معالم زائلة

**معالم زائلة**

كان شوقي للقائها لا يوصف فقد اعتبرتها صديقة العمر او الطفولة ما ان سمعت انها بالمنزل حتى خرجت من العمل بسرعة البرق و ذهبت للقائها دخلت الى منزلها و لسان حالي ماذا ساقول لها؟ ترى كيف أضحت الان؟ هل ثخنت ام ضعفت؟ خمس سنوات على رحيلها تزوجت بفرنسا و لم ترجع الا بعد مرور كل تلك المدة أضحت يسمينة او انيسة كما نلقبها نحن اما لابنة عمرها عام. تربينا و ترعرعنا في نفس الحي كان طموحها او حلمها ان تسافر الى فرنسا لتكمل دراستها لا يخفى على احد فقد كانت مجتهدة في دراستها بل أنها من المتفوقات تحصلت على شهادة البكالوريا بتقدير جيد و تخصصت في الجامعة في جراحة الاسنان حتى انها تخرجت بامتياز مما اهلها ان تكون معيد بالجامعة لكن طموحها كان اكبر من ذلك فقد رغبت ان تكمل دراستها بفرنسا بقيت مدة سنة و نصف عن التخرج بعدها جاءها خاطب من فرنسا ذو أصول جزائرية بحتة أراد أن يتزوج بفتاة من بيئة محافظة فكان له ذلك فرحت كثيرا بهذا الزواج لأنها بذلك ستحقق حلمها لم يكن هاجسها سوى الزوج فهي لا تعلم عنه شئ لكنها اعتقد أنها تستطيع معالجة ذلك و بالفعل استطاعت ان تعيش معه قصة حب كما لم تعشها من قبل فقد رأت فيه الطيبة و الحشمة و الإنسانية التي لم ترها في بعض الرجال الذين حاولوا تليين قلبها لكن كل محاولتهم باءت بالفشل لان ما تبحث عنه كان ناقصا عندهم أو بالأحرى كانوا يهمشونه المهم انها حققت ما رغبت الوصول اليه تزوجت و انجبت و اكملت دراستها لقد وجدت سعادتها كنت ارى فيها مثالا يقتدى به وصلت الى منزلها و طرقت الباب طرقا خفيفا فتحت لي اختها الصغرى فرحت بقدومي قائلة انها هنا ادخلي الى الصالة تقدمت خطوات الى الغرفة و بعدها دخلت فوجدتها هي عند الباب كان العناق حارا لاننا لم نرى بعضنا منذ مدة طويلة اجلستني و عرفتني بابنتها صوفيا كانت مثلها تماما تشبهها قبلتها و لاعبتها قليلا من ثمة التفت الى صديقتي سالتها كيف حالها فاجابتني بخير و الحمدلله ثم اكملت اتعلمين شيئا هناك فرقا شاسعا بين هنا و هناك قلت لها اكيد فهي بلاد متطورة قالت ليس ه على طول الطريق و انتي مسافرة تجدين مراحيض على اعلى مستوى من التقدم و التحضر اما الاكل فحدث و لا حرج اكلات بكل انواعها ما لذ و طاب بالرغم انه يجد سوق موازية حيث تكثر هناك جاليتنا بالمهجر و حتى منها المغاربية و العربية لكن زوجي لا يحبذها مخافة ان تكون غير صالحة انتي تعلمين ان العرب لديهم خبث فريد استغربت كلامها لكني جعلت اذني تسمع جيدا ما تقول و اقارن بين صديقتي القديمة و هذه المتحدثة متسائلة اين هي؟ ثم اكملت كلامها تعرفين لما صلت الى هناك ازداد شقي لاهلي و اخوتي و الى اصدقاءي حتى اني فقدت بعض من الكيلوغرامات حاولت حماتي ان تطلب من الطبيبة اعطائي دواءا يزيد في وزني رفضت ذلك و بشدة فلقد رات ان هذا الوزن و هاته الرشاقة لا تشترى باي ثمن ضحكت و قالت قلت لها هناك عندنا نحب ان نكون ممتلئات القوام و الا فان الخطيب يرفض بشدة ان تكون زوجته نحيفة لانه يحتم علينا ارتداء الملابس التقليدية فماكان ردها الا مرحبا بك في فرنسا انتي الان لست بالجزائر نظرت الي انتي الان جميلة عليك انتي تزيدي قليلا بكليوغرام واحد او اثنان فقط فقلت لها لست مهتمة بالامر لانه لا شئ يدوم سوى الصحة و العافية فردت صح عندك حق قلت لها على العموم انك بخير ثم سالتها هل بداتي بالعمل فردت لا كنت في حالة تربص لمدة ستة اشهر و كنت على وشك العمل لكن مع وجود صوفيا اجلت الامر الى ان تكبر قليلا و قد تفاهمنا انا و خالد انه سياخذ اجازة ابوية حتى يتسنى لي اعاد ترتيب حياتنا و العودة الى العمل قلت جيد المهم انك بخير قلت في نفسي اين هي صديقتي؟ من تلك الفتاة التي تتحدث نيابة عنها؟ فتاة تافهة تحدثني عن المراحيض و عن الاكل و كم من سعرات حرارية تستهلك و كيف انها تتعفف من ذكر مجتمعها العربي؟ هل اجروا لها غسيل مخ ام ماذا؟ لو كانت فتاة عادية او غيرمثقفة قد اعذرها لكنها غير ذلك اتراى ان موقفي منها مخطئ كيف لفتاة مسلمة محبة لدينها و مجتمعها ان تنزع الحجاب بدون أي مبرر يذكر ليس هذا فحسب من لباس محتشم الى لباس فاضح خطوة غير مدروسة لكني قلت بنفسي من اكون حتى اعاتبها او الومها لعلي انا كذلك مخطئة تنهدت و قلت لها عليا ان ارحل نلتقي في وقت لاحق خرجت و لم ادري بنفسي الا و انا امام باب منزلنا دخلت و خرجت من الباب الاخر نظرت مع الشجرة التي كانت تجمع صداقتنا و علمت ان الحال تغير و الوقت نفذ منا فقد كبرت الشجرة و هي تحمل خربشاتنا الطفولية مع اول حرف تعلمناه كتبناه ظننت انه سياتي يوما ما و نتجمع كما في السابق لكني ادركت انه لا مفر من الفراق لان الطفولة قد فقدت و زالت و لم يتبقى منها الا عوالق ذكرياتها قد اتذكرها و لكن لا اظن غيري سيفعل فما اتذكره ليس محسوبا على الاخير لان بطاقة ذاكرتهم قد فقدت صلاحيتها فما كان للعقل الا ان يمحوها و يضعها في قائمة النسيان او الهوامش

بقلم أ نبيلة ساسي