقدير الذات يعني "تقييم الفرد لذاته، ودرجة ثقته بقدرته وتميزه ونجاحه وقيمته." (واتصاف المبدعين بهذه الصفة يؤدي إلى " التمتع بروح المغامرة، وعدم الخوف من الظهور بشكل معارض أو مخالف للآخرين، وزيادة الشعور والرغبة في التحدي، مع عدم التخلي عن مستوى الالتزام الاجتماعي) فهو يقدر ذاته كما يقدر الآخرين ويحترم آراءهم. ولقد ظهرت هذه الصفة بشكل واضح في عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عندما وجد لنفسه الأحقية في تناول الشراب بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لتحصل له البركة من سؤر النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من وجود من هو أكبر منه سنًا. ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : والله يا رسول الله لن اوثر بنصيبي منك أحدا" فتله رسول الله في يده .
٣.القيادية: يتصف المبدعون بالقدرة على التأثير على الآخرين، وإقناعهم، وتوجيههم. 
ومن مظاهر القيادية التي يتصفون بها القدرة على التفكير، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات والالتزام بها ، والثقة بالنفس، وركوب المخاطر إذا لزم الأمر، والعمل باستقلالية، والصدق مع النفس، والتوجه الإيجابي لمساعدة الآخرين عند الحاجة، والمبادرة
٤.المثابرة وطول النفس: بمعنى أن المبدع يستطيع أن يقوم بعمل واحد فترة طويلة من الزمن بلا ملل أو ضجر وقد يمتد هذا العمل إلى سنوات، وقد يستغرق ساعات طويلة يوميًا في سبيل الوصول إلى نتيجة إبداعية. "وفي الواقع فإن لدى كثير من الناس استعدادات طيبة للإبداع ولكنهم لا يتمتعون بطول النفس والمثابرة وإعطاء العمل الإبداعي حقه من الوقت والجهد وبذلك فإنهم يجهضون طاقتهم الإبداعية قبل أن تبلغ إلى مرحلة جني الثمار الإبداعية."( ٢) وهذه المثابرة تعود إلى إحساسهم الشديد بالمسؤولية تجاه ما يقومون به من أعمال إبداعية. وفي التاريخ الإسلامي الكثير من النماذج الإبداعية التي اتصفت بذه الصفة، فهذا الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى "قد استمر في تنقيح كتابه الموطأ سنين طويلة،
أخرج خلالها علماء المدينة كتبًا كثيرة في الأحاديث لآثار الصحابة أسموها الموطآت فسبقوه فيها، فقيل لمالك: شغلت نفسك بهذا الكتاب وقد شركك فيه الناس وعملوا أمثاله، وأخرجوا ما عملوا، فقال: ائتوني بما عملوا. فأتوا به فلما فرغ من النظر فيها، قال: لا يرتفع إلا ما أريد به وجه الله. والحق أن شيئًا من تلك الكتب لم يذكر بعد"، أما الموطأ فقد أنجزه مالك بن أنس بعد أن قضى فترة طويلة، فكان إبداعًا بحد ذاته. والعالم الفذ البيروني الخوارزمي، كان مثابرًا على طلب العلم والمعرفة حتى أنه كان على فراش الموت فطلب من عالم يعوده جوابًا لمسألة ما، فبكى العالم وقال له: أعلى فراش الموت ( تطلب العلم، فرد البيروني: أخشى أن ألقى ربي جاهلا.
يتبع ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق