الرزق
إنّ الرزق هو من عند الله، هذا ما يؤمن به الغالبية، ولكنه للأسف الشديد غير مطبق في الحياة العلمية، فتصرفاتهم تشي بأنهم يعتقدون أن الرزق بأيديهم، حيث أنهم قد يتجبورون على العمال لديهم، كما أنهم قد يعملوا نصب المكائد والأفخاخ لبعضهم البعض إضافة إلى أمراض القلوب كالحيد والغيرة والنفاق والدهان والرياء، كل ذلك لتغول الأموال وجمعها وكسبها، ووضعها في رصيد بنكي، لو كان هؤلاء الناس متيقنين أن الرزق من عند الله تعالى لما آلت أمورهم إلى هذه الأخوال ولما تهافتوا على الأموال كل هذا التهافت القمئ، ولتركوا فرصة لغيرهم ليعى ويكد ويعمل ويسترزق. التوكل على الله تعالى إن التوكل على الله تعالى مطلوب دائماً وأبداً وهو واجب حتى لا يظن الإنسان أنه يرزق نفسه بنفسه أو أنه مستغن كاف نفسه بنفسه فتأخذه العزة بالإثم، فالتوكل على الله تعالى هام وضوروي إلى أبعد حد وأبعد مدى.
ومن هنا يتوجب على الإنسان أن يخضع قلبه دائماً وأبداً إلى التعلق بالله تعالى حتى يطمئن هذا القلب ويستطيع أن ييضئ درب صاحبه، فإذا كانت القلوب معتمة لا وجود لنهور الله تعالى فيها، أظلمت على حياة صاحبها، أما إذ كانت القلوب مضيئة مشعة بيضاء نقية فإنها حتماً ستضئ درب صاحبها.
التوكل على الله تعالى لا يكون بالقعود عن العمل وانتظار الرزق، بل يكون باستمرار الاعتماد على الله تعالى في كل صغيرةوكبيرة يخطوهاالإنسان حتى يكون مرعياً ومحمياً بحماية الله تعالى وحفظه ورعايته، التوكل على الله تعالى بالرزق لا يكون أيضاً بالقعود والاستكانة والراحة، بل يكون بالعمل الشاق المضن المتعب المجهد، سعياً وراء لقمة العيش، حيث أن الرزق رمبوط بالعمل فالعمل والجد والتعب هي من الشروط الأساسية والتي يرزق بها الله تعالى عباده، فقد خلق الله تعالى الإنسان حتى يسعى في الأرض ويكد ويتعب فالأرض ليست داراً للراحة والسكون وإنما هي دار للحركة والنشاط والبحث عن الرزق، ولا يجب أن يقتصر الإنسان في بحثه عن رزقه على مكان واحد فقط بل يجب أن يتعداه هذا البحث إلى أماكن أخرى أوسع وأبعد وأشمل، هذا إن لم يجد عملاً في مكان سكنه، كما يتوجب على الإنسان أن يؤخذ بكافة الأسباب التي تؤهله للعمل في المنطقة وحسب القوانين المفروضة والأنظمة المعمول بها، عن طريق التعلم والفهم وأخذ الدورات التدريبية وتطوير المهارات وتنميتها، كل هذه الأسباب هي من أفضل الأسباب التي يظهر بها الإنسان أنه متوكل على الله بالقول والفعل.
مظاهر التّوكل الحقيقي على الله
إنّ التوكل على الله تعالى يكون من خلال الإيمان الحقيقي بأنّه لا وكيل يوكّل في أمور النّاس كالله عزّ وجل، فالله سبحانه هو الذي يحفظ الإنسان ويحميه ويرعاه بمشيئته النّافذة، ورحمته الواسعة، وعطائه الذي لا ينفد، ونعمه التي لا تحصى، وملكه الذي لا يُضام، وهو الذي يُسخر ملائكته بالليل والنّهار لتقوم بمهام الحفظ الإلهي للمسلم وإنزال السّكينة على قلبه.
إنّ التوكل على الله يكون من خلال الأخذ أولاً بجميع الأسباب الدنيوية المادية، ثمّ التوكل على الله، فلا يصح التوكل بدون الكد والعمل والأخذ بالأسباب، فالسّاعي إلى تحصيل الرّزق الحلال الطيب لا يتصور تحصيله إذا قعد في بيته وركن إلى زاويته، وإنّما يكون تحصيل ذلك من خلال السّعي والكد والحيلة. لقد وردت في ذلك آثار كثيرة، فقد وجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة في المسجد معتكفين معتزلين لا يعملون ولا يكدّون فما كان منه إّلا أنْ نهرهم وعلاهم بالدرة قائلاً: إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، كما ذكر أنَّ أعرابياً ترك بعيره يوماً بدون عقال بحجة توكله على الله حيث قال للنبي عليه الصلاة والسلام: أرخيها ثمّ أتوكل؟ فعلمه النبي الكريم درساً في التوكل الحقيقي على الله حينما قال له: بل اعقلها وتوكّل. التوكل على الله سبحانه يكون من خلال الإيمان الصادق بأنّه لا رازق إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا هو التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله في مسألة التّوكل الحقيقي على الله في الرزق (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، ولا شك في أنّ كثيراً من النّاس من ينقص إيمانه وتوكله الحقيقي بالله حينما يعتقد أنَّ أحداً من النّاس أو الأنداد يملك القدرة على أنْ يسوق إليه الرزق أو يحجبه عنه، فالمسلم الحقيقي المتوكل على الله يوقن بأنّ من يرزقه هو الله، والنّاس مجرَّد أدوات لتحقيق إرادة الله تعالى ومشيئته في الكون. يكون التوكل من خلال القناعة بما قسمه الله تعالى للإنسان، فالمسلم الذي يرضى برزقه وقسمته هو مسلمٌ متوكلٌ على الله؛ لأنّه يعلم بأنّ الرازق هو الله الذي فضل النّاس بعضهم على بعض في الرزق، والذي لا يقبض روحاً حتى تستوفي أجلها ورزقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق