كيف نتعامل مع القران الكريم؟
منزلة القرآن الكريم يعدّ القرآن الكريم كتاب الله -تعالى- الخالد إلى يوم القيامة، وختم الله -تعالى- به الكتب والرّسالات السماويّة جميعها وجعله حُجّة على الناس جميعاً، وأنزل فيه أحكاماً وشرائعاً ومنهاجاً يحقّق للنّاس الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وهو معجزة الله -عزّ وجلّ- التي آتاها لرسوله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وتحدّى بها الجنّ والإنس جميعاً، فما استطاعوا ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثله، وفي عجزهم دليل على أنّ القرآن الكريم كتاب من الله -تعالى- وليس من البشر.
وقد وصف الله -تعالى- القرآن الكريم بعدّة أوصاف توضّح منزلته الرفيعة وفضله العظيم؛ منها: الرّوح؛ والروح تعني وتشير إلى الحياة؛ حيث قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[٢] ووصفه كذلك بالنّور الذي تكون به الرؤية ويمكّن الإنسان من الإبصار؛ حيث قال الله تعالى: (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ)،ووصفه أيضاً بأنّه يهدي إلى الخير؛ حيث قال: (إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا)،[٤] وكذلك وصفه بأنّه هدى وشفاء لمن يؤمن به ويتّبعه؛ فقال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)، وتأكيداً لفضل القرآن ومنزلته العالية جزم الله -تعالى- بأنّه كتاب حقّ لا يعرض له الباطل أبداً؛ فقال: (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وورد في حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصف عظيم للقرآن؛ تنبيهاً بمكانته العالية وأهميّته الكبيرة، حيث قال: (أَبشِروا أليس تشهدون أن لا إله إلّا اللهُ، وأني رسولُ اللهِ؟ قالوا: بلى، قال: إنَّ هذا القرآنَ سببٌ طرفُه بيدِ اللهِ، و طرفُه بأيديكم، فتمسَّكوا به؛ فإنكم لن تضِلُّوا ولن تهلِكوا بعده أبداً)، وقال أيضاً: (إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابِ أقوامًا ويضعُ به آخرِينَ)
وورد عنه كذلك أنّه قال: (ألا وإنّي تاركٌ فيكم ثقلَين: أحدُهما كتابُ اللهِ عزَّ وجلَّ، هو حبلُ اللهِ من اتبعه كان على الهُدى، ومن تركه كان على ضلالةٍ).
كيفيّة تعامل المسلم مع القرآن الكريم الواجب على المسلم احترام شعائر الله -تعالى- جميعها، وتعظيم ما عظمه الله تعالى، والقرآن الكريم كلام الله -عزّ وجلّ- يلزم تبجيله واحترامه وصيانته، وأجمعت الأمّة على وجوب ذلك على المسلم كما نقل النوويّ رحمه الله، وورد ذلك المعنى في قول الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)، وعلى المسلم أن يكون عالماً بكيفيّة التعامل مع القرآن الكريم من خلال عدّة أمور؛ منها:
أن يحرص المسلم على عدم مساس المصحف إلّا إذا كان طاهراً؛ لما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه لا يجوز مسّ المصحف إلّا من كان طاهراً.
أن يترك المسلم توسّد المصحف أو الاتكاء عليه، حيث ذكر العلماء ذلك ونهوا عنه.
أن لا يمدّ المسلم رجليه تجاه المصحف، ولا يستدبره أو يتخطّى من فوقه ولا أي فعل يدلّ عدم احترام كلام الله عزّ وجلّ.
أن لا يضع المسلم فوق المصحف أي شيء، فهو دائماً أعلى من غيره.
أن لا يرمي المسلم القرآن الكريم لغيره رمياً، بل يناوله إيّاه باليد؛ لِما في الرمي من امتهان وعدم احترام.
أن يأخذ المسلم القرآن الكريم ويناوله ويمسكه بيده اليمنى؛ حيث ورد في الشّرع استحباب التيامن في كلّ شيء، وهكذا كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يحرص على التيامن في كلّ أموره.
أن لا يضع المسلم القرآن الكريم على الأرض مباشرةً وإنّما يرفعه على شيءٍ مرتفع؛ مثل: طاولة أو رف أو كرسيّ أو غير ذلك.
أن لا يُدخل المسلم القرآن الكريم إلى بيت الخلاء؛ لِما في بيت الخلاء من نجاسة.
أن لا يترك المسلم القراءة من القرآن الكريم مع النظر فيه حتى لو كان حافظاً له، حيث كان بعض السلف يستحي أن يمرّ يومه دون أن ينظر في القرآن الكريم.
أن لا يترك المسلم القرآن مفتوحاً بعد الانتهاء من القراءة فيه.
أن يحرص المسلم على القرآن الكريم من التلف، فلا يتركه في مكان فيه بلل أو يتعرّض فيه لأشعة الشّمس.
حال السلف مع القرآن الكريم
كان السلف الصالح يحترموا القرآن الكريم احتراماً عظيماً، وبيان بعض مواقف السلف فيما يأتي: كان من طبع الصحابيّ ثابت بن قيس -رضي الله عنه- أن يرفع صوته أثناء الكلام، فلمّا نزلت آية سورة الحجرات التي ينهى الله -تعالى- فيها الصحابة عن رفع صوتهم في حضرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فظنّ ثابت -رضي الله عنه- أنّه في النّار، وجلس يحدّث نفسه بذلك وترك الذّهاب إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فترةً، حتى سأل عنه النبيّ لعلّه يكون مريضاً، فلمّا أخبره الصّحابة بحاله قال بأنّ ثابت في الجنّة. كان الأسود بن يزيد -رضي الله عنه- يختم القرآن مرّة كلّ ست ليالٍ، وفي رمضان مرّةً كلّ ليلتين.
كان عمر -رضي الله عنه- يمرّ بآيةٍ من القرآن الكريم أثناء الليل فيبكي حتى يقع على الأرض، ويبقى بعد ذلك في البيت يزوره النّاس بسبب مرضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق