لاَ تَسُبِّى الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه ( {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } ) وفي الصحيح من حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ : «أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ :« مَا يَكُنْ عِنْدِى مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَلاَ أَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ» »
سنتحدث عن ضرورة أن يكون المؤمن صبورا في الأمور كلها.. ( {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} )
الصبر أيها المؤمنون هو أساس الدين.. الصبر هو عدة المؤمن في سراءه وضراءه وفي شدته وفي رخاءه الصبر من الإيمان هو بمنزلة الرأس من الجسد قال علي بن أبي طالب ( إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس هلك الجسد ثم رفع صوته فقال لا إيمان لمن لا صبر له )
الصبر هو صفة رب العالمين وفي صحيح السنة ( «لَيْسَ أَحَدٌ، أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ » )
والصبر هو أحد أشهر أخلاق الأنبياء والمرسلين وعلي رأسهم إمام المتقين وقدوة الغر المحجلين نبينا محمد صلي الله عليه وسلم.. قال الله تعالي ( {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} ) وقال ( {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} )
الصبر أيها المؤمنون معونة من الله تعالي الصبر هداية الصبر توفيق وخير ما عوّض الله عبدا أن يرزقه الصبر ( ما أنعم الله علي عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكان ما انتزع منه صبرا إلا كان ما عوضه ربه خير مما انتزع منه وذلك أن الله تعالي يقول (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )
لكن على ماذا نصبر ؟؟ نصبر علي كل أمر من أمور ديننا ودنيانا لصلاتنا نصبر , لصيامنا نصبر , لصدقة نتصدق بها نصبر , لكلمة طيبة نقولها نصبر .
نصبر على ما بيننا وبين أزواجنا وعلي ما بيننا وبين أولادنا نصبر على جار يؤذينا وعلي قريب يتعالي علينا
نصبر على صديق يجافينا نصبر على طاعة الله حتي نأتي بها على الوجه الذي يرضي الله عنا .. فحتي نحافظ على صلاتنا على صيامنا على ذكرنا على شكرنا لربنا نحن بحاجة إلى صبر إلى نفس طويل إلى معونة إلى هداية إلى توفيق من الله تعالي..
وفي سورة لقمان وردت آية تقول ( {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } )
ومن دعوات النبي عليه الصلاة والسلام « اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » وإذا كانت العبادة تحتاج إلي صبر فكذا أخلاقنا هي الأخرى حتى تكون كريمة وحميدة..
أخلاقنا تحتاج هي الأخرى إلي صبر فعفة النفس صبر عن الفواحش والزهد صبر عن فضول العيش والحلم صبر عن الغضب والقناعة صبر ورضا بما قسم الله وحسن الخلق صبر عن أذية الناس..
ومن ميادين الصبر: أن تصبر عن معصية الله فلا تقع فيها
أن تصبر عن معصية الله فتتجنبها وتتقيها..
ورد في الصحيح أنه « «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ» » قَالَ « «فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ ثُمَّ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا » » قال الله تعالي ( {فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} )
ومن أوسع وأرحب ميادين الصبر:
أن تصبر علي مقادير الله مما تحب ومما تكره ..
أن تقف أمام ما أصابك من ضر وأذى ..
أن تقف مؤمنا صابرا محتسبا أجرك على الله يتحرك بها قلبك ولسانك ما أصابني لم يكن ليخطأني وما أخطأني لم يكن ليصيبني رفعت الأقلام وجفت الصحف وقضي الأمر فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ( {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} )
أن يرزق الإنسان صبرا علي ما يكره هذه من إحدى أجل النعم .. صبرك معناه أن ما أصابك من هم أو غم أو كرب أو حزن أو أسف أو تعب أو نصب أو كدر أو وحشة أو مرض أو فقد إلا بإذن الله ..
ما أصابك من هم أو غم أو كرب أو حزن أو أسف أو تعب أو نصب أو كدر أو وحشة أو مرض أو فقد إلا وهو خير لك إلا وهو ستر لعيبك وغفران لذنبك ..
مرضت إحدى الصحابيات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فدخل رسول الله عليها يعودها وجدها ترتعش فقال مالك يا أم السائب تزفزفين ؟؟ قالت من الحمى يا رسول الله لا بارك الله فيها .. فقال النبي عليه الصلاة والسلام « «لاَ تَسُبِّى الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» »
وقد يكون أصابك ما أصابك ليرفع الله منزلتك « «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَنَلْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِى جَسَدِهِ ، أَوْ فِى مَالِهِ ، أَوْ فِى وَلَدِهِ ثُمَّ يرزقه الصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِى سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» »
كم من الهموم نقاسيها وكم من الآلام نعانيها وكم من الأوجاع نشتكيها بعضنا يشكو ألما برأسه وبعضنا يشتكي عظامه وغيره يشتكي بصره وغيره يشتكي سمعه وآخر يشتكي قلبه وغيره يشتكي نفسه آلام وأوجاع أسأل الله أن يشفي منها كل مبتلى .. عزاء المؤمن في ألمه أن الله ما أصابه بما أصابه إلا لأنه يحبه .. يحب ماذا ؟ يحب أن يسمع دعوته يحب أن يغفر ذلته يحب أن يكون بالقرب منه ( «يا ابن آدم مرضتُ فلم تَعُدْنِى قال يا رب كيف أَعُودُكَ وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدى فلانًا مرض فلم تَعُدْهُ أما علمت أنك لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عنده» )
حضر أحدهم الموت يوما فبكت أمه فقال أم لم البكاء ؟ قالت لأنك يا بني تموت قال أمي إذا أنا مت فإلي من ؟ قالت إلى الله قال فلا تبكي فما رأينا الخير إلا من الله .
عفوه رحمته صفحه ابتلاءه .. رحمة .. سبحانه وبحمده إذا ابتلى
عبدا غفر ذنبه وستر عيبه ورفع درجته
قال عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ بَلَى. قَالَ هذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَلَتْ إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي قَالَ «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتكَشَّفُ فَادْعُ الله أَنْ لاَ أَتكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا النبي عليه الصلاة والسلام » .
نحن علي إيمان تام بأن أفضل حال يلقي به المؤمن ربه حاله الشهادة في سبيل الله ( {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } )
أن يلقي المؤمن ربه شهيدا هي أعظم حال تدخل بها علي الله عز وجل ..
ولأن الله تعالي هو أكرم الأكرمين وسع الله دائرة رحمته حتي شملت الخلق أجمعين ووسع دائرة الشهادة حتى جمعت خلقا كثيرين منهم أهل البلاء منهم الصابرون منهم الراضون المستسلمون لحكم الله وقضاءه وهؤلاء كثر..
منهم من كان يشكو وجعا ببطنه فهو شهيد ومن كان يشكو ألما بجنبه فهو شهيد والمبتلي بالطاعون شهيد ومن غرق بالبحر فهو شهيد ومن صدمته سيارة فهو شهيد ومن مات بأرض غريبة فهو شهيد ومن مات محروقا فهو شهيد ومن لدغته حيه فمات فهو شهيد ومن تردى من رؤوس الجبال فهو شهيد ومن أكله السبع فهو شهيد والمرأة تموت وولدها في بطنها فهي شهيدة والأخرى تموت في نفاسها كل هؤلاء وأمثالهم من أهل البلاء يجري عليهم رب العالمين من جنس أجر الشهداء وذلك من الله رحمة وعل كل هؤلاء دلت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام..
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول إن الله مع الصابرين بقي لنا أن نذكر بقول الله تعالي ( {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } ) ولكن علي الرغم من كل هذا إلا أن رسول الله كما في سنن الترمزي سمع أحد أصحابه يقول اللهم إني أسألك الصبر ولم يكن بهذا الصحابي بلاء فأشفق النبي علي صاحب هذه الدعوة أن تستجاب دعوته .. رفع الرجل يده وببصره شخص إلي السماء وقال اللهم إني أسألك الصبر فقال النبي عليه الصلاة والسلام لقد سألت الله البلاء .. كأنك تقول يا رب ابتليني ..
والإنسان لا يدري وقت البلاء كيف يكون هل يصبر أو لا يصبر ولذلك قل اللهم عافني واعف عني.. وهذا معناه ألا تسأل الله عذابا هذا معناه ألا تسأل الله عقابا وإنما قل يا رب اغفر لي يا رب استرني يا رب عافني واعف عني .. يا رب اغفر زلتي واغسل حوبتي يا رب سامحني يا رب اهدني يا رب ارزقني..
دخل النبي على أحد أصحابه فوجده كالفرخ ..
شاب شعره وانحنى ظهره وضعف بصره ورق عظمه واصفر لونه كما يذبل النبت فدهش رسول الله وقال مالك !! عافاك الله .. فَهَلْ كُنْتَ تَدْعُو بَشَيْءٍ ، أَوْ تَسْأَلُهُ ؟.. قَالَ قُلْتُ اللهمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم سُبْحَانَ الله إِذًا لاَ تَطِيقُ ذَلِكَ وَلاَ تستطيعه أَلاَ قُلْتَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّيْنَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ ثم دعا له النبي صلي الله عليه وسلم فشفاه الله عز وجل .
فلا تتمنى بلاء ولا مرضا ولا موتا لضر نزل بك اللهم إلا الشهادة في سبيل الله فلا حرج عليك أن تسألها ربك ليلا ونهارا وسرا وجهارا فإن نلتها فبها ونعمه وإن لم تنلها بلغك الله منازل الشهداء وإن مت على الفراش .. كما قال صلي الله عليه وسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق