العلم.. أجلُ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعز ما يتحلى به الإنسان، فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية، وشرف الدارين.
والعلماء.. هم ورثة الأنبياء، وخزَّان العلم، ودعاة الحق، وأنصار الدين، يهدون الناس إلى معرفة الله وطاعته، يوجهونهم وجهة الخير والصلاح.
قال تعالى : " { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة" .
وَيُرْوَى عَنْ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قوله : تَعَلَّمُوا العِلْمَ فإنّ تعلُّمَهُ لِلّهِ خَشْيَةً وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ ومُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ والبَحْثَ عنهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيَمهُ مَنْ لا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ وَبَذْلَهُ لأهْلِهِ قُرْبَةٌ وَهُوَ الأَنيِسُ في الوَحْدةِ والصاحِبُ في الخَلْوَةِ والدّلِيل على الدِّين والمُصَبِّرُ على السرَّاءِ الضَّرَّاءِ والوَزِيرُ عِندَ الإخِلاء والقَرِيبُ عندَ الغُرَباءِ وَمَنارُ سَبيلِ الجَنّةِ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ أقْوَامًا فيجعلُهُمْ في الخَيْرِ قَادةً سادةً هُدَاةً يُقْتَدَى بهم أَدِلِّةً لِلْخَيرِ تُقْتَفَى آثارُهمْ وَتُرْمَقُ أَفْعالُهُمْ وَتَرْغَبُ الملائكةُ في خُلَّتِهمْ وبأَجنِحَتِهَا تمْسَحُهُمْ وَكُلُّ رَطْبِ ويابسٍ لهُمْ يَستغْفرُ حَتَّى حِيتَانُ البَحْرِ وَهَوامُّهُ وَسِبَاع البَرِّ وَأَنْعامُهُ والسَّماءُ وَنُجُومُها ، لأنَّ العِلْمَ حَيَاةُ القُلُوب مِنَ العَمَى وَنُورُ الأبْصَارِ مِنِ الظُلَمِ وَقوَّةُ الأبْدانِ مِنَ الضَّعْفِ يَبْلُغْ بِهِ العَبْدُ مَنَازلَ الأَبْرارِ والدَّرَجَاتِ العُلَى وَمُدَارَسَتُهُ بالقيام به يُطاع اللهُ عزَّ وجلَّ وَبِهِ يُعْبَدُ ، وَبِهِ يُوَحَّدُ ، وَبِهِ يُمَجَّدُ ، وَبِهِ يُتَوَرَّعُ ، وَبِهِ تُوصَلُ الأَرْحَامُ ، وَبِهِ يُعرفُ الحَلالُ والحرامُ ، وهو إمامٌ والعَمَلُ تابعُهُ يُلْهَمُهُ السُعداءُ وَيُحْرَمُهُ الأَشْقِياءُ .
يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يُحتاج إليه بعدد الأنفاس.
يا طالب العلم لا تبغ بـه بدلا * * فقد ظفرت ورب اللوح والقلم
العلم أشرف مطلوب ، وطالبه * * لله أفضل من يمشي على قدم
حينما ولي الخلافة عمر بن عبدالعزيز، وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجاتها وللتهنئة، فوفد عليه الحجازيون، فتقدم غلام هاشمي للكلام، وكان حديث السن، فقال عمر:- لينطلق من هو أسن منك.فقال الغلام:-أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبداً لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك. فقال عمر:- صدقت، قل ما بدا لك،فقال الغلام: - أصلح الله أمير المؤمنين، نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة، وقد أتيناك لمنَّ الله الذي منَّ علينا بك، ولم يقدمنا إليك رغبة أو رهبة، أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا، وأما الرغبة فقد أمنا جورك بعدلك. فقال عمر: عظني يا غلام، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن ناساً من الناس غرهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم فزلت بهم الأقدام فهووا في النار، فلا يغرنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك، فتزل قدمك، فتلحق بالقوم، فلا جعلك الله منهم، وألحقك بصالحي هذه الأمة، ثم سكت. فقال عمر: كم عمر الغلام، فقيل له: ابن إحدى عشرة سنة، ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهم، فأثنى عليه خيراً، ودعا له، وتمثَّل قائلاً:
تعلم فليس المرء يولد عالماً * * وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
فإن كبير القوم لا علم عنده * * صغير إذ التفت عليه المحافلُ
ومن احترام المعلم أن : تبدأه بالسلام والتلطف في مناداته وعدم رفع الصوت عليه وتبجيله والإنصات إليه .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (( من حق العالم عليك أن لا تكثر عليه السؤال ولاتفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولاتطلبن عثرته وإن ذل قبلت معذرته وعليك أن توقره وتعظمه لله مادام يحفظ أمر الله ولاتجلسن أمامه وإن كانت له حاجة سبقت القوم ).
قال أبو معاوية الضرير:استدعاني الرشيد إليه ليسمع مني الحديث، فما ذكرت عنده حديثا إلا قال: صلى الله وسلم على سيّدي، وإذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى، وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يديّ، فصب الماء علىّ وأنا لا أراه، ثم قال يا أبا معاوية: أتدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا. قال: يصب عليك أميرُ المؤمنين. قال: أبو معاوية فدعوت له.فقال: إنما أردت تعظيم العلم.
كان العالم المسلم (الكسائي) يربي ويؤدب ابني خليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد،وهما الأمين والمأمون وبعد انتهاء الدرس في أحد الأيام ، قام الإمام الكسائي فذهب الأمين والمأمون ليقدما نعلي المعلم له ، فاختلفا فيمن يفعل ذلك ، وأخيراً اتفقا على أن يقدم كلاً منهما واحدة ..ورفع الخبر إلى الرشيد ، فاستدعى الكسائي وقال له :من أعز الناس ؟ قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين قال : بلى ،إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين ، حتى يرضى كل منهما أن يقدم له واحدة فظن الكسائي أن ذلك أغضب الخليفة فاعتذر الكسائي ،فقال الرشيد : لو منعتهما لعاتبتك ، فإن ذلك رفع من قدرهما.
قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا * * كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي * * يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
سُـبـحـانَـكَ الـلَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ * * عَـلَّـمـتَ بِـالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخـرَجـتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ * * وَهَـدَيـتَـهُ الـنـورَ المُبينَ سَبيلا
وَطَـبَـعـتَـهُ بِـيَـدِ المُعَلِّمِ تارَةً * * صَـدِئَ الـحَـديدُ وَتارَةً مَصقولا
أَرسَـلـتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً * * وَاِبـنَ الـبَـتـولِ فَـعَلَّمَ الإِنجيلا وَفَـجَـرتَ يَـنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً * * فَـسَـقـى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم.فمن أخذه أخذ بحظ وافر) صحيح سنن أبي داود 3641).
وسئل الإسكندر : لِمَ تُكرم معلمك فوق كرامة أبيك فقال : إن أبي سبب حياتي الفانية ومعلمي سبب حياتي الباقية.
ومن علمني حرفا صرت له عبدا .
فاحترام المعلم دليل على حسن التربية وأصالة الخلق الطيب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق