أيام أغلى من الذهب العشر من ذي الحجة
الخطبة الأولى: أما بعد: إن الله جل وتعالى يخلق ما يشاء ويختار، خلق السماوات واختار منها السابعة، وخلق الجنات واختار منها الفردوس، وخلق الملائكة واختار منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وخلق البشر واختار منهم المؤمنين، واختار من المؤمنين الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار من الرسل أولي العزم، واختار من أولي العزم الخليلين، واختار من الخليلين محمدًا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، وخلق الأرض واختار منها مكة، وخلق الأيام واختار من أشهُرِها شهر رمضان، ومن أيامها يوم الجمعة، ومن لياليها ليلة القدر، ومن ساعاتها ساعة الجمعة، ومن عشرها عشر ذي الحجة. والمسلم يعيش مباركًا في العمل وفي الزمن، وأعظم البركة في العمل الطاعةُ، إذ هي بركة على أهلها، كما يقول تعالى: "مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا" [الأنعام:160]، وكما يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك، فمن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن هَمَّ بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هَمَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن هَمَّ بسيئة فعملها كتبها الله سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك)). وهذا يدلّ على أن الطاعة بركة في القول، إذ الكلمة الواحدة من الطاعة بعشر حسنات يكتب الله بها رضوانه، فيحفظ بها عبده حتى يُدخله الجنة، ويرضى عليه في الجنة فلا يسخط عليه أبدًا. والطاعة بركة في العمل، إذ الصلاة بعشر صلوات، وصوم رمضان بعشرة أشهر، والصدقة بسبعمائة ضعف، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
والطاعة طُهْرَة من الذنوب، فالصلاة طُهْرَة من الذنوب، كما في الحديث: ((مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غَمْر على باب أحدكم يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة، هل يبقى عليه من الدَّرَن شيء؟!)). والصوم طُهْرة من الآثام، والصدقة تُطفِئ الخطيئة كما يُطفِئ الماء النار، ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
والطاعة بركة في التعامل، إذ بالتعامل الحَسَن يدرك الإنسان درجة الصائم القائم، ويجاور الرسول ، ويحظى ببيت في أعلى الجنة. وأعظم الزمن بركة عشر ذي الحجة، إذ لها مكانة عظيمة عند الله تعالى، تدلّ على محبته لها وتعظيمه لها، فهي عشر مباركات، كثيرة الحسنات قليلة السيئات عالية الدرجات متنوعة الطاعات، وفضائلها لا تعد ولا تحصى.فمن فضائلها أن الله تعالى أقسم بها فقال: "وَلَيالٍ عَشْرٍ" [الفجر:2]، والله لا يقسم إلا بأعظم المخلوقات، كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح، ولا يقسم إلا بأعظم الأزمان، كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ولا يُقسم إلا بأعظم الأمكنة، كالقسم بمكة، وله أن يُقسم بما يشاء من خلقه، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به، فالقسم بها يدل على عظمتها ورفعة مكانتها وتعظيم الله لها.
ومن فضائلها أن الله تعالى قَرَنَها بأفضل الأوقات، فقد قرنها بالفجر وبالشفع والوتر وبالليل. أما اقترانها بالفجر فلأنه الذي بحلوله تعود الحياة إلى الأبدان بعد الموت، وتعود الأنوار بعد الظلمة، والحركة بعد السكون، والقوّة بعد الضعف، وتجتمع فيه الملائكة، وهو أقرب الأوقات إلى النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، وبه يُعرف أهل الإيمان من أهل النفاق. وقَرَنها بالشفع والوتر لأنهما العددان المكوِّنان للمخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو شفع أو وتر، وحتى العشر فيها شفع وهو يوم النحر، وفيها وتر وهو يوم عرفة. وقرنها بالليل لفضله، فقد قُدم على النهار، وذكر في القرآن أكثر من النهار، إذ ذكر اثنتين وسبعين مرّة، والنهار سبعًا وخمسين مرّة، وهو أفضل وقت لنفل الصلاة، وهو أقرب إلى الإخلاص؛ لأنه زمن خلوة وانفراد، وهو أقرب إلى مراقبة الرب تعالى، إذ لا يراه ولا يسمعه ولا يعلم بحاله إلا الله، وهو أقرب إلى إجابة الدعاء وإلى إعطاء السؤال ومغفرة الذنوب، إذ يقول الرب في آخره: هل من داعٍ فأجيبه، وهل من سائل فأعطيه، وهل من مستغفر فأغفر له. مُيِّز به أهل الجنة في قوله تعالى: "كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ" [الذاريات:17]، ومُيِّز به عباد الرحمن في قوله: "وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَٰمًا" [الفرقان:63، 64].
ومن فضائلها أن الله تعالى أكمل فيها الدين، إذ تجتمع فيها العبادات كلها، وبكمال الدين تنتصر السنة، وتنهزم البدعة، ويقوى الإيمان، ويموت النفاق، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء؛ لتكون نفسًا مطمئنة تعبد الله كما أراد، وتقتدي بالأنبياء، وتصاحب الصالحين، وتتخلق بالأخلاق الحسنة، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على شيطانه الذي شطّ ومال به عن الصراط المستقيم، وينتصر على الهوى والشهوات. وقد كَمُل الدين حتى تركنا الرسول صلى الله عليه وسلم على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك شقي. وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال، قال حَبْر من أحبار اليهود لعُمَرَ: آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود اتخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدًا: "ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِينًا" [المائدة:3]، قال عمر: (إني أعلم متى نزلت وأين نزلت، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة).ومن فضائلها أن الله أتم فيها النعمة، إذ تنعم الأرواح بشتى أنواع الطاعات القولية والفعلية والتعاملية، ومن تمام النعمة أن الله فتح قلوب العباد للإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، إذ كان عددهم عند تمام النعمة أكثر من مائة ألف. ومن تمام النعمة أن الله أظهر الإسلام على جميع الأديان، إذ كان في الجزيرة أديان متنوعة: اليهودية والنصرانية فأُبِيدت بالإسلام، وظهر عليها، قال الله تعالى: "هُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا" [الفتح:28]. ومن تمام النعمة منع الكفار من دخول الحرم واختصاص المسلمين بذلك، فتوحّدت صفوف المسلمين حتى أصبحوا كالجسد الواحد، ووحّدوا معبودهم، وتوحّد دينهم، وتوحّدت كلمتهم، وتوحّد طريقهم، ويا لها من نعمة عظيمة أن ترى أهل الإيمان ظاهرين وأهل الكفر مهزومين. ومن فضائلها أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، وفيها الصوم لمن أراد التطوع، أو لم يجد الهدي، وفيها الحج إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذكر والتلبية والدعاء التي تدل على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها، ولا يساويها سواها.
ومن فضائلها أنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها، فهي أحب الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى، فهي موسم للربح، وهي طريق للنجاة، وهي ميدان السبق إلى الخيرات، لقوله: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام)) يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))، وهذا يدل على أن العمل الصالح في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما والعودة بهما أو بأحدهما؛ لأنه لا يفضل العمل فيها إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع لا بالنفس ولا بالمال. ومن فضائلها أن فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم معروف بالفضل وكثرة الأجر وغفران الذنب، فهو يوم مجيد، يُعرف أهله بالتوحيد، إذ يقولون: (لا إله إلا الله)، وقد قال: ((وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك...))، ويَعرِف الإنسان ضعفَ نفسه، إذ يُكثِر من الدعاء، ويُلِح على الله في الدعاء، وفي الحديث: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة))، ويعرف إخوانه المسلمين الذين اجتمعوا من كل مكان في صعيد واحد، ويعرف عدوّه الذي ما رُئِي أصغر ولا أحقر منه في مثل يوم عرفة، ويعرف كثرة مغفرة الله في هذا اليوم لكثرة أسباب المغفرة من توحيد الله ودعائه وحفظ جوارحه وصيامه لغير الحاج، وهو يوم الحج الأعظم، قال: ((الحج عرفة))، وصومه تطوعًا يكفر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة مقبلة. ومن فضائلها أن فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: ((أفضل الأيام يوم النحر))، وفيه معظم أعمال النسك من رمي الجمرة وحلق الرأس وذبح الهدي والطواف والسعي وصلاة العيد وذبح الأضحية واجتماع المسلمين في صلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضًا.وفضائل العشر كثيرة لا ينبغي للمسلم أن يضيِّعها، بل ينبغي أن يغتنمها، وأن يسابق إلى الخيرات فيها، وأن يشغلها بالعمل الصالح.
الخطبة الثانية: أما بعد: أيها المسلمون، اغتنموا عَشْركم بصالح الأعمال، وفي مقدمتها التوبة إلى الله، وهي الرجوع إليه سبحانه مما يكرهه ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، ندمًا على ما مضى، وتركًا في الحال، وعزمًا على أن لا يعود.تُبْ ـ يا عبد الله ـ من ترك الواجبات وفعل المحرمات. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [التحريم:8]. ومن الأعمال المشروعة في أيام العشر الذكر، قال تعالى: "لّيَشْهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأنْعَامِ" [الحج:28]، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)).ويُكثر في هذه الأيام من قراءة القرآن، فإنه أفضل الذكر، وليعلم المسلم بأن الذكر هو أحبّ الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وهو سبب الفلاح، وحفظ لصاحبه من الكفر ومن الشيطان ومن النار، به يُذكر العبد عند الله، ويصلي الله وملائكته على الذاكر، وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وخير من النفقة، به يضاعف الله الأجر، ويغفر الوزر، وفضائل الذكر كثيرة، أخي المسلم، أكثِر في هذه الأيام من نوافل الصلوات، وحافظ على الرواتب منها، وهي اثنتا عشرة ركعة، أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. وأكثر من الصدقة في العشر، إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقة في رمضان، وما أكثر حاجات الناس في العشر من النفقة والاستعداد للحج وللعيد وطلب الأضحية ونحوها، وبالصدقة ينال الإنسان البرّ، ويُضاعَف له الأجر، ويظلّه الله في ظلّه يوم القيامة، ويفتح بها أبواب الخير، ويغلق بها أبواب الشر، ويفتح فيها باب من أبواب الجنة، ويحبه الله ويحبه الخلق، ويكون بها رحيمًا رفيقًا، ويُزكَّى ماله ونفسه، ويُغفر ذنبه، ويتحرر من عبودية الدرهم والدينار، ويحفظه الله في نفسه وماله وولده ودنياه وآخرته.أكثر ـ يا عبد الله ـ من الصيام في أيام العشر، أكثر من الدعاء والاستغفار، وتقرب إلى الله بكل قربة، عسى أن تفوز فوزًا عظيمًا. والعملُ الصالح ـ عباد الله ـ يشمل كلّ خير ومعروف وبرّ وإحسان من الأقوال والأفعال والسلوك، ومن أعظمِ ذلك تفقد أحوالِ المسلمين في كلّ مكان، والاهتمام بشؤونهم، والتخفيف من كرباتهم، وسدّ حاجاتهم، وصرفُ صالحِ الدعاء لهم بإصلاح الأحوال وكشف المضار والنصر على الأعداء. ثم اعلموا ـ عباد الله ـ أنَّ من أراد أن يضحِّي فليُمسِك عن شعره وأظفاره وبشرته إذا دخلت العشر حتى يضحِّي، ففي صحيح مسلم أن النبي قال: ((إذا رأيتم هلالَ ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليُمسِك عن شعره وأظفاره حتى يُضحّي))، وفي رواية: ((فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئًا)). وهذا النهيُ خاصٌّ بالمضحّي، أما من يُضحَّى عنه من أهل البيت فلا يدخل في هذا النهي، وحتى لو شاركوا ربَّ البيت في أضحيته.
بقلم عبد النور خبابة
ألقيتها بالمسجد العتيق بغيلاسة
تراتيل مقتضيا ت الساعة
ردحذفذكــرت الرسـول عليه السلام
و ما قال لابـن رواحـة المسمى
و من مقتضى الحال شعرا فهات
و إني لأنظـر هـذا الكلامـــا
و ذكـر الحبيب عليـه السـلام
بعيد الثلاثه سنون و يــــوما
فأحببت تقليد "ابن رواحـــة "
لعـلي أكـون كما كان يومـــا
مع القرض بين صحاب النــبي
و نعم المكان فأتبعه رســــما
أتيت المكان بما كان عــنـدي
لعلي أكفـر لفـظا و نظـــما
و حلما حججت ومن غير ظهـر
بأذني عشقت بقاعا ســـلاما
بعيني أريد ليقضى ســؤالــي
و قد قالت العرب يوما كــلاما
فيا رب كن لي نصيرا و عــونا
و لا كون إلا الذي شئت علــما
تراتيل مقتضيات السويعــــه
بها النفس جـادت فبارك كلامـا
و حمدا لربي ثناء و شكـــرا
هـو الله قمصني ذا الـكلامـــا
لأمـي كـما لأبي أبتــــغيه
و أهديه صحبي و نشئي جــما
وعـذرا لمن لا يطيق السمـاع
فعـول القريب أرادت ســـلاما
الأستاذ: ساعد بولعواد
بليمور *19/10/2011 *23سا-32د