سطوة الرّيم في محطّة الحياة:
أشرقت شمس في صباح بعيد طال بي الانتظار في محطة ليلها بارد لم أتوسد إلا ذلك الكرسي البلاستكي منقوش عليه بصمات كل من مروا عليه حدقت إليه طويلا و أمعنت النظر لأن أنوار المحطة كانت باهتة كأنوار قلبي الذي كاد يخلو من الحياة لمحت رموزا نقشت لم أتمكن من حل شفرتها لأني كنت منهكة, منها ما كان حديث الكتابة و منها ما مر عليه من الدهر من تلاشت أجساد من رسموها سألت نفسي ما كان يجول في خاطر كل من جلس قبلي هنا تراه شقي أم سعيد ؟
ثم سألت نفسي تراني شقية أم سعيدة فلم اعرف جوابا فلا إنا هذه و لا أنا تلك و لكن كان شعور آخر يعتريني لم أميزه فعرفت أن كل من مر من هنا كان مثلي يجهل شعوره .ربما كانت طمأنينة أو راحة لم اعرف لمحته من بعيد فقط كان صفيره يملأ المكان كلما اقترب أكثر يزيد قلبي خفقانا حتى دبت فيه الحياة
أخرجت يدي متماطلة اقتل الملل قبل أن يقتلني أردت أن ارسم شيئا أخلده كذكرى مثلما يفعل السجناء على جدران قيدت أرجلهم دون فكرهم بقيت أفكر ماذا عساني اكتب تجمدت يداي من صقيع الحزن القاتل فرحت انفخ فيهما من أنفاسي عله ينالهما شيئ من دفئ كان داخلي و كتبت أخيرا بالخط العريض المائل هنا تبدا الحياة
لم انتبه إلا و قطار الأمل يتوقف بجانبي ليحملني داخله كفرس بلا فارس وقفت من على الكرسي أخيرا رايته يبكي و أنا اخذ منه بعض الدفئ الذي منحته إياه لساعات استغربت حتى الجماد يحزن لحظة الفراق لكن مجبرة أنا .نظرت إلى حقيبتي سألتها هل آخذك معي رايتها تستنجد بي أفرغتها من كل ما هو حزين كم كانت رشيقة و خفيفة , لم يكن بها الكثير من الفرح ...........ركبت قطاري و مضينا نحو السعادة
وابتسمت في عقر ثغرها الأحلام ناولتني حروفها و هي متّجهة صوب دمعتي رمقتها بنظرة صمت ورمقتني فارتعدت بحضني منهزمة واختفت تلك الدمعة الشقيّة في حضرة خطواتها المسترسلة صوبي كنافورة هادئة نسائمها المغرية تطيح بملامح العبوس في وجهي لتعلن عن ميلاد لملامح جديدة تتربّع على تقاسيم وجهي المستسلمة للتغيير في حضرتها وأضحت تلك الدمعة بين أصابعها ملتصقة تأبى الاستسلام فسحقتها بمنديل على طاولة قربي وجثمت على صدري مبتسمة الثغر في عقر هزيمتي شدّت عنقي وأرخت أصابعها مقبلة مدبرة وكأنّ الدواء هي وهمست في أذنيّ المستسلمتين لنسيم عبيرها فتطايرت بهمسها أسراب الوجع ورفرفت أحرفها حولي كزخاّت معتّقة بانفاسها الجديدة قالت لي بئس الدم جرحك وبئس الجرح دمعك وبئس الدمع عطرك وبئس العطر حزنك وبئس الحزن حزنك أوقفت غضبها للحظة، وتوقفت في صوتها محطة الكلام حين أدركت أنّ اليقظة من على عرشي جبهتي قد استفاقت أخيرا ،استقمت على اثر هزّتها وانتصبت قرب نافذة ألمي واستدرت نحوها وكأن الجرح استدار خوفا من لهيب كلماتها ، فقد أسقطت بنصف أحرفها رهبة الانتفاض والانقضاض على كل سويعاتي الماضية ، اقتربت مني ولملمت حيرتي، وأشعلت بكبريت صوتها مخاوفي ،ووجّهت صوبي رصاصة حلمها الجديد فرفعت يديّ في سماء حلمها واعلنت لحظة حضر السواد المعلن منذ زمن وأوقعت لحظة التصويب جميع المآسي واتجهت نحوها مقبّلة رصاصها ومسدّساتها الجميلة وأرخيت سدول الأمان بين يديها وفي حضرتها طارت كل الأحزان.
بقلم الأستاذتين الفاضلتين
والأختين الكريمتين:
خديجة إدريس ومريم فتح الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق