قراءة في كتاب: من الجلفة عاصمة السهوب...إلى مدينة المصطفى
أضاف الكاتب الى الرحلة بهارًا غزيرًا وأوقد في النفوس ضوءا جديدا، وأجلى الكثير من الحقائق فعمل بذكاءعلى رصدها بأسلوب سياسي مكين، وتواصل مع المتلقي بلغة عذبة سهلة متدفقة سلسة، صياغاتها واضحة المعنى والمبنى،وأودعها أفكارًا مهندمة...
01- و يضم الكتاب بين دفتيه أخبارَرحلة جماعيّة إلى بيت الله الحرام عن طريق البر، موسوم بعنوان: {من الجلفة عاصمة السهوب..إلى مدينة المصطفى المحبوب} أمنيّة منىَّ بها النفس وتحققت، وأصبح بعدها مُلحقا بالقنصلية الجزائرية بجدّة، رافق بعض المعتمرين من الجلفة شهر ماي 2005 وكان شائعا يومئذ أن العقبة الكأدء في الطريق هي على الحدود المصريّة، لذلك أخذوا الاحتياطات وتزوّدوا بالصبر وعدم إصدار الأحكام المسبقة، ساروا والرّمال تغتسل بظلال غيمة كثيفة، والليل ينسجُ من خِيطان العتمة مُغامرة، يرافقهم سرب من الغبار، وللكاتب الرحَّالة مصطفى بن عطاءالله النائب في المجلس الوطني أحوال وصفات يتصف بها، من بينها المرح والنكتة والتكيف مع الأوضاع بسهولة ويسر، لذلك فإنه فتح لنا في كتابه نوافذ لقلوبنا مُشرعة وكانت بحق رحلته عبقة بأجمل الأمنيات وأطيب الذكريات، أسكن الحقيقة سحر حُروفه، وجميل عباراته، قرأ الوجوه وتنبأ بالرَّبيع العربي، نصوصه نابضة بالمعاني والقيّم، راصدة بدقة ماشاهد وسمع وقرأ، رسم جُسور العبور الى حضارات ومُدن آهلة، وصحاري شاسعة، شاركنا رحلته المدهشة والمشوّقة بالأفراح والانفعالات، وآهات معلقة على مشجب الكلمات، هو يستفز بعض الأحيان مشاعرنا لنغضب لغضبه ونبتسم لأبتسامته،عندما يتفاقم الانتظار في طلب الوثائق على المعابر، المغامرة والغضب والعتاب تمليها ظروف الرحلة.
2- كنت وأنَامِلي تقلب الصفحات {69} التسعة والستين المكتنزة بالعبر والأخبار وشيئ من التاريخ،أقرأ عن رجل متأثر بالرحالة الكبار، فهو إبن بطوطة أوماركوبولو،أوتشررلي دروين،أوهونجيب محفوظ، الفكرة تجمعه بهِؤلاء، في رحلة زمانية ومكانية، نصوصه تخالها خريطة ناطقة مضيئة بالألوان، تشكل مشهدا قرائيا جميلا زاخرا بالحقائق والتجارب، لم تكن الرحلة إمتاعا وحسب، وإنما تحليق بين صحراء الجزائر وتونس وليبيا ، ومصر والأردن، ثم السعوديّة، و الصحراء هي الجسر الذي ربط مفاصل هذه الرحلة الروحيّة، نصوص متسلسلة مسترسلة في السرد، محبوكة بعناية، مطعمة بنكهة رومانسيّة تنير طريق القارئ وتقوده بهدوء الى حيث كان وأين سيكون ولماذا قام بهذا المغامرة وهو حسير؟ وكيف كانت علاقته بالمجموعة التي تربطه بهم وشائج المحبة، وقبلوا به رفيقا رغم تثبث القوم بالعادات المحافظة، وأدب الرحلات أدب رفيع وممتع، يشتغل على الوضوح، والتقريريّة، ويؤسّس زمانا إبداعيًا مثيرًا، يجعل القارئ متفاعلا مع الأحداث، من بداية النص الى نهايته، فبالنظر إلى ما تحتويه النصوص الدسمة الحبلى بالحقائق والمفاجآة ومن ألأحْوِرَة والمقابلات والمشاكسات وبعض الأحكام، فإن المواقف الانسانية كانت حاضرة بيد أنها تختلف من قطر الى آخر، باختلاف الأمزجة والمعاملة، وليس لهذه الشعوب المقهورة تقاليد عمل وضوابط، بله إجتهادات وأمزجة على مستوى نقاط التفتيش والجمارك، متكآتها العادات والتقاليد وشيئ من التسلط الموروث عن الاستعمار، فحياة الناس متأثرة بأنظمة الحكم الاستبداديّة التي ضحكت على شعوبها بتبلد، وسلامة النهج أو إعوجاجه يتوقفان على طبيعة الانسان في تلك الديار، وعيوب التنظيم الاداري في العالم العربي طافحة بالسلبية وتكاد تلمسها، وكأنها مُستنسخة ناهيك عن المعاملات والسلوكات المريبة، ومانلمسه في النص من ذائقة أدبيّة فكرية وجدانيّة ومشاعر تلتهب بالصور والمفاجآت لايمكن وصفها بسهولة، فطبيعة الانسان المسافر والقاصد لبيت الله خاصة تختلف عن السائح ، إنه وهو على هذه الحالة يسرق الأنظار، وأن أتعاب السفروالارهاق والمشقة تبدو عليه وإن أخفاهاأو تظاهر بالحيوية والصبر تعلم.
3- والكتيب التحفة وإن كان من الحجم الصغير يدخلنا في جدليّة الوقت والتاريخ الذي يكتبنا والسياسة التي تؤرقنا، أودعه أسرارًا وقيَّما وصورًا لأحداث كثيرة وماجرى له و الرّفاق وما اعترض سبيلهم من عقبات، وما واجهوه من عنت ومعاملة تشبه الانتقام، سلوكات إستفزازية رعناء في نقاط العبور، والمقاييس يمكنها أن تنفلت رأسًا على عقب، وإنك إذ تتجول تعرف الحياة العربية على حقيقتها، وتعرف الانسان العربي على ماهو عليه، وتكشف أسباب التخلف الجاثمة على الصدور، الكاتب لمس جوانب من هذا لدى الشعوب العربية الممزقة الأطراف ومن زوايا مختلفة، شعوب قابعة في الفقر والجهل وسوء المعاملة، وهي مضطهدة من أنظمة إستبدادية قاهرة، فأثناء تنقله عبر المدن والأرياف استقى المعلومات والحقائق من الواقع مساءلة وإستنتاجا، فهو في تونس الخضراء يقول:{ أحسسنا بالراحة والهناء ؟}إنما معاملة الجمارك فيها إهانة مفرطة للجزائريين في حين يعامل الأجانب معاملة خاصة وقد خصص لهم جناح بينما يقف الجزائريون في طوابير والشمس تلفح وجوههم ، وهذا يعتبر إذلالا، وفي بلد { عمر المختار } ليبيا يقول: أنت صاحب الدار، وفي مركز العبور المصري يقول: تذكرنا يوم الحشر..اا .إهانة وإستصغار وتبجع ورعويّة، وإن المصريين في مختلف نقاط العبورللأسف يتلذذون بإلحاق الأذى بالجزائريين عن بينة وسابق ترصد، وأقول العاملين في نقاط التفتيش، أما الشعب المصري فإنه طيّب وخائف ومبعد عن الحياة، وفي مملكة {الأردن} يقول: زالت عنا كل المحن، قطعوا المسافات رغم بعدها بيسرإلى أن حطوا عصى الترحال في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستراحت القلوب وسعد الجميع وابتهجوا حدّ النشوة، ومن خلال هذه القراءة التحليلية السريعة للكتيب، تلاحظ أن الكاتب بن عطاءالله وهو صاحب كتابات أدبية وإجتماعية وسياسية وله مخطوطات في فن { المقامات } يعشق البساطة المتفجرة ينابعها أفكارًا، المشبعة حدّ الثمالة بنوع عجيب من الشحن العاطفي واللغوي والخيال الجانح للوصف، وكلما حطت القافلة رحالها للأستراحة يشعر بالخوف ويحسُّ بالخطر، و من خلال هذه الأوراق النديّة يقدّم لنا عرضا مميزا عن الثقافات والبيئات والعمران والطرقات، والتجارة ، وترى بالعين أن العادات العربية مازالت عذراء .
4- و أن الاسلام هو الخيط الذي يلتقى عليه كل العرب، وإنه القاسم الأفضل والأصدق والأنبل، الذي يمكن أن يلتقي عليه العرب مستقبلا كل العرب بغض النظر عن السياسات العرجاء وأسلوب المعاملة الهمجي لدى الجهات الرسمية، لذلك فالسائح العربي يشعر بالغبن خاصة في مصر التي دُمِّرت فيها العلاقات الانسانية والعربية بشكل يدعو إلى الشفقة، أكثريّة في هذا البلد صامتة، أقلية متسلطة، ليس هناك رأي معارض إلا من يعمل في الخفاء، وإن الاطاحة بنظام مبارك ماهو إلانتيجة لمعاناة الشعب المصري والتي لاتوصف. والخلاصة: أضاف الكاتب الى الرحلة بهارًا غزيرًا وأوقد في النفوس ضوءا جديدا، وأجلى الكثير من الحقائق فعمل بذكاءعلى رصدها بأسلوب سياسي مكين، وتواصل مع المتلقي بلغة عذبة سهلة متدفقة سلسة، صياغاتها واضحة المعنى والمبنى،وأودعها أفكارًا مهندمة، ولم يتجاهل أهداف الرحلة ومعانيها الروحيّة وشوقُ المرافقين، والكتيب قراءة راقية من راق يروق للوضع العربي وتقييمٌ دقيق للواقع على أرض الواقع إذ هذه الصفحات تِؤ سّس لاعادة الاعتبار لأدب الرحلة، وترسم تضاريس الألم في البلاد العربية والشعوب في صراع مرير مع المحبطات، وضع كارثي كان سببا رئيسا في الربيع الربي الذي كان بحق بركانا منتظرًا .. وعلى الله قصد السبيل..
البيرين يوم : 20-02-2012
م.ص.داسه
كتاب جدير بالقراءة شوفتنا لقراءته
ردحذفرووووووووووووووعة استاذتا الفاضل مصطفى
ردحذف