الأدب الجزائري رهين النظـــرة المتحيزة إلى حد التضييق |
أكدت غزلان هاشمي في حديث لـ”الشعب” أن الأدب الجزائري بحاجة إلى سياسة للنشر ومراقبة الموضوعات بالنسبة للمجلات والجرائد، والاعتماد على لجنة قراءة متمكنة بطاقاتها الأكاديمية، ودعت إلى القضاء على سياسة المحاباة وخدمات المجاملة التي لا تخضع إلى معايير موضوعية وتضع الجزائر في إحراج كبير أمام الإنتاج العربي.. بداية كيف تقيمين الواقع الراهن للأدب الجزائري ؟ الحديث عن واقع الأدب في الجزائر يقتضي منا الحديث عن السياق المنتج في ظله هذا الأدب، إذ مع كل التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية اتجهت الخطابات الأدبية إلى خرق التشكيلات الأدبية السائدة والاحتفاء بهوية لغوية أو نصية متعددة، حيث تم ضرب المركزيات اللغوية والثقافية وكل معطياتها الجاهزة في معظم النصوص وإن بدا محتشما في نصوص أخرى، ومن ثمة فهذا الواقع الأدبي المربك قد أسهم في تعدد المنظورات على اختلاف مرجعياتها، فمن الإطار المرجعي الغربي ـ بكل حمولاته الأيديولوجية المستعارة ـ إلى الإطار المرجعي الذاتي ـ والذي يلوذ بهوية الثبات والارتماء في الزمن الماضي إلى المتشبث بحدود المزاوجة بينهما ظل النص الجزائري مشتتا، وظل بحثه مصدوما في معظم الأحيان بصفة التبعثر والتشتت، ومن ثمة صار متعثرا بزمن الدهشة حتى غدا غير عاثر عن لحظته الحقيقية، مما أدى إلى موضعته داخل اللازمن أحيانا... لكن لا ننكر أن نصوصا أخرى بالمقابل قد استطاعت تجاوز هذا الإشكال فاستطاعت تمثل المرجعيات التاريخية والاجتماعية والتخلص من عقدة الارتماء في المصب اللغوي الغيري ـ أقصد بعض النصوص المكتوبة بالفرنسية ـ لتنتج أدبا أصيلا في مرجعياته وحداثيا في الآن ذاته في إمكاناته اللغوية والموضوعاتية المتفتحة على الواقع الجزائري والعالمي، حتى وإن تمثل لغة الآخر إذ هو لا ينكر الذات ولا يتغاضى عن اهتماماتها وطبعا الأسماء كثيرة ويصعب حصرها. الأدب العربي دائما في أوج عطائه، وأسماء كثيرة من مختلف الدول، ترنو أسماءها على مدار السنة في المحافل الدولية عكس الجزائر التي قليلا ما نرى لها مشاركات، في اعتقادك إلى ما يعود ذلك؟ هنا يأخذ السؤال مسارا مغايرا... ما الغائب في الجزائر حتى ظلت النصوص الأدبية الجزائرية ـ روائية وشعرية وقصصية ـ في معظمها مهمشة عربيا؟ هناك نصوصا كثيرة استطاعت التغلب على صفة التغييب فمن محمد ديب إلى كاتب ياسين ثم في مرحلة موالية من الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة إلى أمين زاوي وأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج.. بدأ المشهد الأدبي في الجزائر يشهد حراكا مسايرا للحراك العربي لكن مع توفر الإمكانات ـ وسائل إعلام ودور نشر واحتفاء خارجي ـ ومع تتبعي للمنجزات الشبابية آنيا وجدت غياب الوعي بالاختلاف إذ ثقافة التعدد والتجاور والتحاور غيبتها عقلية الاصطفاء، فمن النصوص المركزية التي تعاملت بتجاهل وإقصاء لكل منتج مغاير إلى النصوص المهمشة التي حاولت القضاء على وضعها الآني مع المتاحات التكنولوجية ـ النشر الالكتروني ـ ظل الأدب رهين النظرة المتحيزة إلى حد التضييق.. كما لا ننسى أن النشر الالكتروني بقدر إسهامه في تخفيف الضغط المساير للنشر الورقي إلا أنه تجاوز الرقابة وأسهم في خلق وضع منفلت وروج ـ إلا في حالات نادرة ـ لنصوص هي مجرد اختلاقات لغوية لا تتسمى تحت أي مسمى.. إذن لا نقول أن الإمكانات غير متاحة آنيا بالمقارنة مع الأدباء العرب وإنما ما الغائب هو سياسة نشر منضبطة ووفية لصفة الموضوعية في التقييم. هل يمكن القول أن الجزائر تمتلك حاليا جيلا من الأدباء يمكنه أن يضاهي جيل الثورة التحريرية ومن تبعه في الستينيات والسبعينيات؟ المضاهاة هي فعل تماثل وتطابق وهذا الفعل في جوهره يتنافي مع سنن التغيير، إذ لكل مرحلة خصوصياتها ومعاييرها واختلاقاتها السردية والشعرية وأسمائها، وحتى السياق واختلافه راهنا يسهم في خلق هذا التباين لدى الأديب نفسه بين كتاباته في الستينيات والسبعينيات وكتاباته آنيا.. ألم تعتبر الرواية ملحمة البرجوازية على حد تعبير جورج لوكاتش؟ قد ظهرت آنذاك في سياق مغاير ومع تصاعد المجتمع الصناعي في أوربا.. وإذا اعتبرناها ـ وأي نص أدبي ـ مع فيصل دراج ذاكرة المقموعين فإننا نقول إن النصوص الأدبية الجزائرية انتقلت من الوعي بالثورة ـ بعد الاستقلال وقبله ـ إلى الوعي بالواقع المعيش ليظل المنظور ذاته وإن اختلفت أشكال الكتابة، وهذا يعني وجود أسماء أدبية راقية من جيل الشباب لا نقول مضاهية وإنما متميزة بهذا الاختلاف ولا أذكر في هذا الصدد أي اسم وإلا عد ذلك على سبيل الحصر والأسماء كثيرة. في اعتقادك ما هي السياسة أو الإستراتيجية الواجب إتباعها للنهوض أكثر بالأدب الجزائري؟ جواب هذا السؤال مستحيلا إذ الأمر يقتضي مجهودا جماعيا وتعاونا بين أطراف متعددة ـ المبدع ووسائل الإعلام ودور النشر ووزارة الثقافة وحتى الجامعة ـ ومن هنا فالسياسة حتى تتبع يجب أن تصدر وفق وعي بالجماعة وللأسف نحن نبتعد كل يوم أكثر عن سابقه عن هذا الوعي.. لكن ما لاحظته مؤخرا هو اهتمام واضح من قبل الباحثين الأكاديميين في الجامعات الجزائرية بالأدب الجزائري وتوجيه الطلاب في مذكرات الليسانس أو الماجستير أو حتى رسائل الدكتوراه نحو تدارسه والبحث فيه، وهذا سيسهم بشكل كبير في الانتباه لإمكاناتنا الإبداعية أولا ومحاولة تطوير هذه الإمكانات وهذه الطاقات ثانيا.. إضافة إلى ذلك ـ وما نأمله ـ هو وضع سياسة للنشر ومراقبة الموضوعات بالنسبة للمجلات والجرائد وأيضا الاعتماد على لجنة قراءة متمكنة بطاقاتها الأكاديمية سواء فيما قلنا سابقا أو في دور النشر قبل أن يرى الكتاب النور ومن ثمة نقضي على سياسة المحاباة وخدمات المجاملة التي لا تخضع إلى معايير موضوعية وتضعنا في إحراج كبير أمام الإنتاج العربي. كلمة أخيرة لك الأخت هدى ولجريدة “الشعب” وعلى رأسهم الأستاذ أحمد دبيلي جميل الامتنان وخالص الشكر على هذه الاستضافة الراقية وإن كنت أعتبر نفسي من أصحاب الدار إذ تعددت جولاتي بينكم واختلفت بين المقال والحوار والقصة.. لا أنسى طبعا أن أوجه شكري في هذا المقام للأستاذ رشيد طوينة وكلي أمل في أن تستمر الجريدة بمشروع الملحق الثقافي الذي صار له قراء من سائر أقطار العرب، تمنياتي كل التألق والنجاح. حاورتها: هدى بوعطيح |
شكرا لك أستاذ عبد النور لاهتمامك بكل ما أكتب على تواضعه تحياتي
ردحذفالعفو أستاذتي الفاضلة ما تكتبينه درر وحروف تنحني أمامها كل الكلمات حري بها الأهتمام وجديرة هي بالعناية خالص تحياتي
ردحذف