الأخلاق من أهمِّ اللّغات التي تُمكّنُ الإنسانَ من إتقانِ التَّواصلِ وتبادلِ النّشاطاتِ الحياتيّة القائمةِ على التّعايُش البشريّ ومبادلةِ المُعاملاتِ اللفظيّةِ والسُّلوكيّة، وتُعرفُ الأخلاقُ بأنَّها المبادئُ والقواعدُ المُنظِّمةُ للسُّلوكِ الإنسانيّ، وهيَ من أنظِمةِ العملِ الخيريَّةِ المُؤطِّرةِ للتّعامُلاتِ البينيّةِ المُجتمعيّةِ.
الأخلاقُ لغةً
"الأخلاقُ جَمعُ خُلقٍ، والخُلُق-بِضَمِّ اللَّامِ وسُكُونِها- هُو الدِّينُ والطَّبعُ والسَّجيَّةُ والمُروءَة"،والأخلاقُ في مَعْجم المَعاني جمعُ خُلُق: حالٌ للنفْس رَاسِخَةٌ تَصدُرُ عنها الأفْعالُ من خَيرٍ أو شرٍّ مِن غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويَّةٍ، وهي مجموعةُ الصِّفاتِ والسُّلوكاتِ البشريَّةِ التي تُوصَفُ بالحُسنِ أو القُبْح.
الأخلاقُ اصطلاحاً
عُرِفت الأخلاقُ بموازينَ عديدةٍ ومعاييرَ مُتنوعةٍ تبعاً للمدارس الفلسفيّةِ والدينيَّة، ويَرى أَرسطو وأفلاطون أنَّ الأخلاقَ تتمثّلُ في قدرة الفرد على التّمييز بينَ الخيرِ والشَّر، وأنَّها الفضيلة التي يَتغلَّبُ فيها الجانِبُ الإلهيُّ من الفَردِ على الجانِبِ الشّهوانيّ، بينَما يَرى الرواقيِّون (مَذهبٌ فَلسفيٌّ يُغلِّبُ الفِكْرَ الشَرقيّ) أنَّ الأخْلاقَ هيَ ضَبطُ الشَّهَواتِ بالعَقلِ ومُمارسَةُ الفَضائِل.
أمَّا مِن المَنظور الإسلاميِّ فَتُعرَفُ الأخلاقُ بأَنَّها مَجموعَةُ المبادئِ والقَواعِدِ التي يُحدِّدُها الوحيُ لِتنظيمِ حياةِ النّاسِ وسُلوكاتِهم على نحوٍ يُحقِّقُ الغايَةَ من وُجودِهم،" ويُعرِّفُها الجَرجانيّ بأنَّها: الطِّباعُ والسُّلوكاتُ العفويَّةُ التي تَصدُر عن الإنسانِ مِن غيرِ إرجاعِها للعَقلِ والتَّدبُّرِ والمُراقَبةِ، وتعتَمدُ على ما يَرسخُ في النَّفْسِ مِن حُسْنٍ وقُبْحٍ، ويَنْعَكِسُ عَنها مِن غَيْر فِكرٍ ورَويَّة.
أخلاق المسلم
يُعتَبَرُ الدِّينُ الإسلاميّ من أبرزَ مَصادِر الأخلاقِ والفَضائِل، وهوَ دِينٌ ثابِتٌ وبِثَباتِهِ تَثبُتُ كُلُّ القِيَمِ النّّابِعَةِ مِنْه، وتَتَّسِمُ الأخلاقُ الإسلاميّة بِسِماتٍ فريدةٍ تتمثَّلُ بالخُلودِ، والصِّدقِ، والصِّحةِ، والشُّمولِ، والتَّكامُلِ، والتَّوافُقِ العَقليّ والفِطْريِّ؛ نظراً لِتفرُّدِ مَصدَرِها بالوَحيِ وَتَشريفِها بآياتِ القُرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ، وأخلاقُ المُسلِمِ مَبنيَّةٌ بِبناءٍ قَويمٍ يَتَناسَبُ مَع ظُروفِ الزَّمانِ والمَكانِ، ويَتلاءَمُ مَع تَكوينِ الفَرْدِ والمُجتَمعِ، ويَسْتوعِبُ حياةَ الإنسانِ من جَميعِ جوانِبِها.
" ونِظامُ الأخلاقِ في الإسلامِ مُرتبِطٌ بِجَوانبِ الإيمانِ والعبِادةِ والمُعاملات؛ إذْ تَربِطُ الأدلّةُ الشَّرعيَّةُ من القرآنِ والسُّنَّةِ بينَ الإيمانِ وحُسْنِ الخُلُقِ، فَفي الحديثِ الشَّريفِ: (أَكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم أَخلاقاً) تَظهرُ المُفاضلةُ بينَ المؤمنين استناداً لمعيارِ حُسْنِ الخُلُق. وفي قَولِ الرّسول عليهِ الصّلاة والسّلام: (إِنَّما بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاق)
يَبرُزُ الهدفُ الأَسمى والمُشترَك لجميعِ الدِّيانات السماويَّة وجَوهَرُها الذي يتمثَّلُ في تَعزيزِ الأخلاقِ وتَهذيبِها.
" حُسْنُ الخُلُق مُعظَمُ العباداتِ التي يتقرّبُ بها العبدُ إلى ربِّهِ تحتاجُ إلى جهدٍ بدنيٍّ ومُجاهدةٍ نفسيَّةٍ لِتحصِيلِ أجرها وتثبيتِ مُستحقِّها؛ فالصَّلاةُ والصِّيامُ والزَّكاةُ والحجُّ وغيرها عباداتٌ عظيمةٌ تحتاجُ إلى جَلَدٍ عظيمٍ وهِمَّةٍ عاليةٍ لأدائِها والتقرُّبِ بها، بل إنَّ الخَلل البسيطَ في بعضِ أركانِها قَدْ يُبطِلها ويوجِبُ قَضاءَها أو التَّكفيرِ عنها.
أمَّا عبادةُ حُسْنِ الخُلُق فَهيَ آدابٌ وفَضائِلُ فِطريَّةٌ إيمانيَّةٌ تَنعَكِسُ على عاداتِ المَرءِ وسُلوكاتِهِ دُونَ جُهدٍ مَبذولٍ أو تَكلُّفٍ وعَناءْ، فَهِيَ عِبادةٌ صامِتةٌ عَظيمَةُ الأجْرِ ويَرتَقي أَجْرُها لدَرَجاتِ قائِم اللَّيلِ صائِم النَّهارِ كَما وَرَدَ عَن رَسولِ الله صلَّ الله عليهِ وسلَّم، فعَن عائِشَةَ رضيَ الله عنها قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّ الله عليهِ وسَلَّمَ يَقول: (إنَّ المؤمن لَيُدركُ بحُسْن خُلقه درجاتِ قائم اللّيل صائمِ النهار) فعِبادةُ حُسنِ الخُلُق تُزيِّنُ سائِرَالعِباداتِ، وتُكمِّلُها، وتَحتلُّ مساحةً من الأَجرِ مِثلَ غيرِها، وتُفاضِلُ دَرجاتِ الإيمانِ كما جاءَ في الحديثِ (أَكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم أَخلاقاً).
كيفَ تُكْتَسَبُ الأخلاقُ الحَسَنة
سُئِلَ عبدالله بن عباس رَضِيَ الله عنهُ عن حُسنِ الخُلقِ كَيفَ يَكون فأجاب: (حُسنُ الخُلُقِ أمْرٌ هَيِّنٌ وَجهٌ بَشوشٌ وكلامٌ لَيِّن).
مَكارِمُ الأخلاقِ مخزونةٌ عندَ الله يمنَحها لِعبادِه بالفِطرةِ ثمَّ بالتعلُّم، وهي رزقٌ يُسخِّرهُ الله لمن يُحِب من عبادهِ جزاءً لتقرُّبهم ووَصلهم بالطّاعات، وتُكتَسَبُ الأخلاقُ بالتَّفكُر والتَّعقٌّلِ وصُحبَةِ الأخيارِ ابتداءً حتى تُصبحَ سُلوكاتٍ تُمارَسُ دونَ شُعورٍ وقََصد، ومَكارِمُ الأخلاقِ في الإسلامِ كثيرةٌ، منها الصَّبرُ، والكَرَمُ، والإيثارُ، والرِّفقُ، والعَدلُ، والحَياءُ، والشُّكرُ، وحِفظُ اللِّسانِ، والعِفَّة، والوَفاء، والصِّدق. ونَقيضُها صفاتٌ خُلُقيَّةٌ مَذمومةٌ نَهى عنها الرَّسولُ عليه الصّلاة والسّلام، كالغَضَبِ، والغِيبةِ، والنَّميمَةِ، والكَذِبِ، والكلامُ الفاحِشُ وغيرها من الصِّفاتِ التي لا تَقبَلُها الفِطرةُ السَّليمةُ.
أهم الأخلاق التي ينبغي على المسلم التحلّي بها
ينبغي على المُسلِمِ أن يَتمسَّك بالأخلاقِ الإسلاميَّة جميعها دون تفريدٍ أو انتقاء، وأن يتحرَّى التخلُّق بكلِّ الفضائِلِ والخِصالِ الحَسنةِ حتَّى يتطبَّع بها وتُصبِح برمجةً ذاتيَّة في أفعالِه وانعِكاساتِه السُّلوكيَّةِ واللفظيَّة، ومِن أهمِّ الأخلاق التي ينبغي على المُسلِم أن يتحلَّى بها: الأمانة: وهِي من أخلاقِ الرَّسول عليه الصّلاة والسّلام التي عُرِفَ وتميَّزَ بها قبل البعثَةِ لِحُسنِ ما كانَ يتخلَّقُ بها. وتعني حفظُ الحقوقِ وأداؤها لأصحابها، وقد أَثنى الله تَعالى عَليها وذَكَرها في كِتابِه العَظيم وجَعَلها من علاماتِ الإيمانِ ونَقيضُها الخيانةُ من علاماتِ النِّفاق.
الحِلم: وهُو الترَّفع عن مُبادلة النّاسِ الإساءةَ بالإساءَة وإظهارِ الصَّبرِ عليهِم وسِعةَ الصَّدر لأفعالِهم.
وهو خُلُقٌ ربَّانيٌّ نَسَبَهُ الله لنفسِهِ وجعَلهُ من أسمائِه.
العِفَّة: وهيَ الكفُّ عن المُحرَّماتِ واجتنابها والابتعادِ عن مَسالِكها، وترويضُ النَّفسِ عن طلبِها والترغُّبِ فيها، والعفَّةُ من أخلاقِ الأنبياء وعَلاماتِ الصَّالحين، وبِها يتلذّذُ المؤمنُ الحقُّ ويستَشعِرُ حَلاوةَ إيمانِهِ وعِفَّته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق