دار الثّقافة والفنون لولاية أم البواقي:
بالتّنسيق مع جمعيّة الرّواسي تنظّم منتدى الفنّ والإبداع تحت عنوان:(دور الفنّان في وتيرة الانبعاث الثّقافي) " أم البواقي نموذجا".
الخفايا الفنيّة تجلّت بشكل جميل صبيحة هذا اللّقاء الأدبي والشّعري الذي جمع شعراء وكتّاب الجزائر من مختلف الولايات ، لتزيّن دار الثّقافة مزهرية عطرة من الوجوه الحاضرة ، وقد انطلق زورق اللّقاء الأدبي مفتتحا بآيات كريمة من تلاوة الأستاذ عبد النور خبابة .
ليعلو النّشيد الوطنّي مدوّيا بحناجر الحاضرين في وقفة وطنيّة مهيبة لابدّ منها في كلّ لقاء ، وقفة سيادة ووطنيّة وتاريخ وثورة خالدة حاضرة كلّ يوم مهما تقدّم الزّمن وتراكمت الذكريات.
تلته مباشرة وصلة موسيقية للعازف الجميل خالد بليمان الذي ارتحل بنا بين نوتاته العذبة طيلة اللّقاء .
وقد قامت الشاعرة والروائية وافية قحام بتنشيط هذه الأصبوحة الأدبية بطريقة سلسة ماتعة، جمعت فيها بين الحرف وإيقاعه الدلالي الجميل، فكانت خير قائد لمسار هذا اللقاء مع قراءة ما جادت به قريحتها الشّعريّة كلما اقتضت محطة البوح.
وقد تمّ بعدها فتح المجال للأستاذ عبد النور خبابة بتقديم مداخلة قيّمة بعنوان دور الفنان في الانبعاث الثقافي، وهذا بعض ما جاء فيها :
"الفنّ لغةٌ والفنّان كلماتُها، ورسالة الفنان في الحياة أن ينقل هذا العالم المتحرّك إلى عالم أصمّ بطريقة فنيّة تزيد من جماليّته، عالم يمكن القبض عليه، لا يقوى الزّمن على نهبه، الفنّ عمليّة تجميليّة للحياة فهو يدسّ بيده الماهرة كلّ عيوبها الخفيّة والظّاهرة، الفنّ ما تطرّزه الرّيشة على لوحة بيضاء، الفنّ ما يمرّره المداد على الصّمت، الفنّ ما تبنيه القصائد على جداريات الحياة، الفنّ عود يُعزف بالرّوح التي تملك حواسا خاصة لتتقن كلّ تلك الفنون والنوتات، روح لها عين مرهفة تشرد نحو التّفاصيل الصّغيرة لتحجّمها ، تقوّمها ، تصلح هشاشتها .
الفنّ فرار جميل من واقع ضيّق ، ووسيلة ناجعة للتحليق بعيدا دون أجنحة ، به يتجاوز الإنسان بشريّته فتجده كائنا جديدا يبدع في الخروج من جلده ليصير ملاكا ينقل الجمال والنّقاء ، يحطّ على القلوب بلطف ليسعدها .
الفنّان كائن تجاوز حواسه المحدودة وانطلق إلى عوالم لا تعترف بالعجز ، تعبث بالزّمن ، وتتفوّق على وتيرة التّاريخ ، وعلى الفنّان أن يحدّد بغيته من فنّه ، فهل هو يعمل من أجل الفنّ ، أم الفنّ يعمل من أجله ، لأنّ الغاية من الفنّ تفرق كثيرا من فنّان إلى آخر ، وما أجمل تلك الغايات الفنيّة التي تعمل على تغيير أفكار النّاس ، وتضميد جراحهم ، ومنحهم السّعادة الجمالية ، وترك الأثر الفنيّ الهادف .
لأن الفنّ قبل أن يكون وسيلة فهو رسالة سامية يتقرّب بها الفنّان من الواقع ، من عقليات النّاس المختلفة ، من التّفاصيل الدّقيقة ، من الخفايا ، من كلّ ما يدور حول الإنسان ".
ترأّس الجلسة الدكتور إسماعيل حراث وقد تخلّلها تكريم خاص للأستاذ القدير عمر بلاجي من طرف الشاعرة مهدية طواهري تقديرا لعطائه وتفانيه من أجل الأدب والفن والثقافة وانتعاشها في ولايته أم البواقي .
شهدت المنصّة زخما عذبا بأصوات مختلفة ، وعواطف عميقة ، ولغة تخرج من الرّوح لتعانق الآذان وتطربها ، تبعد عنها التّعب والكدر ، كان سفرا لغويا وفنّيا جميلا افتتحته الشاعرة مهدية طواهري من المسيلة بنصّ عنوانه جراح النخيل ، عقبها الشاعر احسن مريش من ولاية تيزي وزو بنصّ" دون ميعاد" بالأمازيغية ، وقصيدة "ارتبكت حتى غرقت" في أداء مشترك أمازيغي عربي مع الشاعرة مهدية طواهري.
لترتقي من بعدهما بلغتها الهادئة الشاعرة دليلة ذيب(شقراء الشاوية) بنصّ " النزيلة"و " نازف في غيابك القلب" ، روّض المنصّة من بعدها الشاعر الرائع عاشور دبشون من ولاية سطيف بنصّ صيحة آباء حول غزة والقضية الفلسطينية ، وقد احتفت المنصّة بعزف منفرد للعازف بوساحة محمد العربي على الّناي بقصيدة شعبية ، لتبدأ "حكاية ميم" للشاعرة المتألقة حنان لمباركي من ولاية تقرت تتراقص بمعانيها على المنصّة، وقد كان للشاعر الطاهر خشانة من ولاية الطارف قراءة ماتعة لنصّ "اذكريني" ، لتركب موج القصيد الشاعرة سلمى قرفة من ولاية أم البواقي بنصّ بعنوان" فلسطين الطيبة ".
تلاها الشاعرعبدلي محند أمقران من ولاية بجاية بقراءة نصّه" مَوْتي" باللّغة الفرنسية ، ثم فلسطين، والمداح .
لنأخذ استراحة قصيرة مع لغة اللحن والنوتات ليكون للناي كلمته بيد بوساحة العازفة عزف القلب والروح لتعود اللغة الشعرية بصوت الشاعرة سميرة لخلف من ولاية قسنطينة بنصّ على أرجوحة الأسى وتغيّر ، وقد صدح صوت الشاعر القدير فضيل عبد الناصر دردور من ولاية قسنطينة باللغة الفرنسية بنص boulivare ، و قصيدة شعبية بعنوان دار الدزيرة.وقصيدة فائزة بالمرتبة الثانية من بين 600قصيدة عنوانها" هلا سألتني "، تلاه الشاعر كمال طويري من ولاية ميلة بالشذرات والوصلات القصيرة نذكر منها : صاحبة الشامة ، سنا برق ، صاحبة الخمار ، حاجز عبور ، صاحبة القيثارة ، لوحة صماء ، سؤال ، فرصة أخرى.
وقد كان لنا فسحة مع شعر الهايكو بصوت الشاعرة الصغير الكبيرة صلاح تيسير من ولاية سوق أهراس.
لتتدفّق من بعده لغة شعرية لطيفة للشاعرة عائشة زغدار شاعرة وإعلامية من ولاية أم البواقي بنص " وحدك أنت". عن الغزاوي الفلسطيني، ثم قصيدة "ألم الحنين" لننتقل بعدها مع الشّعر الملحون بتوقيع الشاعرالشّعبي ابراهيم عفيفي مع مرافقة لآلتي الناي والعود، ابراهيم عفيفي يرتحل بنا إلى لغته الشعرية بنص عنوانه يا حسراه على زمان ، إضافة إلى أغنية شعبية دينية ، لتتقدّم الشاعرة نادية صياد فنانة تشكيلية بتقديم كلمة شكر للجميع على جميل الحضور وصنع لوحة بهية بهاء أصحابها ، وقد كان للشاعر الشاب الصغير أيمن مرواني حضور جميل على المنصّة ، والشاعر مرواني بوبكر الذي جاد بلغته الشعرية عن دواخله .
وقد تقدّم الدكتور اسماعيل حراث بكلمة ختامية وأسدل السّتار عن هذا اللقاء اللغوي والشعري والفني الجميل ببيع بالتوقيع لرواية وافية قحام ، وكانت نهاية الأصبوحة بتكريمات للمشاركين وصور تذكارية جميلة نوقف بها الزّمن قليلا ونحنّط بعض اللحظات التي مرّت وبقيت لتشهد عليها الصّور الأخوية .
أشكر في الأخير ولاية أم البواقي على رحابة الصّدر والاستقبال ، وعلى الدّعوة التي شرّفني بها القدير عمر بلاجي ، وكلّ من ساهم في رسم هذه الصورة الفنيّة والأدبيّة البهيّة التي سنحملها في ذاكرتنا ، وفي جدار القلب ، وزوايا الروح . وإلى مواعيد قادمة مليئة بالحرف النقيّ ، والكلمة التي تجمع ولا تفرّق أبدا ، واللغة التي لأجل عيونها اجتمعنا.
أم البواقي في 06 جوان 2024م
بقلم عبد النورخبابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق