مابين الواقع والافتراضي ....كيف تتشكل الحياة؟ بقلم : مريم ماضوي
الأرقام هي الشيء الوحيد الذي أصبحت تتمركز حوله حياتنا ، لما استسلمنا لمنطق الآلة باتت حياتنا مجرد أرقام أعادت بناء سلم التدرج للعوالم ، فقد انتهى زمن العوالم الأولى والثانية والثالثة وخلفه زمن العوالم المعلوماتية والعوالم غير المعلوماتية (المتخلفة معلوماتيا )
فالتكنولوجيا والالكترونيات أسست مجتمعا جديدا تجاوز المجتمع الصناعي وكان بديلا له مجتمعا يقوم على التكنولوجيا الجديدة للاعلام والاتصال التي تغلغلت في حياة الفرد وأصبحت مسيطرة عليه وتحولت المعادلة من تكييف التكنولوجيا بما تقتضيه حياة الفرد إلى تكييف حياة الفرد بما تقتضيه التكنولوجيا إذ باتت هذه الأخيرة هي من يرسم ملامح الحياة ويحدد مسارها .
فالتكنولوجيا والالكترونيات أسست مجتمعا جديدا تجاوز المجتمع الصناعي وكان بديلا له مجتمعا يقوم على التكنولوجيا الجديدة للاعلام والاتصال التي تغلغلت في حياة الفرد وأصبحت مسيطرة عليه وتحولت المعادلة من تكييف التكنولوجيا بما تقتضيه حياة الفرد إلى تكييف حياة الفرد بما تقتضيه التكنولوجيا إذ باتت هذه الأخيرة هي من يرسم ملامح الحياة ويحدد مسارها .
الأرقام هي الشيء الوحيد الذي أصبحت تتمركز حوله حياتنا ، لما استسلمنا لمنطق الآلة باتت حياتنا مجرد أرقام أعادت بناء سلم التدرج للعوالم ، فقد انتهى زمن العوالم الأولى والثانية والثالثة وخلفه زمن العوالم المعلوماتية والعوالم غير المعلوماتية (المتخلفة معلوماتيا ) فالمجتمعات التي كانت بالأمس تصنف في الخانة الأولى هي اليوم وفق مقاييس القرن 21 قرن التكنولوجيا والالكترونيات تسمى المجتمعات المعلوماتية فهي التي أسست لهذا المجتمع الجديد الذي تجاوز المجتمع الصناعي وكان بديلا فرضه التطور التكنولوجي والتزاوج بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الحاسب الآلي الأمر الذي خلق ما يعرف بالتكنولوجيا الجديدة للإعلام والاتصال التي تغلغلت في حياة الفرد وأصبحت مسيطرة عليه وتحولت المعادلة من تكييف التكنولوجيا بما تقتضيه حياة الفرد إلى تكييف حياة الفرد بما تقتضيه التكنولوجيا إذ باتت هذه الأخيرة هي من يرسم ملامح الحياة ويحدد مسارها .
إن زيادة الاعتماد على التكنولوجيا وتطبيقاتها فرض العديد من التحديات أمام المجتمعات التي أدركت أن زمن الموارد الطبيعية قد ولى والرهان أصبح قائما على الموارد المعرفية فأصبحت المعلومة راس المال الذي يجر قاطرة التنمية والتقدم والتطور الشيء الذي يحتم إعطاء الأهمية القصوى لقطاع التعليم بكافة مستوياته (الأساسي والعالي ) وتشجيع البحث والتطوير العلمي وإقامة الشراكات ما بين القطاع العلمي والقطاعات الاقتصادية (القطاع الصناعي ،التجاري، الزراعي ..) بما يسمح باستغلال المعلومات استغلالا امثلا يدفع إلى زيادة الاعتماد على تقانة المعلومات كمصدر للعمل والثروة والبنية التحتية وهي الخطوة التي تقود إلى التحول نحو اقتصاد المعلومات ، هذه التحولات سمحت بتحسين شروط الحياة وتوسيع استخدام التكنولوجيا وانتشارها مجتمعيا على نطاق واسع فاستغلت لممارسة العديد من النشاطات ودفعت الأفراد إلى اكتساب الوعي الكامل بأهمية المعلومات في تسيير الحياة واتخاذ القرارات والمشاركة في صنع القرار السياسي وإثارة النقاشات حول القضايا الحساسة ما جعل البناء الاجتماعي متعدد المراكز ولا يدور حول مركز واحد . إدراك المجتمعات الغربية لهذه المعطيات جعلها تنجح في تحقيق خطوة إلى الأمام –يلزمنا نحن مجتمعات العالم الثالث آلاف السنين حتى نحقق ما حققته هي – تجاوزت بها عصر المجتمع التقليدي إلى المجتمع الالكتروني الذي يقوم أساسا على التكنولوجيات الجديدة .
الواقع الذي باتت تعيشه المجتمعات المعلوماتية جعلها تنقل واقعها المحسوس إلى الفضاء الافتراضي فمستخدمي المجال الافتراضي من المواطنين الغربيين أو مواطني مجتمع المعلومات أقاموا في هذا المجال مجتمعا وان كان افتراضيا إلا انه يعكس ملامح مجتمعاتهم الواقعية ما يقودنا إلى اعتبار أن الممارسة الافتراضية ما هي إلا ترجمة للممارسة الواقعية في صفتها الكلية فالفضاء الالكتروني اليوم يجعلنا نعيش داخله وفق مبادئ المجتمع الغربي القائم على الديمقراطية والحرية في صورة التدفق الحر والمتكافئ للمعلومات والمشاركة في بنائها ونقلها وتوزيعها والمساحة الكبيرة المتوفرة للتعبير عن الآراء والدفاع عنها .
المتأمل للمجتمع الافتراضي سوف لن يرى سوى مجتمعا مدنيا في صيغة الكترونية ، ورغم أن الاتفاق على معنى ثابت للمجتمع المدني لازال جدليا إلا أن مفهومه الشائع هو انه المجتمع أو المجال الذي تحكمه الجمعيات والنوادي والاتحادات ويقوم أساسا على سلطة الشعب لذا يعتبر البديل عن المجتمع السياسي الذي تحكمه سلطة الدولة ، فالمجتمع المدني يستمد قوته من إرادة الشعب ويطبع بمبادئ الديمقراطية والحرية الشخصية والمسؤولية والاهم من ذلك مبدأ الاختيار أو الطوعية الذي يمكن الفرد من الانتماء إلى الجماعة التي تلائم حاجاته ورغباته .
إن صورة المجتمع المدني نقلت من الواقع المحسوس إلى الواقع الالكتروني وفرضت منطقها عليه فهذا الأخير تحكمه التجمعات التي يشكلها أفراد يؤمنون بنفس القيم ويحملون نفس الآراء والأفكار على اختلافها إن كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو خيرية أو غيرها والتي اتخذت من الفضاء الافتراضي مجالا لممارسة نشاطاتها والعمل على تعزيز اتجاهاتها وتقويتها فمجتمع الانترنت بات يسير وفق مبدأ الديمقراطية القائم بدوره أساسا على المعلومات التي كانت حكرا على الحكومات وأصحاب القرار أما اليوم فهي في متناول الجميع وبإمكان أي شخص مهما كان موقعه من الهرم المجتمعي الإطلاع عليها واستغلالها الأمر الذي دفع إلى تعميق مفهوم المشاركة في اتخاذ القرار وعمق أكثر معنى الثقافة السياسية كما فتح المجال لإثارة النقاشات المدنية حول مختلف القضايا التي تهم الإنسان.
إن الخصائص التي تميز العالم الافتراضي كعالم تقل فيه الرقابة القانونية والسياسية بالدرجة الأولى سمح بنمو التجمعات وأضفى حركية وحيوية اكبر على حياة الفرد كما سمح بتطبيق واسع للديمقراطية –المعلوماتية – والحرية وكان داعما لحركية المجتمع المدني الواقعي وان كان قد قضى من ناحية ما على أسس الانتماء المجتمعي ، فقد ألغى ما يعرف بالانتماء القهري الذي تفرضه الرابطة الأسرية أو العائلية أو القبلية أو حتى الجغرافية وعزز الانتماءات الطوعية القائمة على أساس فكري.
قد يبدو للمتأمل لملامح المجتمع الالكتروني المرسوم داخل شبكة الانترنت انه تطبيق للعالم الحقيقي إلا أن الاختلاف بينهما يكمن في القوانين المنظمة لكل منهما فمجتمع الانترنت لازال يطرح قضايا الملكية الفكرية والقرصنة والاحتيال ومشاكل التجارة الالكترونية وغيرها من المجالات التي تحتاج إلى تقنين وتنظيم يضمن حقوق الأشخاص بالرغم من صعوبة تطبيق القانون على مجتمع افتراضي .
العلاقة بين العالم الحقيقي والافتراضي لا تتوقف عند تأثير الأول على الثاني بل أصبح الحديث والتركيز اليوم أكثر حول تأثير العالم الافتراضي على الواقعي ، فإذا كان المجال الالكتروني في المرحلة الأولى مجرد تطبيق لحياة الفرد الواقعية فان ذلك سرعان ما بدا يتغير وبدأت ترتسم تأثيرات الحياة الالكترونية أو لنقل الآلة على النسق الحياتي للفرد فإلى جانب أن الفضاء الافتراضي عزز الممارسات المرتبطة بالديمقراطية والحريات العامة على ارض الواقع وجعلها أكثر قوة إلا انه من جانب آخر اثر على العلاقات الإنسانية التي باتت افتراضية أكثر منها واقعية فصحيح أن التكنولوجيا قلصت البعدين المكاني والزماني –أو يمكن القول أنها قضت عليهما – إلا أنها عمقت البعد الإنساني والاجتماعي ، كما أن التدفق الحر للمعلومات وسع الآفاق المعرفية للفرد وسمح له بالإطلاع على الغير بل ابعد من ذلك جعله يتعرف على ثقافات جديدة تبناها كبديل عن ثقافته الأصلية –خاصة الثقافة الأمريكية – فتشكلت نتيجة لذلك ثقافة عالمية موحدة راحت تهدد الثقافات المحلية وجعلت الفرد يعيش انسلاخا تاما عن مجتمعه الحقيقي ، ناهيك عن ما سمح به الفضاء الافتراضي من انتشار للجريمة والعنف والاحتيال والإدمان والانحلال الخلقي والتأزم القيمي وأزمات الهوية والانتماء.كما قد يتعدى هذا التأثير –أي تأثير الواقع الافتراضي – إلى تغيير ملامح الحياة الواقعية كليا فتتحول المعادلة من محاولة عيش الحياة الواقعية في إطار الكتروني افتراضي إلى محاولة نقل الحياة الافتراضية إلى الواقع وهو ما يمكن أن نلمحه من خلال ثورات المجتمعات العربية التي قامت في مجملها حاملة شعارات الحرية والديمقراطية والحقوق المدنية وكلها مطالب تعرفت عليها من خلال الفضاء الافتراضي المتمثل في شبكة الانترنت (إضافة إلى ما حملته الفضائيات)، فالانترنت سمح لمواطن مجتمعات العالم الثالث بالإطلاع على حياة الآخر وفتح مداركه على معايير المجتمعات الديمقراطية (على الأقل كما يبدو) بل سمح له بممارسة هذه المعايير ، فوجد لنفسه مكانا يشعر فيه بالاستقلالية والحرية والمشاركة في صنع القرار ، فضاء أصبح يشكل ضمنه طرفا في بناء المعلومة ، وإدمانه هذا الفضاء وانبهاره به أدى إلى تنمية الرغبة بداخله لإحياء هذا العالم وتحويله إلى حقيقة يعيشها فعلا .
إن منتجات مجتمع المعلومات التي تصل إلى المواطن العربي من هناك ويستهلكها جعلته يتبنى حلم الديمقراطية ويطمح أكثر كي يعيش كما تعيش الأرقام داخل حاسوبه ، فبدأت الثورة من هذا المكان (جهاز حاسوب ---فضاء افتراضي ) أين أطلقت الصرخات الأولى المنادية بضرورة الحصول على مزيد من الحريات والحقوق وضرورة رسم الواقع بنفس الخطوط التي ترسم فضاء الانترنت بحيث يشارك الجميع في بناء الفضاء الاجتماعي والسياسي بنفس درجة المشاركة في بناء الفضاء المعلوماتي ، فيبني الجميع لنفسه مركزا اجتماعيا والجميع يقرر ماذا يريد والجميع يعبر عن رأيه والطموح إلى نقل التجمعات الالكترونية إلى الواقع مما يشكل مجتمعا مدنيا فاعلا، اشتداد رغبة في إقامة هذه الحياة جعل الثورة تزحف إلى الواقع حاملة طموحات تتعدى تغيير الأنظمة الحاكمة إلى تغيير مبدأ الحياة ونمطها كليا ، ولما لا جعلها صورة طبق الأصل عن الحياة الافتراضية وبالتالي القيام بعملية عكسية تحول المجتمع الالكتروني إلى مجتمع واقعي .
لقد نجح الغرب في مرحلة ما في نقل الحياة الواقعية إلى الفضاء الالكتروني وجعله ترجمة لها قبل أن يتحول إلى صورة عن حياة يطمحون في عيشها وهي نفس الحياة التي جعلت العرب يطمحون بدورهم في نقلها إلى الواقع فصحيح أنهم خلال ثوراتهم حملوا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" لكنهم في حقيقة مغيبة يريدون حمل شعار "الشعب يريد إسقاط الواقع" ، فهل سينجحون في ذلك ؟
هل سيسقطون واقعهم لينصبوا محله واقعا آخر وجدوه في عالم افتراضي؟؟
إن زيادة الاعتماد على التكنولوجيا وتطبيقاتها فرض العديد من التحديات أمام المجتمعات التي أدركت أن زمن الموارد الطبيعية قد ولى والرهان أصبح قائما على الموارد المعرفية فأصبحت المعلومة راس المال الذي يجر قاطرة التنمية والتقدم والتطور الشيء الذي يحتم إعطاء الأهمية القصوى لقطاع التعليم بكافة مستوياته (الأساسي والعالي ) وتشجيع البحث والتطوير العلمي وإقامة الشراكات ما بين القطاع العلمي والقطاعات الاقتصادية (القطاع الصناعي ،التجاري، الزراعي ..) بما يسمح باستغلال المعلومات استغلالا امثلا يدفع إلى زيادة الاعتماد على تقانة المعلومات كمصدر للعمل والثروة والبنية التحتية وهي الخطوة التي تقود إلى التحول نحو اقتصاد المعلومات ، هذه التحولات سمحت بتحسين شروط الحياة وتوسيع استخدام التكنولوجيا وانتشارها مجتمعيا على نطاق واسع فاستغلت لممارسة العديد من النشاطات ودفعت الأفراد إلى اكتساب الوعي الكامل بأهمية المعلومات في تسيير الحياة واتخاذ القرارات والمشاركة في صنع القرار السياسي وإثارة النقاشات حول القضايا الحساسة ما جعل البناء الاجتماعي متعدد المراكز ولا يدور حول مركز واحد . إدراك المجتمعات الغربية لهذه المعطيات جعلها تنجح في تحقيق خطوة إلى الأمام –يلزمنا نحن مجتمعات العالم الثالث آلاف السنين حتى نحقق ما حققته هي – تجاوزت بها عصر المجتمع التقليدي إلى المجتمع الالكتروني الذي يقوم أساسا على التكنولوجيات الجديدة .
الواقع الذي باتت تعيشه المجتمعات المعلوماتية جعلها تنقل واقعها المحسوس إلى الفضاء الافتراضي فمستخدمي المجال الافتراضي من المواطنين الغربيين أو مواطني مجتمع المعلومات أقاموا في هذا المجال مجتمعا وان كان افتراضيا إلا انه يعكس ملامح مجتمعاتهم الواقعية ما يقودنا إلى اعتبار أن الممارسة الافتراضية ما هي إلا ترجمة للممارسة الواقعية في صفتها الكلية فالفضاء الالكتروني اليوم يجعلنا نعيش داخله وفق مبادئ المجتمع الغربي القائم على الديمقراطية والحرية في صورة التدفق الحر والمتكافئ للمعلومات والمشاركة في بنائها ونقلها وتوزيعها والمساحة الكبيرة المتوفرة للتعبير عن الآراء والدفاع عنها .
المتأمل للمجتمع الافتراضي سوف لن يرى سوى مجتمعا مدنيا في صيغة الكترونية ، ورغم أن الاتفاق على معنى ثابت للمجتمع المدني لازال جدليا إلا أن مفهومه الشائع هو انه المجتمع أو المجال الذي تحكمه الجمعيات والنوادي والاتحادات ويقوم أساسا على سلطة الشعب لذا يعتبر البديل عن المجتمع السياسي الذي تحكمه سلطة الدولة ، فالمجتمع المدني يستمد قوته من إرادة الشعب ويطبع بمبادئ الديمقراطية والحرية الشخصية والمسؤولية والاهم من ذلك مبدأ الاختيار أو الطوعية الذي يمكن الفرد من الانتماء إلى الجماعة التي تلائم حاجاته ورغباته .
إن صورة المجتمع المدني نقلت من الواقع المحسوس إلى الواقع الالكتروني وفرضت منطقها عليه فهذا الأخير تحكمه التجمعات التي يشكلها أفراد يؤمنون بنفس القيم ويحملون نفس الآراء والأفكار على اختلافها إن كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو خيرية أو غيرها والتي اتخذت من الفضاء الافتراضي مجالا لممارسة نشاطاتها والعمل على تعزيز اتجاهاتها وتقويتها فمجتمع الانترنت بات يسير وفق مبدأ الديمقراطية القائم بدوره أساسا على المعلومات التي كانت حكرا على الحكومات وأصحاب القرار أما اليوم فهي في متناول الجميع وبإمكان أي شخص مهما كان موقعه من الهرم المجتمعي الإطلاع عليها واستغلالها الأمر الذي دفع إلى تعميق مفهوم المشاركة في اتخاذ القرار وعمق أكثر معنى الثقافة السياسية كما فتح المجال لإثارة النقاشات المدنية حول مختلف القضايا التي تهم الإنسان.
إن الخصائص التي تميز العالم الافتراضي كعالم تقل فيه الرقابة القانونية والسياسية بالدرجة الأولى سمح بنمو التجمعات وأضفى حركية وحيوية اكبر على حياة الفرد كما سمح بتطبيق واسع للديمقراطية –المعلوماتية – والحرية وكان داعما لحركية المجتمع المدني الواقعي وان كان قد قضى من ناحية ما على أسس الانتماء المجتمعي ، فقد ألغى ما يعرف بالانتماء القهري الذي تفرضه الرابطة الأسرية أو العائلية أو القبلية أو حتى الجغرافية وعزز الانتماءات الطوعية القائمة على أساس فكري.
قد يبدو للمتأمل لملامح المجتمع الالكتروني المرسوم داخل شبكة الانترنت انه تطبيق للعالم الحقيقي إلا أن الاختلاف بينهما يكمن في القوانين المنظمة لكل منهما فمجتمع الانترنت لازال يطرح قضايا الملكية الفكرية والقرصنة والاحتيال ومشاكل التجارة الالكترونية وغيرها من المجالات التي تحتاج إلى تقنين وتنظيم يضمن حقوق الأشخاص بالرغم من صعوبة تطبيق القانون على مجتمع افتراضي .
العلاقة بين العالم الحقيقي والافتراضي لا تتوقف عند تأثير الأول على الثاني بل أصبح الحديث والتركيز اليوم أكثر حول تأثير العالم الافتراضي على الواقعي ، فإذا كان المجال الالكتروني في المرحلة الأولى مجرد تطبيق لحياة الفرد الواقعية فان ذلك سرعان ما بدا يتغير وبدأت ترتسم تأثيرات الحياة الالكترونية أو لنقل الآلة على النسق الحياتي للفرد فإلى جانب أن الفضاء الافتراضي عزز الممارسات المرتبطة بالديمقراطية والحريات العامة على ارض الواقع وجعلها أكثر قوة إلا انه من جانب آخر اثر على العلاقات الإنسانية التي باتت افتراضية أكثر منها واقعية فصحيح أن التكنولوجيا قلصت البعدين المكاني والزماني –أو يمكن القول أنها قضت عليهما – إلا أنها عمقت البعد الإنساني والاجتماعي ، كما أن التدفق الحر للمعلومات وسع الآفاق المعرفية للفرد وسمح له بالإطلاع على الغير بل ابعد من ذلك جعله يتعرف على ثقافات جديدة تبناها كبديل عن ثقافته الأصلية –خاصة الثقافة الأمريكية – فتشكلت نتيجة لذلك ثقافة عالمية موحدة راحت تهدد الثقافات المحلية وجعلت الفرد يعيش انسلاخا تاما عن مجتمعه الحقيقي ، ناهيك عن ما سمح به الفضاء الافتراضي من انتشار للجريمة والعنف والاحتيال والإدمان والانحلال الخلقي والتأزم القيمي وأزمات الهوية والانتماء.كما قد يتعدى هذا التأثير –أي تأثير الواقع الافتراضي – إلى تغيير ملامح الحياة الواقعية كليا فتتحول المعادلة من محاولة عيش الحياة الواقعية في إطار الكتروني افتراضي إلى محاولة نقل الحياة الافتراضية إلى الواقع وهو ما يمكن أن نلمحه من خلال ثورات المجتمعات العربية التي قامت في مجملها حاملة شعارات الحرية والديمقراطية والحقوق المدنية وكلها مطالب تعرفت عليها من خلال الفضاء الافتراضي المتمثل في شبكة الانترنت (إضافة إلى ما حملته الفضائيات)، فالانترنت سمح لمواطن مجتمعات العالم الثالث بالإطلاع على حياة الآخر وفتح مداركه على معايير المجتمعات الديمقراطية (على الأقل كما يبدو) بل سمح له بممارسة هذه المعايير ، فوجد لنفسه مكانا يشعر فيه بالاستقلالية والحرية والمشاركة في صنع القرار ، فضاء أصبح يشكل ضمنه طرفا في بناء المعلومة ، وإدمانه هذا الفضاء وانبهاره به أدى إلى تنمية الرغبة بداخله لإحياء هذا العالم وتحويله إلى حقيقة يعيشها فعلا .
إن منتجات مجتمع المعلومات التي تصل إلى المواطن العربي من هناك ويستهلكها جعلته يتبنى حلم الديمقراطية ويطمح أكثر كي يعيش كما تعيش الأرقام داخل حاسوبه ، فبدأت الثورة من هذا المكان (جهاز حاسوب ---فضاء افتراضي ) أين أطلقت الصرخات الأولى المنادية بضرورة الحصول على مزيد من الحريات والحقوق وضرورة رسم الواقع بنفس الخطوط التي ترسم فضاء الانترنت بحيث يشارك الجميع في بناء الفضاء الاجتماعي والسياسي بنفس درجة المشاركة في بناء الفضاء المعلوماتي ، فيبني الجميع لنفسه مركزا اجتماعيا والجميع يقرر ماذا يريد والجميع يعبر عن رأيه والطموح إلى نقل التجمعات الالكترونية إلى الواقع مما يشكل مجتمعا مدنيا فاعلا، اشتداد رغبة في إقامة هذه الحياة جعل الثورة تزحف إلى الواقع حاملة طموحات تتعدى تغيير الأنظمة الحاكمة إلى تغيير مبدأ الحياة ونمطها كليا ، ولما لا جعلها صورة طبق الأصل عن الحياة الافتراضية وبالتالي القيام بعملية عكسية تحول المجتمع الالكتروني إلى مجتمع واقعي .
لقد نجح الغرب في مرحلة ما في نقل الحياة الواقعية إلى الفضاء الالكتروني وجعله ترجمة لها قبل أن يتحول إلى صورة عن حياة يطمحون في عيشها وهي نفس الحياة التي جعلت العرب يطمحون بدورهم في نقلها إلى الواقع فصحيح أنهم خلال ثوراتهم حملوا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" لكنهم في حقيقة مغيبة يريدون حمل شعار "الشعب يريد إسقاط الواقع" ، فهل سينجحون في ذلك ؟
هل سيسقطون واقعهم لينصبوا محله واقعا آخر وجدوه في عالم افتراضي؟؟
نشر في مجلة أصوات الشمال بتاريخ : الخميس 23 جمادى الثاني 1432هـ الموافق لـ : 2011-05-26
موضوع رائع بحق ويستحق النشر على أبعد نطاق،دمت موفقة ومتألقة في سماء الكتابة تملكين نا صيتها وتشدين زمامها . تحياتي
ردحذف