خطبة الجمعة ليوم 26رمضان وداع الأمة لشهر رمضان المبارك
الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده ....
إخوة الإسلام، أرأيتم لو أنّ ضيفًا عزيزًا ووافدًا حبيبًا حلَّ في ربوعكم، ونزل بين ظهرانيكم، وغمرَكم بفضله وإحسانه، وأفاض عليكم من بره وامتنانه، وأحبكم وأحببتموه، وألفكم وألفتموه، ثم حان وقت فراقه، وقربت لحظات وداعه، فبماذا عساكم مودعوه؟! وبأي شعور أنتم مفارقوه؟! كيف ولحظات الوداع تثير الشجون، وتُبكي المُقل والعيون، وتنكأ الالتياع، ولا سيما وداع المحب المُضنَّى لحبيبه المُعنَّى، وهل هناك فراق أشد وقعًا ووداعًا، وأكثر أسى والتياعاً من وداع الأمة الإسلامية هذه الأيام لضيفها العزيز ووافدها الحبيب، شهر البر والجود والإحسان، شهر القرآن والغفران والعتق من النيران، فالله المستعان. عباد الله، لقد شمر الشهر عن ساق، وأذن بوداع وانطلاق، ودنا منه الرحيل والفراق، لقد قُوِّضت خيامه، وتصرمت أيامه، وأزف رحيله، ولم يبق إلا قليله. وقد كنا بالأمس القريب نتلقّى التّهاني بقدومه، ونسأل الله بلوغه، واليوم نتلقّى التّعازي برحيله، ونسأل الله قبوله.مضى هذا الشّهر الكريم، وقد أحسن فيه أناس وأساء آخرون، وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه من أعمال، شاهد للمشمّرين بصيامهم وقيامهم وبرّهم وإحسانهم، وعلى المقصرين بغفلتهم وإعراضهم وشحهم وعصيانهم، ولا ندري هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات.ألا إن السعيد في هذا الشهر المبارك من وُفق لإتمام العمل وإخلاصه، ومحاسبة النفس والاستغفار والتوبة النصوح في ختامه، فإن الأعمال بالخواتيم.إخوة الإيمان، لقد كان السلف الصالح رحمهم الله يجتهدون في إتقان العمل وإتمامه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، ويقول مالك بن دينار رحمه الله: "الخوف على العمل ألا يُتقبل أشد من العمل"، وقال فضالة بن عبيد رحمه الله: "لو أني أعلم أن الله تقبل مني حسنة واحدة لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها".الله أكبر، هذه حال المشمرين، فرحماك ربنا رحماك، وعفوَك ـ يا الله ـ لحال المقصرين، ألا فسلام الله على شهر الصيام والقيام، سلام الله على شهر التراويح والتلاوة والذكر والتسبيح، لقد مر كلمحة برق أو غمضة عين، كان مضمارًا للمتنافسين، وميدانًا للمتسابقين، ألا وإنه راحل لا محالة فشيِّعوه، وتمتعوا فيما بقي من لحظاته ولا تضيِّعوه، فما من شهر رمضان في الشهر عوض، ولا كمفترضه في غيره مفترض، شهر عمارات القلوب، وكفارات الذنوب، وأماني كل خائف مرهوب، شهر العبرات السواكب، والزفرات الغوالب، والخطرات الثواقب، عباد الله، متى يُغفر لمن لم يُغفر له في هذا الشهر؟! ومتى يُقبل من رُدَّ في ليلة القدر؟! أورد الحافظ ابن رجب رحمه الله عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: (يا ليت شعري من المقبول ومن المحروم فنعزيه).أيها المقبولون هنيئًا لكم، وأيها المردودون جبر الله مصيبتكم، ماذا فات من فاته خير رمضان؟! وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان؟! كم بين من حظه فيه القبول والغفران ومن حظه فيه الخيبة والخسران؟! متى يصلح من لم يصلح في رمضان؟! ومتى يصحُّ من كان فيه من داء الجهالة والغفلة مرضان؟!ترحَّل الشهر والهفاه وانصرما…واختصَّ بالفوز بالجنان من خدما فيا أرباب الذنوب العظيمة، الغنيمةَ الغنيمةَ في هذه الأيام الكريمة، فمن أعتق فيها من النار فقد فاز ـ والله ـ بالجائزة العظيمة، والمنحة الجسيمة، فيا من أعتقه مولاه من النار، إياك ثم إياك أن تعود بعد أن صرت حرًا إلى رق الأوزار، فبادروا ـ يا رعاكم الله ـ فلعل بعضكم لا يدركه بعد هذا العام، ولا يؤخره المنون إلى التمام، فيا ربح من فاز فيه بالسعادة والفلاح، ويا حسرة من فاتته هذه المغانم والأرباح، لقد دنا رحيل هذا الشهر وحان، وربَّ مؤمِّلٍ لقاء مثله خانه الإمكان، فاغتنم - أيها المفرط - في طاعة المنان الفرصة قبل فوات الأوان، وتيقظ أيها الغافل من سنة المنام، وانظر ما بين يديك من فواجع الأيام، واحذر أن يشهد عليك الشهر بقبائح الآثام، واجتهد في حسن الخاتمة فالعبرة بحسن الختام.أمّة الإسلام، ماذا عن آثار الصيام التي عملها في نفوس الصائمين؟! لننظر في حالنا، ولنتأمل في واقع أنفسنا وأمتنا، ونقارن بين وضعنا في أول الشهر وآخره، هل عُمرت قلوبنا بالتقوى؟ هل صلحت منا الأعمال وتحسنت الأخلاق واستقام السلوك؟ هل اجتمعت الكلمة وتوحدت الصفوف ضدَّ أعداء الأمة؟ هل زالت الضغائن والأحقاد وسُلَّت السخائم من النفوس؟ هل تلاشت المنكرات والمحرمات عن المجتمعات؟أيها المسلمون، يا من استجبتم لربكم في الصيام والقيام، استجيبوا له في سائر الأعمال وفي كل الأيام.أما آن أن تخشع لذكر الله القلوب؟! وتجتمع على الكتاب والسنة الدروب لتدرأ عن الأمة غوائل الكروب وقوارع الخطوب؟!.إخوة الإسلام، أمة الصيام والقيام، ما أجدر الأمة الإسلامية وهي تودع شهرها أن تودع الأوضاع المأساوية، والجراحات الدموية، التي أصابت مواضع عديدة من جسدها المثخن بالجراح، ما أحراها أن تتخذ الخطوات الجادة والعملية لوقف نزيف الدم المسلم المتدفق على ثرى الأرض المباركة فلسطين المجاهدة، وفي غيرها من بلاد الإسلام، فهل يعجز المسلمون وهم أكثر من مليار مسلم أن يتخذوا حلا عادلاً يحقن دماء المسلمين، ويعيد لهم أمنهم ومجدهم وهيبتهم بين العالمين؟! هل تودع الأمة الإسلامية - وهي تودع شهرها - التخاذلَ الكبير تجاه قضيتها الأولى، قضية أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين، المسجد الأقصى المبارك - أقر الله الأعين بفك أسره وقرب تحريره - الذي يرزح تحت وطأة العدوان الصهيوني الغاشم، ويستنجد ولا مجيب، ويستغيث ولا ذو نخوه يتحرك، فإلى الله المشتكى، ومنه وحده الفرج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يا أهل الإسلام، يا أمة محمد ، نحن أمة عُرفت عبر تأريخها المشرق بعز ومجدٍ يطاول الثريا رفعة وسناءً فحرام أن نضعف ونستكين ونتحسى كأس المذلة مُترعاً، لا بد أن تأخذ الأمة الإسلامية مكانتها بين الأمم، لتحقيق ما تنشده البشرية المضطهدة والإنسانية الحيرى من حق وعدل وسلام، وانتشالها مما غرقت فيه من أوحال الضلال والشقاء، ومستنقعات الاضطراب والفوضى، وإذا كان أعداؤهم سادوا العالم وهم على مادية وضلال وباطل، فما أحراكم بالقيادة والسيادة والريادة وأنتم على منهج الشهد الزلال، منهج الإيمان والحق والتقوى، لا بد من صياغة الجيل المعاصر على منهج الوسطية والاعتدال، ووضع دراسات استراتيجية واتخاذ آليات عملية للنهوض بمستوى الدعوة الإسلامية، ووقاية الأمة من شرور التشرذم والخلافات الجانبية التي عانت الأمة منها طويلاً، والمشكلات المفتعلة التي تمثل طعنة نجلاء في خاصرة هذه الأمة.إن حقًا على أهل الإسلام جميعًا أن يعلموا أنه لا صلاح لأحوالهم التي يطلبون لها الحلول العاجلة إلا بالتمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة في عالم يموج بالإلحاد والوثنيات والانحراف والمتغيرات، ووالله وبالله وتالله إن فساد العقائد والأخلاق والتخلي عن الثوابت العقدية والمناهج الشرعية لهو سبب هزائم الأمم، وانتكاسات الشعوب، وتدهور الحضارات، وتلك مسؤولية الأمة بأسرها، فهل يعي المسلمون مكانة عقيدتهم، ويتَّحدوا على ما كان عليه سلفهم الصالح رحمهم الله ليتحقق الخير للبلاد والعباد؟!هذا هو الأمل، وعلينا الصدق والعمل، فنسأل الله عز وجل أن يتقبل منا جميعًا صيامنا وقيامنا ودعاءنا، وأن يمن علينا بالقبول والمغفرة والعتق من النار بمنّه وكرمه، وأن يجبر كسرنا على فراق شهرنا، ويعيده علينا أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، وعلى الأمّة الإسلاميّة وهي ترفُل في حُلل العزّ والنّصر والتّمكين، وقد عاد لها مجدها وهيبتها بين العالمين، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.أقول قولي هذا،وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل الآثام والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله ترفع الدرجات وتكفر السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قاضي الحاجات، والعالم بالخفايا والمكنونات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات.أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستودعوا شهركم عملاً صالحًا يشهد لكم عند الملك العلام، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وأوفر سلام، قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحِنّ، ومن ألم فراقه تأسي وتئِنّ، كيف لا يجري للمؤمن على فراقه دموع، وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع؟! إن قلوب المحبين لألم فراقه تتشقَّق، ودموعهم للوعة رحليه تتدفَّق، فالله المستعان وهو وحده الموفِّق.أيها الإخوة الصائمون، لقد شرع لكم مولاكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة، تسدُّ الخلل، وتجبر التقصير، وتزيد المثوبة والأجر، فندبكم في ختام شهركم إلى الاستغفار والشكر والتوبة "وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" كما شرع لكم زكاة الفطر شكرًا لله على نعمة التوفيق للصيام والقيام، وطهرة للصائم من اللّغو والرّفث وطعمة للمساكين، وتحريكًا لمشاعر الأخوة والألفة بين المسلمين، وهي صاع من طعام من برّ أو نحوه من قوت البلد كالدّقيق وغيره، فيجب إخراجها عن الكبير والصّغير والذّكر والأنثى، كما في حديث أبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهم. والأفضل إخراجها ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج إن شاء الله.والسنة أن يخرجها طعامًا كما هو نص حديث المصطفى وعمل السلف الصالح رحمهم الله. فأدوا ـ رحمكم الله ـ زكاة الفطر طيبة بها نفوسكم،.أيها الإخوة في الله، اللهَ اللهَ في الثبات والاستمرار على الأعمال الصالحة في بقية أعماركم، هذه الصلوات الخمس المفروضة، وهذه نوافل العبادات من صلاة وصيام وصدقة، وهكذا سائر الأعمال الصالحة، واعلموا أنه لئن انقضى شهر رمضان المبارك فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، ومن علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، ورب الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب مشاهد، وبئس القوم: لا يعرفون الله إلا في رمضان.هذا.
فيا شهرَ البركة، يا شهر البركة غيرَ مودَّعٍ سنودّعُك، وغيرَ مقليٍّ سنفارقك، ولا ندري أتعود علينا أم تختَرِمُنا المنونُ فلا تؤوب إلينا.
سلامٌ عليك يا شهرَ الصيام والقيام، سلامٌ عليك يا شهرَ التلاوة والقرآن، سلام عليك يا شهرَ البركة والإحسان، سلام عليك يا شهرَ التجاوز والغفران، سلام عليك يا شهرَ التُّحف والرضوان.
تفيض عيونِي بالدّمـوع السواكبِ وما لَي لا أبكي على خيْر ذاهبِ
علـى أشرف الأوقات لمَّا غُبِنتهـا بأسـواقِ غَبنٍ بيْن لاهٍ ولاعـبِ
على أنفَس الساعات لَمَّا أضعتهـا وقضيتهـا في غفلـة ومَعـاطبي
علـى صرفِيَ الأيّام في غيرِ طـائلٍ ولا نافعٍ مِن فِعلِ فضل و واجبِ
إليه مـآبِي وهو حسبِي وملجئـي ولِي أمَلٌ فِي عَطفِه غيْرُ خـائبِ
وأسأله التوفيـق فيما بقـي لِمَـا يحبّ ويرضى فهو أسْمى المطالبِ
وأن يتغـشّـانا بعفـوٍ ورحْمـة وفضلٍ و إحسانٍ وسَترِ الْمعائبِ.
خطبة الشيخ عبد النور خبابة
بالمسجد العتيق ببلدية غيلاسة 26 رمضان 1432هـ.
بارك الله فيك أستاذ على هاته الخطبتين فعلا كما أوردت في حديثك
ردحذفتفيض عيونِي بالدّمـوع السواكبِ وما لَي لا أبكي على خيْر ذاهبِ
لقد استمعت الى خطبتيك في المسجد العتيق انت اخي الفاضل فعلا انسان مبدع و ارجو ان لا تحرمنا من خطبك في مسجد بلديتنا المتواضع و شكرا
ردحذفاختي خديجة إدريس سعيد جدا لاهتمامك وحسن عنايتك ومتابعتك ، وأنت توشحين موضوعات مدونتي المتواضعة بتعليقاتك الندية لك مني أطيب تحية.
ردحذفأخي الكريم ب محمد البشير أشكرك جزيل الشكر على مرورك وتعليقك الماتع يسرني أخي كثيرا أن اواصل دروسي وخطبي وأداء مختلف الشعائر الدينية بمسجدكم الذي أحبه كثيرا، كما أني أحب بلديتكم حبا كبيرا لعناية أبنائنها بكتاب الله تعالى وطيبة أهلها، لكن ذلك مرتبط بإدارة مديرية الشؤون الدينية والأوقاف، تقبل مني أخي أسمى عبارات التقدير والاحترام وأستسمحكم عذرا كوني ربما أطلت عليكم في درسي وخطبتي، أرجو أن اكون عند حسن ظنك بي . صح فطورك عزيزي.
ردحذف