السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2016-01-16

أهمية القيادة والحاجة إليها


لا نبعد عن الصواب إذا قلنا: إن افتقاد الرجال القادة من أهم الأمور التي يعاني منها المسلمون في العقود الأخيرة, بل إن هذا الافتقاد مما يعاني منه الغرب أيضًا؛ فقد عدَّ المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في تقريره السنوي (1994- 1995م) الذي نشر في لندن، أن العالم أصبح يفتقر إلى قيادة قوية؛ مما أدى إلى انجرافه مع الأحداث، وظهر شعور عام بالعجز ولم يتم تسجيل أي أفكار جديدة داخل حدود الاتحاد الأوربي.
وإذا كان افتقاد القادة مشكلة عالمية، فإن المسلمين هم الأقدر على تهيئة المناخ لبروز القيادة المطلوبة؛ وذلك لوضوح المنهج والهدف والأخلاق العالية المنبثقة عن المبدأ الإسلامي، فليس أبأس من الحقب التاريخية التي لا يظهر فيها قادة هم خميرة النهوض، وهم نفر من أهل الجرأة والنظر البعيد والتفكير في الغايات العليا وفي رسم معالم المستقبل، هم قادة يألمون لما تألم به الشعوب، ويشعرون بما كانت تشعر به، وقد تكرر في القرآن الكريم ذكر أبي الأنبياء إبراهيم "ليشعرنا بأن لنا في بناء الحق وهدم الباطل ونشر الهداية أصلاً عريقًا ونسبًا طويلاً عريضًا، ومتى شعر الإنسان الصحيح الفطرة بزكاء الأصل تحركت فيه نوازع النخوة ".
إن التنبيه على خطورة هذا الأمر وأهميته لا يعني أننا ممن يؤيد نظرية الفرد الواحد أو ينتظرون البطل المنقذ، ولكن الحديث هو عن تأهيل من يصلح لهذا الأمر، ويتحمل الأعباء والتكاليف والمهمات الصعبة، مع التدريب على التعامل الذكي مع الواقع والقدرة على فرز الأولويات، وليس هذا بالأمر العسير؛ فالقيادة يمكن أن تُعلَّم أو لنقُلْ: يمكن تعليم أكثر عناصرها، ويبقى عناصر قد تكون مهمة جدًّا، هي صفات ومؤهلات موجودة في التكوين الشخصي. كما لا نؤيد من يقول: إن الظروف غير مهيأة اليوم، وأن طبيعة المرحلة لا تنجب مثل هذه الشخصية. فهذا محبط للآمال، مضعف للهمم؛ فالتربية والإعداد والممارسة العملية مما يساعد على إيجاد القادة الذين نأمل.
القدوة:
إذا كانت التربية بالقدوة في أساليب الإعداد ناجحة، فإن أعظم القادة الذين يتأسى بهم هم رسل الله عليهم السلام، وهم أكمل الخلق إيمانًا وعلمًا وعملاً، وقد ذكر القرآن صفات هؤلاء الرسل في سور كثيرة، ذكر أخلاقهم وأعمالهم وصبرهم، وأكد على أن جاذبية الرسل لا تنبعث من مغريات مادية ولا جاه عريض أو ألقاب كبيرة، وليس عندهم خزائن الأرض يوزعونها على الناس، لقد جردهم القرآن من كل تلك المغريات، قال تعالى على لسان نوح : {لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50]. وأبعدهم عن أن يكونوا من أهل المظاهر {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]. فجاذبية القائد تأتي من يريد أخلاقه وأعماله وارتباطه بالله لا يريد جزاء ولا شكورًا، لا يجمع الأتباع بالمغريات المادية أو المناصب الرفيعة، ولا يحاول استمالة الجموع بستر أخطائها وإخفاء أغلاطها.
محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن:
تحدث القرآن عن ذلك الهم الذي يحمله الرسول بين جنباته، وذلك الحرص الشديد على إيمان قومه، وهذا القلق الذي يقيمه ويقعده {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].
إن مهمة هذا الرسول الكريم أن يزكي الذين أرسل إليهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وهو يتكلم بلسانهم ويعرفهم ويعرفونه {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
إنها قيادة فيها حنان وعطف وعندها علم بواقع الضعف البشري، وقد كان يتفقد أصحابه ويعرف أحوالهم، ويسعى في حوائجهم، إنها سهولة الخلق ويسر الدين.
من صفات القيادة كما رسمها القرآن
1- منَّ الله I على الأنبياء بصفة (الحكمـة)، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12]. وقال: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 54]. وقال: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
والحكمـة في أصل معناها ترجع إلى المنع طلبًا للإصلاح، فالحكيم هو الذي يصرف نفسه عن هواها، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه. وهي بهذا التعريف تشتمل على العلم والعمل ومعرفة الحق وعمل الخير، وهي لون في الفطنة تنتهي بصاحبها إلى الرأي السديد، فلا يغلب القائد الحقد والحسد، ولا تستفزه غيرة في رءوس تظهر حوله. أما القادة المحترفون للتهريج, المغتصبون لمراكز القيادة، فإنهم لا يفكرون إلا في أنفسهم يشغلهم مديح الناس، وتلهيهم تسويـة المعاشات. لا تلتمس هذه الحكمة عند أصحاب التفاصح في البيان ولأصحاب التنظير والتأمل المجرد، ولكنها تلتمس عند الذين يمارسون عملية تزكية الأنفس، وتزكية الآخرين.. تأتي الحكمـة في الخارطات الصحيحة المصاحبـة للمبادئ السليمة والتي تريهم الوجهة التي يريدون.

إن المتعمقين في أصناف العلوم ليسوا هم الأجدر بامتلاك الحكمة إذا لم يمارسوا العمل مع العلم، وكما قيل: "عندما تكبر الحكمة تتضاءل المعلومات حيث تبتلع المبادئ الكثير من التفاصيل، فالتفاصيل تأتي أثناء ممارسة الحياة ".
2- من صفات الرسل التي ذكرها القرآن الكريم: (الثقة المطلقة) بما يدعون إليه، لا يساورهم شك في أهدافهم التي يسعون إليها قلوبهم مطمئنة، فكل صعب عند الناس هو عندهم هيِّن يجابه أحدهم المخالفين ولو كانوا كثرة كاثرة، لا يشك أحدهم طرفة عين أنه وأتباعه منصورون -بإذن الله- {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
3- الشجاعة: وهي من أعظم ميزات القائد، سواء في ذلك الشجاعة المعنوية أم المادية، وقد جاء في الحديث (شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع). ومن أعظم الشجاعة أن تجابه الجموع إذا كانت تعتقد أنك على حق، وقد جابه موسى فرعون وقومه وهو وحيد ليس معه إلا أخوه هارون، وجابه الرسول قومه وهو وحيد فريد في قلة قليلة من أصحابه، وإن قرارًا شجاعًا في اللحظات الحرجة يبطل قلق المترددين وحدة الحائرين، ويأتي بالنتائج المرجوة بإذن الله.
4- الفطنة والذكاء: بهذه الصفة يكون الإنقاذ في المواقف الحرجة، والتخلص من المباغتات الطارئة، والتدبير للمواقف الشديدة؛ ففي مجادلة إبراهيم لعدو الله وعدوه، قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258].
وعندما أراد يوسف استخلاص أخيه وضع الوعاء في متاعه، ولكن بدأ بتفتيش إخوته {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: 76]. وعندما اختار الله لبني إسرائيل ملكًا يقاتلون معه عدوهم، اختبرهم بأن لا يشربوا من النهر إلا غرفة؛ حتى يصفو له الذين يقاتلون في سبيـل الله، وحتى يأتي النصر من عند الله.
إن لمعة من ذكاء نافذ تكشف ظلمات وحجبًا من الغيوم، وهذا لا يعني أن القائد يجب أن يتميز بذكاء خارق؛ فكثير ممن قادوا الأمم في نهضتها كانوا على درجة متوسطة من الذكاء، ولكنهم كانوا من النوع القلق المتطلع دائمًا إلى المستقبل، وكانوا من الذين يراقبون بدقة تغيير الظروف والأحوال.
إن الحياة إذا خلت من مثلٍ أعلى، إذا خلت من الخير ومن رجال قدوة، عندئذٍ يتيه المال والجاه وليس فيها للناس عزاء وسلوان.
المصدر: موقع المسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق