الأطفال
بهجة العمر وزينة الحياة الدنيا ، والرصيد الباقي للمرء بعد موته إن أحسن تربيتهم
وتنشئتهم ( أو ولد صالح يدعو له ) ،
ورمضان فرصة عظيمة لها آثارها على نفوس أطفالنا إن أحسنا استغلالها والإفادة منها
بما ينعكس على سلوكهم في شؤون الحياة كلها .
فالصوم
مسؤولية جسيمة تتطلب قدراً من الجهد والمشقة والصبر وقوة الإرادة ، إضافة إلى أنه
فريضة رتب الشارع الثوب على فعلها والعقاب على تركها ، مما يحتم على الأبوين ضرروة
تعويد الأبناء على أداء هذه الفريضة ، وتحبيبهم فيها ، واستثمار هذه الفرصة
الاستثمار الأمثل لغرس القيم والسلوكيات الجميلة في نفوسهم ، وإضافة عدد من
المهارات والتجارب لديهم .
فكيف
نجعل من لحظات الصيام سعادة في قلوب أولادنا ، وكيف يصبح رمضان فرحة ينتظرونها
بفارغ الصبر ، وكيف نستثمر هذا الشهر في غرس المعاني التربوية والإيمانية في
نفوسهم ؟! .
من المهم
جداً أن يرى الطفل ويسمع من حوله مظاهر الحفاوة والابتهاج بهذا الشهر الكريم ،
فينشأ ويكبر وهو يشاهد هذه السعادة الغامرة والفرحة الكبيرة من والديه وإخوانه
كلما هبت نسائم شهر رمضان ، وتظل هذه الذكريات السارة محفورة في ذاكرته لا تبليها
مرور الأيام ولا تمحوها كر الشهور والأعوام ، ولو رجع أحدنا بذاكرته إلى الوراء
عدة سنوات ليتذكر البدايات الأولى التي عاش فيها تجربة الصوم لوجدها من أكثر
السنين متعة وإثارة .
ولعل من
المناسب أن يحضر الوالدان للأطفال بعض الهدايا واللعب في بداية الشهر ، لتحمل معها
معنى عظيماً ، وهو أن هذا الشهر يأتي ويأتي معه الخير فيحبونه ويترقبونه بكل شوق
وشغف .
من
الأمور المهمة أيضاً تعويد الطفل على الصوم والتدرج معه في ذلك ، فلا ينبغي أن ندع
أطفالنا يكبرون ثم نباغتهم بالأمر بالصوم من دون أن يستعدوا له فيشق ذلك عليهم ،
بل لا بد من إعدادهم وتهيئتهم .
وطاقة
الطفل وتحمله تزداد يوما بعد يوم ، فقد يكون في هذا العام غير قادر على الصيام ولا
حرج في ذلك ولا إثم فهو لم يبلغ سن التكليف بعد ، كما أنه ليس بالضرورة أن يصوم
الطفل الشهر كله في البداية ، أو يصوم اليوم كاملاً إلى نهايته ، بل يمكن أن نبدأ
معه بشكل متدرج كأن يصوم للظهر ثم للعصر ، ولا حرج إن كان بمقدوره تحمل الجوع مع
تناول بعض الماء وهكذا حتى يعتاد الصيام .
ولا بد
مع ذلك من التلطف مع الطفل ، وتنمية جانب الاحتساب عنده ، عن طريق بيان ما أعده
الله للصائمين ، وألا يفهم أن القضية جوع وعطش ، بل هو عبادة وطاعة ، وفوق ذلك
ثواب عظيم ، وجزاء كبير .
ومن
المهم أيضاً أن تقترن هذه التجربة بالمكافآت والجوائز التشجيعية في نهاية يوم
الصوم ، أو في نهاية الشهر الكريم ، ويمكن أن يفتح باب المنافسة بين الأطفال كأن
يقال لهم : " من يصوم أكثر له جائزة أكبر " ، من يصلي التراويح إلى
نهايتها له كذا وكذا ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطفل عادة يحب المكافأة السريعة
، وهو ما يدفعه ويجعله يستمر فيما يقوم به من تكاليف ، إلى أن تصبح تلك التكاليف
سلوكاً وجزءاً من حياته ، ولنا في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسوة
حسنة ، فقد كانوا يُعوِّدون أبناءهم منذ نعومة أظفارهم على الصيام ، وكانوا في
المقابل يقدمون لهم الألعاب والدمى يتلهَّون بها عن الجوع والعطش .
إن إقبال
الأطفال على مشاركة والديهم في الصيام يحمل معنى تربوياً هاماً ، فهو يغرس الثقة
في نفس الطفل ، وينمي لديه الشعور بإثبات الذات ، والإحساس بالمسؤولية ، عندما يحس
بأنه يقوم بأعمال لا يمارسها إلا الكبار ، ولعل هذا الشعور هو ما يفسر لنا الإصرار
والحماس الذي يدفع بعض الأطفال لأن يصوم هذا الشهر كاملاً مع صغر سنه ، وهو أمر له
أثره الإيجابي على سلوكيات أبناءنا وعباداتهم ومعاملاتهم ، لأنه يجعل من شهر الصوم
نقطة بداية لتحملهم المسؤولية في بقية الشهور والعبادات والمعاملات .
رمضان
أيضاً فرصة عظيمة لغرس المعاني الإيمانية في نفوس أطفالنا كالصبر وتحمل الجوع
والعطش ، ومراقبة الله تعالى عندما يمسكون عن الأكل والشرب مع إمكانهم أن يفعلوا
ذلك بعيداً عن أعين الناس ، والتعلق بالمساجد والتراويح وحب القرآن عن طريق إقامة
المسابقات في ختمه وحفظ جزء منه والإقبال على تلاوته ، والجود والكرم حين يعطي
الوالدان صغيرهما مبلغاً من المال ليضعه في يد سائل أو محتاج .
يجب أن
يشعر الأطفال أنه لا مكان للكسل والخمول في هذا الشهر ، وأن الأوقات فيه غالية
ثمينة لا ينبغي أن تضيع فيما لا فائدة فيه فضلاً عما يعود بالضرر عليه ، ولذا فإن
من الجريمة في حق أطفالنا أن نتركهم ضحية للمحطات والقنوات التي تغرس فيهم القيم
والسلوكيات المنحرفة عن طريق ما تبثه من برامج وأفلام وترفيه غير برئ ، تحت مبرر
أنها قنوات موجهه للأطفال ، وقد لا تدرك المرأة أن المخاطر التي تتهدد الطفل
وأخلاقه من جراء عكوفه على هذه القنوات قد لا تقل – إن لم تكن أعظم - عن المخاطر
التي يمكن أن يتعرض لها فيما لو أخلي سبيله وذهب إلى خارج البيت .
رمضان
أيضاً فرصة لتنمية الذوق الغذائي السليم لدى أبناءنا ، والابتعاد عن العادات
السيئة التي جلبتها لنا الحضارة المعاصرة وفيها من الضرر ما يفوق النفع ، ولذا
ينبغي أن نكون قدوة لأطفالنا في أكلنا وشربنا لأن عاداتنا وممارساتنا الغذائية
ستنعكس على الطفل بلا شك .
وأخيراً
فإن رمضان فرصة عظيمة ينبغي أن نستفيد في تربية أبنائنا وبناتنا ، ولن يتأتى ذلك
إلا بوضع الخطط وإعداد البرامج لكي يخرج الطفل من هذا الشهر الكريم وقد اكتسب
شيئاً جديداً وخلقاً حميداً ، والله من رواء القصد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق