العدّو الاول لبني آدم ،إبليس اللّعين، فهو يسعى لإفساد علاقة المرء برّبه وعلاقته بالناس ، ويسعى للأمر الاول من أبواب الشبهات والشهوات ، سنتحدث عن مكائده في إفساد علاقة المرء بالناس ، والتي يلج إليها من أوسع أبوابه وأخبث مكائده لتحقيقها وهو "سوء الظن" بين المسلمين بعضهم لبعض ، فإن الظنون السيئة إذا أعتبرت عباد الله ، واستمع إلىها فشت الشائعات، وانتشرت الغيبةُ والنميمة، وأُخذ الابرياء بمجرد الظنون والأوهام؛ فيتّولد عن ذلك الأحقاد والضغائن، فسوء الظن من أعظم ما يكون سبباً في فساد القلوب، وتغير النفوس، وانقطاع الأواصر، وقطيعة الرحم، وانفصام عرى الأخوة، وزوال المحبة والمودة بين المسلمين، وهو البداية التي يبدؤها الشيطانُ مع العبد، فإن استسلم له وعمل بموجب ظنونه التي وسوسها الشيطان في صدره، قاده ذلك إلى كبائر الذنوب، وعظائم الأمور، من التجّسس إلى الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان والزور، وإشاعة الفاحشة بين النّاس؛ وكل ذنب منها أعظم من صاحبه، فهي ظلمات بعضها فوق بعض.
جاء رجل إلى النّبي -صلى الله عليه وسلم- وقد داخلته الريبة في امرأته، وأحاطت به ظنون السوء فيها؛ لأنها ولدت غلاماً أسودا على غير لونه ولونها، فأزال النّبي -صلى الله عليه وسلم- ما في قلبه من ظن وريبة بسؤاله عن لون إبله، فقال: ألوانها حمر. قال: "هل فيها من أورق؟" قال: نعم، قال: "فأنّى ذلك؟" قال: لعله نَزَعهَ عرق، قال: "فلعل ابنك هذا نَزَعَه عرق" رواه الشيخان
معاشر المؤمنين
لأجل ذلك فقد حذرنا ربّنا جلّ وعلا من سوء الظن ،ليوصد الباب أمام الشيطان الرجيم ، قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)؛ ونلحظ في هذه الآية الكريمة أنه تعالى قدّم سوء الظن ثم أتبعه بالتجسس و الغيبة، وفي هذا ترتيب عجيب أشار إليه القرطبي -رحمه الله- فقال: "لأن الإنسان إذا ظّن السوء سينتقل إلى مرحلة أخرى وهي التجسس ليتأكد، ثم بعد التجسس سوف يغتاب ذلك الرجل بذكر معايبه".فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظانُّ: أبحث لأتحقق؛ قيل له: (وَلا تَجَسَّسُوا)، فإن قال: تحققت من غير تجسس؛ قيل له: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)
وفي الصحيحين، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والظن؛ فإن الظّن أكذب الحديث"،وإنّما كان الظّن أكذب الحديث لأن الشيطان هو الذي يقذفه في قلب العبد، والشيطان ساعٍ أبداً في إغواء بني آدم ولو بالكذب، فقد يظّن الإنسان أن فلانًا يبغضه،لكلمة سمعها منه فيبني على هذا عداوة وحقدًا،وقد يسيءالمرءالظن في زوجه بدافع الغيرة لأمر رآه فظّن ظّن السوء، وآخر يقطع رحمه لظّن سوء أنهم لايريدون صلته،وكل ذلك مبني على أوهام وشكوك يقذفها الشيطان في قلبه، فهذا أفضل كيد له كما جاء في الحديث، «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فِي النَّاسِ فَأَقْرَبُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدَهُمْ فَيَقُولُ مَا زِلْتُ بِفُلاَنٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولَ إِبْلِيسُ لاَ وَاللَّهِ مَا صَنَعْتُ شَيْئاً. وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَـيْنَهُ وَبَـيْنَ أَهْلِهِ. قَالَ فَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ (ويلتزمه) وَيَقُولُ نِعَمَ أَنْتَ» رواه مسلم
وقانا الله وإياكم من مكائد الشيطان وحبائله وأعاذنا من شروره ومكره ، وهدانا لما في كتابه من الايات والذكر الحكيم ،أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
معاشر المؤمنين
إحسان الظّن بالناس هو الوقاية والعلاج من مكيدة سوء الظّن ، به يأمن المرء على دينه، ويسلم له قلبه من الحقد والبغضاء،ويحفظ به لسانه من الغيبة والنميمة، وتطمئن نفسه في علاقته مع الناس ،لما وقع من وقع في حديث الإفك وخاض في عرض الصديقة الطاهرة من خاض فيه؛ حدَّهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وعاتبهم الله تعالى فقال:(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور:12].قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءاً وهو يجد لها في شيء من الخير مصدراً"
وقال سعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى-: "كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم-: أن ضعْ أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظننَّ بكلمةٍ خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً" رواه البيهقي، والعلاج العملي عباد الله لهذا الامر أن يضع المرء نفسه مكان أخيه الذي أخذته الظنون السيئة تجاهه ، هل سيقبل إتهام نفسه بذلك الظن ؟ عندها يوصد باب سوء الظن ويعتاد المرء إحسان الظن وإصلاح ذات البين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق