أوّل ُخطبة في مسجد كتشاوة بعد الاستقلال للشّيخ العلاّمة محمّد البشير الإبراهيمي رحمه الله. بعنوان: الاستدمار الفرنسي
الخطبة الأولى :
...ونستنزل من رحمات الله الصيبة، وصلواتها الزاكية الطيبة لشهدائنا الأبرار ما يكون كفاء لبطولتهم في الدفاع عن شرف الحياة وحرمات الدين وعزة الإسلام كرامة الإنسان وحقوق الوطن.
وأستمد من الله اللطف والإعانة لبقايا الموت وآثار الفناء ممن ابتلوا في هذه الثورة المباركة بالتعذيب في أبدانهم والتخريب لديارهم والتحيف لأموالهم.وأسأله تعالى للقائمين بشؤون هذه الأمة، ألفة تجمع الشمل، ووحدة تبعث القوة، ورحمة تضمد الجراح، وتعاونا يثمر المنفعة، وإخلاصا يهون العسير، وتوفيقا ينير السبيل وتسديدا يقوم الرأي ويثبت الأقدام، وحكمة مستمدة من تعاليم الإسلام وروحانية الشرق وأمجاد العرب، وعزيمة تقطع دابر الاستعمار من النفوس، بعد أن قطعت دابره من الأرض.
ونعوذ بالله ونبرأ إليه من كل داع يدعو إلى الفرقة والخلاف، وكل ساع يسعى إلى التفريق والتمزيق وكل ناعق ينعق بالفتنة والفساد.
ونحي بالعمار والثمار والغيث المدرار هذه القطعة الغالية من أرض الإسلام التي نسميها الجزائر، والتي فيها نبتنا، وعلى حبها ثبتنا، ومن نباتها غذينا وفي سبيلها أوذينا.
أحييك يا مغنى الكمال بواجب وأنفق في أوصافك الغر أوقاتي
يا أتباع محمد عليه السلام هذا هو اليوم الأزهر الأنور وهذا هو اليوم الأغر المحجل، وهذا هو اليوم المشهود في تاريخكم الإسلامي بهذا الشمال، وهذا اليوم هو الغرة اللائحة في وجه ثورتكم المباركة، وهذا هو التاج المتألق في مفرقها، والصحيفة المذهبة الحواشي والطرر من كتابها.
وهذا المسجد هو حصة الإسلام من مغانم جهادكم، بل هو وديعة التاريخ في ذممكم، أضعتموها بالأمس مقهورين غير معذورين واسترجعتموها اليوم مشكورين غير مكفورين وهذه بضاعتكم ردت إليكم، أخذها الاستعمار منكم استلابا، وأخذتموها منه غلابا، بل هذا بيت التوحيد عاد إلى التوحيد، وعاد إليه التوحيد فالتقيتم جميعا على قدر.
إن هذه المواكب الحاشدة بكم من رجال ونساء يغمرها الفرح، ويطفح على وجوهها البشر لتجسيم لذلك المعنى الجليل، وتعبير فصيح عنه، وهو أن المسجد عاد إلى الساجدين الركع من أمة محمد، وأن كلمة لا إله إلا الله عادت لمستقرها منه كأن معناها دام مستقرا في نفوس المؤمنين، فالإيمان الذي تترجم عنه كلمة لا إله إلا الله، هو الذي أعاد المسجد إلى أهله، وهو الذي أتى بالعجائب وخوارق العادات في هذه الثورة.
وأما والله لو أن الاستعمار الغاشم أعاده إليكم عفوا من غير تعب، وفيئة منه إلى الحق دون نصب، لما كان لهذا اليوم ما تشهدونه من الروعة والجلال.
يا معشر الجزائريين إذا عدت الأيام ذوات السمات، والغرر والشيات في تاريخ الجزائر فسيكون هذا اليوم أوضحها سمة وأطولها غرة وأثبتها تمجيدا، فاعجبوا لتصاريف الأقدار، فلقد كنا نمر على هذه الساحة مطرقين.
ونشهد هذا المشهد المحزن منطوين على مضض يصهر الجوانح ويسيل العبرات، كأن الأرض تلعننا بما فرطنا في جنب ديننا وبما أضعنا بما كسبت أيدينا من ميراث أسلافنا، فلا تملك إلا الحوقلة والاسترجاع، ثم نرجع إلى مطالبات قولية هي كل ما نملك في ذاك الوقت، ولكنها نبهت الأذهان، وسجلت الاغتصاب، وبذرت بذور الثورة في النفوس حتى تكلمت البنادق.
أيها المؤمنون: قد يبغي الوحش على الوحش فلا يكون ذلك غريبا، لأن البغي مما ركب في غرائزه، وقد يبغي الإنسان على الإنسان فلا يكون ذلك عجيبا لأن في الإنسان عرقا نزاعا إلى الحيوانات وشيطانا نزاغا بالظلم، وطبعا من الجبلة الأولى ميالا إلى الشر، ولكن العجيب الغريب معا، والمؤلم المحزن معا، أن يبغي دين عيسى روح الله وكلمته على دين محمد الذي بشر به عيسى روح الله وكلمته.
يا معشر المؤمنين إنكم لم تسترجعوا من هذا المسجد سقوفه وأبوابه وحيطانه، ولا فرحتم باسترجاعه فرحة الصبيان ساعة ثم تنقضي، ولكنكم استرجعتم معانيه التي كان يدل عليها المسجد في الإسلام ووظائفه التي كان يؤديها من إقامة شعائر الصلوات والجمع والتلاوة ودروس العلم النافعة على اختلاف أنواعها، من دينية ودنيوية، فإن المسجد كان يؤدي وظيفة المعهد والمدرسة والجامعة.
أيها المسلمون: إن الله ذم قوما فقال: ﴿ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه﴾ ، ومدح قوما فقال: ﴿ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يخش إلا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ﴾.
يا معشر الجزائريين، إن الاستعمار كالشيطان الذي قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضي أن يطاع فيما دون ذلك))، فهو قد خرج من أرضكم ولكنه لم يخرج من مصالح أرضكم ولم يخرج من ألسنتكم، ولم يخرج من قلوب بعضكم، فلا تعاملوه إلا فيما اضطررتم إليه، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها.
يا معشر الجزائريين: إن الثورة قد تركت في جسم أمتكم ندوبا لا تندمل إلا بعد عشرات السنين، وتركت عشرات الآلاف من اليتامى والأيامى والمشوهين الذين فقدوا العائل والكافل وآلة العمل فاشملوهم بالرعاية حتى ينسى اليتيم مرارة اليتم وتنسى الأيم حرارة الثكل وينسى المشوه أنه عالة عليكم، وامسحوا على أحزانهم بيد العطف والحنان فإنهم أبناؤكم وإخوانكم وعشيرتكم.
يا إخواني: إنكم خارجون من ثورة التهمت الأخضر واليابس، وإنكم اشتريتم حريتكم بالثمن الغالي، وقدمتم في سبيلها من الضحايا ما لم يقدمه شعب من شعوب الأرض قديما ولا حديثا وحزتم من إعجاب العالم بكم ما لم يحزه شعب ثائر، فاحذروا أن يركبكم الغرور ويستزلكم الشيطان، فتشوهوا بسوء تدبيركم محاسن هذه الثورة أو تقضوا على هذه السمعة العاطرة.
إن حكومتكم الفتية منكم، تلقت تركة مثقلة بالتكاليف والتبعات في وقت ضيق لم يجاوز أسابيع، فأعينوها بقوة، وانصحوها فيما يجب النصح فيه بالتي هي أحسن، ولا تقطعوا أوقاتكم في السفاسف والصغائر، وانصرفوا بجميع قواكم إلى الإصلاح والتجديد، والبناء والتشييد، ولا تجعلوا للشيطان بينكم وبينها منفذا يدخل منه، ولا لحظوظ النفس بينكم مدخلا.
وفقكم الله جميعا، وأجرى الخير على أيديكم جميعا، وجمع أيديكم على خدمة الوطن، وقلوبكم على المحبة لأبناء الوطن، وجعلكم متعاونين على البر والتقوى غير متعاونين على الإثم والعدوان.
قال تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وهو الغفور الرحيم.
درّة
ردحذفالإهداء :إلى روح العلامة ،الخطيب المصقاع ،،عميد الفصحى "محمد البشير الإبراهيمي " رحمة الله عليه
باسم الإله العظيم أبدأ القرض
ثم الصلاة على الهادي إلى الأبد
والحمد لله أن فزنا بأمثالها
عشر لواحدة إن شئتم زيدوا
هذي عمالتنا وبالبشير ازدهت
والكل جذلان فالذكرى هنا عيد
عيد يضاف إلى أعيادنا هاهنا
نرسي البناء هنا برج الصناديد
إنا لننشر في جو من المرح
أخلاق أسلافنا الغر المحامد
حسناؤنا ا زينت بالعقد في عرسها
وبورك العرس والعريس يا سيد
هذي فعال البرجيين في عيدهم
بينا كأني بالبشير موجود
هذي قلوب بني الولاية البكر
تدغدغ الذكرى والفعل محمود
وكل شبر بدار البرج مبتهج
وكل قول وفعل ها هنا جود
جود على مر الزمان بالبرج
يسري ،يجول من المهد إلى اللحد
ذكر أخي وأعد إحياء ذكرانا
إنا لها جند والكل أنصار
إني لأرسل ألفاظي معطرة
أنشودة ومن الألحان أشعار
قصيدتي يا رفيق الدرب أهديها
في يومك الغر أنغام وأوتار
إني لأرجو بهذا الفعل معذرة
في يومك الصفح لا ذل ولا عار
يا صاحب الذكر والذكرى تهانينا
نزفها ومن الأعماق إقرار
قد كنت حساننا أيامها أسدا
ليثا هزبرا على الأعداء من جاروا
سلاحك العلم والتقوى هما زادك
والله من فوق سبع في العلا جار
وأنت المجاهد والشهيد لا ينكر
نعم الجهاد جهاد فيه إكبار
قد صرت مصباحنا بعيد إشراقك
والشمعدان اختفى والليل ينكسر
نشء على الدرب قد أمضى إلى القدم
سيرا حثيثا وللعلياء ينتصر
هي ذي الشبيبة قد تعاظم عودها
بمدارس البيضاء شع وهيجها
باديس أنتش بذرها وسقى لها
فغدت كما النخلات تغدق أكلها
للفرع أصل ثابت بسمائه
أوما دريتم فالمساجد ماؤها
"وبشير "علام العلوم لنشئنا
غمر الدنى علما فضاء سماؤها
وسقى لها الإيمان والتقوى معا
فغدت قلاعا شامخات أنفها
إن شئت قل :هو كالوقود لضامر
أو قل :دماء في العروق لعيبها
هذا كتاب الله يتلى ذكره
بين الشفاه البيض فاحت ريحها
هي ذي السعادة في الألى تجتاحنا
فانعم بما تلقاه من ريحانها
بان الصباح وأشرقت أنواره
فتبددت ظلماء بعد طلوعها
حلقات درس بالعلوم تنيرنا
وحناجر تشدو بآي جمالها
هذا "ابن نابي "من سلالتهم أتى
بنّاء فكر للعقول ينيرها
كل الألى عملوا فبورك سعيهم
فغدوا نواميس الحضارة كلها
وجد الشباب حلاوة بعلومهم
فغدوا شموعا تنمحي ظلماؤها
فعلى أياديهم أشد وأنتشي
عطرا يفوح بطيبها وأريجها
فتيان حق كالملائك هاهنا
في ليلة عظمت وبورك قدرها
للنشء أبلى السابقون بلاءهم
فغبطتهم وشكوت نفسي حالها
إني وإن طال الزمان برافض
أن أجعل الأثقال من أوزارها
يارب عفوك للعباد جميعهم
تالله إنك للنفوس رحيمها
صغت القوافي "درها" بعمودها
فغدت كما قال الخليل بوزنها
"دال"و"راء" ف"هاء" أحرف الضاد
هذي الحروف التي ما زلت أبغيها
ضادي جمالك أخاذ فأين همو
من للبلاغة والإفصاح يأويها
إن عيروك عقيما ذاك جهلهم
لا ضير ع/الضاد فالقرآن يحميها
سمّوه شعرا أو كما يحلو لكم
إني رأيت النفس ضاق فضاؤها
ضاقت ولما استحكمت حلقاتها
فرجت لدى "ابن هدوقة" شفاؤها
آهات إحساسي ووجداني ذهي
في فاتح الشهر العظيم تمامها
أتممتها بعد العشاء ووترها
وتركت للنقاد مشق سطورها
إني امرؤ يهوى سماع الآخر
إن كان كالمرآة تطلع غيرها
جمل البسيط من البحور الكامل
كملت بكامل وزنها وعروضها
جزاك الله كل خير أستاذ عبد النور على هذا التذكير الطيب ... ان التاريخ المشرق برجاله ونسائه المخلصين لهو فخر لكل ذي عقل لبيب فمن خلاله نعرف قيمة الجهد المبذول وقيمة الرجال الذين بذلوا هذا الجهد الجهيد فنعطيهم حقهم و ننصفهم فالشيخ البشير الابراهيمي احد اعمدة هذه الامة العظيمة. رحم الله رب البيان الشيخ البشير الابراهيمي على حد تعبير الدكتور عادل نويهض .
ردحذفأستاذي الفاضل الشاعر العبقري
ردحذفساعد بولعواد:
كلمات القصيدة أبهرتني حقيقة وهو شيء ليس غريبا من شاعر مثلك يملك زمام اللغة العربية فأنت ابن بجدتها، تحية إكبار وإجلال لقلمك الرائع ولقصيدك الحافل بكل معاني التذكير بمآثر أولئك الرجال الأعلام الذبن كانوا مشاعل هداية، وكانوا ولا يزالون غرة في جبين الدهر رحمهم الله رحمة واسعة وألحقنا بهم في الصالحين .خالص تحياتي أستاذي الغالي.
الأستاذة الكريمة الفاضلة صبيرة
ردحذفكل كلمات الشكر والتقدير لا نفي لشخصك الموقر الدائم الحضور، صدقت فيما قلت لا شك أنه لنا تاريخ مشرق برجاله ونسائه وعلى رأسهم علامة الجزائر ومفخرة علماس الإسلام شيخنا البشير الإبراهيمي رحمه الله رحمة واسعة خالص تحياتي أستاذتي.
السلام عليكم .
ردحذفحين ندع المجاملات جانبا لنقول الحق .لا نجد للشيخ الإبراهيمي رحمه الله ما يجعل منه عالما أو علامة .
للأسف .الحق يمقته أكثر الناس .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته : أولا اشكر لك كرم المتابعة ومؤنة كتابتك للتعليق أعجبتني منك عبارة" الحق يمقته أكثر الناس" أنا لا أجد في الشيخ الإبراهيمي ما يرفع عنه وصف العلامة لأنه علامة بصدق وإن شئت دليلا فاقرأ مقالاته واقرأ قصائده وتابع جهوده واقرأ لمن كتب عنه وأفرده بالبحث والتنقيب عن مكنونات علمه الغزيرة دمت بود صديقي ...
ردحذف