مما
امتاز به دين الإسلام إعطاء كل ذي حقه، والاعتراف للآخرين بما هم عليه من خير،
وعدم بخس الناس أشياءهم، فالحق حق والباطل باطل، والحكم على الناس إنما يكون بحسب
الظاهر من أعمالهم، والله وحده هو الذي يتولى السرائر.
ومن الآيات
التي تبين هذا المبدأ الإسلامي قوله تعالى: {ليسوا سواء من
أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} (آل عمران:113)، فقد جاءت
هذه الآية في سياق الحديث عن أهل الكتاب، وبيان أن أهل الكتاب: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} (آل عمران:110). ووقفتنا
الرئيسة في هذه السطور عند قوله سبحانه: {ليسوا سواء}.
ذكر المفسرون
قولين في المراد من قوله سبحانه: {ليسوا سواء}:
الأول: أن أهل الكتاب ليسوا سواء في موقفهم من الإسلام، فبعضهم مؤمن به، مستسلم لما
جاء به، وبعضهم معرض عنه، رافض لما جاء به، وقد روي عن ابن
عباس رضي الله عنه قوله: لما أسلم عبد الله بن
سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن
عبيد، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا، وصدقوا، ورغبوا في الإسلام، ورسخوا
فيه، قالت: أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد،
ولا تبعه إلا أشرارنا! ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره،
فأنزل الله {ليسوا سواء}.
وروي عن قتادة، قال: {ليسوا سواء}: ليس كل القوم هلكى، قد كان لله فيهم بقية.
وأكثر
المفسرين على هذا القول في المراد من الآية، وأن المراد أن أهل الكتاب ليسوا كلهم
على حد سواء، بل منهم المؤمن ومنهم الفاسق. وبحسب هذا القول تكون الآية تقريراً
لما تقدم من قوله سبحانه: {منهم المؤمنون
وأكثرهم الفاسقون}.
وقد رجح الطبري هذا القول في المراد من الآية، ورأى أن القصة
تمت عند قوله: {ليسوا سواء}، وأن ما بعده كلام مستأنف جديد،
يخبر فيه سبحانه عن أمر مؤمني أهل الكتاب وأهل الكفر منهم، وأن قوله: {من أهل الكتاب أمة قائمة}، مَدْحٌ لمؤمني أهل الكتاب، ووَصْفٌ لهم بصفتهم.
ومال ابن كثير إلى هذا القول في المراد من الآية، وقال:
هذه الصفات توجد في اليهود، ولكن قليلاً، كما وُجِدَ في عبد
الله بن سلام، وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود، ولم يبلغوا عشرة أنفس،
وأما النصارى فكثير منهم مهتدون، وينقادون للحق.
الثاني: أن المسلمين وأهل الكتاب ليسوا سواء. وقد روي عن ابن
مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول في قوله: {ليسوا سواء}، قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وبحسب هذا القول، يكون قوله
تعالى: {ليسوا سواء} كلاماً غير تام، ولا يجوز الوقف عنده، بل هو متعلق بما بعده، والتقدير:
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة محمودة، وأمة مذمومة.
وقد مال إلى
هذا القول من المفسرين الإمام القرطبي، فقال:
المعنى: ليس أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله
عليه وسلم سواء. وروى خبر ابن مسعود رضي الله
المتقدم في معنى الآية.
واعتبر أبو حيان أن هذا القول هو خلاف ظاهر الآية؛ وذلك أن
سياق الآية إنما هو في أهل الكتاب، وبالتالي فلا داعي لإقحام المؤمنين هنا، وقد
أيد الشيخ رشيد رضا هذا المنحى.
والمهم هنا
الانتباه إلى المبدأ الذي قررته الآية الكريمة، وهو مبدأ: {ليسوا سواء}، فهذا المبدأ ينبغي أن يكون هو
عنوان التعامل الفكري والفعلي مع غير المسلمين، ينطلق من قاعدة {ليسوا سواء}، سواء كانوا أحزاباً وجماعات، أو فرقاً وطوائف، أو مذاهب وتيارات؟
فالناس مختلفون في العقليات والأفهام والطبائع والأمزجة، ومستوياتهم متباينة، ومن ثم
فإن كل إنسان مسؤول عن نفسه، كما قال تعالى: {ألا تزر وازرة
وزر أخرى} (النجم:38)، وبالتالي، فلا ينبغي
التسوية بين الجميع. ولا يليق الحكم على الجميع بذات الحكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق