هناك فئات يعيقها خجل شديد عن بعض ضروريات الحياة، كالعمل وملاقاة الناس والاجتماع بهم والتحدث بينهم، وهذه سبع نقاط أزعم أنها مفيدة عن تجربة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. هناك فئات يعيقها خجل شديد عن بعض ضروريات الحياة، كالعمل وملاقاة الناس والاجتماع بهم والتحدث بينهم، وهذه سبع نقاط أنها مفيدة
أولًا: الدعاء والذكر: ما دخل الدعاء والذكر في صعب إلا وسهُل، ولا عسير إلا وتيسر، ولا صدق مؤمن في دعاءه ورُد خائبًا، أجمع همومك وأحزانك، وأطفئ ضجيج الناس وقم في ليلة هادئة ادعو ربك. قال تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42]، قال ابن كثير في تفسيره: (والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانًا كاسرًا له، كما جاء في الحديث: «إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني وهو مناجز قرنه» اهـ. وجاء الأمر بالذكر في موقف صعب وهو ملاقاة العدو، وما ثمة إلا موت يلوح؛ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قُوة إلا بالله».
قال النووي - رحمه الله -: (قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعترافٌ بالإذعان له، وأنه لا صانع غيرُه، ولا راد لأمرِه، وأن العبد لا يملك شيئًا من الأمر، ومعنى الكنز هنا: أنه ثوابٌ مدَّخر في الجنة، وهو ثواب نفيس، كما أن الكنز أنفس أموالكم، قال أهل اللغة: الحول: الحركة والحيلة، أي: لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل: معناه: لا حول في دفع شرٍّ، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعِصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكُلُّه متقارب). قال ابن تيمية رحمه الله: (ولْيكن هِجِّيراه -أي عادته ودأْبه-: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فإنها بها تُحمَل الأثقال، وتُكابد الأهوال، ويُنال رفيعُ الأحوال).
قال ابن القيم رحمه الله: (وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق، والدخول على الملوك، ومن يُخاف، وركوب الأهوال).
ثانيًا: قراءة القرآن وهو أفضل الذكر: الخجل من الناس والحديث معهم غالبه وَهْم وأمور نفسية، يحتاج معه إلى قوة نفسية وإيمان، لماذا القرآن؟، لأنه شفاء للسوء الواقع مهما كان عمقه، ووقاية من المرض المتخوف والوهم المتوقع، وبه خصائص لا توجد في غيره كما قالت العلماء، فشفاءه يشمل أسقام البدن وأمراض النفس والقلب، ومما ذكره العلماء أن كثرة قراءته تورث قوة في النفس يجد بها المسلم شجاعة في قول الحق ولا يخشى لومة لائم، فضلًا عن مجرد الكلام مع الناس، فضلًا عن تغيير كثير من معتقداته وأفكاره التي ما ظن يومًا أنها ستزول، فإن زاد وغاص في معاني القرآن وتدبره عرف قيمة الحياة وقيمة الناس، وعرف خالقه والمعنى الحقيقي لكل شيء، فيجد نفسه بعد مدة خلقًا آخر غير الأول.
والقرآن يطرد وساوس الشيطان، وما من شر إلا وللشيطان منه نصيب، إما تأسيسًا أو تهويلًا، فعمله الكثير بث الحزن من الماضي، والخوف من المستقبل.
ثالثًا: البدء بالسلام عند ملاقاة الناس: أصعب ما يواجه الخجول أن يستهل حديثًا مع أحد غريب، ولن تجد مثل السلام في فضله وأثره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»، فإن اعتاد على السلام بصوت مرتفع وألفاظ واضحة على كل من يلقاه فقد بدأ في نزع الخوف.
وقالوا: إنه من الشائع أن يبدأ الناس حديثهم بأخبار الطقس، مثل: اليوم ممطر، أو الطقس حار جدًّا، لكسر الرهبة الأولى بين الغرباء. رابعًا: العمل في بيئة مواجه للجمهور: ولو اضطررت لأن تدفع لصاحب العمل مالًا فافعل!، لعظم الفائدة التي ستجنيها من ذلك، التعرض اليومي لمعاملة الناس مباشرة والحديث معهم نافع جدًّا، فضلًا عن مكوثك في مكانٍ عامٍ وتكوين علاقات مع زملائك ولو كانت سطحية.
خامسًا: العيش مؤقتًا في غربة: كثير من الناس كانوا منطويين على أنفسهم قلما يجتمعون وإذا اجتمعوا فعلى مضض، جربوا السفر خارج محيطهم لمدة فعادوا أناس مختلفين، فيجد الرجل أشخاصًا غير ما ألفهم، وأماكن مختلفة، ولو كانت ثقافة مختلفة كان أنفع، فتكون له بداية مهيأة في بيئة جديدة.
سادسًا: تهوين أمر الناس: من أسباب الخجل الخوف من أحكام الناس عليه ورؤيتهم له وانتقاصهم منه، فنقصد عدم المبالغة في تقدير فكرهم أو نقدهم أو رؤيتهم له، ليس احتقارهم وازدراءهم بل وضعهم في مواضعهم، والخجول غارق في جلد الذات، فأي كلمة تصدر ضده يسلم أنها صحيحة ويجلد ذاته فيزداد انطواءً. سابعًا: عدم المقارنة مع الغير وارض بما قسم الله لك: عند بعض الناس القول بالرضا بما قدره الله يأتي غالبًا عند العيوب، وهذا خطأ، بل يُقال في كل حين، عند أي لحظة تشعر بها بالسخط من نفسك وبما قسمه الله ولو لم يكن عيبًا، عند أي مقارنة مع غيرك.
أنت متفرد حتى بعد خروجك من دائرة الخجل، أنت لديك ميزات ليست لدى غيرك، إحساسك عالٍ ورقيق، تشعر بما لا يشعرون به، أنت مهيأ لاكتشاف أمور لا يكتشفونها، مستمع ممتاز، محلل عبقري، يستطيع فهم وتصور أشياء عميقة، تجده يخشى أذية الناس أو إحراجهم، أقرب لحسن الخلق من سيِّئها.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءً من العذراء في خدرها كما ورد بالحديث، وعثمان بن عفان كان رجلًا تستحي منه الملائكة، هذا الحياء هو الغاية من الكلام، أن ترتقي من درجة الخجل الشديد الذي يمنعك من أمور ضرورية إلى درجة الحياء النبوي العفيف، فلا تجد حرجًا في أن تصل رحمك وتزور جارك وتقوم بعملك، وتقول: لا، لما تكره وما لا تريد فعله، ولا تُجامل دائمًا وتلوم نفسك.
لا تنظر إلى الرجل الجرئ جدًّا وتريد أن تكون مثله تمامًا، فبعضهم وقح ولديه نقص بالعقل، أحيانًا لا يدري ما يقول ولا ما يفعل إلا بعدما يفعل ويقول، لا يفكر بعواقب فعله يتكلم هكذا كيفما جاءت، يحسب أنه على قوة وخير والناس يخشونه وهو خاطئ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق