إنما المؤمنون إخوة
إنما المؤمنون إخوة
لسماحة الشيخ عبد
العزيز بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
فيما يلي نصيحة
عامة لرؤساء الدول الإسلامية وعامة المسلمين:
الحمد لله رب العالمية والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلي عباده بالخير والشر والصحة والمرض
والفقر والغنى والقوة والضعف لينظر كيف يعملون وهل يكونون مطيعين له في حال
الرخاء والشدة قائمين بحقوقه سبحانه في كل الأوقات والأحوال قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وقال سبحانه
وتعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا
وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} إذا علم هذا فإن
الله سبحانه يختبر العباد ويمتحن شكرهم وصبرهم لينالوا الجزاء منه كل حسب حاله
وما صدر منه فالواجب على المسلم إذا أنعم الله عليه بنعمة المال أن يتذكر أخاه
الفقير فيواسيه من ماله ويعينه على تحمل أعباء الحياة ويؤدي حق الله الواجب في
المال وأن يتذكر دائما قوله سبحانه وتعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا
آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي
الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} وإذا كان المسلم
معافى في بدنه قويا في جسمه فينبغي له أن يتذكر إخوانه وجيرانه المرضى
والضعفاء العاجزين فيعينهم على قضاء حوائجهم ويبذل ما يستطيع لتخفيف وطأة
المرض عليهم. ومثل ذلك إذا كان قويا في علمه فعليه أن ينفع عباد الله المسلمين
الذين حرموا نعمة العلم فيرشدهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم
ص -104- ويعلمهم ما أوجب
الله عليهم، كما أن على المسلم الفقير أو المريض العاجز أن يصبر على ما أصابه
ويرجو الفضل من عند الله سبحانه ويجتهد في فعل الأسباب المباحة التي يكشف
اللّه بها ما أصابه وليتذكر الجميع قول الرب سبحانه {وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وما يقال بالنسبة للأفراد يقال بالنسبة
للأمم المسلمة إذ يجب على الأمة القوية في مالها أو رجالها أو سلاحها أو
علومها أن تمد الأمد المستضعفة وأن تعينها على الحفاظ على نفسها ودينها وتمنع
عنها الذئاب من حولها المتسلطة عليها وأن تؤتيها من مال اللّه الذي أتاها فهذا
هو مقتضى الأخوة الإسلامية التي عقدها الرب سبحانه بين المسلمين في مشارق
الأرض ومغاربها إذ يقول جل شأنه {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
فيا أيها الزعماء والقادة ويا أيها المسلمون في كل مكان أدعوكم إلى تطبيق
مقتضى الآية الكريمة والعمل على إقامة الأخوة الحقيقية بين كل المسلمين على
اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم وأن يكون المسلمون يدا على من سواهم واعلموا
وفقكم اللّه أن وسائل الابتلاء في هذا العصر أكثر منها في العصور الخالية ذلك
أن اللّه سبحانه أفاض أنواعا من النعم على طوائف من المسلمين وابتلى طوائف
أخرى بالفقر والجهل وتسلط الأعداء من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم،
وابتلى الناس بمخترعات جديدة وآلات حديثة يسرت اطلاع بعضهم على أحوال بعض
واتصالهم فيما بينهم وجعلتهم أعظم مسؤولية وأكثر قدرة على النصر ومد يد العون
إذا هم أرادوا ذلك. فالمسلمون اليوم يسمعون أو يرون ما يحل بإخوانهم في
الفلبين وأفغانستان وأريتيريا والحبشة وفلسطين وبلدان أخرى كثيرة، بل إن هناك
أقليات مسلمة في دول شيوعية كافرة والمسلمون قد فرطوا في حقها ولم يقوموا بما
يجب من نصرتها وتأييدها وإعانتها والرسول صلى اللّه عليه وسلم يقول: "مثل المؤمنين في
توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر
الجسد بالحمى والسهر" ويقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن
كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه" وقال صلى الله
عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه
ومن كـان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه
كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة", وقال أيضا عليه
الصلاة والسلام: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس
الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر اللّه عليه في الدنيا
والآخرة ومن ستر مسلما ستره اللّه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان
العبد في عون أخيه" وهذه الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم توضح ما يجب أن يكون عليه المسلمون من التعاون
والشعور بحاجة بعضهم إلى بعض. ولقد قرر العلماء رحمهم الله أنه لو أصيبت امرأة
مسلمة في المغرب بضيم لوجب على أهل المشرق من
ص -105- المسلمين نصرتها
فكيف والقتل والتشريد والظلم والعدوان والإعتقالات بغير حق كل ذلك يقع بالمئات
من المسلمين فلا يتحرك لهم إخوانهم ولا ينصرونهم إلا ما شاء اللّه من ذلك
فالواجب على الدول الإسلامية والأفراد من ذوي الغنى والثروة أن ينظروا نظرة
عطوف ورحمة إلى إخوانهم المستضعفين ويعينونهم بواسطة سفراء الدول الإسلامية
الموثوق بهم أو بواسطة الوفود التي يجب أن ترسل بين حين وآخر باسم الدول
الإسلامية لتفقد أحوال المسلمين في تلك الدول الإسلامية أو الأقليات المسلمة
في الدول الأخرى، وإذا كانت الأمم النصرانية واليهودية والشيوعية وغيرها من
الأمم الكافرة قد تحفظ حقوق أي فرد ينتسب إليها ولو كان يقيم في دولة أخرى
بعيدة عنها وتصدر الاحتجاجات وترسل الوعيد والتهديد أحيانا إذا لحق بواحد منهم
ضرر ولو كان مفسدا في الدولة التي يقيم في أراضيها فكيف يسكت المسلمون اليوم
على ما يحل بإخوانهم كحروب الإبادة وضروب العذاب والنكال في أماكن كثيرة من
هذا العالم؟ ولتعلم كل طائفة وأمة لا تخف لنصرة أختها بأنه يوشك أن تصاب هي
بمثل ذلك البلاء الذي تسمع به أو تراه يقطع أوصال أولئك المسلمين فلا تجد من
ينصرها أو يعمل على رفع الظلم والعذاب عنها فاللّه سبحانه المستعان وهو
المسؤول بأن يوقظ قلوب العباد لطاعته وأن يهدي ولاة أمور المسلمين وعامتهم إلى
أن يكونوا يدا واحدة وصرحا متراصا للقيام بأوامر اللّه والعمل بكتابه وسنة
رسوله ونصرة المسلمين ومحاربة الظالمين المعتدين عملا بقول اللّه سبحانه {وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الأُمُورِ} وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وأتباعه بإحسان. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق