العبادة في رمضان
يقوم الإنسان المسلم بالعبادات المختلفة امتثالاً لأمر الله، فهو يعبد الله لا يعبد شهر رمضان، فيسأل الله أن يوفقه في استغلال هذا الشهر الكريم لما فيه من مضاعفة الأجر، فقد كان السلف الصالح بعد انتهاء شهر رمضان بست أشهر يدعون الله ان يتقبل منهم الطاعة، وما تبقى من العام يسألون الله أن يبلغهم رمضان القادم، يقول الله عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة:27]. علامات قبول العمل في رمضان
هناك بشارة للمؤمنين بقبول عبادتهم، فمن علامة قبول الطاعة: التوفيق للطاعة والبعد عن المعصية يوفق العبد للطاعات بعد رمضان، فالحسنة تتبعها الحسنة وتقول: أختي أختي، فهذا فضلٌ من عند الله سبحانه أن يفتح باب الحسنات ليستمر العمل والقبول، ويتقرب العبد من الله سبحانه أكثر، فالطاعة كالشجرة بحاجة لكثرة سقايتها والاهتمام بها، لتنمو وتكبر وتستمرّ بالعيش.
يُقلع عن الذنوب ويتوب توبةً نصوحة بعدم رجوعه لفعل المعصية، وأن يقلع بقلبه، وعقله، ولسانه عن الذنب، ويستغفر الله سبحانه وتعالى، ويُحسن الظنّ بالله بالقبول والتوفيق.
يداوم على العمل الصالح، فمن تعرّض لعذر من مرض أو نوم أو سفر، فإنّ له أجر الطاعة كأنه يقوم بها، وذلك إذا كان معتاداً على القيام بها، وحصل ما يمنعه من عملها فيأخذ أجرها، قال صلى الله عليه وسلم :( ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه). أخرجه النسائي. الخوف ورجاء القبول يخشى العابد لله تعالى في أن تُردّ طاعته ويلجأ إلى الله تعالى متضرعاً ومتذلّلاً، ووجلاً من عدم القبول، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)[عارضة الأحوذي].
يُقلل العبد من قيمة عمله ويستصغره، ولا يغترّ ويَمنّ على الله بفعله وعمله، حتى لا يذهب عمله هباءً منثوراً، فالمخلصون لا يرون أعمالهم ذا الشيء المهم، ولا يعجبون بها، فيستمرّون بالطاعات والأعمال الصالحة ويتذكّرون دائماً أنّ نعم الله كثيرة في البصر، والجسد، والرزق فيشكرون الله تعالى ويُقبلون على الطاعات ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ*وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ) [المدثر:1ـ6]، فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: (لا تمنن بعملك على ربك تستكثره).
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنّما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله).
يرجو الله تعالى بجانب الخوف منه، فهو يجعل العبد متواضعاً وخاشعاً، فالخوف والرجاء متلازمين، فبدون الخوف يأمن العبد مكر الله تعالى، وبدون الراء يقنط العبد وييأس، وهذه أمور ليست من العقيدة والعبادة ، وإذا تحقّق الرجاء فإن العبد يتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ليقبل الله عمله، وهذا ما فعله النبي إبراهيم -خليل الرحمن- وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام، في قوله تعالى:" وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم"(سورة البقرة، الآية127 ).
يُصبح العابد كثير الاستغفار بعد العبادات والطاعات، فيصبح العبد ساعياً لأن تكتمل عبادته وطاعته على أكمل وجه، ومع ذلك نجده يستغفر من التقصير والنقص في العبادة، حيث كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود: (سُبحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمدِكَ، اللَّهُمَّ اغفِر لي)[صحيح البخاري].
حب الصلاح والصالحين يحبّ العابد الطاعات ويكره المعصية، ويشعر العبد بالاستئناس للعبادة، ويدعو الله أن يبتعد المعصية ولا يعود لفعلها، فهذه من علامات قبول الطاعة، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد:28] يُحبّب الله تعالى إلى العبد قرب الصالحين ومن هم أهل الطاعات، ويُزيل من قلبه حب العاصين، المُفسدين في الأرض، فعن الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أوثقَ عرَى الإيمانِ أن تحبَّ في اللهِ وتُبغِضَ في اللهِ)[صحيح الترغيب].
فمقياس الأعمال والأفعال في حياتنا يكون وفق قاعدة الأحكام الشرعية التي وضعها الله تعالى لنا، فكل أمور حياتنا تدور في فلك أوامر الله تعالى ونواهيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق