الحرُّ من راعَ وِداد لحظة !!
هذا هو منهج الأولين ، وهذا هو نهجهم – رحمهم الله - ، إذ الحر في ميزانهم هو ذاك
الرجل الذي يحفظ الود ، ويرعى حق الصحبة ، وإن كانت في عمر السنين لحظة واحدة ، ولا ينسى الفضل لأهله ، وإن قلّ حجمه ، أو خف وزنه ، بل تراه يحرص على أن ينسب الفضل لأهله ، ولا يكفر بساعات الصفاء واللقاء ، ولا بأيام التزاور والتواصل ، غايته أن يقيم العدل، ولو على نفسه ، ممتثلاً أمر ربه: " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " .
فالأحرار هم الذين لا يحملون حقداً ، ولا يفجرون عند الخصومة ، ولا يستغلون معلومة بسبب معرفة سابقة ، ولا يبيحون سراً لأصدقاء الأمس ، ولا يصرمون وداً لأقل الخصومات، ولا ينقلب الأصحاب في ميزانهم إلى أعداء ، مهما بلغت شدة الخصومة .
فالأحرار لا يعرفون طريق الغمز ، ولا يسلكون دروب اللمز ، يصونون ألسنتهم من الوقوع في مثل هذه المزالق التي لا تليق بالأحرار .
***
وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك ، أن الذين تنزلق أقدامهم في مثل هذه المزالق ، أنهم ليسوا أحراراً أبداً ، وقد شهد بذلك الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حين بين أن من علامات المنافق ، الفجور عند الخصومة ، بمعنى أنه لا يراعي عند الغضب والخصومة ، حرمة صحبة ، ولا ساعات التواصل والأخوة .
الأحرار .. قوم لا تنقلب حسنات الأمس في ميزانهم إلى سيئات ، ولا صفاؤه إلى شحناء وبغضاء ، ولا حبه إلى كراهية مطلقة وحقد دفين .
الأحرار .. هم الذين لا يجعلون من صديق الأمس - بسبب خلاف في الرأي ، أو سوء في الفهم ، أو خلاف في غرض من أغراض الدنيا – لا يجعلون منه هدفاً ، يصوبون نحوه كل سهام البغي والظلم والعدوان ، فلا يدعون سهماً في جعبة إبليس إلا وقذفوه به ، غير نادمين أو آسفين .
***
الذين يفعلون هذا ليسوا أحراراً ، وإن كانوا في ميزان البعض كباراً ، بأموالهم ومناصبهم ، وشهاداتهم الورقية ، وألقابهم العلمية ، فهم كبار بملابسهم وزيهم ، غير أنهم الصغار في نفوسهم ، الصغار في فعالهم ، الصغار في طباعهم ، ولو كانوا كباراً حقاً ، لصدق فيهم قول الشاعر :
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب
وقبل ذلك ، فإن الأحرار تسمو بهم أخلاقهم ، وتعلو بهم هممهم ، وتزكو بهم أنفاسهم، وتمنعهم من هذه الأفعال الشنيعة خصالهم الحميدة ، ومنابتهم الكريمة .
وإن كان هذا العقوق الأخلاقي ، والنكران الإيماني ، لا يليق بالعامة من الناس ، فإنه في الخاصة منهم أكثر شناعة وفضاعة ..!!
فلا يليق بالعلماء الأحرار أن يغمزوا ويلمزوا ؟!
أو أن يحقدوا ويدفنوا ؟!
أو أن يفتروا ويكذبوا ؟!
أو أن يغيروا الحقائق ، ويقلبوا الموازين ؟!
أو أن يشهروا بأحد أو جماعة .. كانت بينهم بالأمس علاقة كريمة ، وصحبة جليلة ، ليس انتصاراً لحق اكتشف مؤخراً ، بل هو الحقد وحب الانتقام لا غير ..
ساءني جداً أن يكون في علماء اليوم من يحمل نفوس العبيد ، وقلوب الشانئين ، الذين يغيرون مبادئهم كما يغيرون ملابسهم .
***
ولا تنس أبداً إن كنت تريد أن تكون حراً : " أن الحر من راع وداد لحظة !! " .
بقلم: أ عبد النور خبابة
جازاك الله خيرا ووفقك وسدد خطاك
ردحذفوإياك أخي طارق بارك الله فيك واشكرك جزيل الشكر على مرورك وتعليقك الماتع، دمت وفيا تحياتي واحترامي وتقديري.
ردحذف