الكتاب
وصف الكتاب:
قيل للإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: إنك تُكثر الجلوس وحدك! فغضب وقال: أنا وحدي؟!.. أنا مع الأنبياء والأولياء والحكماء والنبيِّ e وأصحابه، ثم أنشد لمحمد بن زياد الأعرابي:
وَلِي جُلَسَاءُ مَا أَمِلُّ حَدِيثَهُم | ||||
أُلَبَا مَأمُونُونَ غِيْبًا وَمَشْهَدَا | ||||
إذَا مَا اجْتَمَعْنَا كَانَ حُسْنُ حَدِيثِهِم | ||||
مُعِينًا عَلَى دَفْعِ الهُمُومِ مُؤَيِّدَا | ||||
يُفِيدُونَنِي مِنْ عِلْمِهِم عِلْمَ مَا مَضَى | ||||
وَعَقْلاً وَتَأْدِيبًا وَرَأيًا مُسَدَّدَا | ||||
بِلاَ رِقْبَةٍ أَخْشَى وَلاَ سُوءِ عِشْرةٍ | ||||
وَلاَ أَتَّقِي مِنهُمْ لِسَانًا وَلاَ يَدَا | ||||
مدح الكتاب:
يقول أبو الطيب المتنبي:
أَعَزُّ مَكَانٍ فِي الدُّنَا سَرْجٌ سَابِحٌٍ | ||||
وَخَيرُ جَلِيسٍٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ | ||||
ويقول الجاحظ:
الكتاب نعم الذخر والعقدة، ونعم الجليس والعدَّة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الإنس لساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة. والكتاب وعاءٌ مليءٌ علمًا، وظرف حُشِي ظرَفًا، إن شئت كان أبين من سحبان وائل، وإن شئت كان أعيى من باقل، ولئن شئت ضحكت من نوادره وعجبت من غرائب فوائده، ومن لك بمؤنس لا ينام إلا بما تهوى؟!.
ويقول عبد الله بن المعتز:
الكتاب والجٌ للأبواب، جريءٌ على الحُجَّاب، مُفهِّم لا يفهم، وناطقٌ لا يتكلَّم.
ويقول المأمون:
لا شيء آثر للنفس ولا أشرح للصدر ولا أوفى للعرض ولا أذكى للقلب ولا أبسط للسان ولا أشدّ للجنان ولا أكثر وفاقًا ولا أقلّ خلافًا ولا أكثر عبارة من كتابٍ تكثر فائدته وتقل مؤنته، مُحدِّثٌ لا يملّ وجليسٌ لا يتحفَّظ، ومترجم عن العقول الماضية والحكم الخالية والأمم السالفة، يُحيي ما أماته الحفظ، ويُجدِّد ما أخلفه الدهر، ويُبرز ما حجبته الغبارة، ويدوم إذا خان الملوك والأصحاب.
مزايا الكتاب:
الكتاب جارٌ بار، ومعلمٌ مخلص، ورفيقٌ مطاوع، وهو صاحب كفء، وشجرة معمِّرة مُثمرة، يجمع الحكم الحسنة والعقول الناضجة، وأخبار القرون الماضية والبلاد المترامية، يجلو العقل، ويشحذ الذهن ويوّسع الأفق، ويقوّي العزيمة ويؤنس الوحشة، يفيد ولا يستفيد ويعطي ولا يأخذ.
يقول الشاعر:
نِعْمَ الأَنِيسُ إذَا خَلَوْتَ كِتَابُ | ||||
تَلْهُو بِهِ إنْ خَانَكَ الأَصْحَاب | ||||
لاَ مُفْشِيًا سِرًّا إذَا اسْتَوْدَعْتَهُ | ||||
وَتَنَالُ مِنْهُ حِكْمَةً وَصَوَاب | ||||
ويقول أبو بكر القفال:
خَلِيلِي كِتَابِي لاَ يَعَافُ وِصَالِيَا | ||||
وَإنْ قَلَّ لِي مَالٌ وَوَلَّى جَمَالِيَا | ||||
كِتَابِي أَبٌ بَرٌّ وَأُمٌّ شَفِيقَةٌ | ||||
هُمَا هُوَ إذْ لاَ أُمَّ أَوْ أَبًا لِيَا | ||||
كِتَابِي جَلِيسِي لاَ أَخَافُ مَلاَلَهُ | ||||
مُحَدِّثَ صِدْقٍ لاَ يَخَافُ مَلاَلِيَا | ||||
مُحَدِّثُ أَخْبَارَ القُرُونِ الَّتِي مَضَتْ | ||||
كَأَنِّي أَرَى تِلْكَ القُرُونَ الخَوَالِيَا | ||||
كِتَابِي بَحْرٌ لاَ يُفِيضُ عَطَاؤهُ | ||||
يُفِيضُ عَلَيَّ المَالَ إنْ غَاضَ مَالِيَا | ||||
كِتَابِي دَلِيلٌ عَلَى خَيْرِ غَايَةٍ | ||||
فَمِنَ ثَمَّ إدْلاَليِ وَمِنْهُ دَلاَلِيَا | ||||
إذَا زُغْتُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ أَقَامَنِي | ||||
وَإنْ ضَلَّ ذِهْنِي رَدَّنِي عَنْ ضَلاَلِيَا | ||||
يقول الجاحظ:
الكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك وشحن طباعك وبسط لسانك وجوَّد بنانك وفخَّم ألفاظك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، والكتاب يُطيعك بالليل كطاعة بالنهار، ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر، ولا يعتلُّ بنوم ولا يعتريه كلال السفر.
العلماء والكتاب:
• كان الجاحظ من أكثر الناس شغفًا بمطالعة الكتب؛ فإنه لم يقع بيده كتابٌ قط إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان، حتى أنه كان يكترى دكاكين الورَّاقين ويبيت فيها للنظر.
• يقول أبو هفان وكذا ورد عن المبرّد:
لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من ثلاثة منهم الفتح بن خاقان؛ فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكِّل، فإذا أراد القيام لحاجةٍ أخرج كتابًا من كُمِّه أو خُفَّه وقرأه في غير مجلس المتوكِّل إلى حين عوده إليه، حتى في الخلاء!
(والاثنان الآخران هما الجاحظ وإسماعيل بن إسحاق القاضي)
• ويقول الحسن اللؤلؤي: غبَّر قدمي أربعين عامًا ما قِلت ولا بتُّ ولا اتَّكأت إلاَّ والكتاب موضوعٌ على صدري.
*ويقول علي بن الجهم: إذا استحسنت الكتاب ورجوت منه الفائدة، فلو تراني وأنا ساعة بعد ساعة أنظر كم بقي من ورقة مخافة استنفاذه، وانقطاع المادة من قلبه، وإن كان الكتاب كثير الورق فقد تمَّ عيشي وكمل سروري.
• وكان عبد الله بن المبارك يستأنس بخلوته في البيت وحده ليشتغل بالقراءة فقيل له: ألا تستوحش؟
فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبيِّ e وأصحابه.
يعني بها كتب الحديث.
• وكان الزهري إذا جلس في بيته وضع كُتبه حوله فيشتغل بها عن كلِّ شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته يومًا: والله لهذه الكتب أشدُّ عليَّ من ثلاث ضرائر!
• وكان أحمد بن عبد الله المهدي في الدراسة والمطالعة آية لا يكاد يسقط الكتاب من يده حتى عند طعامه.
• ويُقال إنَّ محمد بن الوليد المعروف بـ«ولاد النحوي» لَمَّا حضرته الوفاة أوصى أن يُدفن معه كتاب سيبويه.
• وبلغ من حرص جدِّ ابن تيمية (الجدّ بن تيمية) على وقته ومطالعة الكتب أنه إذا دخل الخلاء أمر حفيده أن يقرأ في الكتاب ويرفع صوته حتى يسمع.
• وكان إسماعيل بن إسحاق كما يقول عنه أبو هفان: ما دخلت عليه إلا رأيته ينظر في كتاب أو يُقلِّب كتابًا أو ينفضها.
• وكان ابن الرفعة لا يفارقه الكتاب حتى أثناء المرض، وكان مكبًّا على المطالعة حتى عرض له وجع المفاصل، بحيث كان الثوب إذا لمس جسمه آلمه، ومع ذلك معه كتابٌ ينظر إليه، وربما انكبَّ على وجهه وهو يُطالع.
• فكان ابن المبارك يستأنس بخلوته في البيت وحده ليشتغل بالقراءة، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، يعني بها كتب الحديث.
• ويقول ابن قيِّم الجوزية: أعرف من أصابه مرض من صداعٍ وحمَّى، وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غُلب عليه وضعه، فدخل عليه الطبيب يومًا وهو كذلك فقال إنَّ هذا لا يحلُّ لك.
• وكان بعض أهل العلم يشترط على من يدعوه أن يُوفِّر له مكانًا في المجلس يضع فيه كتابًا ليقرأ فيه.
• وقال ابن الجوزي: وإني أخبر عن حالي ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره فكأني وقعت على كنـز، ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلَّد، كان أكثر، وأنا بعد في الطلب.
وكان العلماء يُنفقون في تحصيل الكتاب الأموال الطائلة، حتى قال بعضهم لزوجته حين عاتبته في أكثر ما يُنفق على الكتب:
وَقَائِلَةٌٍ أَنْفَقْتَ فِي الكُتُبِ مَا حَوَتْ | ||
يَمِينُكَ مِن مَالٍ فَقُلْتُ دَعِينِي | ||
لَعَلِّي أَرَى فِيهَا كِتَابًا يَدُلُّنِي | ||
لآخُذَ كِتَابِي آمِنًا بِيَمِينِي | ||
يقول أبو الفرج المعافا بن زكريا:
قد قيل في الكتاب إنه حاضر نفعه، مأمون ضرّه، ينشط بنشاطك فينبسط إليك، إن أدنيته دنا، وإن أنأيته نأى، لا يبغيك شرًّا، ولا يُفشي عليك سرًّا، ولا ينمُّ عليك، ولا يسعى بنميمةٍ إليك.
وقال أحد الشُّعراء:
لاَ شَيءَ أَنْفَعُ مِن كِتَابٍ يُدَرَّسُ | |||
فِيهِ السَّلاَمَةُ وَهُوَ خِلٌّ مُؤنِسُ | |||
رَسْمٌ يُفِيدُ كَمَا يُفِيدُ ذَوُو النُّهَي | |||
أَعْمَى أَصَمُّ عَنِ الفَوَاحِشِ أَخْرَسُ | |||
وقال التوزي (محمد عبد الحميد):
الكتاب نديم، عهد وفائه قديم، الكتاب منادم، ليس مَن نَادَمه بنادم، الكتاب حميم، خيره عميم، الكتاب أخ غير خوَّان، فتفرّد به عن الإخوان، الكتاب سمير، سليم الظاهر والضمير.
وقال ابن المعتز:
جَعَلْتُ كُتُبِي أَنِيسِي | ||
مِن دُونِ كُلِّ أَنِيسِ | ||
لأَنَّنِي لَسْتُ أَرْضَى | ||
إلاَّ بِكُلِّ نَفِيسِ | ||
وقال أبو بكر الشيطان:
إذَا اعْتَلَلْتُ فَكُتُبُ العِلْمِ تشْفِينِي | ||
فِيهَا نَزَاهَةُ أَلْحَاظِي وَتَزْيِينِي | ||
وَإذَا اشْتَكَيْتُ إلَيْهَا الهَمَّ مِنْ حُزْنٍ | ||
مَالَتْ إلَيَّ تُعَزِّينِي وَتُسَلِّينِي | ||
حَسْبِي الدَّفَاتِرُ مِن دُنْيَا قَنِعْتُ بِهَا | ||
لاَ أَبْتَغِي بَدَلاً مِنهَا وَمِنْ دِينِي | ||
جمع وإعداد عبد النور خبابة
كلام معبر جدا شكرا وبارك الله فيك
ردحذفو خير جليس في الزمان كتاب
ردحذفبارك الله فيك اخي الكريم
للأسف لم يعد للكتاب قيمة عند الناس، ولو علموا نفعه لما هجروه...............جوزبتم الجنة على الموضوع القيم
ردحذف2
ما أروع قلمك وما أصدق كلماتك
ردحذف