عجبت لقلوب هؤلاء
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102].
أخي المسلم: أريد أن انطلق أنا وأنت مع آية من كتاب الله، مع أصحاب تلك القلوب النيرة، حيث قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [سورة الأعراف: 201].
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "المؤمن يرى ذنوبه مثل الجبل يخشى أن يقع فيه، والمنافق يرى ذنوبه كذباب قام على أنفه فقال به هكذا" [رواه البخاري موقوفاً].
وريقات نتجول من خلالها في حياة الصالحين عندما يلم أحدهم بخطأ أو يفوته خير، ماذا كان يفعل؟ وبماذا كان يحس؟.
إنه إحساس المؤمن من الذنب وفوات الخير،إنه شعور مرهف وقلق دائم،وغمٌ مطبق عندما يفعل ذنباً.
أخي وأنت تقرأ هذه الصفحات عن أحوال الأخيار تساءل: لِمَ هذا الشعور وهذا الإحساس؟ وكيف وصلوا إلى هذه المرحلة من الإحساس والشعور؟ ثم قارن ذلك بحالنا – نحن المقصرين- محاولاً معرفة السبب الذي سنصل إليه أنا وأنت في النهاية.
مطالب عالية
عندما صلى العصر – ولم تفته ركعة ولا تكبيرة الإحرام- رجع إلى منزله وجلس مع أهله، أخبرهم بأنه في ضيق. فقيل له في ذلك،فقال: صليت فريضة الله بدون حضور قلب ولا تدبر، فلم أهتم بها ولم أؤدها كما ينبغي، فلا أحس بأثرها في قلبي، بل أحس بضيق... إنها فريضة. أستغفر الله.. أستغفر الله.
ويذكرنا هذا الموقف بعلي بن الحسين (زين العابدين) حينما يتوضأ ويقوم للصلاة تأخذه رعدة فقيل له: "ما لك؟"، فقال: "ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟" (1)
قلوب حية
وهذا كرز بن وبرة أخذ في البكاء: فقيل له: "ما يبكيك؟"، قال: "منعت جزئي أن أقرأه البارحة، وما هو إلا من ذنب أذنبته" (1).
يبكي لأنه مضت عليه ليلة لم يقم يصلي ويقرأ القرآن فيها، بل إنه اتهم نفسه مسنداً ذلك إلى ذنب منعه الخير.
فهل خصصنا نحن جزءاً نقرأه كل ليلة من أجل أن نحزن أو لا نحزن إذا فات؟!
كنا في رفقةٍ في موسم الحج ومعنا ذاك الرجل الذي قد زار بيت الله الحرام،وأدى مناسك الحج،وقد كان يلهج بالدعاء ليلاً ونهاراً، وكم قد دمعت عيناه في تلك البقاع الطيبة متمنياً غفرات السيئات وإجابة الدعوات والقرب من رب الأرض والسموات.
والعجب أنه قد ظهرت عليه سيما التقى والصلاح يقول: والله الذي لا إله إلا هو إني خائف ألا يقبل الله مني بسبب ما عندي من سوء النية والطوية، والله يعلم ذلك لكني أرجوا أن يتقبل مني برحمته وهو أرحم الراحمين.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [سورة المؤمنون: 60]
منذ أربعين سنة
قال محمد بن سيرين: "إني لأعرف الذنب الذي حُمل به علي الدين، قلت لرجل من أربعين سنة: يا مفلس.
قال أبو سليمان الداراني: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى؟ (1). (1) صفة الصفوة: ج3.
إحساس طفل
جاء إلى معلمه يشكو إليه شيئاً أرقه وآلمه قائلاً:
إن أبي لا يصلي وقد نصحته كثيراً فتضايق مني حتى طردني.
حاول المعلم أن يذكره ببعض الوسائل المفيدة في ذلك،وإذا بالغلام يقول: قد فعلت فلم تُجدِ شيئاً.
حينها قال المعلم: إذا فعلتَ ما تستطيع،وحاولت فلم يستجيب فأنت معذور.
لكن الغلام الصغير لم يقتنع بهذا الكلام عند هذا الحد،وتغير وجهه وأغرورقت عيناه فرد فوراً:
لا، لا..لا أريد أن يكون أبي لا يصلي، لا أريد.
