حين سئلت السّيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، قالت كان خلقه القرآن ، فقد تمثّلت في شخص النّبي الكريم جميع الأخلاق من كرمٍ و شجاعةٍ و صدقٍ و أمانةٍ و حسن تعاملٍ و صفاء سريرةٍ حتّى كان قرآناً يمشي على الأرض ، و أحبّه الصّحابة الكرام رضوان الله عليهم حبّاً كبيراً ، فكانوا يحرصون على ملازمته و أخذ الحديث و العلم منه ، و قد كان النّبي الكريم يعاملهم أحسن معاملةٍ ، فيبشّ في وجوههم ، و يتواضع للكبير منهم ، و يحسن إلى مسكينهم و يحنّ على صغيرهم ، و قد كان متواضعاً يمازح الصّغار ، فقد حدث يوماً أنّه رأى غلاماً اسمه عمير و هو حزينٌ لموت طائرٍ كان يربّيه و يتعاهده ، فيأتيه النّبي عليه الصّلاة و السّلام و يقول له مسليّا لنفسه ، يا عمير ، ما فعل النّغير ، و لا ريب بأنّ هذا الموقف لا يخرج إلا من نفسٍ طاهرةٍ اكتملت فيها جميع صور الأخلاق .
و قد سئلت السّيدة عائشة يوماً عمّا كان يصنع النّبي الكريم عليه الصّلاة و السّلام ، فقالت ، يكون في مهنة أهله ثمّ إذا حضرت الصّلاة خرج ، و هذا الحديث يعبّر عن عظمة أخلاق النّبي الكريم ، فقد كان لا يتكبّر على مساعدة أهله و زوجاته ، و في الحديث الآخر أنّه كان يخصف نعله و يخيط ثوبه ، و قد كان النّبي عليه الصّلاة و السّلام قوّاماً صوّاماً ، يواصل بين الأيام أحياناً لما أعطاه الله من قوةٍ على ذلك ، و يقوم الليل حتى تتفطّر قدماه فيراه أهله على تلك الحال فيلومونه مشفقين عليه ، و كيف يجهد نفسه بالقيام و العبادة و قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر ، فيقول أفلا أكون عبدا شكورا .
و قد كان همّ الدّعوة و الرّسالة يستحوذ على قلبه و عقله عليه الصّلاة و السّلام ، لذلك كان يجالس الصّحابة و يعلّمهم أمور دينهم ، و يشرح لهم سنّته ، و يتعرّض للقبائل و يقابل وفودها لتبليغ الدّين ، و يجهّز الجيوش و يشحذ همم المسلمين لبذل الغالي و النّفيس في سبيل رفعة الدّين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق