قال الإمام الشافعي رحمه الله: الحر من راعى وِدَاد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة.
ومراده: أن مراعاة هذه الصفات مما ينال به المرء المنازل الشريفة والمراتب العالية والذكر الحميد بين الناس؛ لما اشتملت عليه من الوفاء والعدل والإنصاف والتواضع.
إن محافظة الشخص على العلاقات الطيبة واحترامه للذكريات الحسنة بينه وبين من يلتقي بهم ويخالطهم من مكارم الأخلاق ومحاسن الخلال، وإذا ما كان الشخص الذي التقيت به وعاشرته قد قام بينك وبينه مقتضيات الود كأن يكون والداً أو ذا رحم أو زوجاً أو جاراً أو صديقاً أو زميلاً فإن يكتسب بذلك مزيد منزلة في الحب والود والوفاء، كلٌّ بحسب منزلته.
جاء في الأثر:
عليك بصاحبك الأقدم فإنك تجده على مودة واحدة وإن قدم العهد وبعدت البلاد.
كان محمد بن واسع رحمه الله يقول: لا يبلغ العبد مقام الإحسان حتى يحسن إلى كل من صحبه ولو لساعة، وكان إذا باع شاة يوصي بها المشتري ويقول: قد كان لها معنا صحبة!.
ويأتي تطبيق حفظ الود بيناً بين الزوجين لأن الله جعل هذا الود بينهما من آياته العظيمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
فمهما بلغ الزوجان في الخصومة والافتراق فإن الله يذكِّرهما بساعات ودِّهما ولحظات صفائهما، وبخاصة الرجل الذي قد يطأ تلك المشاعر ويتناساها فيتوجه إليه العتاب فيما يتعلق بالمهر: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]
فتتضاءل حينئذ الماديات... فهي صغيرة وإن كانت بالقناطير.. إذا وضعت إزاء الماضي الأثير وذكريات العشرة.. في لحظة الفراق الأسيف!
وحتى نعتبر: تقول أمنا عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكر خديجة وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة.
وقالت أيضاً: جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عجوز، فقال: "من أنت"؟ قالت: جَثَّامة المزنية.
قال: «بل أنت حَسَّانة المزنية، كيف حالكم؟ كيف كنتم بعد ذا»؟ قالت: بخير. فلما خرجت قلت: تُقْبِلُ هذا الإقبال على هذه؟! قال: «إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» قال المناوي: رواه الحاكم وقال: على شرطهما ولا علة له وأقره الذهبي. قال النووي: في هذا دلالة على حسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حياً وميتاً، وإكرام معارف ذلك الصاحب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق