بر الوالدين
يتربع بر الوالدين على رأس قائمة الأعمال السامية الشريفة التي حثَّت عليها الفطرة الإنسانية السليمة، والتي أكدتها الديانات السماوية كلها، وذلك لما لهما من فضل عظيم لا يستطيع ذو عقل إنكاره، فهما من يرعيان الإنسان منذ الصغر، ويقفان إلى جانبه في سائر محطات حياته.
ولمَّا كانت الأم تضطلع بدور عظيم في التربية، وتُرهِق نفسها، وجسَدها، وتفكيرها من أجل توفير الراحة لأبنائها، فقد كانت لها مكانة خاصة وعظيمة، وفضل عظيم يناله الإنسان إذا تقرَّب منها، وحرص على راحتها، وبرِّها، وفيما يأتي تفصيل ذلك.
فضل بر الأم
بر الأم من أعمال وصفات الأنبياء بر الوالدين بشكل عام، والأم بشكل خاص هو من أعظم صفات الأنبياء التي امتازوا بها، وجاء في غير موضع من كتاب الله تعالى ذكر برِّ رسول الله عيسى عليه السلام بوالدته السيدة مريم، فقال تعالى على لسان عيسى عليه السلام حينما تكلَّم في المهد صبياً: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) [مريم: 32]، وهذا رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم يجلس عند قبر والدته السيدة آمنة بنت وهب، ويبكي بكاءً شديداً. التأكيد على بر الأم في الكتاب والسنة ذكر الله تعالى الأم في مواضع من كتابه الكريم، وحثَّ على ضرورة برِّها، ووصَّى الإنسان بها، ومن أبرز الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]، إلى جانب ذلك، فقد أكَّدت أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهمية وفضل برِّ الأم، فكان صلى الله عليه وسلم دائماً يوصي الناس بأمَّهاتهم ويحُثُّهم على برِّهن، والإحسان إليهن. بر الأم طاعة لله تعالى في بر الأم تقرُّب من الله تعالى، وفي عقوقها عصيان له سبحانه، ومن هنا فإن الإنسان الكيِّس يُعِّد العدة للقاء الله تعالى، ويحرص كل الحرص على نيل رضا والدته، وعدم إغضابها، أو رفع الصوت عليها، وتلبية كل رغباتها مهما كانت.
بر الأم واجب حتى لو كانت غير مسلمة ليس لدين الأم علاقة ببرِّها، فقد أكد الشرع على ضرورة الإحسان إليها، ونيل رضاها مهما كان دينها، وفي ذلك منتهى الإنسانية، فحب الإنسان لأمه فطريٌّ، ولا يمكن لإنسان عاقل سليم الفطرة أن يتنكَّر لأمِّه لسبب أو لآخر. دعاء الابن البارّ مستجاب من أعظم فضائل برَِّ الوالدين، والأم، أن دعاء الابن البار مستجاب، وذلك لعظم المكانة التي يتمتع بها الإنسان البار عند الله تعالى، ولعظم مكانة الوالدين لديه سبحانه.
قال تعالى: {وَقضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا إِما يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاَهُمَا فَلا تَقُل لّهُمَا أَفٍّ وَلاَ تَنهَرهُمَا وَقُل لّهُمَا قولاً كَرِيمًا وَاخفِض لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَّبِّ رحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}، الإسراء.
إنّ برّ الوالدين طاعة لله ورسوله؛ فقد جعلها الله مقرونة بعبادته وقد أوجب على الأبناء طاعة الوالدين وبرهما، وجعل ذلك من أهمّ الفرائض والواجبات عليهم وقد جعل الله عقوق الوالدين من الكبائر التي تدخل صاحبها النار.
فوائد برّ الوالدين
لبرّ الوالدين الكثير من الأجر والثواب ونيل السعادة في الدنيا والآخرة ومن ذلك: الفوز برضا الله سبحانه وتعالى وبذلك ينال العبد السعادة في الدنيا والآخرة.
ينال العبد البركة في العمر والرزق؛ ذلك أن صلة الأرحام تزيد في بركتهما، فكيف بالوالدين وهما أحق الناس بحسن صحابة الشخص وخاصة الأم.
إنّ البارّ بوالديه يبرّه أبناؤه، وذلك لأنّ جزاء الإحسان من جنس العمل.
من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى وهو مقدّم على الجهاد في سبيله، والبرّ بذلك يكون سبباً في دخول الجنة.
العمل على ما يرضي الله في برهما يعمل على تفريج الكروب ومصائب الدنيا عن صاحبه.
يكون صاحب البرّ بوالديه مجاب الدعاء وهذا من رضى الله عليه. كيف تكون طاعة الوالدين
من يعرف شيئاً يقرّبه من الله ويزيد من حسناته ويدخله الجنة يعمل به، فكيف لمن عرف أجر وثواب برّ الوالدين في الدنيا والآخرة، إنّ من يعمل خيراً يعامل من جنس العمل بالمعروف فكيف فيمن قضى عمره وشبابه في سبيل جعل أبنائه أفضل الناس وأكثرهم سعادة منذ صغرهم لكي لا يحتاجوا شيئاً من غيرهم، لذلك لا بدّ من تقديم ما يرضي الوالدين لنيل السعادة في الدنيا والآخرة ويمكن ذلك عن طريق:
التواضع للوالدين ومعاملتهما بالرفق والإحسان بالقول والعمل. عدم التحدّث معهما بصوت مرتفع والابتعاد عن الحديث الذي يزعجهما، واستخدام الكلمات الطيّبة معهما.
رعايتهما وخاصّة في حال الكبر والقيام بالواجبات التي تطلب على أكمل وجه.
مساعدة الأم في جميع الأعمال وبرّها وطاعتها؛ وذلك أنّها تقوم برعاية الأبناء منذ الحمل بهم ورضاعتهم والسهر معهم وغير ذلك ممّا تقوم به الأم، وقد أوصى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بها أكثر من الأب.
إن كان الابن متزوجاً فعليه أن يجعل اهتمامه بوالديه يفوق زوجته وأبناءه وخاصة في الكبر؛ إذ يكونان بأمسّ الحاجة لمن يرعاهما والأبناء أحقّ بذلك من غيرهم، وكذلك تربية أبنائه على حبّ والديه وطاعتهما والتقرب منهما.
الإحسان لهما وتقديم أمرهما على أيّ شيء، ومجاهدة النفس على إرضائهما حتّى وإن كانا غير مسلمين.
كذلك لا بدّ من برّ الوالدين بعد وفاتهما؛ وذلك بالدعاء لهما وأن يغفر الله لهما ويرحمهما وأن يدخلهما الجنة، والصدقة عن الوالدين، وزيارة الأقارب من جهة الأب والأم وأصدقائهما، والقيام بالأعمال التي تزيد في حسناتهم وتخفف سيئاتهم.
إنّ البرّ بالوالدين يزيد من حسنات الشخص ويخفف من سيئاته، وينال الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى وبذلك يفوز بالسعادة في الدنيا قبل الآخرة حيث جنة عرضها السموات والأرض بإذن الله تعالى ورحمته.
ثمرات برّ الوالديّن
إنجاب أبناء بارّين، كما حدث مع إبراهيم عليه السَّلام البارّ بأبيه الكافر؛ فقد وهبه الله مكافأةً لبرِّه ابناً بارّاً هو إسماعيل عليه السَّلام. حصول البركة للبارّ: والبركة قد تكون على عدّة صورٍ منها الزِّيادة في العمر مع سلامة العقل والعافية في الصِّحة ووفرة المال، وكمال الأخلاق ومحبة النَّاس، والحصول على العلم الغزير، والتَّوفيق للنَّجاح في العمل وتقلُّد المناصب الهامّة، والذُّرية الصَّالحة المباركة من الله تعالى.
الحصول على رضا الله تعالى في الدُّنيا بتيسير كافّة أموره وحمايته من أشرار النَّاس، وفي الآخرة دخول الجنّة.
الحماية من غضب الله وعذابه؛ فبرُّ الوالديّن حاجزٌ بين العبد وعذاب الله.
تحقيق دعواته، وزرع محبته في القلوب، ونيل القبول لدى النَّاس. دعاء والديه له سببٌ لينال ما يتمنّاه في الدُّنيا والآخرة، وتستمر تلك البركة ترافقه هو وذريته حتّى بعد وفاتهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق