وصية الخطاب بن المعلى المخزومي لابنه |
هذه وصية عظيمة نقلتها لكم من كتاب روضة العقلاء لابن حبان مع شيء من الحذف ، في زمن عزت فيه الوصايا، سواء من الآباء لأبنائهم ، أو من الأصحاب لأصحابهم ، اخترتها لكم لاختصارها، ولاشتمالها على كثير من الآداب الدينية و الدنيوية ، والتي تضمن لصاحبها - إذا هو عقلها وعمل بها - بإذن الله النجاة من آفات الدنيا ، والفوز بنعيم الآخرة . وعظ الخطاب بن المعلّى المخزومي القُرشي ابنَه فقال: يا بُني: عليك بتقوى الله وطاعته ، وتجنب محارمه باتّباع سنته ومعالمه ، حتى تصح عيوبك وتقر عينك فإنّها لا تخفى على الله خافيه. واني قد وسمتُ لك وسْما ،ووضعت لك رسما،إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت أعين الملوك، وانقاد لك به الصعلوك ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج إليك ، ويرغب إلى ما في يديك فأطع أباك ، واقتصر على وصية أبيك، وفرّغ لذلك ذهنك واشغل به قلبك ولبّك . فإياك وهذر الكلام وكثرة الضحك والمزاح ومهازلة الإخوان، فإنّ ذلك يذهب البهاء ويوقع الشّحناء . وعليك بالرّزانة والتوقّر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تُحكى عنك. والقَ صديقكَ وعدوَّك بوجه الرِّضى وكفّ الأذى من غير ذلّة لهم ولا هيبة منهم . وقلّل الكلام وأفش السّلام وامش متمكّنا قصدا ، ولا تخط برجلك ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفات، ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا . فإن تكلمت فاختصر، وإن مزحت فاقتصر، وإذا جلست فتربّع وتحفَّظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها والعبث بلحيتك وخاتمك وذؤابة سيفك وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة طرد الذباب عنك وكثرة التثاؤب والتّمطى وأشباه ذلك مما يستخفُّه الناس منك ويغتمزون به فيك . وليكن مجلسك هاديا وحديثك مقسوما وأصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار عجب منك ولا مسألة إعادة. وغض عن الفكاهات من المضاحك والحكايات ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا عن فرسك... ولا تتصنع تصنع المرأة ولا تتبذل تبذُّل العبد ولا تهلّب لحيتك ولا تبطنها وتوق كثرة الحفّ ونتفَ الشّيب وكثرةَ الكُحل والإسرافَ في الدُّهن؛ وليكن كحلك غبًّا ولا تُلحّ في الحاجات ولا تخشع في الطلبات . ولا تُعلم أهلك وولدك فضلا عن غيرهم عدد مالك فإنّهم إن رأوه قليلا هُنت عليهم وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم؛ وأخِفهم في غير عنف ولِن لهم في غير ضعف ، وإذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عن عجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإشارة بيدك ولا تحفز على ركبتيك . وإذا وعدت فحقق وإذا حدثت فاصدق ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس . وتخير محاسن القول بالحديث المقبول وإذا حدثت بسماع فانسبه الى أهله وإياك الأحاديث العابرة المشنعه التي تنكرها القلوب وتفق لها الجلود وإياك ومضعف الكلام مثل نعم نعم ولا لا وعجل عجل وما أشبه ذلك . واعلم أن الجشع يدعو إلى الطمع والرغبة تدق الرقبة ورب أكلة تمنع أكلات والتعفف مال جسيم وخلق كريم . ومن تعدى القدر هوى في بعيد القعر والصدق زين والكذب شين ولصدق يسرع عطب صاحبه أحسن عاقبة من كذب يسلم عليه قائله . ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان . وزوجة السوء الداء العضال ونكاح العجوز يذهب بماء الوجه ، وطاعة النساء تزرى بالعقلاء تشبه بأهل العقل تكن منهم وتصنع للشرف تدركه وأعلم أن كل امريء حيث وضع نفسه وإنما ينسب الصانع إلى صناعته والمرء يعرف بقرينه وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم ويحزنون من صادقهم وقربهم أعدى من الجرب ورفضهم من استكمال الأدب . وصاحب الرياء يرجع إلى السخاء ولرياء بخير خير من معالنة بشر والعرق نزاع والعادة طبيعة لازمة إن خير فخير وإن شرا فشر وأعجل منفعه : إيسار في دعة وكثرة العلل من البخل وشر الرجال الكثير الاعتلال وحسن اللقاء يذهب بالشحناء ولين الكلام من أخلاق الكرام . يا بني إن زوجة الرجل سكنة ولا عيش له مع خلافها فإذا هممت بنكاح امرأة فسل عن أهلها فإن العروق الطيبة تنبت الثمار الحلوة . جعلك الله يا بني ممن يقتدي بالهدى ويأتم بالتقى ويجتنب السخط ويحب الرضى والله خليفتي عليك والمتولي لأمرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد نبي الهدى وعلى آله وسلم تسليما كثيرا |
آخر أخبار قناة العربية
آخر موضوعات المدونة
2011-06-07
وصية الخطاب بن المعلى المخزومي لابنه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
السلام عليكم
ردحذفمشكور أخي بارك الله فيك على الموضوع
من عمل بهذه الوصايا فقد رضي الله عنه و قد كتبه
إن شاء الله من الفائزين بالجنة نسأل الله العفو و العافية و التوبة النصوحة
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه آمين آمين آمين
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
ردحذفوفيك بارك الله اخي الكريم، اشكرك على تعليقك، وارجو أن تكون قد استفدت من هده النصائح البديعة، جزاك الله خيرا اخي مع كل الاحترام والشكر والتقدير.