20ماي 1965
ذكرى وفاة العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله رحمة واسعة
علم من أعلام الفكر والأدب ، نجم ولد في أرض بلدية أولاد براهم ولاية برج بوعريريج وظلّ لامعا في ترابها ، في مدينته رأس الوادي أزهر كقنديل تحت أقدام الرّبيع ، تلك المدينة التي تلد كواكبها في قلب الطّبيعة فيستنشقون مبادئها بدل النّسيم ، ويتعلّمون في ديارها النّضال والتّحرير مع نعومة الأظافر ، مدينة تجيد زرع أطفالها كالقمح لينبتوا بين الصّخور الوعرة ، ويتألّقو ا في الظّلمة الحالكة ، رجال ينجبهم التّراب علماء بالفطرة ليملؤوا الحياة بالمصابيح .
إنّه الرّجل الذي رفض أن يصبح ظلاّ وجثمانا مقتولا في جسد حيّ ، لم تشأ أصابعه إلاّ أن تكون كالشّجرة في قلب الدّين واللّغة والأدب والبعث والنّهضة ، رجل آمنت به أزهار الأمنيات المستحيلة وبات بذلك موقد القوّة ، وسهما ثابتا في عيون الأعداء ، وحاميا فذّا لملامح الإسلام والعروبة لوطن أدركه التّهميش والطّمس والتّضليل . فكان كالعاصفة الهادئة في أجسام صدأت أرواحهم ، وأغلقت عقولهم ، وتجمّدت أصابعهم في الجهل الطّليق .
إنّه العلاّمة محمد البشير الإبراهيمي مصباح النّهضة ، وموقظ الأمة ، وباعث اللّغة ، و مدينة العلم التي لا يضيع في شعابها أحد ، ولا يجوع في صدر مداخلها طالب علم أو حياة .
رجل ثابت استطاع أن يقيم بضراوة انكسار العزيمة ، وظلّ يزرع حبّات فكره في أرض مجروحة ، رجل جعل من أصابعه رصاصا مصوّبا في صدر المستعمر ، رجل يؤمن بفتك اللّغة وتأثير المدارس ، وإيقاظ الفرد قبل المجتمع . رجل آمن بساعد العلم ، وسلاح التّعليم ، ومدفع العلم في التّوعية ، في إعادة الطّيور المهزومة نحو سواحل الظّلام ، لأنّه ببساطة أدرك خطورة قتل الرّوح في الإنسان ، ووأد المعرفة في عقول المستضعفين ، وهدم الإنتماء الدّيني واللّغوي في دم كلّ جزائري غرق في بحر الظّلم والنّوم .
إنّه السّراج الذي لا ينطفئ ، إنّه المربّي الأوّل للأجيال ، فجر الرّبيع الذي أزهر رغم جفاف الأرض ، إنّه العلاّمة الذي هبّ الحياة من مراقدها ، وأشعل اليقظة من مواقدها ، وأثبت للعالم أنّ حريّة الإنسان تبدأ من العقل والتّفكير والإيمان الرّاسخ بالدّين ، والإنتماء المتجذّر للغة والتّمسّك بها كالحلم الذي ينتظر طلوعه من أكوام الصّخور الملطّخة بالتّضحيات والدّماء الطّاهرة .
رجل أحبّ اللّغة العربية وأحبّته ، خلّدها في دفاتره وخلّدته ، كتب كغصن ليّن لا ينكسر
سكتُّ فقالوا: هدنة من مسالم وقلتُ، فقالوا ثورة من محاربِ
وبين اختلاف النطق والسكت للنهى مجال ظنون واشتباه مساربِ
وما أنا إلاّ البحر يلقاك ساكنًا ويلقاك جيّاشًا مهول الغواربِ
رحم الله من أنار مستقبلنا وأخرجه من الظّلمة
بقلم عبد النور خبابة في 20 ماي 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق