السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2012-07-01

المرجعية الدينية والاستقرار الاجتماعي

المرجعية الدينية والاستقرار الاجتماعي
محمد الهادي الحسني
نظمت مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية جيجل، في إطار القافلة العلمية الثانية لسنة 2012، ملتقى وطنيا في يومي 26 ـ 27 من الشهر الجاري.
لقد سرّني في هذا الملتقى أمران هما:
1) موضوع الملتقى وهو "المرجعية الدينية والاستقرار الاجتماعي في فكر الشيخ أحمد حماني وفتاواه"، وهو موضوع في غاية الأهمية. وإنني أقترح على الإخوة في مديرية الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن تبادر بعقد ملتقيات في جميع الولايات تحت هذا العنوان: "المرجعية الدينية والاستقرار الاجتماعي".
2) إجراء مديرية الشؤون الدينية والأوقاف مسابقة في الكتابة عن بعض علماء المنطقة الذين أبلوا البلاء الحسن في أيام العُسرة في الدفاع عن الإسلام الحنيف، وهو مرجعيتنا الكبرى التي لولا تشبّثنا بها لما بقيت لنا باقية، ولجعلتنا فرنسا النّزّاغة أحاديث، ومزّقتنا كلّ ممزق، ومن هؤلاء الشيوخ الشيخ محمد الطاهر ساحلي، المعروف في أوساط الحركة الإصلاحية باسم محمد الطاهر الجيجلي، الذي انتخب عضوا في آخر مكتب إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عهد الإمام عبد الحميد ابن باديس الذي قال عنه: "الشيخ محمد الطاهر الجيجلي المعلم بمدرسة الحياة لجيجل، والمدرس بجامعها، وعميد الإصلاح فيها، وفي ضواحيها وفيما إليها من تلك الجبال الملأى بالرجال وأي رجال! وقد انتخب هذا العام لعضوية المجلس الإداري، فلم يرجع إلى جيجل من العاصمة حتى وقف موقفا جليلا ـ لا أعلنه اليوم، وقد أعلنه في وقت آخر ـ دلّ على يقينه وشجاعته وثباته، فصدّق ظن إخوانه وخيّب ظن قوم آخرين"(1)، والشيخ محمد الصالح ابن عتيق، والأستاذ العربي رُولة.. وندعو مديرية الشؤون الدينية بالولاية إلى مواصلة تنظيم مثل هذه المسابقات للكتابة عن علماء آخرين مثل الشيخ أحمد بورزّاق، المعروف باسم أحمد بُورُوح، والشيخ علي مرحوم، والشيخ بلقاسم ابن منيع، والشيخ علاوة ساحلي، شقيق محمد الطاهر ساحلي، وقد تخرج في الأزهر الشريف واستقر بالقاهرة حتى أتاه اليقين، وغيرهم..
لقد حضر هذا الملتقى جمع هام من الأساتذة تناولوا في خلال يومين اثنين جملة من الموضوعات منها ما له صلة بحياة الشيخ أحمد حماني وأخلاقه، ومنها ما يتعلق بجهاده في سبيل الإسلام وفي سبيل الجزائر التي كان يعشقها إلى درجة التقديس، وطلابه شهداء على ذلك، ومنها ما يتعلق بمنهجه في الفتوى ومنهجه في الدعوة إلى الإسلام والإصلاح.
لقد شهد الذين عرفوا الشيخ أحمد حماني، وأكد الذين درسوا آثاره على عمق إسلامه، وشدة وطنيته، وقدرته المتميزة في الجمع بين المبدأ الإسلامي والبعد الوطني.. والحقيقة هي أن هذا المزج بين الإسلام والوطنية هو أحد مميزات أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قُدوتهم في ذلك الإمام عبد الحميد ابن باديس القائل: "أعيش للإسلام وللجزائر"(2)، والإمام محمد البشير الإبراهيمي القائل في عشقه الجزائر: "... ويمينا لو بترّجت لي المواطن في حللها، وتطامَنَتْ لي الجبال بِقُللها لتفْتِنَني عنكَ لما رأيت لكَ عديلا، ولا اتخذت بك بديلا، وإذا كانت أوطان الإسلام كلها وطن المسلم بحكم الدين؛ فإن اختصاصك بالهوى والحب من حكم الفطرة السليمة"(3).
إن هذا الجمع بين الإسلام والوطنية في انسجام وتناغم جعل الدارسين يلاحظون أنه لم يوجد عضو من جمعية العلماء خان الجزائر وركن إلى فرنسا، وكان لها من المُسخّرين؛ بينما كان بعض مُحتكري الوطنية وأدعيائها الذين خلت قلوبهم من الإسلام قد ركنُوا إلى فرنسا، وصاروا ورقة في يدها، حيث سخّرتهم لمصلحتها، ولتوهين ثورة التحرير، وشقّ صفّ المجاهدين..
لقد كان لكاتب هذه السطور كلمة عن أهمية المرجعية في تماسكنا الاجتماعي؛ ووحدتنا الدينية والوطنية، ومما جاء فيها أن مرجعيتنا في الجزائر نوعان:
أ) مرجعية كبرى، وهي الأهم، وأعني بها الإسلام، وهو مرجعية مشتركة بيننا وبين المسلمين في المشارق والمغارب، فالمسلمون إخوة، وهم أمة واحدة، ومثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له جميع الأعضاء، وهم كالبنيان يَشُدّ بعضه بعضا...
إن الذين يدعون إلى استبدال مذاهب اجتماعية واقتصادية أجنبية بالإسلام إنما يريدون شرّا بالجزائر، جهلوا ذلك أو علموه، وإنهم بإبعادهم الإسلام عن تسيير شؤون المجتمع الجزائري يريدون تفريقه، ويودون تمزيقه ولو زعموا وادعوا غير ذلك...
لقد أدركت فرنسا النّزّاغةُ أهمية الإسلام في ترابط الجزائريين وتماسكهم فسمّته "العنصر الموحّد"، وقد عملت طيلة وجودها في الجزائر،.. وماتزال تعمل إلى الآن ـ مباشرة وعن طريق أراذلنا وعملائها ـ على صد الجزائريين عن دينهم، وتوهين هذا العنصر الموحد.. وذلك عن طريق المنظومة التربوية، والمنظومة الإعلامية.. ويا ويلتنا يوم يزول ـ لا قدّر الله ـ هذا العنصر الموحد، فينتثِرُ هذا العقد، وينتشر بيننا الحقد..
إن سبب انفصال جنوب السودان عن شماله هو عدم وجود هذا العنصر الموحّد، وهو سبب انفصال شرق تيمور عن غربها وعن أندونيسيا، وإن الدول التي تعاني مشكلات داخلية فبسبب عدم وجود العنصر الموحد، أو تهميش العنصر الموحد.. ألم يقل الجنرال دوغول إنه يخشى أن تتحوّل بلدته من كولومبي ذات الكنيستين إلى كولومبي ذات المسجدين(4)؟ ألا تسعى إسرائيل إلى جعل الجزء الأكبر من فلسطين "دولة يهودية ـ عرقا ودينا"، وذلك بطرد الفلسطينيين إلى خارج فلسطين، أو حشرهم في جزء من الضفة الغربية وغزة إن لم يمكن طردهم؟ ألا تُرفض تركيا في الاتحاد الأوربي بسبب دينها؟
ب) مرجعية صغرى، وتتمثل في هذه المذاهب، وبالنسبة إلينا في هذين المذهبين اللذين نتمذهب بهما، وهما المذهبان المالكي والإباضي، ويشاركنا فيهما أوطان المغرب الإسلامي.. وقد تعايش هذان المذهبان في هذا المغرب الإسلامي.. وإن ما يقع ـ أحيانا ـ بين أتباعهما إنما هو من نزغ شياطين الإنس، فلعنة الله على من دعا إلى الفُرقة، وأيقظ الفتنة.. من أي فريق..
إن الذي ألاحظه هو أن كثيرا من المسؤولين عندنا في أحاديثهم عن "المرجعية" إنما يقصدون المرجعية الصغرى، وهي ـ على أهميتها ـ لا خوف منها، ولا عليها. ولكن الأمر الذي يجب الاهتمام به أكثرهم المرجعية الكبرى، أي الإسلام نفسه، ولا يكفي أن نكتب في بداية "الدستور": "الإسلام هو دين الدولة".
إن الدول التي تقدر هذه المرجعية الكبرى تعتبر وزارات الشؤون الدينية وزارات "سيادية"، ذات ميزانيات ضخمة.. وأما عندنا فجميعنا نعرف قيمة وزارة الشؤون الدينية ومؤسساتها، وميزانيتها عند كبار المسؤولين، وإن ما طبعته دولتنا من مطبوعات في عدة عقود عن مرجعيتنا الكبرى أقل بكثير مما تطبعه الدول الأخرى في سنة واحدة.. بل إن المصحف الشريف الذي يطبع في الدول الأخرى بالملايين يطبع عندنا بالآلاف، وقد فكر بعض شياطين الإنس في منع بيعه في السنة الماضية في معرض الكتاب، وما منع هذه الحماقة من جنود إبليس إلا بعض أهل الخير في هذا الوطن العزيز..
إن نِهْرُو زعيم كبير، ذو مستوى علمي رفيع، وما أظنه مقتنعا بعبادة البقر في الهند، ولكنه كان يحترم البقرة لأنها "إله" للأكثرية من شعبه، فما بال جُهّالنا (الجهل البسيط والمركب) يحاربون الإسلام، الذي يدخل فيه العلماء من مختلف البلدان والأديان لأنه دين العلم والفكر؟
فيا أيها الجزائريون عضّوا على مرجعيتكم الكبرى، وهي الإسلام، بالنواجذ، واعتصموا بها، ودافعوا عنها، ولا تبغوا بها بدلا، ولا عنها حِولا، وانبذوا كلّ من يحتقرها ويهينها، ولو أعجبكم قوله، ووعدكم ومنّاكم بالمنّ والسّلوى وتحقيق لكلّ منكم ما نوى.
هوامش:
1) جريدة البصائر. ع 137. في 28 أكتوبر 1938 ص 2.
2) آثار الإمام ابن باديس. ج 4. ص 109.
3) آثار الإمام الإبراهيمي ج 4. ص 184.
4) شارل هانري فافرود: الثورة الجزائرية. ص 9.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق