23جوان 2024
المدرسة الابتدائية العيدي عبد الرزاق
حفل تقاعد الأستاذة غنية جدي
جميل أن تدخل إلى المدرسة بدعوة كريمة من السّيدة المديرة وأنت طفل كبير يركض بين زواياها بحثا عن الرّجل الصّغير الذي يرفض أن يعود إلى نضجه ، دخلت ولم أشأ أن أخرج من ذكرياتي فيها ، وكلّ الوقت الذي قضيته هناك كان مثل الرّحلة نحو زمن الطّفولة
نشّط هذه الرّحلة التّكريمية الجميلة قائد الكشافة الاسلامية عبد الكريم غربي الذي كان إبحاره اللغوي هادئا وأنيقا حيث انطلقت رحلة التّكريم بآيات بيّنات من الذّكر الحكيم بصوت القارئ الناشئ الجميل عبد القادر زبيري ، حملت من بعده السّيدة مديرة المدرسة حقائب الشّكر والامتنان والتقدير لكّل الأسرة التّربوية وممثلي البلدية على الحضور وتلبية الدّعوة ختمتها بشهادتها القيّمة عن الأستاذة الفاضلة غنية جدي التي تمّ تكريمها اليوم ، شهادة مليئة بصفاء المعشر ، وصدق المشاعر ، وطيب الأثر ، تلته كلمة المفتّش البيداغوجي القيّمة التي تبارك مثل هذه المبادرات التي تزيد الألفة بين الأسرة التربوية ، وتشدّها إلى عمق الوجدان ، لنرتحل بعدها على نعومة الحناجر الصّغيرة لأطفال حضروا ليقولوا كلمتهم عن طريق إنشاد أنشودة مبهرة ، تلته كلمتي المتواضعة أنقل لكم مقتطفا قصرا منها : المعلّم مثل النّبع الصّافي يتدفّق بغزارة لتزهر من حوله الأشياء كلّها ، بستانيّ محترف في صنع الأزهار وتقليمها والعناية بها حتّى تصير حدائق خضراء يفوح منها النّبل ، فهو بمثابة السّكة التي يمرّ عليها القطار ليصل إلى محطّته ، فكم قطارا يا ترى مرّ ، وكم من محطّة آمنة رست بفضله ، وكم من نفس غضّة بناها للغد ، فهو اليد المتينة التي تمسك بنا حين نتعثّر ، وهو الخطوة التي تدفع بأقدامنا حين يخونها الضّعف إلى الأفق، وهو الضّحكة الدّافئة التي ترمّم برفق شقوق الطّفولة وتجعلها مثل لوحة فنيّة متقنة التّشكيل ، وهو المصباح الذي يعمل على الدّوام فوق العتمة ، فارس لا سلاح له في معارك الحياة غير القلم والضّمير إنّه المعلّم الذي نقتات منه لنكتمل ، وهو الجناح الذي به نطير نحو حلم أوسع ، إنّه صانع متقن ، وخيّاط محترف يعرف أين يضع غرزته ليشكّل في الأخير قطعة فريدة اسمها المستقبل يلبسها كلّ من مرّ على يديه وتحت عينيه ، المعلّم ناسك نظيف الرّوح يترك حياته من أجل حياة أخرى أعمق وأكبر ، إنّها حياة النّشء التي ستصبح يوما منارة مضيئة يهتدي بها المارّون في فصول الدّنيا .
لابدّ لتضحيات كهذه يعجز الحرف عن بلوغ دلائلها من تكريم يليق بعظمة الممرّات التي يحدثها المعلّم في العقول والأنفس التي يرعاها كالزّهور ولا أخال السيّدة القديرة المعلّمة غنية جدي إلاّ جديرة بهذا التّقدير اللغوي و التّكريم الإنساني بعد فصول التّعب التي قضتها في الحفر والتّنقيب والغرس والسّقي وجني الثّمار من أشجار حرستها منذ النّعومة تحت البرد والحرّ والمرض والتّضحية فشربت منها تفانيها ومحبّتها الشّديدة فصارت تشبهها .
استرحنا بعدها مرّة أخرى مع الصّوت البريء لأطفال الكشّافة الإسلامية أنشودة بعنوان جيل الكشّاف ، حيث أضفوا على الجوّ عذوبة لذيذة ، ليفتح المجال بعدها للحاضرين لإلقاء كلمة تصبّ في جوهر هذا اللّقاء التكريمي وقد تحدّث السيد المفتش بن حمادي عن تجربته المهنية والإنسانية مع الأستاذة التي تفوق الوصف ، لتتاح في الأخير الكلمة لسيّدة اللقاء لتقول كلمتها بالمناسبة وما أجمل ما ختمت به مشوارها في مدرسة شهدت أيضا على أول انطلاق لها وللقدر في حياتنا شؤون عجيبة ، راجين من الله عز وجل تقاعدا مريحا لها مليئا بالعافية والصحة والسعادة .
اختتم الحفل بتكريم الأستاذة المشرفة على التقاعد ، ثم تكريم بعض المفتشين وتكريمي من طرف السيدة المديرة شناح ك ،
تمّ بعدها الالتفاف حول موائد زاخرة بالإكراميات وتبادلنا حوارات وتجارب وذكريات حلّت القعدة أكثر ، والتقطنا في الأخير صورا للذّكرى .
أشكر السيّدة مديرة المدرسة على تقديسها الفريد للمعلّم ، وتلميع صورته التي يكاد الغبار أن يخنقها ، لكن بوجود فرسان الإنسانية أمثالها أكيد سيكون للمعلّم قدر وشأن ثمين ، أشكرها وانا بكامل قواي اللغوية عاجز أمام التفاتتها الطّيبة شاكرا لها هذه الدّعوة الكريمة التي أقابلها بإكليل محبّة زهورها العلم وعطرها المعلّم وأثرها الطّيب هذه المدرسة التي جمعت الماضي بالحاضر ، ولاقت تلاميذ البارحة بتلاميذ اليوم ، كما لا يفوتني أن أقف وقفة طفل يرفض أن يكبر أمام ذكرياته الجميلة كتلميذ جاب أروقة هذه المدرسة المقدّسة بالنّسبة لي فهي تحمل طفولتي بين جدرانها وأقسامها ، ولو كان الوضوء جائز لغير الصّلاة لتوضّأت قبل أن أدخلها .
أشكر في الأخير الأستاذ الغالي العياشي هذا الرّجل المصنوع من الجوهر ، الفريد في تواضعه ، الخدوم في معاملاته ، البشوش الذي تحطّ فوقه العصافير النّقيّة ، مثل الظّلال العذبة رافقني طيلة اللّقاء وترك أثره العميق على جدار القلب ، أشكر كلّ المعلّمين على الحمل النّبيل الذي يحملونه بمحبّة ،ولكلّ الأسرة التربوية ولكلّ التّلاميذ الذين لولا وجودهم لما كان وجودنا .
مدرسة العيدي عبد الرزاق طوملة رأس الوادي.
في 23 جوان 2024م
بقلم عبد النور خبابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق