وشريك دربه هي الأخرى لا تمل ولا تكل في بذل جهدها ورعايتها لبنيها وزوجها، وسعادتها كل سعادتها وهي ترى غرسها يكبر من أبجديات السعادة الزوجية ...
جُدْ الحياة الزوجية قائمة في الأساس على التكامل لا التنافر ... على البذل والعطاء لا الحرص والأنانية ... وإنك لو تأملت في ذلك لوجدت أن الحياة الزوجية الناجحة هي التي يسعى كل طرف فيها إلى بذل أجمل ما لديه ماديًا ومعنويًا، خلقًا وسلوكًا، بل وعلى المستوى الإنساني والجسماني ....
فالرجل مثلاً لا يبخل بما لديه من وقت وجهد في توفير سبل المعيشة الآمنة والمريحة لأسرته، بل ويطير فرحًا وهو يسمع أحد أبنائه يطلب منه ما في مقدوره أن يوفره له ... فما يملأ فكره وما يشغل باله هو كيف يوفر لبنيه حاجاتهم من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم ورعاية في شتى الجوانب ....
وشريك دربه هي الأخرى لا تمل ولا تكل في بذل جهدها ورعايتها لبنيها وزوجها، وسعادتها كل سعادتها وهي ترى غرسها يكبر، وبيتها تظلل عليه السعادة والاستقرار، ويملؤه الهدوء وتحيط به الطمأنينة، ولذا تجدها وهي تقوم بتدبير شؤون بيتها تارة، وتارة أخرى تعتني بشؤون زوجها، وثالثة تقوم على متابعة تعليمهم والاهتمام برعايتهم الصحية وغيرها ولعلي لا أبالغ إن قلت:
إن عنوان البيت السعيد والحياة الزوجية الناجحة تكمن في هذه الكلمة التي تتكون من حروف ثلاثة وإن تجاوزت قلت: حرفين اثنين .... (جُد) والقرآن الكريم يرسخ لهذا المبدأ( الجـــــــود والعطاء ) وهو يستعرض العوامل التي من أجلها جعل القوامة للرجل دون المرأة، فقال – جل شأنه- :﴿ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ﴾ وقد جاء في تفسيرها كما ذكر ابن كثير في تفسيره: "الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت،﴿ {بما فضل الله بعضهم على بعض} ﴾ أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم:﴿ {لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} ﴾ رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك ﴿ {وبما أنفقوا من أموالهم} ﴾ أي : من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها.
وهذه القوامة ليست إلا تكليفًا للرجل للبذل والعطاء والجود ليستحق أن يمنح تلك القوامة على المرأة، ويوم أن يقوم بدوره هذا يتحقق الجزء الأكبر من السعادة، ولا أتحدث هنا فقط عن الجود المرتبط بالمال وحده، وإن كان ذلك في غاية الأهمية، وإنما هناك العديد من صور الجود والبذل لا تقل شأنًا عن الأول ... فكم من أناس جمعوا من الدنيا خيراتها .... مال لا حصر له ... ذهب وفضة وعقارات .... لكن كانوا لها من المقترين ...وعليها من المحافظين الحريصين ... فماتوا عنها فلا هم تمتعوا بها في حياتهم، وما قاموا بحق الله فيها، وأمسكوا عن أولادهم فحرموهم منها في حياتهم ولُعنوا بها بعد موتهم، فقد آلت إليهم من غير تعب، وورثوها بغير كدًّ ولا نصب ...
ولعل ذلك ما دفع -كما روت كتب السيرة- في ذكر هند بنت عتبة -رضي الله عنها – عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ» جُدْ على زوجتك بمالك وثروتك، فلها الحق كل الحق فيه، وما كانت القوامة لك عليها إلا لإنفاقك عليها، قال – صلى الله عليه وسلم –:" «استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلَاهُ؛ فإنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كسرْتَهُ، وإنْ تركتَهُ لمْ يزلْ أعوَجَ؛ فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا» " وفي حجة الوداع قال – صلى الله عليه وسلم -: " «استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ ليسَ تملِكونَ منهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ» ...."
والزوج الحق من يقوم على رعاية أهله وأولاده فيجود عليهم بحبه وحنانه، يسارع في نقل مشاعره إلى زوجته، يخاطبها بأجمل الكلمات وأعذبها، ويدللها بأرق العبارات وألطفها، فقد كان رسولنا الكريم ينادي أحب الناس إليه وهي عائشة -رضي الله عنها- بقوله يا عائش، ففي الصحيحين عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام. قلت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته" وكذلك روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى حبيبته عائشة - رضي الله عنها -بالحميراء، تحببا إليها وملاطفة لها ومن ذلك ما رواه عدد من العلماء من رواية أم المؤمنين عائشة، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي:" يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم فقلت: "نعم، فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي إلى خده" قالت: "ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك" فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: "حسبك" فقلت: "لا تعجل يا رسول الله" قالت: "وما لي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه" قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: يا حميراء! أتحبين أن تنظُري إليهم؟! يعني: إلى لعب الحبشة ورقصهم في المسجد" بل كان يناديها بابنة أبي بكر، وابنة الصديق والموفقة وغيرها جُدْ على أهلك بحبك وحنانك، ولا تكن شحيحًا بخيلاً، فكن(رومانسيًا) مع زوجتك، مازحها ... داعبها ... ولا تبخل عنها ولا عن أبنائك بما تفصح به عن حبك وتقديرك لهم، أذكر أنني كنت في أحد البرامج التدريبية يومًا، وكان من ضمن أنشطة البرنامج فقرة للأمهات مع بناتهن، وللآباء مع أبنائهم، يعانق كل منهما الآخر ويتحدث إليه ببعض عبارات الحب يظهر فيها كل طرف مشاعره تجاه الطرف الآخر، وإنك لتجد العجب .... العديد من الآباء والأمهات لم يستطع أحد منهم تقبيل أو احتضان أبنائهم وبناتهم، مع صرخات وبكاء وعويل وابتعاد كل طرف عن الآخر لما تركوه على مدار الأيام والأعوام من جفوة وقسوة ملأت القلب وسيطرت عليها.
جد على أهل بيتك بوقتك ... فلا تكن بخيلاً به .... تعطيهم فضول أوقاتك وما تبقى من عمل طوال اليوم، وشغل مع أصدقائك ... لا ... بل أعطهم منه أجوده وأفضله، فكن معهم وأنت خالي البال ... خصص لكل واحد منهم وقتًا تجلس معه ... تتحدث إليه ... تصغي لحديثه ... تقدم لهم نصحك وتجاربك .... تستمع إليهم ويستمعون إليك .... ولا تنشغل عنهم ... فهم رأس مالك وثروتك .....
جد عليهم بتوجيهك في هدوء، وبإرشادك في صبر، وبتعليمك في حب وأمل ... والزوج الناجح من يكون في بيته أجمل منه في خارجه، مع أهله ناصحًا أمينًا، ولذلك مدح الله إسماعيل عليه السلام بقوله:﴿ {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} ﴾ مريم: 55 قال ابن كثير: هذا أيضًا من الثناء الجميل ، والصفة الحميدة ، والخلة السديدة ، حيث كان مثابرًا على طاعة ربه آمرًا بها لأهله ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق