أقرأ قوله تعالى في سورة سيدنا يوسف: " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليَسجُنُنَّه حتى حين "
فأرى فيها ما يلي:
1- ليس قرار سجن يوسف صادراً بناء على أوامر الوزير الاول وحده - الذي ربّى سيدنا يوسف في بيته ورعاه – إنما القرار في سجن يوسف رغباتُ النبلاء والوزراء الذين رأت زوجاتهم – في ضيافة امرأة العزيز – شاباً وسيماً خرج عليهنّ بأمرها،تريد أن تثأر منهنّ حين خُضنَ في قصة حبها للشاب الجميل يوسف ، فدهشن من جماله فجرحن أيديهنّ دون أن يشعرن وهنّ مأخوذات بحسنه الآسر، وكنّ يسخرن من حبها لفتىً اشترته بمالها ، وكان ينبغي عليها أن تحب نبيلاً من النبلاء أو فارساً أو وجيهاً ، أما أن تحب خادمها ومتبنّاها فهو ( ضلال مبين) وخطأ كبير لا يليق بمقامها.
2- والواو في ( رأوا) دليل على أن الرجال غاروا من ميل النساء ليوسف وطلبن إليه الفاحشة كما فعلت امرأة العزيز ، ودليل طلبهنّ تصريح امرأة العزيز أمامهنّ برغبتها فيه دون مواربة ( فذلكنّ الذي لُمتُنّني فيه ،ولقد راودتُه عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليُسجنّنّ،وليكونَنْ من الصاغرين) وما صراحتها الشديدة أمامهنّ إلا لأنهنّ رغبن ما رغبتْ، كما أن الملك حين رأى يوسف يريد البراءة قبل خروجه من السجن – ولا يفعل هذا إلا الواثقُ بنفسه الصادق في حياته- تبنّى موقف يوسف ووثق به وقال للنساء يتهمهنّ بمراودته ( ما خطبُكُنّ إذ راودتُنّ يوسفَ عن نفسه) فأقررن بذلك واعترفنّ بنصاعته وسوء دخيلتهنّ وقبح ما طلبنّ منه.
3- لماذا قرروا السجن ولم يتخذوا قراراً آخر كأن يُباع أو يُغرّب فيبتعد عن نظر النساء فينسَينه ، ولعل الجواب : إن الإبعاد لا يمنع العاشقات أن يبحثن عنه ويتابعنه فكيد المرأة كبير ، هذا ما قاله العزيز حين علم الحقيقة، فقال قولته المشهورة ( إنه من كيدكُنّ إنّ كيدكنّ عظيم) أما السجن فيبقيه حبيساً تحت أنظار أولي الأمر وليس للنساء أن يزرنه في السجن أو يلتقينه. وسينسيهِنّ الزمنُ يوسف ، فليبقَ في السجن بضع سنين.
4- ينبغي أن يكون السجن للخاطئ لا للشريف الطاهر ، وكان من المفروض أن يكرّم يوسفُ لشرفه وطهارته أما أن يُعاقب بجريرة غيره فهذه وهدة الفساد ودرَك الظلم وهمجية البشر حين تنقلب المفاهيم وتتمكن الأهواء في نفوسهم.فيعاقب المحسن ويُكافأ المذنبُ ، إنها سنة الجاهلية في ترك الشريف دون عقاب ومحاسبة الضعيف وحده على ذنب اقترفه ،أو يكون ضحية النظام الفاسد وقرباناً للمتنفذين . وما أكثر ما نراه في حياتنا التافهة هذه.
5- ( من بعد ما رأوا الآيات) والآيات هنا الدلائل والبراهين على انغماس نسائهم في الرذيلة حتى أخمص أقدامهنّ ، وبعد أن صار يوسف مهوى قلوب النساء وغاية أمنياتهنّ، ومدار حديثهنّ . مجتمع فاسد لا ضابط من الأخلاق يضبطه ، ومن أشد الأمور قساوة على الرجال أن يروا نساءهنّ يعزفن عنهم وينشغلن بغيرهم . وكان الأولى أن تكون التربية والأخلاق صمامَ الأمان في المجتمعات فيعرف كل امرئ حقه وحق غيره فيقف عند حدّه ولا يتعداه.
6- ولأنه بريء فسوف يُسجن ( حتّى حين) حين تيئس النساء منه – في سجنه- وينسَينَه ، أهي سَنة أو سنتان أو أكثر بين السجناء بأنواعهم الكثيرة المتعدّدة!؟.وعليه أن يتحمل قرارَ السادة ، أليس غريباً بينهم ضعيفاً لا سند له ،اشتراه سيدهم بماله ، فعليه أن يرضى بما يتخذونه دون اعتراض . ...هكذا كان ، وطال سجنه سنوات سبعاً ونسيه السادة أو تناسوه كعادتهم ، لولا لطف الله تعالى وحكمته التي أرادت للبشرية أمراً لا ندريه ... حتى كانت رؤيا الملك ، وكانت الحرية ...
الدكتور عثمان قدري مكانسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق