عصرنا عصر تلاطمت فيه الفتن والمغريات , فكيف نربى أولادنا التربية الإسلامية الصالحة ؟
الجواب:
إنه سؤال خطير , يوقظ للعمل , ويشعر بحجم المسؤولية , وثقل الأمانة الملقاة على عاتق الوالدين، خاصة في هذا العصر المليء بأنواع المغريات والفتن ، وفي هذه العجالة نسلط الضوء على هذه القضية في محاولة لإبراز أهم الأمور التي يجب الاعتناء بها لزرع القيم في نفوس الأبناء :
1- الاعتناء بالأسرة عند نشأتها , وذلك من خلال الاهتمام بحسن اختيار الزوجة والحرص على عنصر الدِين , مع المحافظة على بيئة جيدة محافظة من الجيران والأقارب والأصدقاء .
2- الحرص على زرع القيم والمبادئ من الطفولة المبكرة , وعدم تكرار العبارة المشهورة : ( ما زال الوقت مبكراً ) إن هذه العبارة تدمر هذا الصغير ولا تبنيه , فقد أخبر نبينا _صلى الله عليه وسلم_ بأن زرع هذه القيم والمبادئ تبدأ من وقت مبكر 0" ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" رواه الشيخان عن أبي هريرة . إنها رسالة واضحة جداً , بأن هذا الصبي الصغير قابل للنقش عليه وصنعه من مراحل مبكرة جداً , وفي قضايا دقيقة جداً كقضية التدين مثلاً . وأثبتت الدراسات المعاصرة أن شخصية الطفل تبنى تربوياً في السنوات الخمس الأولى , فأين نحن منها ؟ ( وقد لا حظ الباحثون في النمو العقلي للطفل أن ذكاء الطفل يتم بنسبة 50% في السنوات الأربع الأولى , و 30% ما بين الرابعة والثامنة , و 20% ما بين الثامنة والسابعة عشرة) ( محمد بن عبد الرحيم عدس : الآباء وتربية الأبناء ص 17 ) .
3- قيام الوالدين بهذا الدور الخطير , وعدم جعل أشخاص آخرين يتولون ذلك وأقصد بهم الخدم والسائقين فإن تأثيرهم كبير على حياة الأبناء .
4- توفير قدوات داخل المنزل تتمثل هذه الأخلاق في حياتها , ليقتدي بهم الأبناء فالكذب والغش وبذاءة اللسان وغيرها من الأمور التي ينبغي للمربي أن يبتعد عنها لتصل بطريقة عملية للأبناء .
5- الاهتمام بالمراحل العمرية وإعطاء كل سن ما يناسبه , فابن الثالثة مثلاً لا يدرك المعاني ولا يفهمها كالرحمة مثلاً والعفو وغيرها , وإنما يتعلم من المحسوسات أكثر، وقد أعتنت الشريعة بهذا الجانب فأمرت الوالدين بتعليم الناشئ الصلاة وهو ابن سبع سنين , وأمرت بالتفرقة في المضاجع وهم أبناء عشر وهكذا . وهنا قضية أرجوا أن ينتبه لها الوالدان والمربون وهو ربط الحقائق الشرعية بأمور يفهمها الأبناء فتصل إلى آذانهم بأسرع ما يمكن . فمثلاً لو جئنا إلى قيمة الفضيلة والرذيلة , يمكن أن نشرح لأبنائنا الساعات الطوال عن هذه القضية , لكن لو قلنا لهم وشرحنا : - تأثير الحقد والحسد على ضغط الدم والقلب . - تأثير الفواحش في صحة الجسم , والأمراض الفتاكة التي تنقلها . - تأثير الصدق والعفة على راحة الجسد , وحصول الطمأنينة داخل النفس . - اندفاع الدم في شرايين الجسد حالة السجود في الصلاة , والتأثيرات الإيجابية لذلك . - التخريب والفساد الذي يلحقه حب الانتقام والأثرة والبغضاء بأبناء المجتمع . فلنحاول أن نقرب هذه المعاني بأساليب رائعة وجديدة حتى تصل إلى أذهان أطفالنا وترسخ فيها , وكثير من الأطفال لا يأكلون التفاحة لأنها مفيدة , بل لأنها عطرة الريح،لذيذة الطعم.
6- وضع ضوابط داخل المنزل وخطوط حمراء ينبغي أن لا يتجاوزها أحد من أفراد الأسرة , فيمنع رفع الصوت والسب والكذب وهكذا , وفي المقابل يثنى على المحسن والصادق وحسن الأخلاق .
7- توفير البدائل وتوجيه الطاقات . فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية , فلا ينبغي أن يترك الأبناء في فراغ نفسي يجعل الرذائل تتعلق بهم وتعيش معهم , ومن الخطأ أن تكبت طاقات الأبناء , ولكن الصواب هو توجيهها الوجهة الصحيحة .
8- حصار الرذائل . ينبغي للمربي أن يحاصر الرذائل في المكان الذي يستطيع السيطرة عليه , وما لا يدرك جُلّه , لا يترك كله , وتكمل هذه القضية عندما تتفق الأسر القريبة من بعض على إيجاد بيئة محافظة فيما بينها كالجيران والأقارب ونحوهم , ولنتذكر قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" لا تصاحب إلا مؤمن , ولا يأكل طعامك إلا تقي" إنه درس في انتقاء العناصر التي تعينك على طاعة الله وتحثك عليه , وقضية الأكل في الحديث قضية مهمة؛ لأن الأكل دائماً يدل على التقارب والجلوس والمصافاة , فاختير له من يناسبه . لقد ولى زمان العبارة المتكررة ( لقد أديت واجبي , ونصحت له ) بل الواجب اليوم الرقابة الدائمة حتى لا يقعوا في أي فخ . ولكي يقوم الوالدان بدورهم في هذه القضية على أتم وجه , هذه مقترحات سريعة لمن لهم الشأن في ذلك :- - العمل على إنشاء مراكز التوجيه الأسري لتبصير الآباء بدورهم التربوي . - العمل على فتح المدارس بالفترة المسائية لتعليم الوالدين , حتى تكون المدرسة فعلاً مؤسسة تربوية , وبدلاً من الدورات التي تقصم الظهر بالمبالغ الباهضة ولو أضفت لها ( لا ) لكان أصح لتصبح (دولارات ) . - تفعيل هذه القضايا في وسائل الإعلام وباستمرار . - تكريم الأسر المتميزة ومن لهم تجارب ناجحة مع أبناءهم . - تفعيل دور المسجد واستثماره في زرع القيم والمبادئ . - إصدار صحف مجانية يتبناها أصحاب الصلاح توزع على الأسر لرفع المستوى التربوي , أليست هذه المجلة أهم من إعلان عن بيع جوال أو نحوه ؟ ! هذه مقترحات أضعها بين يديك أيها المربي الكريم , وكلي أمل في أن تتواصل معي في هذه الزاوية من خلال البريد الموجود , وفقك الله ورعاك .
كيف أربي ابنائي : أساليب أخرى من التربية
هذه الاساليب قد يراها الأهل أنها غير ذات فائدة ولكن تجربتها لا تضر
يقول أحد علماء البرمجة اللغوية العصبية، انك تتلقى من اهلك أكثر من 100 ألف كلمة سلبية منذ الصغر حتى عمر العشر سنوات الأولى من حياتك. دعونا نتأمل هذا الكم الهائل من التعليمات السلبية، والتي ستترك أثرها الأكبر في تكوين شخصية طفلك، وذكائه ، فكثرة التلفظ بهذه الكلمات قد تؤدي بالطفل الى العزلة ويختزنها عقله الباطني، وترافقه في كامل حياته. لذا بدأ العلماء باتخاذ أساليب أخرى في تنشئة أطفالنا وهو أسلوب يعتمد على الايجابية . وفلسفة هذه التربية تفترض أن الطفل يولد على الفطرة والرعاية والمحبة والتربية الايجابية، والتي هي مزيج من العطف والحب والتفاهم والحماية.
وهناك طرق مختلفة لتلك الطريقة، ولكن المفهوم يبقى هو نفسه وان اختلفت الأساليب، وهو أن تمنح طفلك حبا لا مشروط والتي تفترض عليكم أيها الأهل توفير الرعاية التي من شأنها أن تزيد من ثقته بنفسه. ففي دراسة أجريت في استراليا شملت 26 مدرسة لتقييم فعالية برنامج التربية عن طريق الايجابية بين الطلاب، فأظهرت النتائج تقلص عدد الأطفال الذين لديهم مشاكل سلوكية وزيادة كبيرة في مهارات التعبير عن الذات، مقارنة مع الأطفال الذين لم يشاركوا في هذا البرنامج.
من الفوائد التي يجنيها الأهل من تطبيق أسلوب التربية الايجابية، هو شعور الطفل بالثقة بالنفس، ازدياد اعتماده على ذاته،تقوية روابط العلاقة بينه وبينكم، كما تعلمه التعاطف والشعور بالأمان.وكي تكونوا أيها الأهل ايجابيين ، ينبغي أن تمتلكوا الثقة بالنفس وفهم أطفالكم، والايجابية في التربية لا تعني أن تكونوا متساهلين. بالعكس ينبغي أن يكون هناك حدوداً لا يفترض على الطفل تجاوزها. وإنما ينبغي على الأهل تعلم كيفية التفاوض وإقناع أطفالهم بطريقة فعالة،ولا بد للأهل من معرفة أن مهمة التربية هي مهمة صعبة،وبما أن لكل طفل خصاله الفريدة ،لذا لا توجد طريقة واحدة مبسطة للتربية، فأمر الاختيار للأسلوب يعود الى الأهل، وبمزيد من الرحمة والحب والعطف والاحترام ستكون النتائج مذهلة .
ما هي استراتجيات التربية عن طريق الايجابية؟
تشكل هذه الاستراتجيات بدائل عملية عن اللجوء الى العقاب، وهي بدائل ووسائل تبني الشخصية المتميزة والتي يطمح لها الأهل. وهي عبارة عن خطوات عملية ،ومتكاملة وتصبح ضرورة في حالات الأزمات الطارئة بين الأطفال ،سيما عند لجوئهم الى السلوكيات العنيفة والمقلقة .
ومن تلك الاستراتجيات:
مكافأة السلوك الايجابي:
وهي طريقة فعالة جدا للتخفيف من حالات التوتر، ولها قوة هائلة في بناء شخصية الطفل، فلو قام الأهل بعدم التركيز على السلوك المنسجم مع عمرهم كالحركة والاكتشاف المستمر للمحيط، وابدوا تسامحا معهم وكافأوا سلوكهم الجيد، وهناك صورتان لتلك الإستراتجية:
المدح المخصص: هو أسلوب مكافأة سلوك معين من خلال توجيه المدح وتحديده بالسلوك الايجابي، وكمثال إسماع الطفل مدح :ما أجمل خطك أو كم أنت طفل مبدع……
-الشعور الخاص: وهو نوع من التعبير عن المشاعر التي تربط بين الطفل ووالديه، فالمشاعر خلقها الله سبحانه كي ننطق بها لا أن نخزنها بداخلنا، وعادة ما تكون تلك من خلال إسماع الطفل كلمات كم أنت تحبه، وعند توقف الطفل عن السلوك المزعج هو بحد ذاته نجاح ينبغي المكافأة عليه. ولكن يجب الانتباه على عدم المبالغة في المدح، حتى لا تؤدي الى نتائج عكسية.وتذكر أن الناس طيبون أكثر مما نتصور ونحن يمكننا إخراج أحسن ما فيهم ، إذا أخرجنا أحسن ما عندنا ، وأطيب الناس الأطفال.
الإنصات الفعال:
وهذا الإنصات يختلف عن الإنصات غير الفعال، وهو يعني الاستماع باهتمام وبكل جوارحنا لما يريد الطفل التعبير عنه، وكلما مورست هذه الطريقة، كلما عرفت العلاقات الأسرية انحساراً لحالات التشنج. وهناك خمس خطوات للاستماع الفعال:
– اربط علاقة تواصل بين عينيك وعيني طفلك، واحرص أن لا يشيح وجهك عنه، لأنه يوحي له بقلة الاهتمام وقلة اعتبار لشخصه.
– اجعل علاقة اتصال واحتكاك جسدي مباشر مع طفلك، وذلك من خلال لمسه، وتشابك الأيدي والعناق.
– كرر ما يقوله واظهر همهمات ليرى مدى تفهمك له.
– ابتسم باستمرار وابد ملامح الاطمئنان لما يقوله.
– عبر لابنك عن تفهمك للموقف، واعد باختصار وبتعبير أدق ما يود إيصاله لك، فكلما تحدث الابن ووجد قبولا واهتماما كلما ضعفت المقاومة السلبية لديه، وقلُ عناده.
– الآن:
وهي تعني إلغاء الأفكار والمواقف السلبية والأحاسيس المتشنجة غضبا ًوتوتراً، واستبدالها بالتفكير الايجابي فالتركيز على الأخطاء لا تحقق لك الحل، ولا تفتح لك أفاقا وبدائل، فالتركيز على إستراتجية الآن تجعلنا نتذكر أن غالبية المشاكل التي نخشاها ليست نهاية المطاف، وليست مشاكل بلا حلول، وهذا الاعتقاد وحده يجعلكم في حالة استرخاء وهدوء.فمن لا يعرف هذه الخطوة فانه لا يعرف المتعة التي يحرم نفسه منها مع أبنائه ويضيع جواً عائليا من أروع ما يمكن تصوره.
-التربية بالحب:
من المرفوض علينا كأهل ان نعيد النظر في كثير من أشكال تربيتنا لأبنائنا، ولكن هل يمكن لنا ان نربي بالحب، جمعينا يعلم ان الناس لديهم جملة من الحاجات العضوية، كالطعام والشراب والنوم وكما لديهم جملة من حاجات نفسية منها الحاجة الى الحب والعطف وكلا النوعين ينبغي إشباعهما حتى نشعر بالتوازن باعتبار أن فقدانها يشعرنا بعدم التوازن.
ولكن هناك إشكالية قد تطرح عن الفرق بين حاجاتنا العضوية والنفسية؟؟
أن الفرق يكمن في نقطة مهمة وهي أن عدم إشباع حاجاتنا العضوية يؤدي الى الموت، بينما عدم إشباع حاجاتنا النفسية فانه يؤدي الى ترك أثر خطير على الشخصية وهو يظهر في سلوك الفرد ومقدار سعادته ، كما قد تظهر أثناء تعامله مع الأخر.
ووسائل التربية بالحب هى:
-كلمة حب :
نقولها لأبنائنا لان الصور التي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي نتائج الكلمات التي يسمعها ، فبعض الآباء يكون كلامهم فيه شيء من التحقير لأبنائهم مما يوصلهم الى العدائية ، والانطواء وعدم الثقة بالنفس.
– نظرة حب:
اجعل عينيك في عيني طفلك وقل له ( احبك يا فلان ) فتلك النظرة لها أثر ونتائج غير عادية على شخصية الطفل.
– لمسة حب:
ننصح الأهل بالإكثار من اللمس والعناق لأبنائهم ، لأنها بمجرد اللمس تجعل الطفل يشعر بالود والدفء، فإذا أردت نصح ابنك فلا تجلس بعيداً عنه، بل اجعله قريباً منك وعانقه عند الحديث.
سلوكيات متبعة من قبل الأهل ينبغي توقفها:
هناك أساليب سلبية تبعد المربي عن التركيز على المشكلة وايجاد الحلول لها، وتجعل التوجه لشخص الطفل ومنها :
1- أسلوب الصراخ: وهو أسلوب يلغي لغة التواصل والتفاهم بين طرفي المعادلة، فالابن هنا يدخل في حلبة الدفاع عن النفس والخوف من الصوت المرتفع، ويركز اهتمامه على الطرق التي تحميه من ردود أفعال غير منتظرة.
2- التأنيب واللوم
: كثرة التأنيب واللوم يكسران القلوب ويفككان العلاقات والروابط، ويقتلان المشاعر الايجابية بين الطرفين.
3- الأوامر الكيدية:
كثرة إعطاء الأوامر دون عملية إقناع ترافقها، تحول الأبناء الى آلة لتنفيذ الأوامر، وتلغي شخصيتهم وتضعفها، وتجعل منه شخصا انقيادياً مستسلماً لا كيان له.
4- التهديدات:
كثرة التهديد الذي يمارسه الأهل بكل أنواعه( المباشر أو غير المباشر) لا يساعد ولا يسهم في حل المشكلة وإبعاد الطفل عن السلوك العنيف فانه يوقف سلوكه مؤقتاً بسبب الخوف ولكن سرعان ما يعود.
5- السخرية:
السخرية من السلوك المرفوض تعمل على سحب الثقة من الطفل وتقنعه بعدم قدرته على التخلي عن سلوكياته المزعجة، إضافة الى كون السخرية تحطم المعنويات.
6- الشتم:
أن مسألة شتم الطفل ووصفه بنعوت سلبية، تثبت هذه الأوصاف في عقل الطفل وتقنعه بها ، إضافة الى أن الشتم يعلم الطفل البذاءة في الكلام وسوء الخلق.
7- المقارنة:
وهي من أسوأ الأساليب التي يتبعها المربي، لأنها توصل الطفل الى كره الآخر المقارن به، مما تجعله يشعر بفشله وينزع الثقة من نفسه ومن قدراته، لذا ينبغي أن تتم المقارنة بين سلوكيين أو موقفين عند الطفل نفسه وليس بينه وبين غيره.
8- سوء الظن بالطفل:
أن تفسير السلوك بشكل سلبي دائما من قبل الأهل ،يعد من سوء الظن بالطفل ويؤكد له عدم ثقتك فيه وبأخلاقه،وهذا يؤدي الى إغلاق أبواب التواصل بينكما.
9- الاتهام:
حين تقوم أيها الأب بوضع ابنك في قفص الاتهام، فأنت تقوم بدور القاضي أو المحقق، فهناك فرق شاسع بين أن تسأل ابنك لماذا تأخرت؟ من باب الاطمئنان عليه. وان تسأله من باب سوء الظن به واتهامه. فالأول يفتح جسور التواصل بينكم والأخر يجعله ينغلق وقد يدفع ابنك الى الكذب والتهرب.
وأخيرا أن تركيزنا على الحلول بدل من المشكلة- التوتر والانفعال- يفيد ليس الصغار فحسب بل يعد أسلوبا ناجحاً مع الكبار أيضا سواء أكانوا مراهقين ام شباباً.
ودائما تذكروا أن أبناءنا هم أمانة الله في أعناقنا.
كيف أربي ابنائي : أساليب أخرى من التربية
هذه الاساليب قد يراها الأهل أنها غير ذات فائدة ولكن تجربتها لا تضر
يقول أحد علماء البرمجة اللغوية العصبية، انك تتلقى من اهلك أكثر من 100 ألف كلمة سلبية منذ الصغر حتى عمر العشر سنوات الأولى من حياتك. دعونا نتأمل هذا الكم الهائل من التعليمات السلبية، والتي ستترك أثرها الأكبر في تكوين شخصية طفلك، وذكائه ، فكثرة التلفظ بهذه الكلمات قد تؤدي بالطفل الى العزلة ويختزنها عقله الباطني، وترافقه في كامل حياته. لذا بدأ العلماء باتخاذ أساليب أخرى في تنشئة أطفالنا وهو أسلوب يعتمد على الايجابية . وفلسفة هذه التربية تفترض أن الطفل يولد على الفطرة والرعاية والمحبة والتربية الايجابية، والتي هي مزيج من العطف والحب والتفاهم والحماية.
وهناك طرق مختلفة لتلك الطريقة، ولكن المفهوم يبقى هو نفسه وان اختلفت الأساليب، وهو أن تمنح طفلك حبا لا مشروط والتي تفترض عليكم أيها الأهل توفير الرعاية التي من شأنها أن تزيد من ثقته بنفسه. ففي دراسة أجريت في استراليا شملت 26 مدرسة لتقييم فعالية برنامج التربية عن طريق الايجابية بين الطلاب، فأظهرت النتائج تقلص عدد الأطفال الذين لديهم مشاكل سلوكية وزيادة كبيرة في مهارات التعبير عن الذات، مقارنة مع الأطفال الذين لم يشاركوا في هذا البرنامج.
من الفوائد التي يجنيها الأهل من تطبيق أسلوب التربية الايجابية، هو شعور الطفل بالثقة بالنفس، ازدياد اعتماده على ذاته،تقوية روابط العلاقة بينه وبينكم، كما تعلمه التعاطف والشعور بالأمان.وكي تكونوا أيها الأهل ايجابيين ، ينبغي أن تمتلكوا الثقة بالنفس وفهم أطفالكم، والايجابية في التربية لا تعني أن تكونوا متساهلين. بالعكس ينبغي أن يكون هناك حدوداً لا يفترض على الطفل تجاوزها. وإنما ينبغي على الأهل تعلم كيفية التفاوض وإقناع أطفالهم بطريقة فعالة،ولا بد للأهل من معرفة أن مهمة التربية هي مهمة صعبة،وبما أن لكل طفل خصاله الفريدة ،لذا لا توجد طريقة واحدة مبسطة للتربية، فأمر الاختيار للأسلوب يعود الى الأهل، وبمزيد من الرحمة والحب والعطف والاحترام ستكون النتائج مذهلة .
ما هي استراتجيات التربية عن طريق الايجابية؟
تشكل هذه الاستراتجيات بدائل عملية عن اللجوء الى العقاب، وهي بدائل ووسائل تبني الشخصية المتميزة والتي يطمح لها الأهل. وهي عبارة عن خطوات عملية ،ومتكاملة وتصبح ضرورة في حالات الأزمات الطارئة بين الأطفال ،سيما عند لجوئهم الى السلوكيات العنيفة والمقلقة .
ومن تلك الاستراتجيات:
مكافأة السلوك الايجابي:
وهي طريقة فعالة جدا للتخفيف من حالات التوتر، ولها قوة هائلة في بناء شخصية الطفل، فلو قام الأهل بعدم التركيز على السلوك المنسجم مع عمرهم كالحركة والاكتشاف المستمر للمحيط، وابدوا تسامحا معهم وكافأوا سلوكهم الجيد، وهناك صورتان لتلك الإستراتجية:
المدح المخصص: هو أسلوب مكافأة سلوك معين من خلال توجيه المدح وتحديده بالسلوك الايجابي، وكمثال إسماع الطفل مدح :ما أجمل خطك أو كم أنت طفل مبدع……
-الشعور الخاص: وهو نوع من التعبير عن المشاعر التي تربط بين الطفل ووالديه، فالمشاعر خلقها الله سبحانه كي ننطق بها لا أن نخزنها بداخلنا، وعادة ما تكون تلك من خلال إسماع الطفل كلمات كم أنت تحبه، وعند توقف الطفل عن السلوك المزعج هو بحد ذاته نجاح ينبغي المكافأة عليه. ولكن يجب الانتباه على عدم المبالغة في المدح، حتى لا تؤدي الى نتائج عكسية.وتذكر أن الناس طيبون أكثر مما نتصور ونحن يمكننا إخراج أحسن ما فيهم ، إذا أخرجنا أحسن ما عندنا ، وأطيب الناس الأطفال.
الإنصات الفعال:
وهذا الإنصات يختلف عن الإنصات غير الفعال، وهو يعني الاستماع باهتمام وبكل جوارحنا لما يريد الطفل التعبير عنه، وكلما مورست هذه الطريقة، كلما عرفت العلاقات الأسرية انحساراً لحالات التشنج. وهناك خمس خطوات للاستماع الفعال:
– اربط علاقة تواصل بين عينيك وعيني طفلك، واحرص أن لا يشيح وجهك عنه، لأنه يوحي له بقلة الاهتمام وقلة اعتبار لشخصه.
– اجعل علاقة اتصال واحتكاك جسدي مباشر مع طفلك، وذلك من خلال لمسه، وتشابك الأيدي والعناق.
– كرر ما يقوله واظهر همهمات ليرى مدى تفهمك له.
– ابتسم باستمرار وابد ملامح الاطمئنان لما يقوله.
– عبر لابنك عن تفهمك للموقف، واعد باختصار وبتعبير أدق ما يود إيصاله لك، فكلما تحدث الابن ووجد قبولا واهتماما كلما ضعفت المقاومة السلبية لديه، وقلُ عناده.
– الآن:
وهي تعني إلغاء الأفكار والمواقف السلبية والأحاسيس المتشنجة غضبا ًوتوتراً، واستبدالها بالتفكير الايجابي فالتركيز على الأخطاء لا تحقق لك الحل، ولا تفتح لك أفاقا وبدائل، فالتركيز على إستراتجية الآن تجعلنا نتذكر أن غالبية المشاكل التي نخشاها ليست نهاية المطاف، وليست مشاكل بلا حلول، وهذا الاعتقاد وحده يجعلكم في حالة استرخاء وهدوء.فمن لا يعرف هذه الخطوة فانه لا يعرف المتعة التي يحرم نفسه منها مع أبنائه ويضيع جواً عائليا من أروع ما يمكن تصوره.
-التربية بالحب:
من المرفوض علينا كأهل ان نعيد النظر في كثير من أشكال تربيتنا لأبنائنا، ولكن هل يمكن لنا ان نربي بالحب، جمعينا يعلم ان الناس لديهم جملة من الحاجات العضوية، كالطعام والشراب والنوم وكما لديهم جملة من حاجات نفسية منها الحاجة الى الحب والعطف وكلا النوعين ينبغي إشباعهما حتى نشعر بالتوازن باعتبار أن فقدانها يشعرنا بعدم التوازن.
ولكن هناك إشكالية قد تطرح عن الفرق بين حاجاتنا العضوية والنفسية؟؟
أن الفرق يكمن في نقطة مهمة وهي أن عدم إشباع حاجاتنا العضوية يؤدي الى الموت، بينما عدم إشباع حاجاتنا النفسية فانه يؤدي الى ترك أثر خطير على الشخصية وهو يظهر في سلوك الفرد ومقدار سعادته ، كما قد تظهر أثناء تعامله مع الأخر.
ووسائل التربية بالحب هى:
-كلمة حب :
نقولها لأبنائنا لان الصور التي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي نتائج الكلمات التي يسمعها ، فبعض الآباء يكون كلامهم فيه شيء من التحقير لأبنائهم مما يوصلهم الى العدائية ، والانطواء وعدم الثقة بالنفس.
– نظرة حب:
اجعل عينيك في عيني طفلك وقل له ( احبك يا فلان ) فتلك النظرة لها أثر ونتائج غير عادية على شخصية الطفل.
– لمسة حب:
ننصح الأهل بالإكثار من اللمس والعناق لأبنائهم ، لأنها بمجرد اللمس تجعل الطفل يشعر بالود والدفء، فإذا أردت نصح ابنك فلا تجلس بعيداً عنه، بل اجعله قريباً منك وعانقه عند الحديث.
سلوكيات متبعة من قبل الأهل ينبغي توقفها:
هناك أساليب سلبية تبعد المربي عن التركيز على المشكلة وايجاد الحلول لها، وتجعل التوجه لشخص الطفل ومنها :
1- أسلوب الصراخ: وهو أسلوب يلغي لغة التواصل والتفاهم بين طرفي المعادلة، فالابن هنا يدخل في حلبة الدفاع عن النفس والخوف من الصوت المرتفع، ويركز اهتمامه على الطرق التي تحميه من ردود أفعال غير منتظرة.
2- التأنيب واللوم
: كثرة التأنيب واللوم يكسران القلوب ويفككان العلاقات والروابط، ويقتلان المشاعر الايجابية بين الطرفين.
3- الأوامر الكيدية:
كثرة إعطاء الأوامر دون عملية إقناع ترافقها، تحول الأبناء الى آلة لتنفيذ الأوامر، وتلغي شخصيتهم وتضعفها، وتجعل منه شخصا انقيادياً مستسلماً لا كيان له.
4- التهديدات:
كثرة التهديد الذي يمارسه الأهل بكل أنواعه( المباشر أو غير المباشر) لا يساعد ولا يسهم في حل المشكلة وإبعاد الطفل عن السلوك العنيف فانه يوقف سلوكه مؤقتاً بسبب الخوف ولكن سرعان ما يعود.
5- السخرية:
السخرية من السلوك المرفوض تعمل على سحب الثقة من الطفل وتقنعه بعدم قدرته على التخلي عن سلوكياته المزعجة، إضافة الى كون السخرية تحطم المعنويات.
6- الشتم:
أن مسألة شتم الطفل ووصفه بنعوت سلبية، تثبت هذه الأوصاف في عقل الطفل وتقنعه بها ، إضافة الى أن الشتم يعلم الطفل البذاءة في الكلام وسوء الخلق.
7- المقارنة:
وهي من أسوأ الأساليب التي يتبعها المربي، لأنها توصل الطفل الى كره الآخر المقارن به، مما تجعله يشعر بفشله وينزع الثقة من نفسه ومن قدراته، لذا ينبغي أن تتم المقارنة بين سلوكيين أو موقفين عند الطفل نفسه وليس بينه وبين غيره.
8- سوء الظن بالطفل:
أن تفسير السلوك بشكل سلبي دائما من قبل الأهل ،يعد من سوء الظن بالطفل ويؤكد له عدم ثقتك فيه وبأخلاقه،وهذا يؤدي الى إغلاق أبواب التواصل بينكما.
9- الاتهام:
حين تقوم أيها الأب بوضع ابنك في قفص الاتهام، فأنت تقوم بدور القاضي أو المحقق، فهناك فرق شاسع بين أن تسأل ابنك لماذا تأخرت؟ من باب الاطمئنان عليه. وان تسأله من باب سوء الظن به واتهامه. فالأول يفتح جسور التواصل بينكم والأخر يجعله ينغلق وقد يدفع ابنك الى الكذب والتهرب.
وأخيرا أن تركيزنا على الحلول بدل من المشكلة- التوتر والانفعال- يفيد ليس الصغار فحسب بل يعد أسلوبا ناجحاً مع الكبار أيضا سواء أكانوا مراهقين ام شباباً.
ودائما تذكروا أن أبناءنا هم أمانة الله في أعناقنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق