تكفيه آيات الله الشرعية، فآيات القرآن الكريم تَقرَع قلبَه، فيُخبت ويُطيع ويُنيب، ومنهم مَن لا يكفيه ذلك، والناس إذا لم يرتدعوا بآيات الله الشرعية، أرسل لهم سبحانه وتعالى آياته الكونية
{بسم الله الرحمن الرحيم } الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن يرسل لهم الآيات، التي تكون تأييدًا للرسل، وتخويفًا لمخالفيهم؛ قال الله تعالى: ﴿ {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّـهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ﴾ [العنكبوت: 50-51].
وآيات الله سبحانه وتعالى: نوعان: آيات شرعية، وآيات كونية؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: فمن الآيات القدرية ما يحدثه في الكون، كانشقاق القمر، وهبوب الرياح التي أرسلها الله عز وجل على الأحزاب، وكذلك نزول المطر وامتناعه، وأشياء كثيرة لا تُحصى، ثم الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، كلها من آيات الله الكونية، وأما آيات الله الشرعية فهي الوحي، إذا تأملت الوحي، وأشرفُه القرآن، عرَفت ما فيه من الآيات العظيمة في الأخبار والأحكام". والناس منهم من قلبه حي سليم، تكفيه آيات الله الشرعية، فآيات القرآن الكريم تَقرَع قلبَه، فيُخبت ويُطيع ويُنيب، ومنهم مَن لا يكفيه ذلك، والناس إذا لم يرتدعوا بآيات الله الشرعية، أرسل لهم سبحانه وتعالى آياته الكونية؛ قال عز وجل: ﴿ {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } ﴾ [النمل: 82]؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: بيان حكمة الله تبارك وتعالى في الإنذار، وأنه سبحانه وتعالى يُنذر الناس بالآيات الكونية إذا لم تفدهم الآيات الشرعية. والآيات الكونية التي يُخوف الله بها عباده كثيرة، منها: الكسوف، والخسوف، والزلازل، والبراكين، والفيضانات، والعواصف، والصواعق، والجدب، والأوبئة، والحاصب من السماء، والرياح الشديدة، والأمطار المتواترة، وغيرها، وهي آيات من الله تدل على عظمته، وسلطانه، وجبروته، يُرسلها إنذارًا وتخويفًا لعباده، وتحذيرًا لهم من التمادي في الظلم والطغيان؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا } ﴾ [الإسراء:59]؛ قال العلامة السيوطي رحمه الله: عن قتادة رضي الله عنه في قوله: ﴿ {وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا } ﴾:
إن الله يخوِّف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبون، أو يذكرون، أو يرجعون، وقال العلامة السعدي رحمه الله:
المقصود منها: التخويف والترهيب، ليرتدعوا عن ما هم عليه، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أخبر سبحانه أنه لا يرسل بالآيات الدالة على قدرته الخارقة لما جرت به العادة كالكسوف، والزلازل، والفيضانات، والصواعق وغيرها، إلا لتخويف العباد من معاصيهم وعقوباتها لعلهم يرجعون إلى الله تعالى.
وقال سماحة العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ما يحصل في هذا الكون من آيات تهز المشاعر، والأبدان؛ كالصواعق، والرياح الشديدة، والفيضانات المهلكة، والزلازل، وما يسقط بسببها من شامخ البنيان، وكبار الشجر، وما يَهلِك بسببها من الأنفس والأموال، وما يقع في بعض الأماكن من البراكين التي تتسبَّب في هلاك ما حولها ودماره، وما يقع من خسوف وكسوف في الشمس والقمر، ونحو ذلك، مما يَبتلي الله به عباده، وهو تخويف منه سبحانه وتعالى، وتحذير لعباده من التمادي في الطغيان، وحثٌّ لهم على الرجوع والإنابة إليه، واختبار لمدى صبرهم على قضاء الله وقدره، ولعذاب الآخرة أكبر، ولأمر الله أعظم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كسوف الشمس والقمر من حكمة ذلك تخويف العباد، كما يكون تخويفهم في سائر الآيات؛ كالرياح الشديدة، والزلازل والجدب والأمطار المتواترة ونحو ذلك من الأسباب التي قد تكون عذابًا.
والعباد منهم مَن تنفعه تلك الآيات الكونية، فيرجع إلى ربه، ويتوب وينيب إليه، ومنهم من هو ميت القلب لا تؤثر فيه، نسأل الله السلامة، قال الله عز وجل عنهم: ﴿ {وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيْرًا } ﴾[الإسراء:60].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هذا إذا لم يكن قلبه ميتًا للغاية، لم تنفع فيه حتى الآيات الكونية؛ قال تعالى:﴿ {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} ﴾ [الطور: 44]، قطعًا من العذاب تنزل من السماء،﴿ { يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} ﴾ [الطور: 44]، وعاد لَما رأوه عارضًا مستقبلًا أوديتهم، ﴿ {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ﴾ [الأحقاف: 24]، وفي الوقت الحاضر إذا رأوا هذه العقوبات يقولون: هذا أمر طبيعي، من فيضانات طبيعية وبراكين، وما أشبه ذلك من الكلام، وقال رحمه الله: بعض الناس بعد ظهور الآيات لا يزداد إلا كبرًا وعنادًا، فتجد من آيات الله ما يظهر ظهورًا بينًا، سواء أكانت هذه الآيات من الأمور الفلكية، أو الأرضية، فإن كثيرًا من الناس لا يهتم بها، ولا يذكرها إلا على سبيل أنها واقعة فقط، وعند حصول الزلازل والفيضانات والعواصف الشديدة، لا نجد كثيرًا من الناس يهتم بها، ويقلق منها، ويخشى أن يصاب بمثلها، بل لا يذكرونها إلا على أنها حوادث وقعت وكأنها كما يقولون كوارث طبيعية، لا يلتفت إليها، وليست من الآيات التحذيرية التي يحذِّر الله بها العباد.
الناس اليوم يشاهدون العذاب بأعينهم، فيشاهدون الفيضانات المُدمرة، والرياح العاتية، ومع ذلك لا يهتمون بهذا الشيء، وكأنها أمور طبيعية ليس فيها إنذار، وإذا رأينا ما نحن عليه اليوم، عرَفنا أن قلوبنا قاسية مُتحجرة، بل هي أشدُّ قسوةً من الحجارة، إلا أن يمنَّ الله علينا بتليينها وخشوعها لذكر الله عز وجل، وقال رحمه الله: إنني أُحذر إخواننا المسلمين الذين يؤمنون بالله، مما يدور على الألسنة أحيانًا إذا أُصيب الناس بزلزالٍ، أو بعواصف، أو بفيضانات، قالوا: هذا أمر طبيعي، وهذا أمر لا يهُمُّ، فإن هذا لا شك دليل على قسوة القلب". فينبغي علينا أن نتَّعظ عند وقوع مثل هذه الآيات وما ماثَلها، فعن أنس رضي الله عنه قال: «كانت الريح الشديدة إذا هبَّت عُرِف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال، وحدوث ما يُخاف بسببه. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الواجب علينا أن نتَّعظ بهذه الآيات، وأن نخشى، وأن نحذَر، فإن الله تعالى يقول: ﴿ { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ﴾ [الأنفال: 25]، وقال: الواجب على المؤمن أن يتخذ من هذه الآيات عبرة، وأن يرجع إلى الله رجوعًا حقيقيًّا، حتى لا ترجع هذه الحوادث والكوارث على وجه أكبر مما كانت عليه من قبلُ. من آيات الله عز وجل الكونية التي ليست بعذاب في نفسها، ولكنها إنذار بعذاب قد انعقدت أسبابه: الكسوف، والخسوف؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الكسوف مَظِنَّةُ حدوث عذاب بأهل الأرض، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كسوف الشمس له سبب شرعي، وهو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام: أن الله يخوِّف بهما عباده، فتخويف العباد من عذاب انعقدت أسبابه، وليس الكسوف نفسه أو الخسوف عذابًا، لكنَّه إنذار بعذاب انعقدت أسبابه. وفي يوم 29 من شهر ربيع ثاني من هذا العام (1441هـ) صلى المسلمون لكسوف الشمس، والذي كان إنذارًا بعذاب انعقدت أسبابه، وبعده بنحو شهرين نزل وباء كورونا ببلاد المسلمين، فأضرَّ بالعباد والبلاد، وعلى ما يذكر أهل الاختصاص، فإنه في يوم (29) من هذا الشهر شهر شوال لعام (1441هـ) سيحدث كسوف للشمس، فينبغي الحذر والخوف، فالناس في هذا الزمان قد تساهلوا بالكسوف والخسوف، وأصبح عند بعضهم أمرًا عاديًّا، بينما كان الناس في الماضي القريب يخافون ويبكون، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كان الناس في الماضي إذا كسف القمر تحصُل منهم رهبة عظيمة، ويحصل منهم خوف، ويَحضُرون بأعدادٍ كبيرة إلى المساجد، وتحصل صلاة وبكاء وخوف، وقد رأيت هذا، أما الآن فلا ترى شيئًا من هذا.
فحَرِيٌّ بالمسلمين جميعًا أن يحرصوا على عمل ما يدفع البلاء، من أداء صلاة الكسوف، والذكر، والاستغفار، والصدقة، والدعاء، والتوبة من جميع الذنوب والآثام التي هي من أهم أسباب نزول البلاء، فبعض المختصين في بعض المؤسسات العلمية والصحية يُحذرون من موجة ثانية لوباء كورونا، نسأل الله أن يرحمنا، ويتجاوز عنا، ويعفو عنا، وأن يرفع عنا ما نزل بنا، إنه سميع الدعاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق