السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2015-05-16

الزُهْد فِي الدُنْيَا ..!

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد : 
اذا استغنى الناس بالدنيا استغن أنت بالله ، واذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله ، وإذا أنِسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله ، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله ، وتودد إليه تنل بذلك غاية العزة والرفعة .
أيها الأخوة, من الحالات التي تلازم المؤمن حالة الزهد، هذا المفهوم مشوه في هذه الأيام، الله عز وجل حينما يقول:
﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [سورة النحل الآية:96]
- معنى الزهد :
زَهَد ( اسم ): 
الزَّهَدُ : الزكاة ؛ لأنها قدر قليل من المال
زَهِدَ ( فعل ): 
زهِدَ عن / زهِدَ في يَزهَد ، زُهْدًا وزَهادةً وزَهَدًا ، فهو زاهد ، والمفعول مزهود عنه 
زهِدَ عن الشَّيء / زهِدَ في الشَّيء : زهَد ، أعرض عنه وتركه مخافة الحساب أو العقاب ، لاحتقاره أو قلّته أو التَّحرُّج منه ، ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ ( حديث )، 
زَهِدَ في الدنيا : ترك حلالها مخافةَ حسابهِ ، وترك حرامها مَخَافة عقابه
زَهَّدَ ( فعل ): 
زهَّدَ يزهِّد ، تزهيدًا ، فهو مُزَهِّد ، والمفعول مُزهَّد 
زهَّده عن الشَّيء / زهَّده في الشَّيء : جعله يتركه ويرغب عنه 
زَهَّدَ الشَّيْءَ : قَلَّلَهُ
زَهد ( اسم ): 
الزَّهْدُ : القَدْرُ اليسير 
خذ زَهْدَ ما يكفيك : أي قدر ما يكفيك
زُهَّد ( اسم ): 
زُهَّد : جمع زاهِد
زُهد ( اسم ): 
الزُّهْد : الانْصِرافَ إلَى العِبادَةِ وَتَرْكَ مَلَذَّاتِ الدُّنْيا ، الإِعْراضَ عَنْها احْتِقاراً لَها 
الزُّهْدُ : الزَّهَادَة
زهَدَ ( فعل ): 
زهَدَ عن / زهَدَ في يَزهَد ، زُهْدًا وزَهادةً وزَهَدًا ، فهو زاهِد ، والمفعول مزهود عَنه 
زهَد عن الشَّيء / زهَد في الشَّيء : أعرض عنه وتركه مخافة الحساب أو العقاب ، لاحتقاره أو قلَّته أو التّحرُّج منه 
من أدق تعريفات الزهد: أطمئنكم بأن ليس معنى الزهد أن ترتدي ثياباً مرقعة، ولا تأكل طعاماً خشناً، قولاً واحداً، ليس هذا هو الزهد، ولكن من تعريفات الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة، أما تعريف الورع: ترك ما تخاف ضرره في الآخرة، إن تركت شيئاً يضر بآخرتك فأنت ورع، وإن تركت شيئاً لا تنتفع به في آخرتك فأنت زاهد.
وقال بعض العلماء: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس البالي.
قصر الأمل، إنسان يخطط لعشرين سنة قادمة، وفي اليوم نفسه يوضع نعيه على الجدران ! 
- المفهوم السلبي للزهد :
فالزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا بلبس العباءة، لكن يوجد معنى دقيق جداً:
أنك بإمكانك أن تطعم الفقراء، وتؤوي المشردين، وتزوج الشباب، وتنفقه في تعليم القرآن، وحل مشكلات الناس، فإذا زهدت بمال حلال يمكن أن يكون قوة لك في الآخرة, فأنت لست بزاهد، وإذا زهدت بمنصب يمكن أن تحق الحق فيه وتبطل الباطل ويكون نفعك عاماً, فأنت لست بزاهد، هذا المفهوم السقيم للزهد: كل شيء ترفضه، وتنسحب منه، ليس معك أعمال صالحة.
أحياناً: المال قوة, والعلم قوة, والمنصب قوة، هذه مراكز قوى كبيرة جداً، الذي مكن في الأرض, متاح له أن يعمل من الأعمال الصالحة ما لا يستطيع الآخرون أن يفعلوه، فحينما تزهد في شيء من نعم الله التي تنفعك في الآخرة، وبإمكانك أن تنتفع بها في الآخرة, أنت في هذه الحالة لست بزاهد، من أجمل ما في القرآن عن الزهد:
﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [سورة الحديد الآية: 23]
لا تأسفوا على مفقود، ولا تفرحوا لموجود.
- ما قيل عن الزهد :
قالوا: الزهد يورث السخاء بالملك، والحب يورث السخاء بالروح، الحب يدفعك على الشهادة، والزهد يدفعك لأن تبذل ما تملك.
قال بعض العلماء: الزهد في الدنيا هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال ، يسكن في بيت فخم، لا بد من يوم أخرج منه في نعش، هذا الكلام هل فيه شك؟ تركب مركبة فارهة، لا بد من يوم يأخذها من بعدك، لك مقتنيات ثمينة، وعندك أموال طائلة، حينما ترى أن هذا الشيء لا يدوم فأنت زاهد، أما حينما تنسى الموت كلياً، وتشعر أنك مخلد في الدنيا هنا المشكلة؛ الزهد عزوف القلب عن الدنيا بلا تكلف، الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد، أنت لا يوجد عندك مركبة فارهة، كلما ألقيت نظرة على مركبة: هنيئاً لصاحبها، يا ليتني كنت مكانه، أنت لست بزاهد, الزاهد: إن رأى متاع الدنيا؛ بيت فخم, مركبة فارهة, كان عليه الصلاة والسلام يعلمنا. 
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِي اللَّه عَنْه- قَالَ: ((قَالَ رسول الله ﷺ : لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ, فَأَصْلِحِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ))
من تعريفات الزهد: عدم الفرح بإقبال الدنيا وعدم الحزن على إدبارها.
قال أحدهم: لا يبلغ أحد حقيقة الزهد, حتى يكون فيه ثلاث خصال: عمل بلا علاقة، وقول بلا طمع، وعز بلا رياسة، وأحد ما يجسد الزهد: أن تؤثر الآخرين على ما في يدك:
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
[سورة الحشر الآية: 9]
- تعريف الزهد في رأي الإمام أحمد بن حنبل :
الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- يقول: الزهد على ثلاثة أوجه: الأول: ترك الحرام، وهذا زهد العوام، والثاني: ترك الفضول من الحلال الشيء الزائد عن الحد، تركته هذا من الزهد، وهذا زهد الخواص، لكن أعلى مرتبة في الزهد: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين.
ترك الحرام زهد العوام، ترك الفضول من الحلال زهد الخواص، ترك ما يشغل عن الله عز وجل هو زهد العارفين.
يوجد تعريف رائع، قال: الزهد سفر القلب من وطن الدنيا إلى الآخرة.
- من أدل دلالات الزهد :
ومن أدل دلالات الزهد: أن تغتنم الوقت فيما يقربك إلى الله.
عندك وقت فراغ؛ ممكن أن تتسمع أخبار, ممكن أن تطالع مقالات بمجلات, اضطراب سعر النقد في العالم فرضاً, ممكن أن تقرأ موضوعات أن ليس حراماً أن تقرأها، لكن لا تنفعك.
النبي الكريم دخل إلى المسجد, رأى رجلاً تحلق الناس حوله, قال: من هذا؟ -هذا سؤال العارف- قالوا له: هو نسابة، قال: وما نسابة؟ قال: يا رسول الله, يعرف أنساب العرب, قال : ذلك علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به.
فإذا وجد شيء ليس حراماً، وليس حلالاً، شيء من المباحات فأنت تركته، وملأت وقتك بما ينفعك عند الله، ملأت وقتك بزيارة أخ، ونصيحة أخ، عمل صالح، متابعة موضوع علمي، قراءة قرآن، خدمة تؤديها لإنسان، أنت حينما تدع المباحات, لا ذنب في أخذها، ولا ثواب في أخذها، وتلتفت إلى ما تملأ به وقتك من عمل طيب ينفعك في الآخرة فأنت زاهد. 
قال بعض الزهاد : ماعلمت أن أحداً سمع بالجنة والنار تأتي عليھ ساعة لا يطيع الله فيها بذكر ، أو صلاة أو قراءة أو إحسان . فقال له رجل : إني أكثر البكاء . فقال إنك إن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مُدِلٌ بعملك ، إن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه ، فقال : أوصني ، فقال : دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها ، وكن في الدنيا كالنحلة ، إن أكلت أكلت طيباً ، وإن أطعمت أطعمت طيباً ، وإن سقطت على شيئ لم تكسره ولم تخدشه .
أقسام الزهد :
- زهد في الحرام ، وهو فرض عين .
- زهد في الشبهات ، وهو بحسب مراتب الشبهة ، فإن قويت التحقت بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحباً .
- زهد في الفضول .
- وزهد في لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره .
- وزهد في الناس .
- وزهد في النفس بحيث تهون عليھ نفسه في الله .
- وزهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى الله ، وفي كل ما شغلك عنه .
وأفضل الزهد إخفاء الزهد ، وأصعبه الزهد في الحظوظ ، والفرق بينه وبين الورع ( أن الزهد ترك مالا ينفع في الآخرة ، والورع ترك مايخشى ضرره في الآخرة ) .
والقلب المتعلق بالشهوات لا يصح له زهد ولا ورع .
قال يحيى بن معاذ ؛ عجبت من ثلاث :
رجل يرائي بعمله مخلوقاً مثله ويترك أن يعمل لله ، ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه فلا يقرضه منه شيئاً ، ورجل يرغب في صحبة المخلوقين ومودتهم ، والله يدعوه إلى صحبته ومودته . 
يقول شيخ الإسلام: إذا سلم القلب من الهلع، واليد من العُدوان كان صاحبه محمودًا؛ وإن كان معه مال عظيم، بل قد يكون مع هذا زاهدًا أزهد من فقير هلوع.
فليس للمسلم أن يضيق على نفسه، ويظن أن هذا من الزهد، أو أنه يقربه إلى الله، فمن أخذ المال من حله، وأنفقه في الحلال، فهو مأجور ما لم يخرج إلى حد السرف والترف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق