الحمد لله الخبير البصير، عالم الغيب والشهادة وهو عليم بذات الصدور، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى أن يبعث الله من في القبور، وبعد:
ما أكثر الأقوال في زماننا وأقل الأعمال، ومع قلتها فالغالب عليها الظهور والرياء والشهرة، إلا ما رحم الله من الصدق والإخلاص والاتباع، وقد رتب الله عز وجل دخول الجنان على الأعمال حيث قال سبحانه (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )، إلا أن الله جل في علاه قد قيّد هذه الأعمال بمقيدات عظيمة وشروط ثقيلة جسيمة، وضبطها بضوابط غاية في الأهمية، لابد من استذكارها وفهمها واستحضارها بل وتعلمها باستمرار.
أي عمل أو عبادة حتى نحصل على ثوابه، ويقبله الله عز وجل، لابد فيه من شرطين اثنين وهما:
الشرط الأول: الإخلاص لله سبحانه وتعالى:
قال سبحانه (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [3]، أي جاعلين دينهم خالصاً له تعالى فلا يشركون به عز وجل، ناوين بقلوبهم وجه الله تعالى في عبادتهم، والإخلاص : التصفية والإِنقاء ، أي غير مشاركين في عبادته معه غيره، والدين: الطاعة، قال تعالى (قل اللَّه أعبد مخلصاً له ديني )الزمر،14 .
ويقول ربنا عز وجل (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، أي أخلص نفسَه له تعالى لا يشرك به شيئاً، أي: أخلص لله أعماله، متوجها إليه بقلبه، وقال أبو العالية والربيع (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يقول: من أخلص لله
والآيات الدالة على شرطية الإخلاص والنية الصادقة في قبول أي عمل كثيرة، منها قول ربنا سبحانه:
( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ).
( وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه )، ومعناه أنا غني عن المشاركة وغيرها، فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير. والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فالعملُ في نفسه صلاحُه وفسادُه وإباحَتُه بحسب النيّة الحاملةِ عليه، المقتضية لوجودِهِ، وثوابُ العامل وعقابُه وسلامتُه بحسب نيته التي بها صار العملُ صالحاً ، أو فاسداً ، أو مباحاً
قال ابن القيم ( قال الجنيد: الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله وقيل لسهل: أي شيء أشد على النفس فقال: الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب، وقال بعضهم: الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدا غير الله ولا مجازيا سواه وقال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وقال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا: الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لون آخر .وقال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء).
يقول عبد الله بن المبارك : رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية.
الشرط الثاني: اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام:
حتى يُقبل أي عمل لابد أن يكون موافقا لما شرعه الله تعالى، ولا يكون ذلك إلا بمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في كل ما جاء به، قال شيخ الإسلام :( وجماع الدين أصلان أن لا نعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع ، لا نعبده بالبدع كما قال تعالى : (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )) وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله).
يقول ربنا سبحانه ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) وقال سعيد بن جبير: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ } أخلص، { وَجْهَهُ } قال: دينه، { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي: متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن للعمل (2) المتقبل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصًا لله وحده والآخر: أن يكون صوابًا موافقا للشريعة
ويقول ربنا عز وجل (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )، حنفاء: أي مستقيمي الطريقة، و حنفاء فيه ستة أوجه: أحدها: متبعين.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لمسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ).
فكما أنَّ كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَنْ أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله ، فليس مِنَ الدين في شيء .
يقول الحافظ ابن رجب ( فهذا الحديث يدلُّ بمنطوقه على أنَّ كلَّ عملٍ ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدلُّ بمفهومه على أنَّ كلَّ عمل عليه أمره، فهو غير مردود، والمراد بأمره هاهنا: دينُه وشرعُه ).
فالله سبحانه وتعالى (جعل الإخلاص والمتابعة سببا لقبول الأعمال فإذا فقد لم تقبل الأعمال )، وذلك أن تمام التأسي والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتقيد العبد بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أصل العبادة، وسببها، وهيئتها، ووقتها ومكانها، فما ورد مطلقاً تعبد به مطلقاً، وما ورد مقيداً بسبب، أو بهيئة، أو وقت، أو مكان تعبد به على ما قيد به.
ولابد من التنويه والتنبيه لأمر هام جدا، وهو أن الأعمال من حيث القبول والانتفاع لا تقاس بالكثرة ولا بالكمية، ولكن بالحُسن والموافقة والمطابقة لشرع الله، إذ يقول ربنا سبحانه ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً )، أي أصوبه وأخلصه فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت مراتب أعمالكم فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء
فالله عز وجل أراد منا الإحسان في العمل إذ قال ( أيكم أحسن عملا )، ولم يقل أيكم أعظم أو أكثر أو أكبر، ولا يكون العمل حسنا إلا إذا كان خالصا لوجه الله تعالى موافقة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
يقول الإمام الزاهد الثقة العابد المشهور الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) : قال : أخلصه وأصوبه. قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص: إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة.
يقول ابن القيم( العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه ).
إذن لابد من تحقيق الإخلاص والمتابعة في كل الأعمال، بعيدا عن الرياء والسمعة وحب الظهور والشهرة ومحمدة الناس والابتداع؛ إلا من ارتضى لنفسه بذل الجهد والوقت والمال، من غير أي ثمار ولا أجور، وعندها عياذا بالله ولات ساعة مندم، ولا ينفع الندم بل الحسرة والغم والحزن، حتى يقول ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت )، نسأل الله العافية.
ولأهمية هذه القضية وعِظمها كان فاروق الأمة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول في دعاءه( اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً ).
فهذا نداء أخير، وبرقية مستعجلة، ونصيحة ثمينة، لا يُستثنى فيها أحد، رئيسا ومرؤوسين، قائدا ومقودين، حاكما ومحكومين، أميرا ومأمورين، ولا فرق بين الكبير والصغير، العظيم والحقير، الغني والفقير، العزيز والأجير، لأن الكل زائل وفاني ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرم )، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ )، فلابد من النية الصادقة الخالصة وتحقيق الاتّباع في الأقوال والأفعال، بل في سائر الأعمال، وبخلافها ستنقلب الأمور علينا وبال، وسيكون حالنا من أسوأ الأحوال، ولن ننال رضى الكبير المتعال، وعندها سنخسر دنيانا والمآل، نسأل الله العافية والتوفيق والسداد.
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، وقلبا خاشعا، وعلما نافعا، وعملا صالحا متقبلا، وأنفسا مطمئنة، وتوبة قبل الموت، وراحة عند الموت، ومغفرة ورحمة بعد الموت.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما أكثر الأقوال في زماننا وأقل الأعمال، ومع قلتها فالغالب عليها الظهور والرياء والشهرة، إلا ما رحم الله من الصدق والإخلاص والاتباع، وقد رتب الله عز وجل دخول الجنان على الأعمال حيث قال سبحانه (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )، إلا أن الله جل في علاه قد قيّد هذه الأعمال بمقيدات عظيمة وشروط ثقيلة جسيمة، وضبطها بضوابط غاية في الأهمية، لابد من استذكارها وفهمها واستحضارها بل وتعلمها باستمرار.
أي عمل أو عبادة حتى نحصل على ثوابه، ويقبله الله عز وجل، لابد فيه من شرطين اثنين وهما:
الشرط الأول: الإخلاص لله سبحانه وتعالى:
قال سبحانه (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [3]، أي جاعلين دينهم خالصاً له تعالى فلا يشركون به عز وجل، ناوين بقلوبهم وجه الله تعالى في عبادتهم، والإخلاص : التصفية والإِنقاء ، أي غير مشاركين في عبادته معه غيره، والدين: الطاعة، قال تعالى (قل اللَّه أعبد مخلصاً له ديني )الزمر،14 .
ويقول ربنا عز وجل (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، أي أخلص نفسَه له تعالى لا يشرك به شيئاً، أي: أخلص لله أعماله، متوجها إليه بقلبه، وقال أبو العالية والربيع (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يقول: من أخلص لله
والآيات الدالة على شرطية الإخلاص والنية الصادقة في قبول أي عمل كثيرة، منها قول ربنا سبحانه:
( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ).
( وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه )، ومعناه أنا غني عن المشاركة وغيرها، فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير. والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فالعملُ في نفسه صلاحُه وفسادُه وإباحَتُه بحسب النيّة الحاملةِ عليه، المقتضية لوجودِهِ، وثوابُ العامل وعقابُه وسلامتُه بحسب نيته التي بها صار العملُ صالحاً ، أو فاسداً ، أو مباحاً
قال ابن القيم ( قال الجنيد: الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله وقيل لسهل: أي شيء أشد على النفس فقال: الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب، وقال بعضهم: الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدا غير الله ولا مجازيا سواه وقال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وقال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا: الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لون آخر .وقال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء).
يقول عبد الله بن المبارك : رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية.
الشرط الثاني: اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام:
حتى يُقبل أي عمل لابد أن يكون موافقا لما شرعه الله تعالى، ولا يكون ذلك إلا بمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في كل ما جاء به، قال شيخ الإسلام :( وجماع الدين أصلان أن لا نعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع ، لا نعبده بالبدع كما قال تعالى : (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )) وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله).
يقول ربنا سبحانه ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) وقال سعيد بن جبير: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ } أخلص، { وَجْهَهُ } قال: دينه، { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي: متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن للعمل (2) المتقبل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصًا لله وحده والآخر: أن يكون صوابًا موافقا للشريعة
ويقول ربنا عز وجل (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )، حنفاء: أي مستقيمي الطريقة، و حنفاء فيه ستة أوجه: أحدها: متبعين.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لمسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ).
فكما أنَّ كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَنْ أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله ، فليس مِنَ الدين في شيء .
يقول الحافظ ابن رجب ( فهذا الحديث يدلُّ بمنطوقه على أنَّ كلَّ عملٍ ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدلُّ بمفهومه على أنَّ كلَّ عمل عليه أمره، فهو غير مردود، والمراد بأمره هاهنا: دينُه وشرعُه ).
فالله سبحانه وتعالى (جعل الإخلاص والمتابعة سببا لقبول الأعمال فإذا فقد لم تقبل الأعمال )، وذلك أن تمام التأسي والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتقيد العبد بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أصل العبادة، وسببها، وهيئتها، ووقتها ومكانها، فما ورد مطلقاً تعبد به مطلقاً، وما ورد مقيداً بسبب، أو بهيئة، أو وقت، أو مكان تعبد به على ما قيد به.
ولابد من التنويه والتنبيه لأمر هام جدا، وهو أن الأعمال من حيث القبول والانتفاع لا تقاس بالكثرة ولا بالكمية، ولكن بالحُسن والموافقة والمطابقة لشرع الله، إذ يقول ربنا سبحانه ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً )، أي أصوبه وأخلصه فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت مراتب أعمالكم فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء
فالله عز وجل أراد منا الإحسان في العمل إذ قال ( أيكم أحسن عملا )، ولم يقل أيكم أعظم أو أكثر أو أكبر، ولا يكون العمل حسنا إلا إذا كان خالصا لوجه الله تعالى موافقة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
يقول الإمام الزاهد الثقة العابد المشهور الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) : قال : أخلصه وأصوبه. قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص: إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة.
يقول ابن القيم( العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه ).
إذن لابد من تحقيق الإخلاص والمتابعة في كل الأعمال، بعيدا عن الرياء والسمعة وحب الظهور والشهرة ومحمدة الناس والابتداع؛ إلا من ارتضى لنفسه بذل الجهد والوقت والمال، من غير أي ثمار ولا أجور، وعندها عياذا بالله ولات ساعة مندم، ولا ينفع الندم بل الحسرة والغم والحزن، حتى يقول ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت )، نسأل الله العافية.
ولأهمية هذه القضية وعِظمها كان فاروق الأمة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول في دعاءه( اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً ).
فهذا نداء أخير، وبرقية مستعجلة، ونصيحة ثمينة، لا يُستثنى فيها أحد، رئيسا ومرؤوسين، قائدا ومقودين، حاكما ومحكومين، أميرا ومأمورين، ولا فرق بين الكبير والصغير، العظيم والحقير، الغني والفقير، العزيز والأجير، لأن الكل زائل وفاني ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرم )، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ )، فلابد من النية الصادقة الخالصة وتحقيق الاتّباع في الأقوال والأفعال، بل في سائر الأعمال، وبخلافها ستنقلب الأمور علينا وبال، وسيكون حالنا من أسوأ الأحوال، ولن ننال رضى الكبير المتعال، وعندها سنخسر دنيانا والمآل، نسأل الله العافية والتوفيق والسداد.
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، وقلبا خاشعا، وعلما نافعا، وعملا صالحا متقبلا، وأنفسا مطمئنة، وتوبة قبل الموت، وراحة عند الموت، ومغفرة ورحمة بعد الموت.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يتوقف جزاء اعمالنا على نياتنا .ولايهم مايفهمه غيرنا منها .لأنها لله وحده فكثيرا ماتنقوم بأعمال قد يحتقرها البعض بينما هي عند الله عظيمةلأنها استوفت كل الشروط التي ذكرتها استاذ .نسأل الله الثبات والقدرة على المواصلة على الاعمال الصالحة.
ردحذفما اجمل أن تخطّ نيّاتنا صالح اعمالنا ، ولا يهمّ فعلا النظرة والإنطباع الذي تسقطه العقول الفارغة في قدورها tsnim ameni7 أحسنت القول والمرور تحياتي لك وبورك فيك وفي كلماتك وقلمك أنرت المكان
ردحذف