حال كثير من الناس في تقلبهم مع الله سبحانه وتعالى ؛ كالجن طرائق قِددا ، فمنهم من يسلم وجهه لله مكرها ، ومنهم مضطرا ، ومنهم لحاجة ، ومنهم مؤقتا ، ومنهم عادة أو تقليدا ، ومنهم ظاهرا ، ومنهم .. ومنهم .. ، ولكن يبقى السؤال الأهم .. كم منّا من أسلم وجهه لله عن إحسان .
أولا : عظيم منزلة إسلام الوجه لله عن إحسان
منزلة إسلام الوجه لله عن إحسان منزلة عظيمة ، وقد خصها رب العالمين بآيات تتلى ليلا ونهارا وسرا وجهارا ، قال سبحانه :
- (( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى )) .
- (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي :
((قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ الْآيَةَ، ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُحْسِنًا ; لِأَنَّ اسْتِفْهَامَ الْإِنْكَارِ مُضَمَّنٌ مَعْنَى النَّفْيِ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
" وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
وَمَعْنَى إِسْلَامِ وَجْهِهِ لِلَّهِ إِطَاعَتُهُ وَإِذْعَانُهُ، وَانْقِيَادُهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُحْسِنًا، أَيْ: مُخْلِصًا عَمَلَهُ لِلَّهِ لَا يُشْرِكُ فِيهِ بِهِ شَيْئًا مُرَاقِبًا فِيهِ لِلَّهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَاللَّهُ تَعَالَى يَرَاهُ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ إِسْلَامَ الْوَجْهِ، وَتُرِيدُ بِهِ الْإِذْعَانَ وَالِانْقِيَادَ التَّامَّ . ))
ثانيا : عظيم مرتبة الإحسان
الإحسان أعلى مراتب الدين - الإحسان ، الإيمان ، الإسلام - ويتكون الإحسان من شطرين ، المشاهدة والمراقبة ، والمشاهدة أعلى مرتبة من المراقبة ، ودليل ذلك حديث جبريل عليه السلام عندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم : ونصه :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضح كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني عن الإسلام " ،
فقال له : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ).
قال : " صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال : " أخبرني عن الإيمان ".
قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ).
قال : " صدقت " ،
قال : " فأخبرني عن الإحسان " .
قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
قال : " فأخبرني عن الساعة " .
قال : ( ما المسؤول بأعلم من السائل ) .
قال : " فأخبرني عن أماراتها " .
قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) .
ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ).
قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال :
( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
ثالثا : مفتاح الإحسان
الإحسان يطلق في اللغة على الإتقان والإجادة ، كقولنا : فلان أحسن عمله ، أي أتقنه وأجاده ، ومفتاح الإحسان يتكون من ثلاثة أصول :
الأصل الأول : معرفة ومراقبة الاعتقاد والعمل .
الأصل الثاني : معرفة ومراقبة النية ومجاهدتها وتنقيتها من الشوائب .
الأصل الثالث : فقه علاقة تسلسل الأسباب بالنتائج "[6] " .
رابعا : مناقشة
قد يقول قائل : (( إني محافظ على الصلاة والزكاة والصيام وغيرها من الواجبات وترك المنهيات عن استسلام وانقياد لله ؛ فهل ممكن أن أكون مستلما لله عن غير إحسان ؟ )) .
الجواب :
معلوم أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فإذا قلنا فرَضا ، أنك تصلي منذ أشهر ، فأين أثر هذه الصلاة على معاملاتك وأخلاقك وتربيتك .... أي هل أصلحت تلك الطاعات تلك المضغة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ، حين قال :
(( .. ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه ، ألا وهي القلبُ)) .
فإن قال : " تلك الطاعات أصلحت الكثير من أعمال القلب ".
سيقال له : لكل حقيقة علامات تدل عليها ، وسوف نأخذ الأهم كمثال ، فالإخلاص حقيقة وله علامات تدل عليه ، ومثله التوكل ، والرضا والخشية والزهد ، والحسد والغيبة والنميمة والحقد وغيرها من أمراض القلوب .... فهل تعلم علاماتها ؟؟ . فإذا كنت لا تعلم علاماتها فمن باب أولى أن تقع في المحظور .
ثم كيف لأعمال الجوارح أن تصلح تلك المضغة وبالتالي أعمال الجوارح ، والرسول صلى عليه وسلم قد أوضح بجلاء ، أن صلاح القلب يكون قبل صلاح سائر الجسد ؟!
خامسا : لمراجعة ديننا ومحاسبة أنفسنا قبل فوات الأوان .
إذا أردت معــــرفة مدى قربك مــــن الله .. فانـــــــــظر كم مــــــــرة في اليـــــــوم تسلم وجهك لله عن إحسان ؟! وكما قال الإمام مالك رحمه الله : (( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ))
سادسا : الحل
بما أن الكتاب والسنة قد اشتملا على كل معاني ومقتضيات التوحيد والعبودية وتسليم المسلم لقلبه وعقــله القاصر لله ؛ فإن كثرة الاستخارة قد اشتملت على كل ذلك بما تمثله من برهان عملي لهذه المعاني والمقتضيات. فكلما أكثر المسلم من الاستخارة تبرأ من حوله وقوته ولجأ إلى ربه بالتوكل عليه ، ورضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا ، فإذا حصل ذلك ذاق طعم الإيمان ، وزاد تمسكه بالعروة الوثقى وتسليما لله عن إحسان
وختاما .. هذا مايسر الله إذ استخرته والخير ما يسره الله ،.. والحمد لله رب العالمين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق