السحر... حكمه وخطره وأنواعه وعلاجه:
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
(1) ما هو السِّحر؟ وما حقيقته؟ وما حُكْمه؟
السِّحر هو الخفاء وما لطف من الأسباب؛ ولهذا سُمَّي آخرُ الليل سَحَرًا، وسُمِّي الكلام البليغ والبيان الأخذ للقلوب سِحرًا.
وهو في الاصطلاح الشَّرعي: عزائم ورُقي وتعويذات ينفث فيها السَّاحر بمعونة شياطين الجنِّ، فتؤثَّر في المحصور بإذن الله، كما قال الله -سبحانه- في آية البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْـزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102].
(2) نسمع بأنواعٍ كثيرةٍ للسِّحر في الأسر والرِّياضة والتِّجارة، فليتكم تنبهونا عليها؟
السِّحر هذا الدَّاء الخطير على القلوب والأبدان، والنَّاقض لدين الله الإسلام، له أنواعٌ عديدةٌ بحسب واعتبار أنواع تأثيره ووقوعه:
- فالسِّحر التَّخيلي هو ما يخيل لعين المسحور -ممَّا لا حقيقة له- كسِحر سَحَرَةِ فرعون لمَّا ألقوا حبالهم وعصيَّهم، فخُيِّلَ إليهم أنَّها تسعى، ومثله بعض أعمال السِّيرك.
- وهناك سحرٌ حقيقيٌّ مؤثِّرٌ في المسحور في قلبه أو بدنه أو نفسيته أو ماله مرضًا أو موتًا.
- وهناك سحر الصَّرف، بالتَّفريق بين المتوادين من زوجينِ أو صديقينِ أو شريكين..
- ونوع آخر هو سِحر العطف كما تفعله بعض النِّساء والتّجارة لعطف من يحبُّونه إليهم.
- ومن السِّحر ما يسمى عند الرِّياضيين بالدّنبوشي؛ لينتصر فريقهم على خصمه.
وهذا السِّحر داءٌ وخيمٌ أفسد القلوب والمجتمعات والأفراد من القديم، ولم يزل أهله يتوارثون عن فاسدٍ سابقهم هذا الفساد والإفساد ، بل وأضحى للسِّحر وأهله تجمعات وبلدان، ومؤسسات ومنظمات ترعاه وتدرسه وتنشره بين النَّاس.
(3) ما السُّبل المشروعة لحلِّ سِحرٍ وإزالته على من أصيب به؟
الطَّريقة الشَّرعيَّة لحل وإزالة السِّحر عمَّن وقع عليه، جهتان:
أ- ما كان من علاج المسحور بالطُّرق الشَّرعيَّة وذلك بالقرآن حيث يقرأ على المسحور آيات توحيد الله، وإبطال السِّحر وكبت المردة من الشَّياطين، كسورة الفاتحة (7) مرات، وسورة البقرة، والمعوذات، وآيات إبطال السِّحر في الأعراف ويونس وطه..
ومن علاج المسحور بالأوراد والأذكار النَّبويَّة الثَّابتة عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
ومنه علاجه بما دلَّ عليه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- باستخدام السِّدر وعجوة المدينة والتَّمر، ونحوه.
ب- وعلاج السِّحر بالأمور المباحة والّتي عرف بالتَّجربة نفعها، وخلوِّها ممَّا يشوب العقيدة أو يفسدها من بدعٍ أو قادحٍ أو خرافةٍ ، أو ما كان طريقة إليها كاستخدام المُرَّة أو غيرها أو الأدوية المباحة غير المشتملة على نجاسةٍ أو خرافةٍ..
(4) ما هي النُّشرة، وما حكمها؟ وهي يجوز سؤال السَّاحر عن السِّحر ومحلِّه؟
النُّشرة هي حلِّ السِّحر عن المسحور ، ونشره عنه ، وهي على نوعين من ناحية الحكم:
1- حلُّ السِّحر عن المسحور بالوسائل الشَّرعية المباحة، وهذا مشروعٌ حيث حُلَّ السِّحر عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لمَّا سحره لبيد بن الأعصم اليهودي، وذلك بحلِّ السِّحر ونشره عن المسحور بالقرآن أو بالأحاديث والأذكار أو بالأدوية المباحة أو السُّور أو أنواع العلاجات المباحة من مشروبات ومطعومات ليس فيها قدحٌ في العقيدة.
2- وهناك حلُّ السِّحر عن المسحور بسحرٍ آخرٍ مثله، بأن يذهب لساحرٍ أو كاهنٍ ليعمل سحرًا آخر يبطل به السِّحر الأول، وهذا حرامٌ متأكدٌ تحريمه ولا يجوز. لمَّا روى أحمد بسند جيد عن جابر -رضي الله عنه- أنَّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- سئل عن النُّشرة؟ فقال: «هو من عملِ الشَّيطان» [رواه أبو داود 3868 وصحَّحه الألباني]؛ وذلك لأن النَّاشر والمنتشر يتقرب إلى الجنِّ بالكفر، فيخدمونهم، وأيضًا؛ لأنَّ إبطال السِّحر بسحرٍ مثله يفيد تسويغ السِّحر وعمله وانتشاره، ولعموم ما جاء عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من قوله: «اجتنبوا السَّبع الموبقات.. وذكر منها السِّحر» [متفقٌ عليه]. والله جلّ وعلا يقول عن السِّحر: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة : 102] أي ليس له دينٌ ونصيبه حبوط عمله.
(5) ما معني قولهم "لا يحلُّ السِّحر إلا السَّاحر"؟
جاء بهذا الأثر المشهور عن الحسن البصري -رحمه الله- وهو قوله : "لا يحلُّ السِّحر إلا السَّاحر". وهذا معناه عن العلماء: "حلُّ السِّحر بسحر مثله وهو عمل السّحر والكُهَّان".
أمَّا ما جاء عن سعيد بن المسيب -رحمه الله- لما قيل له: رجل به طبّ أن يؤخذ عن امرأته، أيحلُّ عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنَّما يريدون به الإصلاح، أمَّا ما ينفع فلم ينه عنه . ا هـ . فالمراد به الأدوية المباحة، والعلاجات الّتي ليس فيه استخدام سحرٍ أو شعوذةٍ تفسد بها العقيدة والدِّين.
(6) ما هي مفاسد السِّحر والسَّحَرة وتصديقهم وإتيانهم؟
أعظم المفاسد والمخاطر من إتيان السَّحَرة:
إفساد الدِّين بناقض من نواقض الإسلام، والسِّحر من نواقض الإسلام المشهورة لخمسة مؤكدات جاءت في آية البقرة. وقد سبق ذكرها.
ومن المفاسد: أنَّ تصديق السَّاحر كفرٌ بما أُنزل على محمَّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- وهو الوحي والدِّين. لما روى مسلم في صحيحه عنِ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قوله : «من أتى عرافًا فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» [رواه مسلم 2230]، ويفسر هذا الحديث ما روى أبو داود عن أبي هريرة عنِ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: «من أتى كاهنًا فصدقه بما قال؛ فقد كفر بما أنزل على محمَّدٍ» [صحَّحه الألباني 3044 في صحيح التَّرغيب]. وللأربعة والحاكم عنِ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «من أتى عرافًا أو كاهنًا يؤمن بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمَّدٍ» [صحَّحه الألباني 3049 في صحيح التَّرغيب].
كما وفيه من المفاسد: الهمُّ النَّفسي العظيم، والخسارة البدنيَّة والماليَّة بسبب السَّحَرة والدَّجالين منَ المبتلين المساكين.
إذا فقد جمعوا بين إفساد الدِّين وإفساد الدُّنيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(7) ما حكم الذَّهاب للسَّحَرة والكُهَّان والمشعوذين؟
وعلى هذا كلّه فإنَّ من أتى ساحرًا أو كاهنًا أو عرافًا أو منجمًا أو مدعٍ علم غيب؛ لينظر ما عنده ولو ليهزأ ممَّا لديه فهو معرض للوعيد، وقد أتى أمرًا محرَّمًا ومن كبائر الذُّنوب؛ لما روى أحمد وغيره عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «من أتى عرافًا فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» [رواه مسلم 2230]. فبمجرد سؤاله مازحًا أو لاعبًا أو جادًّا يرتب هذا الوعيد الخطير. إن لم يكن من أهل الحسبة!
فإذا سأله ثمَّ صدقه بما يقول فقد وقع الكفر بما أنزل على محمَّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- حيث صدق مدع للغيب طاغوت، وهذا شركٌ وإشراكٌ في توحيد الرَّبوبيَّة.
(8) ما الواجب علينا تجاه مَن عَلِمنَا تعاطيه السِّحر وعمله ونشره؟
ثمَّ أيُّها الإخوة ، مَن عَلِم عن ساحرٍ وساحرةٍ، أو مشعوذٍ وكاهنٍ أو منجمٍ أو عرَّافٍ أو قارئٍ مخرفٍ ويستعين بالشَّياطين وتحقق من عِلْمِه عنهم وتأكد فالواجب عدَّة أمورٍ:
1- إنكار ذلك في قلوبنا وجوارحنا إنكارًا عظيمًا، لمصادمته أصل ديننا في عقيدة وحدانيَّة الله بعلم الغيب، وتفرده بالنَّفع والضُّرِّ.
2- الإنكار عليه والاحتساب عليه إن كانت لنا عليه سلطة، كما لو وقع هذا السِّحر والدَّجل من خدمنا ومن تحت أيدينا.
- أو إبلاغ جهات الحسبة من هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أوِ الإمارات أو مراكز الشُّرطة؛ براءةً للذِّمَّة وسلامة للعقيدة.
3- بيان خطر هؤلاء بأعيانهم أو بجنسهم للنَّاس وتحذيرهم من أعمالهم والقدوم عليهم، وتشويه صورهم لدى المسلمين صغارًا وكبارًا؛ لينشأوا على كرههم وبغضهم والحذر منهم، سلامة للدِّيانة وحفظًا للمال والجسد والحال، والله المستعان.
(9) الآيات النَّافعة بإذن الله بحلِّ السِّحر ونحوه:
1- قراءة الفاتحة سبع مرَّاتٍ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى آخر السُّورة.
2- قراءة آية الكرسي {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
3- قراءة آخر آيتين من البقرة {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 285-286].
4- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين (3مرَّات).
5- قراءة آيات إبطال السِّحر فور الأعراف ويونس وطه، وهي:
أ- في الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: 117-122].
ب- وفي يونس: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 80-82].
ت- وفي طه: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: 69-70].
وتكرر هذه الآيات مرارًا وبقوةٍ مع رفع صوت وتيقنٍ بنفع وأثر كلام الله.
بقلم عبد النور خبابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق