يُعتَبر الرِّزق من أكثر المواضيع الحسّاسة في حياة النّاس كافّةً، وقد خلق الله الإنسان وهيّأ له من الأسباب ما يضمن بقاءه على هذه البسيطة، ولأجل ذلك سخَّرَ الله سبحانه الأرضَ وما عَليها من دواب وأنعام وجماد للإنسان وهيء له كل السبل والطرق التي تساعده على استغلال الأرض واستخراج ما فيها من الخيرات؛ فأنزَلَ الله سبحانه الأمطارَ، وأنبتَ له الأشجارَ، وساق له رزقه المكتوب له أينما كان.
لا يرتبط الرزق بالمال فحسب؛ بل يرتبط بكافة مناحي الحياة التي يحتاجها الإنسان؛ فمثلاً الصِّحة رزق، والأبناء رزق، والصُّحبة الصالحة رزق، والزوجة الصالحة رزقٌ لزوجها، وكذلك الزوج الصالح رزقٌ لزوجته، والوالدان رزق، والإيمان رزق، والعمل الصالح الذي يعمله العبد رزق، إلى غير ذلك من الأمور.
من أهمّ ما يجب على المؤمن أن يعتقده ليَصدُق ويَقوى إيمانه أن يثق ويعتقد أنّ الله هو الرزَّاق، وهو الذي خَلَقَ الخَلْقَ وتولَّى أرزاقهم، فقد قال الله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ)، وقد حثّ الله سبحانه عباده على السعي لطلب الرزق، فقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، وهذه دعوة صريحة للسَّعي إلى الرِّزق، فلا بُدَّ للإنسان أن يسعى حتى يأخذ من رِزق الله الذي قدّره له.
معنى الرزق
يُعرّف الرِّزقُ بأنه كلُّ ما يُنتَفَعُ بهِ من مالٍ أو زَرعٍ أو غيرِهما، وهو ما يتهيّأ للعبدِ من اللهِ -عزّ وجلّ- بلا سَعيٍ منه ولا نيَّةِ لتحصيله، فليس الرزق، كما يظنُّ النَّاس، بأنَّهُ ما يأتي للمسلم بطريق العمل أو الاستثمار أو نحو ذلك، بل هو ما يَقسِمُ الله تَعالى لعباده من الطَعام والشَراب واللباس، وكُلُّ ما يمكن له الانتفاع به واستهلاكه.
الرزق في القرآن الكريم والسنة النبوية
في القرآن الكريم ورد ذكر الرزق في نصوص القرآن الكريم في العديد من الآيات التي تدل على أسباب تحصيل الرزق، ومن هذه الآيات ما يأتي: قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ*أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ*أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ*أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)؛ تدلّ الآية الكريمة على أنّه من أسباب تحصيل الرزق والبركة فيه (سواء للفرد أو الجماعة) هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيده، والإيمان بالرسل عليهم الصّلاة والسّلام، وسبب منع الرزق هو كفرهم بالله وإشراكهم في عبادته، وارتكابهم للمعاصي. قول الله سبحانه وتعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)، تدل الآية الكريمة على أنّ من أسباب الحصول على الرزق كثرة الاستغفار.
قول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، تدل الآية الكريمة على أنّ الله سبحانه هو الذي يُقدّر الرزق لعباده، فيُعطي من يشاء ويمنعه عمّن يشاء من باب الابتلاء والامتحان، وفي الآية دعوة إلى إنفاق العبد في سبيل الله، وأنّ الصدقة لا تُنقص من المال شيئاً، بل هي من أسباب البركة في الرزق.
قول الله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، تدل الآية الكريمة على أنّ كلّ من يتّق الله تعالى ويخافه فلا يعصيه، وكل من يتوكّل عليه في أموره فإنّه يجعل له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل كرب أصابه فرجاً، ويرزقه من حيث لا يرجو.
قول الله سبحانه وتعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
من أسباب الحصول على الرزق، سواء في المال أو الأولاد
كثرة الاستغفار.
[٦] في السنة النبوية هنالك الكثير من الأحاديث النبويّة التي وردت في ذكر طرق تحصيل الرزق، وأساليب الحصول عليه، وأسباب منعه، ومن تلك الأحاديث ما يأتي: قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد وَكَّلَ بالرَّحمِ ملَكًا، فيقولُ: أي ربِّ، نُطفةٌ، أي ربِّ، علقةٌ، أي ربِّ، مضغةٌ، فإذا أرادَ اللَّهُ أن يقضيَ خلقًا، قالَ: قال الملكُ: أي ربِّ ذَكَرٌ أم أنثى ؟ شقيٌّ أم سعيدٌ ؟ فما الرِّزقُ ؟ فما الأجلُ ؟ فيُكْتبُ كذلِكَ في بَطنِ أمِّهِ):فالله سبحانه يكتب للعباد أرزاقهم وهم في بطون أمهاتهم، والعبد قبل أن يولد يُكتب رزقه وأجله، وهل هو ذكرٌ أم أنثى، وهل هو شقيّ أو سعيد. ما رواه علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم: (اجتمع عليُّ بنُ أبي طالبٍ وأبو بكرٍ وعمرُ وأبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ فتمارَوْا في أشياءَ، فقال لهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ: انطلِقوا بنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نسألُه، فلمَّا وقفوا على النَّبيِّ عليه السَّلامُ قالوا: يا رسولَ اللهِ جِئنا نسألُك، قال: إن شئتم سألتموني وإن شئتم أخبرتُكم بما جئتم له، قالوا أخبِرْنا يا رسولَ اللهِ، قال: جئتم تسألوني عن الصَّنيعةِ لمن تكونُ؟ ولا ينبغي أن تكونَ الصَّنيعةُ إلَّا لذي حسَبٍ أو دِينٍ، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ يجلِبُه اللهُ على العبدِ، اللهُ يجلبُه عليه فاستنزِلوه بالصَّدقةِ، وجئتم تسألوني عن جهادِ الضَّعيفِ، وجهادُ الضَّعيفِ الحجُّ والعمرةُ، وجئتم تسألوني عن جهادِ المرأةِ، وجهادُ المرأةِ حُسنُ التَّبعُّلِ لزوجِها، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ من أين يأتي وكيف يأتي، أبَى اللهُ أن يرزُقَ عبدَه المؤمنَ إلَّا من حيث لا يحتسِبُ)؛
فالصدقة تُعتبرمن أوسع أبواب استجلاب الرزق وحصول البركة فيه، والله سبحانه وتعالى يرزق عبده المُؤمن من حيث لا يحتسب. الأسباب الجالبة للبركة في الرزق
يوجد العديد من الأسباب الجالبة للبركة في الرزق منها:
تقوى الله عزّ وجلّ، ومخافته، واتّباع ما جاء به رسول الله عليه الصّلاة والسّلام من أوامر واجتناب للنواهي.
التوكّل على الله سبحانه وتعالى مع الأخذ بالاسباب؛ فاعتماد القلب على الله، واليقين بالله مع سعي العبد في طلب رزقه من الأسباب الجالبة للرزق.
التسمية وذكر الله تعالى، واللجوء إليه بالدعاء والتوبة والاستغفار. شكر الله تعالى وحمده على ما أنعم به على العبد من النعم صغيرةً أو كبيرةً، قليلةً أو كثيرةً.
رائع
ردحذف