ماهية الإيمان
الإيمان لغةً
هو الاعتقاد بأمرٍ ما والاطمئنان إليه وتصديقه، ثمّ تطبيقه قولاً وعملاً، أي أن يكون الاعتقاد به باللسان، والقلب، والعمل، أمّا شرعاً فهو الإيمان بالله، وكتبه، ورسله، وملائكته، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه فيما يعرف بأركان الإيمان، غير أنّ الناس ينقسمون بين مطبقٍ لهذا، أي أنّهم مصدّقون ومعتقدون بوجود الله، ومنكرون لهذا فيما يعرف بالكفار، فالكافر من أنكر وجود الله ولم يصدق به ولم يتبع أوامره ويجتنب نواهيه، وقد ذكر الله صفات المؤمنين في القرآن الكريم كما وردت بالترتيب وهي الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة والزكاة والإيمان بالرسل السابقين جميعاً والإيمان باليوم الآخر. المؤمن هو من آمنَ بالله وملائكته وكُتبه ورسله بقلبه إيماناً صادقاً، ولا يعني كونك تقوم بعباداتك وصلاتك وصيامك أنّك مؤمن، بل يعني أنّك مسلم، لأنّ الإيمان هو درجةٌ أعلى من الإسلام، ويكون موقعها باطن العبد وتفكيره الدّاخلي، وهو ينعكس في اعتقادات وتفكير العبد، ويظهر أثرهُ في صفاته وأخلاقه، فما هي صفات المؤمن؟
سنتعرّف على بعضها راجين من الله أن نكون وإيّاكم من المؤمنين والمسلمين.
صفات المؤمن
يعبد المؤمن الله وحده كصفةٍ أساسيةٍ أولى، لا يشرك به شيئاً أو أحداً، فلا يعتقد إلا بقوة الله وحده ولا يطيع أحداً سواه أو معه، وهو راضٍ بأقدار الله فإن كانت خيراً شكر وإن كانت شراً صبر، كما أنّه يؤمن بالرسل عليهم الصلاة والسلام والكتب السماوية التي أنزلت عليهم، ويؤمن بيوم الحساب وفيه يجازي الله المؤمنين بالجنة وبثوابٍ لم يتخيلوه أو يحلموا به، ويعاقب الكفار والمشركين بالنار عقاباً على عصيانهم وتكبّرهم وعنادهم له ولأوامره، بالإضافة إلى أنّ المؤمن ملتزمٌ بالصلاة ومصرٌ على إقامتها، والفرق بين الصلاة وإقامة الصلاة هو أنّ الصلاة هو أداؤها بشكلٍ عادي تقليدي وربما بسرعةٍ كأي واجبٍ آخر، أمّا إقامة الصلاة فهي أداؤها بإحسانٍ وخشوعٍ وتأني، والمؤمن أيضاً يزّكي ليطهّر أمواله وليبارك له الله فيها؛ لأنّه بطبيعته يشعر مع إخوانه ويساندهم في عوزهم واحتياجهم، كما أنّ المؤمن يتميز بأخلاقه الطيبة وصفاته الحميدة، مثل الكرم فهو لا يبخل على أهله ونفسه وضيفه ومن طلب مساعدته في ضائقةٍ ماليةٍ مثلاً، وهو صادقٌ لا يحب الكذب في الحديث، وهو أمينٌ بعيدٌ عن الخيانة والغدر بالوعود والعهود فيأتمنه الناس ويحبونه، وهو مخلصٌ في أداء واجباته فيشعر برقابة ضميره وخوفه من عقاب الله إن قصّر، فينجز أعماله بكل إتقانٍ وأمانة، كما أنه متواضعٌ لا يعرف التكبر والكبرياء، لين المعاملة ورقيق القلب.
يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة أمة الإسلام التي تميّزها عن باقي الأمم والمجتمعات، كما ورد عن سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا من شأنه أن يصلح الأمة ويقومها، لأنه يحس نفسه جزءاً فاعلاً منها، وبالتالي تقع على عاتقه مسؤولية نصيحة إخوانه حين يراهم مبتعدين عن طريق الصواب، فالمؤمن ليس صاحب شخصيةٍ سلبيةٍ أو أنانيةٍ لا يعنيها إلّا نفسها.
وقد خاطب الله سبحانه وتعالى عباده في كتابه الكريم بصيغة المؤمن، فمن هو المؤمن؟
ذكر الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم صفاتً للمؤمنين في عددٍ من أحاديثه، ومنها: يشكر في السّرّاء، ويصبر في الضّرّاء: المؤمن الحقّ يؤمن بقضاء الله وقدره، ويؤمن بأنّ أمر الله كلّه به خيرٌ له؛ فهو عبد الرّحمن الرّحيم اللّطيف بعباده، ولا يُريد بعباده سوى كلّ خير، لذا يصبر على أيّ ضرِّ أصابه، فالله سبحانه وتعالى ما ابتلاه إلّا لأنّه أحبّه، ولأنّه يختبره، وفي وقت الفرج لا ينسى أن يشكر ربّه، ويحمده على نعمه.
ليس المؤمن هو من يغيّر تفكيره وعبادته لخالقه مع تغيير الظّروف، أي أن يخفّ دعاؤه وصلاته وقت السّرّاء، ويذكر ربّه وقت الضّرّاء فقط، بل يكون المؤمن حقّاً من يذكر ربّه ويدعوه ويتبجّل إليه في كلّ الظّروف، خيرها وشرّها.
يفرح لفرح المؤمنين، ويحزن لحزنهم: ذكر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ المؤمن حقّاً يهتمّ لما يحصل بإخوانه المؤمنين، ولا يعيش بعزلةٍ عنهم من دون أن يحزن لحزنهم، بل يضرّه ما ضّرّهم بنفس القدر، ويحاول جاهداً مساعدتهم، فيواسي من أصابته مصيبةٌ ولا يشمت به مهما كانت الظّروف، ويشارك فرحة أخيه المؤمن من دون أن يحسد وينقم نعم الله عليه.
قارئ للقرآن:المؤمن الحقّ يحبّ كلام الله عزّ وجلّ، ويقرؤه بخشوعٍ وفهم، ويحاول الاقتداء به، فالله يخاطبه به، ويجد فيه من السّكينة والرّاحة وملء الفراغ ما يجعله مطمئنّاً ومحبّاً له.
يتّصف بالصّفات الحميدة: ذكر رسولنا الكريم أنّ المؤمن يُعرف من صفاته الحميدة بين النّاس، فهو كريمٌ، وحليمٌ، وشجاعٌ، ومتواضعٌ، وصبورٌ، ولطيف الكلام.
لا يطعن بإخوانه، ولا يذمّ، ولا يلعن: من الصّفات الّتي ذكرها رسولنا الكريم عن المؤمن الحقّ، امتناعه عن الطّعن بإخوانه والحديث عنهم من وراء ظهورهم، تجنّباً لوقوع الفتن والمشاكل، كما يمتنع عن الذّمّ، والسّبّ، واللّعن في أيّ وقت، كما نشهد كثيراً من هذه الوقائع في وقتنا هذا.
الفرق بين المسلم والمؤمن
يضربُ العلماء مثلاً في استِخدام الألفاظ للدلالة على المعاني في اللغة العربية كلمتي الفقير والمسكين، فهاتان الكلمتان إذا افترقتا دلّت كلّ واحدة منهما على نفس معنى الكلمة الأخرى، أما إذا اجتمعتا فالفقير اسمٌ يدلّ على جميع المحتاجين، بينما تدلّ كلمة المسكين على بعض الأفراد من هؤلاء المحتاجين ولا تدلّ على المُحتاجين جميعاً.
ومن الألفاظ التي تدلّ على المعنى نفسه إذا افترقت الإيمانُ والإسلام، فإذا افترق اللفظان دلّ كلٌّ منهما على الآخر، فإذا قيل الإسلام دلّ على معناه وعلى معنى الإيمان، وإذا ذُكر الإيمان دلّ على معناه وشَمِل معنى الإسلام، وقد استخدم الرسول الكريم هذا الأسلوب وتكلّم عن الإسلام بدلالته الإيمانيّة.
رُوي عن عمرو بن عَبَسة، قال: (قال رجل: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أنْ تُسلمَ قلبك، وأنْ يَسلمَ المسلمون من لسانكَ ويدكَ، قال: فأيُّ الإسلامِ أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أنْ تؤمن بالله وملائكتهِ وكتبهِ ورسلهِ والبعثِ بعد الموتِ، قال: فأيُّ الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة، قال: وما الهجرة؟ قال: أنْ تهجرَ السُّوءَ، قال: فأيُّ الهجرةِ أفضل؟ قال: الجهاد، قال: وما الجهاد؟ قال: أنْ تقاتلَ الكفَّار إذا لقيتَهم، قال: فأيُّ الجهادِ أفضل؟ قال: مَن عُقرَ جوادُهُ وأُهريقَ دمُهُ، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ثمَّ عَملانِ هما أفضلُ الأعمالِ إلا من عَملَ بمثلِهما؛ حجَّةٌ مبرورةٌ أو عمرةٌ)
وأمّا إذا اجتمع اللفظان فإنَّ الإسلام يدلّ على جميع الأفراد؛ لأنَّ الإسلام اسمٌ عامٌ، أمّا الإيمان فيدلّ على جزءٍ محدّدٍ مخصوصٍ من المسلمين، الذين تميّزوا بإسلامهم فاستحقوا وَصْفهم بالمؤمنين، قال أبو بكر الإسماعيلي في رسالته إلى أهل الجبل: (قال كثيرٌ من أهل السنّة والجماعة: إنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، والإسلام فعلُ ما فُرض على الإنسان أن يفعله، إذا ذُكر كلّ اسمٍ على حِدَته مضموماً إلى آخر فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعاً مفردَيْن، أُريدَ بأحدهما معنىً لم يُرَد بالآخر، وإذا ذُكر أحد الاسميْن، شمِل الكلَّ وعمَّهم). وخُلاصة القول في الفرق بين الإسلام والإيمان إذا دخل الشخص في الإسلام، أو كان مُسلماً لأبوين مسلمين، ثمّ بدأ يُدرك معنى الإسلام فهو في المرتبة الأولى من مَراتب الدين الإسلامي الإيمانية، ولم يصل إلى الإيمان بعد؛ ثمّ إذا ارتقى هذا الإسلام ليُحقّق بعض القواعد الإيمانية فإنّه يكون في المرتبة الثانية بعد الإسلام وهي مرتبة الإيمان، فمراتب الإيمان الإسلامي ثلاثة؛ تبدأُ بالإسلام فإذا ارتقى المسلم وصل إلى مرتبة الإيمان، ثم إذا وصل إيمانه لمرحلةٍ يعبد فيها الله كأنه يراه ويطّلع عليه فقد وصل إلى أعلى مَراتب الإيمان، وهي مرتبة الإحسان.
حقيقة الإسلام والإيمان
حقيقة الإسلام
الإسلام هو استسلام العبد المُسلم لله استِسلام خُضوع واستسلام انقياد، وذلك يكون بالأعمال الظاهرة قولاً وعملاً، والعبادات القوليّة الظاهرة، مثل شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمَّداً رسول الله، والعبادات العمليّة الظاهرة مثل إقامة الصلاة؛ وهي عبادةٌ جسديّةٌ ظاهرة، وإيتاء الزكاة؛ وهي عبادةٌ ماليّةٌ ظاهرة، والحجّ لمن كان بَعيداً عن مكّة يُعتبرُ عبادةً جسديّةً وماليّةً في آنٍ واحدٍ؛ لِما في الحجِّ من مشقّة جسديّة وماليّة عندما تكون المسافة بعيدة، ومثل الصوم كذلك فهو عِبادة جسديّة ظاهرة[٤]. بيّن الرسول صلى الله عليه وسلّم معنى الإسلام في الحديث الشريف لمّا سُئل عن الإسلام، فأجاب -عليه الصلاة والسلام-: (الإسلام أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت، إنْ استطعت إليه سبيلاً)[٥] حقيقة الإيمان الإيمانُ هو التصديقُ والإقرارُ والمعرفة القلبيّة، وقد فسَّر النبيُّ الكريمُ -عليه الصلاة والسلام- الإيمان بأعمال القلوب الباطنة، التي لا يطّلعُ عليها إلا الله سبحانه وتعالى، فقال مُفسِّراً الإيمان ومبيِّناً له: (أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه).
الإيمان يُمكن أن يُطلق عليه قولُ القلب؛ فإنّ للقلب قولاً وعملاً، فأمّا القول فهو التصديق القلبي، وأمّا عمل القلوب فهو كمَحبّة الله سبحانه وتعالى، ومحبّة الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، ومحبّة كلّ ما يُحبّه الله ورسوله، ونحو ذلك من أعمال القلوب.
الإيمان والإسلام في القرآن الكريم
تحدّث القرآنُ الكريم عن الإيمان والإسلام، ومن أهمّ الآيات التي تناوَلت الإيمان والإسلام سواءً باستخدام اللفظين مُجتمعين في الآية نفسها، أو باستِخدام الإيمان والإسلام بأن يستقلّ كلٌّ من اللفظين منفصلاً عن الآخر، وفيما يأتي بعض الآيات التي تحدّثت عن الإيمان والإسلام: قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) قال تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ، الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ، أُولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ) قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّـهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق