سأرحل وأملي أن يأتي هذا اليوم؟
متى يأتي هذا اليوم .... يا أصحاب المناصب والراغبين فيها ؟!!!!!
إن من الآفات التي تعاني منها معظم البلدان
الإسلامية والتي أدت إلى تخلفها عن ركب الحضارة وانزوائها في عداد الدول المتخلفة
أنّ المناصب العامة بها صارت مغنماً لمن يعتليها بل صارت مستباحة يحقق الفرد من
خلالها طموحاته الشخصية ويكون له ولأسرته ثروةً وشهرةً يظن أنها قد تساعدهم على
مواجهة الحياة مستقبلاً وتحقق لهم الرفاهية على طول الطريق ولربما تغسل فقر الماضي
وحرمانه ، ولأن المناصب في بلادنا صارت توزع على الأقارب والأصدقاء ولا يراعى
فيها المصلحة ووسد الأمر إلى أهله فلا ينتظر أبداً أن نتقدم ولو قيد أنملة
بل سنتراجع وسنتراجع فكما يقال \" الشَلَل من الشِلَل \" فبلادنا في
حالة شلل كامل وإلى الآن بسبب تلك الآفة ؛
ولهذا أتساءل متى يأتي هذا اليوم الذي نجد
فيه الناس يهربون من اعتلاء المناصب وتحمل تبعاتها ومسئولياتها؟
أو متى يأتي هذا اليوم الذي نجد فيه الناس
يعتبرون المنصب تكليفاً شاقاً وليس تشريفا ممتعاً؟
أو متى يأتي هذا اليوم الذي نجد فيه معتلي
المناصب يجاهدون ويبذلون أقصى ما عندهم لتبرئة ذمتهم أمام الله ثم أمام الناس
بأداء الواجب وتحمل المسئولية ؟
أو متى يأتي هذا اليوم الذي يوسد فيه الأمر
إلى أهله حتى لا نجد السفهاء يتحدثون في أمور العامة ويتحكمون فيها ؟
أو متى يأتي هذا اليوم الذي يكون فيه المنصب
وسيلة لإسعاد الناس وقضاء حوائجهم لا لغاية إسعاد النفس وقضاء حوائج العائلة أو
الأسرة ؟
أو متى يأتي هذا اليوم الذي يعترف فيه صاحب
المنصب بخطئه إذا أخطأ ويترك لغيره المنصب طالما أنه لم يوفق؟
أو متى هذا اليوم الذي نرى فيه صاحب المنصب
يترك منصبه حينما يقل عطاؤه أو يرى أنه غير قادر على أداء واجباته ومسئولياته أو يرى
أنه قدم أقصى ما عنده ويرى أن غيره أحق بالمنصب منه وأقدر على استكمال المسيرة أو
تصحيح الأخطاء التي ربما تكون قد وقعت؟.
أسئلة كثيرة عن يوم أعرف انه قد لا يأتي في
الوقت الراهن والشواهد تدل على ذلك ولكنّ أملاً في الله كبير أن يتغير الوضع
الراهن ويفهم كل واحد منا صعوبة وعظم تولي أمر من أمور المسلمين كما فهم ذلك
الصحابة والتابعين وغيرهم من الصالحين فكانوا يتهربون من تحمل المسئولية وكان من
يتولى منهم أمراً من أمور المسلمين يكون ذلك على مضض ولضرورة ملحة وتكليف واجب
فلقد كانت المناصب في أيديهم لا في قلوبهم فلقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : \" اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ....\" ،
ويقول: \" من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيط فما فوقه ، كان غلولاً يأتي
به يوم القيامة ..... \" ، ويقول: \" إن رجالاً يتخوضون في مال الله
بغير حق فلهم النار يوم القيامة \" ، ويقول: \" من لم يرحم الناس لا
يرحمه الله \" ، ويقول: \" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته :
الأمام راع ومسئول عن رعيته .....\" ، ويقول: \" ما من عبد
يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة \"
، ويقول: \" اللهم من ولّي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن
ولّي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به \" ، ويقول: \" من ولاه الله
شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته
وخلته وفقره يوم القيامة \" ، ويقول : \" نِعْمَ الشَّيء الإِمارة لمن
أَخذها بحقِّها وحِلِّها، وبئس الشَّيء الإِمارة لمن أَخذها بغير حقِّها، فتكون
عليه حسرةً يوم القيامة\".
لقد عاش الصحابة تلك المعاني وفهموا تلك
الأحاديث فرأينا تلك الأمثلة النيرة التي تعبّر عما ذكرناه وإليكم زهرات من ذلك
البستان الطيب:
* يروى أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر -رضي
الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال عمر: عذت معاذًا، قال:
سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين.
فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم هو وابنه معه، فقال عمر: أين المصري؟ فجاءه، فقال
له: خذ السوط فاضربه، فجعل يضربه بالسوط، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين، ثم قال
عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو، فقال المصري: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي
ضربني، وقد استقدت منه (أي اقتصصت منه). فنظر عمر إلى عمرو نظرة لوم وعتاب وقال
له: منذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ فقال عمرو: يا أمير
المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني.
* كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الاسلام
في احدى المعارك الفاصلة الكبرى .. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي
عبيدة مكان خالد..
ولم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا
الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر، وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد، فطن،
أمين.. حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم .. وآنئذ، تقدّم اليه في أدب جليل بكتاب
أمير المؤمنين!!ويسأله خالد: \" يرحمك الله يا أبا عبيدة. و ما منعك أن
تخبرني حين جاءك الكتاب\"..؟؟ فيجيبه أمين الأمة: \" إني كرهت أن
أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله
اخوة\"!!
عُتبة بن غزوان.. كان سابع سبعة سبقوا إلى
الإسلام.. وبسطوا أيديهم إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وعندما تولى (عمر
بن الخطاب رضى الله عنه) الخلافة وأصبح أميرًا للمؤمنين.. طلب من (عُتبة بن غزوان)
أن يسافر إلى (البصرة) بالعراق (ليتولى الإمارة) هناك..
ذهب (عتبة بن غزوان) إلى (البصرة)..
وعمّرها.. وشيّد فيها مسجدًا عظيمًا.. وكان موضع تقدير وإعجاب من أهل البصرة..
وتمر الأيام.. ويحاول المقربون منه أن
يثيروا في نفسه (الإمارة) يعنى..أن يشعروه أنه أصبح يختلف عن كل الناس لأنه (أمير
البصرة).
فيقول لهم.. والله.. لقد كنت مع رسول الله..
سابع سبعة.. مالنا من طعام إلا ورق الشجر.!! وقال لهم: أعوذ بالله أن أكون في
دنياكم عظيمًا.. وعند الله.. ضعيفًا.. (غدًا) سوف ترون الأمراء من بعدى.
سافر يومًا ليؤدى فريضة الحج.. والتقى بأمير
المؤمنين (عمر بن الخطاب) وطلب منه أن يعفيه من الإمارة على البصرة..
رد عليه (عمر) قائلاً: أتضعون أماناتكم في
عنقي ثم تتركـوني وحـدي.. لا (والله) لا أعفيك أبدًا.. ولم يكن في وسع (عتبة) إلا
الطاعة.. وقال وهو يركب راحلته عائدًا إلى البصرة رافعًا كفّيه إلى السماء ألا
يرده إلى البصرة.. ولا إلى الإمارة.. واستجاب (الله) إلى دعائه.. وفاضت روحه إلى
السماء قبل أن يصل إلى البصرة.!!
ولي عبد الرحمن بن الضَّحاك بن قيس المدينة
المنوَّرة سنتين ، فأَحسن السِّيرة، وعفَّ عن أَموال النَّاس، ثمَّ عُزِل،
فاجتمعوا إِليه، فأَنشد لدَرَّاج الضَّبابي:
فلا السِّجن أَبكاني ولا القيد شَفَّني ***
ولا أَنَّني من خشية الموتِ أَجزعُ
ولكنَّ أَقواماً أَخافُ عليهـــــــم إِذا
*** متُّ أَن يُعْطَــــوا الَّذي كنت أَمنَـعُ
ثم قال: واللهِ ما أَسفت على هذه الولاية،
ولكنِّي أَخشى أن يلي هذه الوجوه مَنْ لا يرعى لها حقَّها.
* وأَحضر الرشيد رجلاً ليولِّيَه القضاء،
فقال له: إِنِّي لا أُحسن القضاء، ولا أَنا فقيه، قال الرَّشيد: فيك ثلاث خِلاَل:
لك شرف والشَّرف يمنع صاحبه من الدَّناءة، ولك حلم يمنعك من العَجَلَة، ومن لم
يَعْجَل قلَّ خطؤه، وأَنت رجل تشاور في أَمرك، ومن شاور كَثُر صوابه، وأَمَّا
الفقه، فسينضم إِليك من تتفقَّه به، فوَلي فما وجدوا فيه مطعناً .
ولهذا وغيره الكثير فإن الصحابة عاشوا اليوم
الذي نتساءل عنه ونتمنى أن نراه يوماً ما ونعايشه ونرى أمثلة تسعدنا وتثبت للدنيا
كلها أن الأمة الإسلامية بخير ، وأن أبناءها ما زالوا متمسكين بدينهم سعداء بشريعة
ربهم داعين الناس لخير الدنيا والآخرة وسعادتهما ، وأن الأيمان مازال يجري في قلوبهم
وعقولهم ومازالت بشاشته تخالط نفوسهم يحصد الناس ثمارها من جميل الأقوال وحسن
السيرة وحلاوة السٌّلوك.
بقلم عبد النور خبابة
مافي كلام نقب بيهو خلصت الكلام خاصة الموضوع جزاك الله الف خير
ردحذفأستاذي الفاضل:
ردحذفجزاك الله خيرا على الموضوع الرائع وفقك الله وحفظك من كل سوء
جزاكم الله خيرا
ردحذفجزاكم الله خيرا
ردحذف