أخي: كم نعرف الكثير من الأخطاء عند الأهل والأقرباء والأصدقاء، فهل أحسسنا وشعرنا بتقصيرنا تجاههم بعبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
سنة ونصف
ذهبت الرفقة الصالحة في الطريق إلى رحلتها، وكان أحد الطلاب (في الأول الثانوي) يركب الحافلة الثانية, وفي الطريق تعطلت الحافلة الثانية، ووقفت الحافلة الأولى ومن فيها لمساعدتهم فوجدوا العطل يسيراً، فقالوا: نتقدمكم إلى المكان، وأثناء ذلك أوصى الطالب الأستاذ الذي يركب في الحافلة الأولى بألا يبدءوا بالصلاة حتى يحضر هو ورفاقه، وكررها مرة بعد أخرى،فلما وصلوا إلى المكان المناسب بدءُوا بالصلاة، فلما حضر الطلاب من الحافلة الثانية أدركوهم في الركعة الثانية، فلما انتهت الصلاة ذهب ذلك الطالب إلى الأستاذ قلقاً متحسراً قائلاً: لِمَ صليتهم وقد أوصيتك بألا تصلوا حتى نحضر؟
والوصية لم يحسب المعلم لها حساباً كبيراً.
ثم أكمل الطالب قائلاً: لِمَ يا أستاذ فقد فاتتني تكبيرة الإحرام وقد كنت مستمراً متعهداً محافظاً عليها منذ سنة ونصف، وهاهي اليوم تفوتني.
الله أكبر: بماذا يشعر؟ وماذا يقول من فاتته الركعات تلو الركعات إن لم يكن الصلوات والأوقات؟!
أخذ يتفكر ويتذكر أعمال الخير من أعمالٍ إغاثية ودعوية وخيرية كبناء للمساجد وطباعةٍ للمصاحف وكتب العلم، ومحاضراتٍ وبعثات دعوية، وحلقات للتحفيظ للرجال والنساء، وتجهيز للغزاة ودعوة غير المسلمين، وكفالة للأيتام وإطعام للمساكين، وقضاء للديون، ومساعدةٍ للراغبين في الزواج، وسقيا المسلمين وإفطار للصائمين، وتذكر المؤسسات الخيرية والمكاتب الدعوية والأوقاف الخيرية والمدارس التعليمية... إلخ أعمال الخير في جميع أنحاء الأرض.
ثم تمنى من أعماق قلبه عازماً أن لو كان عنده مال يكفي جميع ما تقدم من الخيرات، بل وجميع خيرات الأرض لينفق هو عليها ويكون متسبباً فيها... ثم بكى مرة أخرى.
كل ذلك أملاً أن يكون أعظم المسلمين أجراً.. ثم الدرجات العلى برحمة الله.
إنه قلب حي، ونية طيبة، وعزيمة صادقة، وبكاءٌ، خوف فواتِ الخير.
ومن المسلمين من يملك الأموال ويستطيع الإنفاق لكن... إلا من وفقه الله.
وكم من نية صادقة سبقت أعمالاً كثيرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل بعلمه في ماله؛ ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء..» الحديث. [رواه ابن ماجة، صحيح الترغيب والترهيب].
هذه قلوب الصالحين...
من خلال هذه القصص والمواقف نرى أن المؤمن:
* صاحب إحساس وقلب حي تلومه نفسه، ويتألم عندما يفعل معصية صغيرة أم كبيرة، وكأنها جبل قد أثقله حتى يتوب توبة نصوحاً.
* تلومه نفسه ويتألم عندما يفوته الخير والطاعة واجبة أم مستحبة.
وكما قال تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [ سورة القيامة: 2].
وقال الحسن البصري: "إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه، ما أردت بكلمتي, ما أردت بأَكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟، وإن الفاجر يمضي قدماً ما يعاتب نفسه".
* وعندما تصيبه مصيبة يعلم أنها بسبب أفعاله متذكراً قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [سورة الشورى: 30].
فهل أنت أخي الحبيب ممن يلوم نفسه ويحاسبها فيكون من هؤلاء الصالحين؟
- يأكلون الحرام ويسيرون في أموال الربا.
- تفوتهم الصلاة أو بعض الركعات، إن لم يخرجوها عن الأوقات.
-ينظرون إلى المحرمات في الأسواق والطرقات والشاشات.
- يطلقون ألسنتهم وآذانهم للآثام.
- بعيدون في هيئتهم ولباسهم عن أهل الإسلام.
- يذهب اليوم واليومان فأكثر ولم يفتحوا كتاب رب الأرض والسموات.
- بل قال بعضهم: لم أفتح المصحف سنة كاملة إلا في رمضان.
- يرضون أو يتغافلون عما في بيوتهم وأهليهم من منكرات.
- يغيب عن إحساسهم أهمية أداء الأمانات.
وعندما يكون عند احدهم شيء من هذه الأخطاء لا يحس بالضيق ولا يأبه بذلك، وكان شيئاً لم يكن، كأنه ممن قال الله فيه: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [سورة القيامة: 5].
فهل أنت من هؤلاء؟
قال ابن مسعود: "إنكم لتعملون أعمالاً كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات".
روي أن ابن المنكدر بكى، فقيل: ما يبكيك؟
فقال: أخاف أن أكون أذنبت ذنباً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم.
أخي: ما أجمل أن يعترف المقصر بتقصيره، فبداية الدواء معرفة الداء.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عُوداً عوداً, فأي قلبٍ أشربها نكتت فيه نكتت سوداء, وأي قلبٍ أنكرها نُكتت فيه نُكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا, لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه» [رواه مسلم].
أسباب عدم تأنيب الضمير (الغفلة):
1- قلة المحبة لله.
2- ضعف تعظيم الله والخوف منه.
3- نسيان أضرار المعصية.
4- ضعف المحاسبة للنفس وقلة تذكر الآخرة.
5- عدم الاهتمام بضعف أو زيادة الإيمان.
لكن إن ذكر المسلم نفسه بأنه يحب الله قولاً وفعلاً، وعظم الله في قلبه، وحاسب نفسه, وعمل للآخرة؛ حينها: يزيد الإيمان فيحيا القلب حياة الطيبين الصالحين، فيتألم لفوات الخيرات, ويندم لفعل المنكرات، ويتذكر عند وقوع النكبات أنها بعلم الحكيم الغفار.
وفي الختام
أخي الحبيب: إن كنت عرفت السبب الذي جعل أولئك الصالحين يعيشون بذلك الإحساس والشعور والقلب الحي؛ وإلا فعُد واقرأ هذه الكلمات، إن أردت الفائدة والنجاة.
وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102].
أخي المسلم: أريد أن انطلق أنا وأنت مع آية من كتاب الله، مع أصحاب تلك القلوب النيرة، حيث قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [سورة الأعراف: 201].
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "المؤمن يرى ذنوبه مثل الجبل يخشى أن يقع فيه، والمنافق يرى ذنوبه كذباب قام على أنفه فقال به هكذا" [رواه البخاري موقوفاً].
وريقات نتجول من خلالها في حياة الصالحين عندما يلم أحدهم بخطأ أو يفوته خير، ماذا كان يفعل؟ وبماذا كان يحس؟.
إنه إحساس المؤمن من الذنب وفوات الخير،إنه شعور مرهف وقلق دائم،وغمٌ مطبق عندما يفعل ذنباً.
أخي وأنت تقرأ هذه الصفحات عن أحوال الأخيار تساءل: لِمَ هذا الشعور وهذا الإحساس؟ وكيف وصلوا إلى هذه المرحلة من الإحساس والشعور؟ ثم قارن ذلك بحالنا – نحن المقصرين- محاولاً معرفة السبب الذي سنصل إليه أنا وأنت في النهاية.
مطالب عالية
عندما صلى العصر – ولم تفته ركعة ولا تكبيرة الإحرام- رجع إلى منزله وجلس مع أهله، أخبرهم بأنه في ضيق. فقيل له في ذلك،فقال: صليت فريضة الله بدون حضور قلب ولا تدبر، فلم أهتم بها ولم أؤدها كما ينبغي، فلا أحس بأثرها في قلبي، بل أحس بضيق... إنها فريضة. أستغفر الله.. أستغفر الله.
ويذكرنا هذا الموقف بعلي بن الحسين (زين العابدين) حينما يتوضأ ويقوم للصلاة تأخذه رعدة فقيل له: "ما لك؟"، فقال: "ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟" (1)
تفيـض عـيونـي بالدمــوع السواكـب***ومالي لا أبكي عل خير ذاهب
علـى كـم ذنــوب كـم عيــوبٍ وزلـــةٍ***وسيئـة مخشيـةٍ في العـواقـب
علــى أننــي قـد أذكــر الله خالقــي***بغير حضــور لازم ومصـاحـــــبِ
أصلي الصلاة الخمس والقلب جائلٌ***بأودية الأفكــار من كـل جـانــبِ
(1) صفة الصفوة.علـى كـم ذنــوب كـم عيــوبٍ وزلـــةٍ***وسيئـة مخشيـةٍ في العـواقـب
علــى أننــي قـد أذكــر الله خالقــي***بغير حضــور لازم ومصـاحـــــبِ
أصلي الصلاة الخمس والقلب جائلٌ***بأودية الأفكــار من كـل جـانــبِ
قلوب حية
وهذا كرز بن وبرة أخذ في البكاء: فقيل له: "ما يبكيك؟"، قال: "منعت جزئي أن أقرأه البارحة، وما هو إلا من ذنب أذنبته" (1).
يبكي لأنه مضت عليه ليلة لم يقم يصلي ويقرأ القرآن فيها، بل إنه اتهم نفسه مسنداً ذلك إلى ذنب منعه الخير.
فهل خصصنا نحن جزءاً نقرأه كل ليلة من أجل أن نحزن أو لا نحزن إذا فات؟!
إذا مضت الأوقات في غير طاعـةٍ***ولم تك محزوناً فذا أعـظم الخـطبِ
علامة مـوت القلب أن لا ترى به***حراكاً إلى التقوى وميلاً عن الذنبِ (1) صفة الصفوة: ج3.
بين الخوف والرجاءعلامة مـوت القلب أن لا ترى به***حراكاً إلى التقوى وميلاً عن الذنبِ (1) صفة الصفوة: ج3.
كنا في رفقةٍ في موسم الحج ومعنا ذاك الرجل الذي قد زار بيت الله الحرام،وأدى مناسك الحج،وقد كان يلهج بالدعاء ليلاً ونهاراً، وكم قد دمعت عيناه في تلك البقاع الطيبة متمنياً غفرات السيئات وإجابة الدعوات والقرب من رب الأرض والسموات.
والعجب أنه قد ظهرت عليه سيما التقى والصلاح يقول: والله الذي لا إله إلا هو إني خائف ألا يقبل الله مني بسبب ما عندي من سوء النية والطوية، والله يعلم ذلك لكني أرجوا أن يتقبل مني برحمته وهو أرحم الراحمين.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [سورة المؤمنون: 60]
منذ أربعين سنة
قال محمد بن سيرين: "إني لأعرف الذنب الذي حُمل به علي الدين، قلت لرجل من أربعين سنة: يا مفلس.
قال أبو سليمان الداراني: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى؟ (1). (1) صفة الصفوة: ج3.
إحساس طفل
جاء إلى معلمه يشكو إليه شيئاً أرقه وآلمه قائلاً:
إن أبي لا يصلي وقد نصحته كثيراً فتضايق مني حتى طردني.
حاول المعلم أن يذكره ببعض الوسائل المفيدة في ذلك،وإذا بالغلام يقول: قد فعلت فلم تُجدِ شيئاً.
حينها قال المعلم: إذا فعلتَ ما تستطيع،وحاولت فلم يستجيب فأنت معذور.
لكن الغلام الصغير لم يقتنع بهذا الكلام عند هذا الحد،وتغير وجهه وأغرورقت عيناه فرد فوراً:
لا، لا..لا أريد أن يكون أبي لا يصلي، لا أريد.
أخي: كم نعرف الكثير من الأخطاء عند الأهل والأقرباء والأصدقاء، فهل أحسسنا وشعرنا بتقصيرنا تجاههم بعبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
سنة ونصف
ذهبت الرفقة الصالحة في الطريق إلى رحلتها، وكان أحد الطلاب (في الأول الثانوي) يركب الحافلة الثانية, وفي الطريق تعطلت الحافلة الثانية، ووقفت الحافلة الأولى ومن فيها لمساعدتهم فوجدوا العطل يسيراً، فقالوا: نتقدمكم إلى المكان، وأثناء ذلك أوصى الطالب الأستاذ الذي يركب في الحافلة الأولى بألا يبدءوا بالصلاة حتى يحضر هو ورفاقه، وكررها مرة بعد أخرى،فلما وصلوا إلى المكان المناسب بدءُوا بالصلاة، فلما حضر الطلاب من الحافلة الثانية أدركوهم في الركعة الثانية، فلما انتهت الصلاة ذهب ذلك الطالب إلى الأستاذ قلقاً متحسراً قائلاً: لِمَ صليتهم وقد أوصيتك بألا تصلوا حتى نحضر؟
والوصية لم يحسب المعلم لها حساباً كبيراً.
ثم أكمل الطالب قائلاً: لِمَ يا أستاذ فقد فاتتني تكبيرة الإحرام وقد كنت مستمراً متعهداً محافظاً عليها منذ سنة ونصف، وهاهي اليوم تفوتني.
الله أكبر: بماذا يشعر؟ وماذا يقول من فاتته الركعات تلو الركعات إن لم يكن الصلوات والأوقات؟!
من يهن يسهل الهوان عليه***ما لـجـرحٍ بميتٍ إيـلامُ
لا يملك مالاًأخذ يتفكر ويتذكر أعمال الخير من أعمالٍ إغاثية ودعوية وخيرية كبناء للمساجد وطباعةٍ للمصاحف وكتب العلم، ومحاضراتٍ وبعثات دعوية، وحلقات للتحفيظ للرجال والنساء، وتجهيز للغزاة ودعوة غير المسلمين، وكفالة للأيتام وإطعام للمساكين، وقضاء للديون، ومساعدةٍ للراغبين في الزواج، وسقيا المسلمين وإفطار للصائمين، وتذكر المؤسسات الخيرية والمكاتب الدعوية والأوقاف الخيرية والمدارس التعليمية... إلخ أعمال الخير في جميع أنحاء الأرض.
ثم تمنى من أعماق قلبه عازماً أن لو كان عنده مال يكفي جميع ما تقدم من الخيرات، بل وجميع خيرات الأرض لينفق هو عليها ويكون متسبباً فيها... ثم بكى مرة أخرى.
كل ذلك أملاً أن يكون أعظم المسلمين أجراً.. ثم الدرجات العلى برحمة الله.
إنه قلب حي، ونية طيبة، وعزيمة صادقة، وبكاءٌ، خوف فواتِ الخير.
ومن المسلمين من يملك الأموال ويستطيع الإنفاق لكن... إلا من وفقه الله.
وكم من نية صادقة سبقت أعمالاً كثيرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل بعلمه في ماله؛ ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء..» الحديث. [رواه ابن ماجة، صحيح الترغيب والترهيب].
هذه قلوب الصالحين...
من خلال هذه القصص والمواقف نرى أن المؤمن:
* صاحب إحساس وقلب حي تلومه نفسه، ويتألم عندما يفعل معصية صغيرة أم كبيرة، وكأنها جبل قد أثقله حتى يتوب توبة نصوحاً.
* تلومه نفسه ويتألم عندما يفوته الخير والطاعة واجبة أم مستحبة.
وكما قال تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [ سورة القيامة: 2].
وقال الحسن البصري: "إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه، ما أردت بكلمتي, ما أردت بأَكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟، وإن الفاجر يمضي قدماً ما يعاتب نفسه".
* وعندما تصيبه مصيبة يعلم أنها بسبب أفعاله متذكراً قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [سورة الشورى: 30].
فهل أنت أخي الحبيب ممن يلوم نفسه ويحاسبها فيكون من هؤلاء الصالحين؟
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقـى *** وأبصر بعد الموت من قد تزودا
نـدمـت على أن لا تكـون كمثلـه *** وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
وهذه قلوب الغافليننـدمـت على أن لا تكـون كمثلـه *** وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
- يأكلون الحرام ويسيرون في أموال الربا.
- تفوتهم الصلاة أو بعض الركعات، إن لم يخرجوها عن الأوقات.
-ينظرون إلى المحرمات في الأسواق والطرقات والشاشات.
- يطلقون ألسنتهم وآذانهم للآثام.
- بعيدون في هيئتهم ولباسهم عن أهل الإسلام.
- يذهب اليوم واليومان فأكثر ولم يفتحوا كتاب رب الأرض والسموات.
- بل قال بعضهم: لم أفتح المصحف سنة كاملة إلا في رمضان.
- يرضون أو يتغافلون عما في بيوتهم وأهليهم من منكرات.
- يغيب عن إحساسهم أهمية أداء الأمانات.
وعندما يكون عند احدهم شيء من هذه الأخطاء لا يحس بالضيق ولا يأبه بذلك، وكان شيئاً لم يكن، كأنه ممن قال الله فيه: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [سورة القيامة: 5].
فهل أنت من هؤلاء؟
قال ابن مسعود: "إنكم لتعملون أعمالاً كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات".
روي أن ابن المنكدر بكى، فقيل: ما يبكيك؟
فقال: أخاف أن أكون أذنبت ذنباً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم.
أخي: ما أجمل أن يعترف المقصر بتقصيره، فبداية الدواء معرفة الداء.
أنا العبد الذي كســب الـذنـوبــا *** وغـرتـه الأمـانـي أن يتــوبــــا
أنا العبد الذي أضحــى حـزينـــاً *** علـى زلــــة قـلـقــــاً كـئـيبــــا
أنا العبد المسيء عصــيت سـراً *** فمــالي الآن لا أبــدي النحيبـا
أنا العبد المخـلــف عـن أنـــاسٍ *** حووا من كل معروفٍ نصيبــــا
أنا المقطوع فارحمــني وصلنـي *** ويسر منك لي فرجــاً قريبــــا
حــــديثأنا العبد الذي أضحــى حـزينـــاً *** علـى زلــــة قـلـقــــاً كـئـيبــــا
أنا العبد المسيء عصــيت سـراً *** فمــالي الآن لا أبــدي النحيبـا
أنا العبد المخـلــف عـن أنـــاسٍ *** حووا من كل معروفٍ نصيبــــا
أنا المقطوع فارحمــني وصلنـي *** ويسر منك لي فرجــاً قريبــــا
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عُوداً عوداً, فأي قلبٍ أشربها نكتت فيه نكتت سوداء, وأي قلبٍ أنكرها نُكتت فيه نُكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا, لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه» [رواه مسلم].
أسباب عدم تأنيب الضمير (الغفلة):
1- قلة المحبة لله.
2- ضعف تعظيم الله والخوف منه.
3- نسيان أضرار المعصية.
4- ضعف المحاسبة للنفس وقلة تذكر الآخرة.
5- عدم الاهتمام بضعف أو زيادة الإيمان.
لكن إن ذكر المسلم نفسه بأنه يحب الله قولاً وفعلاً، وعظم الله في قلبه، وحاسب نفسه, وعمل للآخرة؛ حينها: يزيد الإيمان فيحيا القلب حياة الطيبين الصالحين، فيتألم لفوات الخيرات, ويندم لفعل المنكرات، ويتذكر عند وقوع النكبات أنها بعلم الحكيم الغفار.
وفي الختام
أخي الحبيب: إن كنت عرفت السبب الذي جعل أولئك الصالحين يعيشون بذلك الإحساس والشعور والقلب الحي؛ وإلا فعُد واقرأ هذه الكلمات، إن أردت الفائدة والنجاة.
خل الذنوب صغيرهــا***وكـبـيـرهـــا ذاك الــتقـــــى
واصنع كمــاشٍ فــوق***أرض الشوك يحذر ما يــرى
لا تحقــرن صغيـــــــرةً***إن الجبـــال مـن الـحـصـى
أسأل الله أن يغفر لنا ما سلف وكان، وأن يجعلنا ممن إذا ذُكر تذكر، وإذا أذنب استغفر.واصنع كمــاشٍ فــوق***أرض الشوك يحذر ما يــرى
لا تحقــرن صغيـــــــرةً***إن الجبـــال مـن الـحـصـى
وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
بقلم عبد النور خبابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق