القوة الناعمة هي القادرة في هذا العصر على التأثير والتوجيه،ومفتاحها التسامح العملي التطبيقي،فالتسامح واجب أخلاقي، وسياسي، وقانوني، وهو لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل، وإنما يعني إقرار الأفراد والجماعات والدول بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا، ونبذ التعصب والاستبدادية الفكرية
والتسامح لا يعني كذلك تقبل الظلم الاجتماعي، أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل يعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم...مثله على حد سواء،والدعوة والتعليم؛بالحسنى،وبالعلم،وبالتواصل الحضاري الإيجابي معهم؛هي مفتاح التأثير الإيجابي عليهم للخير
فالتسامح هو اتساع الكون للخلق بتنوعهم العرقي، والفكري، والثقافي، والعقدي الذي خلقهم الله عليه، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود، 118]، ليتعايش الجميع فيما بينهم ولتتكامل أدوراهم دون طرد أو إقصاء، مع حفظ التمايز والتنوع؛والتسامح بهذا القدر مبدأ إسلامي راسخ، تبدو ملامحه في كل تعاليم الدين وأحكامه،لأنه سلوك واقعي في حياة المسلمين وقيمة تمكين حياة لهم،
فهو في الإسلام ليس بالكلام النظري المستهلك في قاعات التنظير، وإنما هو أسلوب حياة ومنهج مجتمع، ومن ثم عاشه المسلمون في مجتمعاتهم وطبقوه في حياتهم، سواء في علاقاتهم فيما بينهم، أو في علاقاتهم بغيرهم، ففي المدينة تكونت الدولةالمتسامحة التي حكمتها الوثيقة الفريدة في بابها التي جمعت بين أعراق مختلفة، وأنساب متشعبة، وثقافات متباينة، وديانات متعددة، فقد جاء فيها: "هذا كتاب من محمد
النبي-صلى الله عليه وسلم- بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. إنهم أمة واحدة من دون الناس، وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا تناصر عليهم، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته،وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم..."
والنص بكماله في [البداية والنهاية لابن كثير: 3/ 273]
وهذا فيه بيان سعة سماحة الإسلام وسعة تعامله مع المخالف أيا كان،ولذا فإن ممايجدر التنبيه عليه والإشارة إليه إحياء هذه الروح الطاهرة في حياتنا...روح التسامح ،ورفع مستوى الوعي لإدراك ذلك،وأنه من أشرف مقامات من قام لبيان أمر الله جل وعز..
إن التسامح هوالقوة الناعمة ، ومن جرب عرف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق