السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2024-07-08

عيد بلا أب:




 عيد بلا أب:

ها قد أقبل عيد جديد تغيّرت فيه أشياء كثيرة حتّى أنا ما عدت أنا ، لكن الشّيء الوحيد الذي لم يتغيّر هو وجودك المشتعل في القلب ككرة ملتهبة ترفض أن تتوقّف عن الرّكض لكنّها تدهسني من الداخل وتهرس تلك الشّرفة الدامية التي كنت تجلس عندها ، أطر صورك الخشبية التي تركتها مثل أصابع الزّمن تسحبني من أعصابي فيبدو المكان تالفا ، فارغا منك إلى الأبد ، لا أحد يملأه ولا أحد يسكنه من بعدك ، رائحتك تنتظرني في الطّرف الآخر للذّكرى ، فأعبرها بعود كتابة منطفئ يرفض أن يشتعل منذ رحيلك .
توقيت الشّوق دائما مخطئ ، يحمّلنا وزره الهشّ حين نوشك على النّهوض ، فنبقى في هيئتنا الصّاخبة نجرّ الحروف جرّا علّها تطلق رصاص رحمتها علينا فننفجر غضبا ، كلّما وقفت أمام مسدّس الذّكريات اللّعين أعود طفلا من جديد ، راكضا نحو الاتّجاهات كلّها دون أن أصل إلى طريق ، فأهرب منه فيتبعني ، أضاحكه وهو يودّ قتلي ، أفرّ منه لأجده موصولا بي ، الموت كلّه متربّص بي وأنا أحدّق في وجه الذّكريات ، أفتّش عنك داخل مرايا البيت ، وراء الأشياء المركونة كالتّماثيل ، وفوق سقوف الظّلام ولا أجدك .
لا مفرّ في الأعياد من ذكرك يا أبي ، من حمل ابتسامتك على ذراعي ، من الفرار من ويلات الشّوق ، ومن حروب الفراق التي لا ينتصر فيها إلاّ الفقد ، كيف يمكن أن أنسى حضورك الهادئ في عيد الأضحى وأنت كالمصباح تقف على رؤوسنا تعلّمنا الذبح وما يتعلق به ، حتّى أهل القرية وبعض أهل المدينة كانوا ينتظرون طلّتك الصّباحية بهمّتك العالية لتذبح لهم ولا تبخل على أحد .
كيف يمكن للمناسبة أن تمرّ بسلام على الرّوح المتعبة التي انطفأت بها الشّموع منذ غادرتها ، لا مناص أبدا من الاتّكاء على الفراغات التي تركتها هنا ، وشمّ عطرك فيها ، واستحضار ضحكتك ، جلستك ، حديثك ، كلّ شيء فيك .
قطف اليأس رأسي ولم أعد أشعر بشيء ، أودّ لو أخرج من خلايا الذّكريات وأتوحّد مع النّسيان ، لكنّ هل يجرؤ النّسيان على نسيانك ؟
عليك يا والدي شآبيب الرحمة والرضوان، وأسكنك فسيح الجنان.
الشلخة رأس الوادي في 15جوان 2024م
🖋
بقلم عبد النور خبابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق