السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2017-03-24

إن الحياة الحقيقية حياة الآخرة


الحمد لله ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2] وجعل للوصول إليه طرائق واضحة وسبلاً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها عالي الجنان نزلا وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله أقوم الخلق دينا وأهداهم سبلا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً.
 لقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً حتى أوجدكم الله من العدم وأسبغ عليكم النعم ودفع عنكم النقم ويسر لكم من أسباب البقاء وأسباب الهداية وبين لكم ما ينفعكم وما يضركم بين لكم أن للإنسان دارين دار ممر وزوال ودار مقر وخلود أما الدار التي هي دار ممر وزوال فهي دار الدنيا التي كل ما فيها فهو ناقص إلا ما كان مقرباً إلى الله تعالى آمالها آلام وصفوها أكدار لو تبصر العاقل فيها أقل تبصر لعرف قدرها وهوانها وعرف كيف غدرها وخداعها تتراءى لعاشقيها كالسراب يحسبه الظمأن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً وتتزين لهم بأنواع الزخارف والمغريات حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمر الله ليلاً أو نهاراً فجعلها حصيداً كأن لم تغن بالأمس فمآلها عدم وفناء وجمالها عذاب وشقاء هذه هي الدنيا: ﴿ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد:20].
 أما الدار الآخرة فهي الحياة الحقيقية التي فيها جميع مقومات الحياة من البقاء والسرور والسلام والحبور هي الحياة الحقيقية التي ينطق الإنسان إذا شاهد حقائقها يقول يا ليتني قدمت لحياتي فالحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة التي يحيا الناس فيها فلا يموتون: ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ [المؤمنون:101-103] أيها الناس اتقوا الله تعالى وانظروا نظر العاقل البصير المرمن، قارنوا بين الحياة الدنيا وحياة الآخرة لتعرفوا الفرق بين الدارين ففي الدار الآخرة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهي دار السلام سالمة من كل نقص ومن كل بلاء لا مرض فيها ولا موت ولا بؤس ولا هرم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) وهذا كلام الصادق المصدوق إن موضع العصا في الجنة خير من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها بكل ما فيها من نعيم وترف إذا كان هذا خيراً من الدنيا كلها فكيف بما أدركت منها من الزمن القليل وإذا كان موضع السوط خيراً من الدنيا كلها فكيف بمنازل أدنى منزلة فيها مسيرة ألفي عام يرى أقصاها كما يرى أدناها.
 إن من العجب أن يؤثر أقوام الحياة الدنيا على الآخرة والآخرة خير وأبقى يؤثرونها على الآخرة فيعملون لها ويدعون عمل الآخرة يحرصون على تحصيل الدنيا وإن فوتوا ما أوجب الله عليهم ينغمسون في شهواتهم وسهواتهم وينسون شكر من أنعم بها عليهم علامة هؤلاء أنهم يتكاسلون عن الصلوات ويتثاقلون ذكر الله ويخونون في الأمانات ويغشون في المعاملات ويكذبون في المقالات ولا يوفون بالعهود ولا يبرون الوالدين ولا يصلون الأقارب.
 إن من آثر الحياة الآخرة على الدنيا حصل له نعيم الآخرة والدنيا لأن عمل الآخرة يسير على من يسره الله عليه ولا يفوت من الدنيا شيئاً فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾ [الشورى: 20] أما من آثر الحياة الدنيا على الآخرة فإنه قد يؤتى من الدنيا ولكن ليس له في الآخرة من نصيب: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود:15،16].
اللهم اجعلنا ممن آثروا الآخرة على الدنيا وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.



2017-03-23

خصائص مهمة لا يسع المربي الناجح تجاهلها


المربي الناجح له عدد من الخصائص التي لا غنى له عنها لأن أثر التربية في إصلاح المجتمع موضوع مهم ليس كبقية المواضيع، ومما يدل على جلالة قدره وعظم شأنه أن الله تعالى تولاه بنفسه، فربى النخبة المباركة التي تقوم بهذا الأمر العظيم، فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، ورباهم وصنعهم على عينه -سبحانه- بتربيته الخاصة؛ ليخرجوا إلى الناس قادة، فيربونهم التربية
المربي الناجح تربطه بأبنائه علاقة الحب والرفق الربانية. وما زالت الرسل تبعث فترة بعد فترة بهذه المهمة، فقد ذكر القرآن الكريم صفات هؤلاء المربين فقال سبحانه: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (طه: 39) في حق موسى، عليه الصلاة والسلام. وقال: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (النساء: 113)، وهذا في حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
خصائص المربّي
سأذكر بإذن الله تعالى خصائص المربي، وألخصها هنا في ست وهي: العلم والإخلاص والربانية وعلو الهمة والرفق والحب.
 الأولى: العلم، والمقصود به العلم الرباني، الذي علمه الله للإنسان؛ فالإنسان صناعة الله تعالى، والوحي كلامه، ولا يمكن أن تربي هذا الإنسان إلا إذا طبق الوحي الرباني الذي يخاطبه من كل جوانبه، فلا يترك جانبا إلا عالجه.
ومن جانب آخر، هناك العلم بأسرار الإنسان، الذي هو أعقد مخلوق على وجه الأرض؛ فتربيته أعقد تربية؛ ولهذا لم يكلها الله تعالى إلا للأنبياء والمرسلين، ولخلفائهم من بعدهم؛ لأنه ليس في مقدور أحد أن يضع للإنسان منهجا يصلح به الناس إلا خالقهم العالم بخفاياهم. فلا بد إذن من العلمين: علم الوحي، وعلم صناعة الإنسان. ومن هنا يتضح خطأ من نظروا إلى الإنسان من زوايا أخرى متنوعة، فوضعوا له مناهج متنوعة لا تنسجم مع تكوينه، ولا تتسق مع فطرته.
فلا بد للمربي من خصيصة العلم بشقيه، وليس المقصود بالمربي الشخص فقط، ولكن مناهج التربية، والمؤسسات التي تقوم بالتربية لا بد أن تنظر إلى الإنسان من زاوية وحي الله تعالى الذي هو العليم الخبير.
 الثانية: الإخلاص. والمراد بالإخلاص تفاني الإنسان في خدمة هذا المربى لوجه الله الكريم لا لغرض دنيوي؛ فيسخر جهوده بالليل والنهار لتحقيق الهدف التربوي؛ فبالنهار تربية بتفان، وفي الليل وقوف بين يدي الله وبكاء وتضرع سائلا الله تعالى أن يفتح له قلوب عباده لتحقيق الهدف التربوي. تأمل معي عباد الرحمن الذين ذكرهم الله في سورة الفرقان، فنوّه بهم، وأسندهم إلى نفسه، وجعلهم مربين صالحين ومصلحين، قال تعالى في إحدى صفاتهم: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (الفرقان:74)، ومن قبل قال: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (الفرقان: 64)، فنهارهم تربية وتعليم، وليلهم بكاء على باب الله تعالى. إذن، كيف لا ينجح من كان هذا شأنه؟
فيا أيها الأب، الذي تشكو سوء معاملة ابنك، تضرع إلى الله تعالى ليلا والناس نيام أن يصلح الله ابنك، هذا سعيد بن المسيب يقول لولده: “إني لأزيد في الصلاة ليلا من أجل صلاحك”؛ فلن يكون للمربي إشراق تربوي مؤثر إلا مع هذه الحرقة القلبية والإخلاص والتفاني في مهمته ابتغاء وجه الله الكريم، وحينما يشعر المربى بهذه الحرقة من أجله لا بد أن يستجيب بإذن الله تعالى، ولهذا نقل عن بعض السلف أنه كان إذا رأى المنكر أتى باب بيت من البيوت، وبكى بكاء شديدا حتى يأتي إليه أهل البيت فيقولون ما بك؟ فيقول: أريد أن توقفوا هذا المنكر، فيضطروا إلى إيقافه رحمة به. كيف إذن لا يحقق المربي هدفه المنشود في مثل هذه الحالة؟ فالعلم من دون إخلاص جسد بلا روح.
 الثالثة: الربانية. ومعنى هذه الخصيصة أن هذا الإخلاص حين يكون في القلب يظهر أثره على صاحبه، فإذا رأيت الرباني جذبك بحاله قبل مقاله، ولهذا قال ابن عطاء الله: “لا تصحب من لا يستنهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله”؛ فالربانية نور يسري على صاحبه، يشرق وجهه بالأنوار الإلهية، وتجعل لصاحبها أحوالا مع الله تعالى ليست لغيره من الناس الذين لا يتصفون بهذه الصفة، يقول مولانا عز وجل: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (آل عمران: 79). هذه الربانية حينما تتجلى على صاحبها يشعر الناس من حوله بلطف وحنان ورحمة، ويشعرون بعطر يفوح من كل جوانبه، ولهذا شبه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الجليس الصالح ببائع المسك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة”.
فالرباني لا تشم منه إلا الريح الطيبة؛ فعندما تحدث للناس مشاكل وصعوبات في الحياة فيجالسونه تنزل عليهم الرحمات والسكنات وتهب عليهم رياح الطمأنينة والثبات.
 الرابعة: الهمة العالية. كلما كانت همتك -أيها المربي- عالية، تبعك على ذلك المربى؛ لأن بينك وبينه حبلا للتواصل يشبه حبل المشيمة بين الأم وجنينها، ولهذا نقل التاريخ الإسلامي أن أم محمد الفاتح كانت تأتي به إلى شط البحر وتقول: «يا بني، أنت الذي ستفتح القسطنطينية».
له همة لا منتهى لكبارها *** وهمته الصغرى أجل من الدهر
ولما كانت همة الرسول أعلى همة، تبعه أصحابه، فصاروا على أعلى همة. إن الهمة العالية تجعل أصحابها لا يرضون بالدون، بل يرقون إلى الثريا. فما أحوج أمتنا إلى إيقاظ الهمم، وشحذ العزائم، خصوصا في فئة الشباب.
الخامسة: الرفق. وهو جمال خلقي لكل الخصائص المذكورة؛ علم برفق، وإخلاص برفق، وهمة برفق.. فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه. الرفق إذا توافر في المربي طبع خصاله بجمال لا يوصف. ولقد تجسد الرفق في سيد المربين في أبهى حلة وأجمل صورة، فإذا رأى سلوكا من أصحابه ينقصه الرفق تدخل بسرعة لإنقاذ الموقف، فهذه عائشة -رضي الله عنها- ترد السلام على اليهود برد شديد حين سلموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحيتهم المسمومة، فقالت عائشة: «وعليكم السام واللعنة». فقال المصطفى: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، قلت أولم تسمع ما قالوا؟! قال: قلت وعليكم».
 السادسة: الحب. وهي الخيط الذي تنتظم فيه هذه الخصائص لتعطي أكلها، وهي جسر التواصل بين المربي والمربى لتمرير هذه الخصال إليه، فإذا كانت عملية التربية تمر من دون حب، فهي جفاف، تجعل المربى بعيدا عنك؛ لأن أشعة حبك لم تصله فكيف يتعلق بك ذلك التعلق المطلوب؟ وكيف يصغي إلى إرشاداتك ونصائحك؟ هذا الحب الذي يتجلى في التفاني في العطاء من دون حدود في الرحمة والعطف والحنان.
لقد تجلى هذا الحب على أكمل وجه في شخص سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك حين دخل عليه أعرابي فوجده يقبل الحسن والحسين، فتعجب وقال: يا رسول الله، إن لي عشرة من الأبناء ما قبلت واحدا منهم. فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة”. وحين دخل أحد العمال على سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وجده يقبل أولاده، «قال له: أتفعل هذا بأبنائك؟ قال عمر: وأنت ماذا تفعل؟ قال: إذا دخلت سكت الناطق واختفى الظاهر. فقال له عمر: اذهب فأنت لا تصلح لولاية هذه الأمة».
فيا أيها الأب المربي والأستاذ المربي، عليكما بهذه الخصلة التي تقرب البعيد، وتيسر الصعب، وتجعلهم يذوبون في صدرك وينقادون طائعين لشرع الله تعالى بهذا الحب الذي أرسلته إليهم، يقول الله تعالى عن جيل الصحابة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ (المائدة: 54). هذا الجيل الفريد تولى إنقاذ البشرية وتربيتها بسلاح الحب؛ فكانت النتيجة أن دخل في دين الله أقوام يتفانون في خدمة هذا الدين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

الداعي إلى الله تعالى.. صفاته وآدابه وتكوينه

يستمد الداعي أهميته وفضله من أهمية وفضل العمل الذي يقوم به، وليس أعظم ولا أشرف ولا أهم من الدعوة إلى الله تعالى، وبناء على ذلك يمكن تلخيص أهمية الداعي وفضله فيما يلي:
للداعية مقومات لا بد أن تتحقق فيه لتنجح دعوته
من حيث موضوعُه الذي يدعو إليه: فهو داعية إلى الله، يدعو إلى رضائه وجنته، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت: 33).
وقال أيضاً: وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (غافر: 41، 42).
2- من حيث وظيفتُه: فإن وظيفة الداعية أشرف الوظائف على الإطلاق، لأنها عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أشرف البشر، وإن عظم الوظيفة تدل على عظم صاحبها. قال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء: 165).
3- من حيث أجْرُه وثوابه: فقد وعد الله عز وجل الدعاة إليه بالأجر الكبير، والفضل العظيم، فقد جاء في الحديث الشريف: “من دعا إلى هُدىً كان له من الأجر مِثْلُ أجور من تبعه، لا يَنُقُصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه مِنَ الإثم مثلُ آثام من تبعه، لا يَنقُص ذلك من آثامهم شيئا” (أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم 6274).
وجاء في الحديث الآخر:
” فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكونَ لك حُمْر النَّعَم” (متفق عليه).
إلى غير ذلك من نصوص شرعية تبين عظيم ثواب الداعية على عمله.
صفات الداعي إلى الله وآدابه
هناك بعض الصفات الأساسية التي ينبغي على الداعية التحلي بها؛ حتى يتمكن من الاستمرار في طريق الدعوة، وحتى تؤتي دعوته ثمارها المرجوة منها، ومن هذه الصفات:
الإيمان: المعلوم يقينًا أنّ الإيمان بالله الواحد الأحد حين يتغلغل في النفوس، ويُخالط بشاشة القلوب، هو أولُ سِلاحٍ يَتَسّلح به المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة؛ وفي مُجابهة مغريات الدنيا، سواء أكان الداعية متقهقرًا أو متقدمًا، وسواء أكان مهاجمًا أو مدافعًا، وسواء أكان منتصرًا أو ممتحنًا؛ فبدون الإيمان يبطل كل سلاح، ويبطل كل إعداد وتبطل كل ذخيرة.
وأعني بالإيمان أنْ يعتقد الداعية من قرارة وجدانه: أن الآجال بيد الله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليُصيبه، وأنّ الأُمّة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء، لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الله الحق سبحانه: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون (التوبة: 51). وعليه أن يردد صباح مساء قول الله -جل جلاله-: فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون (النحل: 61).
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشُّعور يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع، ويتحلى بالصبر والشجاعة والإقدام.
الإخلاص: والإخلاص في حقيقته قوة إيمانية، وصراع نفسي يدفع صاحبه بعد جذب وشد إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع من الغايات الذاتية، وأنْ يَقْصِدَ مِن عمله وجه الله -عز وجل- لا يَبْغِي من ورائه جزاء ولا شُكورًا، وإذا استمر المخلص على هذه الحالة من المجاهدة والتغلب على وساوس الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء؛ يصبح الإخلاص في أعماله كلها خلقًا وعادة، بل تصبح الأعمال التي تصدر عنه خالصة لله رب العالمين، دون أن يجد في ذلك أي تكلف أو مجاهدة، يقول الله -تبارك وتعالى-: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين (الزُّمَر: 2) ويقول سبحانه: هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (غافر: 65) ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء (البيِّنة: 5) ويقول سبحانه: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (الكهف: 110).
فعلى الدعاة أن يحرصوا على ما يلي:
أولًا: أن يقصدوا من دعوتهم وجه الله.
ثانيًا: أنْ تكون جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم الاجتماعي على وفق شريعة الله.
ثالثًا: أن يُحاسبوا أنفسهم بشكل دائم، وأن يتساءلوا ماذا يريدون من تبليغ الدعوة؟ وماذا يقصدون من دعوة الناس؟.
رابعًا: أن ينظروا إلى أفعالهم؛ هل هي مطابقة لأقوالهم ولسان حالهم؟.
خامسًا: أن يحذروا مكائد الشيطان، ووساوس النفس والهوى وفتنة العجب ومزالق الرياء.
الصبر: والصبر قوة نفسية إيجابية فعالة؛ تَدْفَعُ المُتحلي بها إلى مقاومة كل أسباب الخور والضعف، والاستكانة والاستسلام، وتَحْمِلُه على الصمود والثبات أمام الفتن والمُغريات، وأمامَ المحن والمكاره والأحداث، إلى أن يَأذنَ الله له بالنصر، أو أن يلقى الله -عز وجل- وهو عنه راضٍ.
لقد سَلَك المُشركون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مسالك شتى في الأذى، وأساليبَ مُتنوعة في الاضطهاد؛ ليَصُدّوه عن دعوته؛ ويُثنوه عن أداء رسالته؛ فمَا استَكَانَ وما خضع؛ حتى بعد أن أذن الله له بالهجرة، حاربوه بحملات مُتعددة، وحروبٍ طاحنة؛ ليستأصلوا دعوته وأتباعه، فما كان ذلك يرده عن تبليغ الدعوة ونشرها في الأرض، وظل -صلى الله عليه وسلم- صابرًا داعيًا مجاهدًا محتسبًا، ماضيًا في طريق إعزاز دين الله؛ حتى جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
ألا فليتخذ الدُّعاة من مواقف صاحب الدعوة -صلى الله عليه وسلم- قدوة وأسوة، إن أرادوا أن يبنوا لأمّتهم مجدًا، ولبلاد الإسلام عزًّا وللمسلمين وحدة وقوة ومكانة، فإن الله -تبارك وتعالى- أمر المؤمنين بالتأسي بالنبي الأمين؛ فقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب: 21).
الصدق: لقد أمر الله -تبارك وتعالى- بالصِّدْقِ ومَدَح أهْلَه وبَيّنَ جَزاءهم؛ فقال -عز وجل-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين (التوبة: 119) وبين -سبحانه وتعالى- أنه في يوم القيامة ينفع الصادقين صدقهم، وأنهم سيفوزون برضوان الله والجنة: قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (المائدة: 119).
وحقيقة الصّدق حصولُ الشّيءِ وتَمَامُه، وكَمَالُ قُوّتِهِ واجْتِمَاعُ أجزائه، هكذا قال ابن قيم الجوزية في “مدارجه”، ويكون الصدق في القصد والقول والعمل، ومعناه في القصد: كمال العزم، وقُوّةُ الإرَادِةِ على السير إلى الله، وتَجَوّز العَوائق؛ ويكون ذلك بالمُبادرة إلى أداء ما افترضه الله عليه، وفي مقدمته الجهاد في سبيله، ومن الجَهاد في سبيل الله: الدَّعْوَةُ إلى الله -عز وجل.
أما صدق القول فمعناه نطق اللسان بالحق والصواب، فلا ينطق بالباطل أي باطل كان، ويَكُونُ الصِّدْقُ في الأعمال بأنْ تَكُونَ وِفْقَ المَناهج الشرعية، والمُتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا ما تحقق للمُسلم الصدق في القول والقصد والعمل، أدّى به ذلك إلى درجة أخرى في الصديقية، وهي التي أمر الله عباده المؤمنين بطلبها؛ موجهًا -جل جلاله- خطابه إلى رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-: وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا (الإسراء: 80).
الرحمة: وهي من الصفات الضرورية للداعية؛ وبها يُقبل الناس عليه، وبغلظته وفظاظته ينصرفون عنه، ولذلك كان رسل الله أرحم خلق الله بخلق الله، ولقد قال الله تعالى عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم (التوبة: 128) وامتن عليه بهذه الرحمة التي فطره عليها فقال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159).
فالداعية لا بُدّ أنْ يَكونَ ذا قلبٍ يَنْبِضُ بِالرّحمة والشفقة على الناس، وإرادة الخير لهم والنصح لهم، ومن شفقته عليهم دعوتهم إلى الإسلام، لأن في هذه الدعوة نجاتهم من النار، وفوزهم بالجنة.
إنّ الداعيةَ يُحِبّ للناس ما يحب لنفسه، وأعظم ما يحب لنفسه الإيمان والهدى؛ فهو يحبُ ذلك للناس أيضًا. إن الوالد من شفقته على أولاده يحرص على إبعادهم عن الهلكة، ويُتْعب نفسه في سبيل ذلك، وأي هَلكة أعظم من الضلال والتمرد على الله، والدّاعي بدعوته إنما يسعى لتخليص المُتمردين العُصاة من الهلاك المحقق والخسران المبين.
التواضع: وهو معرفته لأقدار الناس وخفض جناحه لهم، والانصياع للحق، وهو من ثمار المعرفة بالله القادر، وبالإنسان المخلوق من ضعف.
فالداعية يحتاج إلى التواضع لما يلي:
الداعية طبيب، والمريض لا يقبل دواء طبيب متكبر.
التعالي ينفر الناس ويجعلهم يصمون آذانهم عن سماع المتعالي.
إذا تسبب الداعية بتعاليه في انصراف الناس حمل وزرهم ووزر معصيتهم.
معرفة أقدار الناس وإعطاء كل ذي احترام حقه منه، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.
كيفية إعداد الداعي
حتى يتم إعداد الداعي إعدادا جيدا يمكنه من أداء رسالته المنوطة به على أكمل وجه، عليه أن يتسلح ببعض الأسلحة، مثل:
السلاح الأول: الفهم الدقيق المبني على العلم قبل العمل، والقائم على تدبر معاني وأحكام القرآن الكريم، وفهم السنة النبوية الشريفة، ويرتكز هذا الفهم على عدة أمور، من أهمها:
الأمر الأول: فهم الداعية العقيدة الإسلامية فهماً صحيحاً متقناً بالأدلة من الكتاب، والسنة، وإجماع علماء أهل السنة والجماعة.
الأمر الثاني: فهم الداعية غايته في الحياة ومركزه بين البشر.
الأمر الثالث: تعلقه بالآخرة، وتجافيه عن دار الغرور.
السلاح الثاني: الإيمان العميق المثمر: لمحبة الله، وخوفه، ورجائه، واتباع رسوله – صلى الله عليه وسلم – في كل أموره.
السلاح الثالث: اتصال الداعية بالله – تعالى – في جميع أموره، وتعلقه به، وتوكله عليه، واستغاثته به، وإخلاصه له، والصدق معه في الأقوال والأفعال.
السلاح الرابع: العناية بصحبة العلماء العاملين، والدعاة الربانيين، والمربيّن الصادقين، ليقبسوا من هديهم، ويستفيدوا من خبراتهم وأساليبهم..
السلاح الخامس: تعميق معاني الأخوة الإيمانية بين الدعاة، ليتبادلوا حقوقها، ويشعروا بفائدتها.
السلاح السادس: العناية بمدارسة التطبيقات الدعوية، ومناقشة الأخطاء لتلافيها والإفادة منها.

 


    مُعلمي...حدِّثْني عن الإخلاص


    لما كان إخلاص العمل لله هو لب الدين وعليه مدار القبول، كان من الطبيعي أن يحظى بأهمية خاصة في المحاضن التربوية العامة منها والخاصة، فهو أصل في التربية الإسلامية، وأساس للبنية الإيمانية في شخصية المسلم.
    وكل من كان له احتكاك بالمربين والأوساط التربوية كان يرى النقد يتدفق تجاه بعض المربين الذين تهاونوا في التركيز على قضية الإخلاص أو لم يمنحوها القدر الكافي من العناية خلال ممارسة التربية مع المتعرضين لها، وكثيرا ما كان يشتد النكير على من يقوم بتصدير الشباب قبل تحضيرهم، خشية أن يضعف لديهم جانب الإخلاص.
    ومع ذلك لم نر من ينكر على طائفة أخرى من المربين ربما كان مسلكهم التربوي في غرس الإخلاص لا يقل خطرا عن الطائفة الأولى، وأعني هؤلاء المربين الذين صوروا الإخلاص لدى الشباب على أنه أمر لا يظفر به سوى صفوة الصفوة، وأنه شيء عزيز لا يؤتاه أي مسلم وأنه ليس للنفس فيه نصيب.
    وقد اعتمد هؤلاء على مقولات لبعض علماء السلف، ربما كانوا مدفوعين بمشاعر إيمانية معينة، أو حالات من رؤية التقصير في النفس أجرَت على ألسنتهم هذه الكلمات، فجعل منها هؤلاء المربون أساسا في قاموس الحديث عن الإخلاص، ومن ذلك ما جاء في الإحياء: "وقال بعضهم في إخلاص ساعة نجاة الأبد ولكن الإخلاص عزيز"
    وصار الحديث عن عسر تحقيق الإخلاص وصعوبة التحلي به، ديدن الوعاظ والمحاضرين والقائمين على التربية، وأصبحت عبارة "الإخلاص عزيز" أساسا في هذا السياق.
    مقولة "الإخلاص عزيز" في الميزان:
    هذه المقولة ليست آية من القرآن أو حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما هي من أقوال بعض العلماء رحمهم الله، وبناء على ذلك فهي قابلة للنقد والمناقشة، ومن الواجب عرضها على الكتاب والسنة قبل أن يصير مدلولها منهاجا تربويا، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق على الهوى".
    الإخلاص تكليف من الله تعالى أمر به عباده، كما في قوله:{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وإذا كان الإخلاص فرضا وتكليفا، فينسحب عليه إذا كل سمات التشريع الإسلامي، ومن ذلك كونه في حيز الوسع والطاقة، حيث لم تؤمر النفس بما لا تطيقه، قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، قال ابن كثير: أي: لا يكلف أحدا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم".
    وكذلك فإن الله تعالى جعل التشريعات والتكاليف كلها في وسع جميع خلقه وليست فقط لصفوتهم، نعم قد يعجز البعض عن القيام بها لعارض أو طارئ كمرض أو سفر ونحوهما، لكنه ليس الأصل، كما أن الله تعالى جعل لأهل هذه العوارض أحكاما خاصة تتوافق مع أحوالهم، فالمريض أو المسافر يقضي بعد رمضان، والشيخ الطاعن الذي لا يقوى على الصيام عليه الفدية وهكذا..
    وخلاصة هذا العرض الموجز أن القول بأن الإخلاص عزيز وأنه ليس لكل أحد، هو مُعارَض بقول الله تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وبغيرها من النصوص كقول الله تعالى عن المؤمنين في ذات الآية: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا } [البقرة: 286]، فقال الله تعالى: (قد فعلت)
    تأملات في واقع خير القرون:
    لقد أفاض القرآن البيان في التأكيد على أهمية الإخلاص والتحذير من ضده، لكن الأعين لا تبصر في كلام الله ما يستدل به على عسر الإخلاص، وكذلك السنة حيث تضافرت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لبيان أمر الإخلاص وأهميته سواء بالترغيب كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه)، أو بالترهيب، كقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
    وفيما عدا ذلك، لو قلب المرء بصره في كتاب الله وفي سنة نبيه مرارا وتكرارا ما وجد ما يدل على أن الإخلاص شيء عزيز.
    ومن ثم كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع عظم اهتمامهم بتخليص العمل من شوائب الرياء والشرك، وخوفهم من حبوط الأعمال، لم يجر على ألسنتهم ما يفيد أيضا هذا المعنى، ولا تجد في أحاديثهم ووعظهم وفي سؤالهم للنبي صلى الله عليه وسلم كذلك ما يعضد القول بعسر الإخلاص.
    وكانوا يدركون جيدا أن الله سبحانه وتعالى لم يكلفهم بشيء إلا وهو ممكن وداخل في الوسع، ولذلك دارت أسئلتهم في فلك (أفعل أو لا أفعل، خير هو أم شر)، كما في صحيح مسلم (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). 
    كما يلاحظ في تعامل الجيل الأول مع قضية الإخلاص، أنهم وإن كانوا يؤثرون فعل الطاعات في الخفاء حرصا منهم على صلاح الأعمال، إلا أنهم لم يفعلوه بصورة يشوبها التكلف والمبالغة، فلم يرد عنهم مثلا ما نطالعه في كتب التراجم ممن أتوا بعدهم، يتعمد إخفاء الصوم عن زوجته أربعين عاما، يأخذ طعامه من البيت صباحا ويتوجه إلى سوقه فيتصدق به.
    وبينهما فرق:
    وهناك فرق بين خوف الصحابة حبوط الأعمال، وفرقهم من عدم القبول عند رب العالمين، وبين الاعتقاد بأن الإخلاص شيء عسير بعيد المنال.
    فالأول نابع من اتهام النفس وتعظيم الله سبحانه الذي لن يستطيع العبد مهما أوتي من همة وعزم أن يعبده حق عبادته، ولم يك نابعا من الاعتقاد بأن الإخلاص عسير عزيز، فهو اتهام للنفس لا اتهام للتشريع والتكليف.
    فكانوا رضي الله عنهم يتحرون الإخلاص ويأتون بالعمل وهم وجلون من عدم القبول، كما في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، فلما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات).
    ومن التكلف أن نقول بأن خوفهم من الحبوط يرجع لكون الإخلاص عزيزا، لأن محبطات الأعمال متعددة ليست محصورة في الرياء، كذنوب الخلوات مثلا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى ذلك فلدينا آية محكمة نرد إليها كل ما تشابه علينا في المسألة على فرض وجوده {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
    ولكن الصحابة مع عظم إيمانهم يحتقرون أعمالهم عند رؤية النفس ورؤية عظمة الله سبحانه وتعالى، فالخوف إذن من الرياء وتلطخ الأعمال به لا يستلزم القول بعسر تحقيق الإخلاص.
    أثر هذه النظرة في حقل التربية:
    إننا إذ نربي الناس والناشئة خاصة، على هذه النظرة للإخلاص، فإننا بذلك نضعف فيهم جانب الرجاء، وقد يُصاب من يتربى بمقتضى هذا النهج بسوء الظن بالله تعالى، فكيف بشاب يقبل على الطاعة وهو يعلم أن الإخلاص فيها شيء عزيز لا يؤتاه إلا ذو حظ عظيم، كيف سيكون شعوره وهو يتعبد لله وقد امتلأ قلبه بهذا الشعور.
    ومن جهة أخرى فإن هذه النظرة لقضية الإخلاص تكون سببا لفتح باب الوسواس خاصة على الشباب، فيأتيه الشيطان من قبل الحرص على العمل والخوف عليه من الحبوط، ويظل الاعتقاد بأن الإخلاص عزيز يطارده ويلاحقه في غدوه ورواحه.
    وقدر لي أن أعرف شابا تأثر بهذه المقولة وظلت نفسه تتفاعل معها، حتى كان يزعج أهلَ العلم بالأسئلة المتكررة عن الإخلاص والرياء، ويعيدها عليهم كلما التقى بهم، ولم يكن ينقصه سوى أن يطلب منهم النظر في قلبه ليطمئنوه هل حقق الإخلاص أم لا، وأصيب بالاكتئاب جراء هذا.
    إن الله تعالى لم يشرع لعباده ولم يكلفهم بما يتعذبون به، نعم إن الإخلاص يحتاج إلى مجاهدة كسائر العبادات والأعمال القلبية، وأن العبد لا يأمن على عمله من التلطخ بالرياء، لكن مع ذلك يحسن الظن بربه في أنه شرع له ما يطيقه، فالتشريعات والتكاليف ليست نخبوية، إنما هي في وسع الإنسان العادي.
    خطوط عامة لمنهج التربية على الإخلاص:
    فهي خطوط عامة مستقاة من خلال التأمل في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والعملية ومن واقع حياة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم:
    أولا: ربط الشباب بجيل الصحابة:
    فهو الجيل القرآني الفريد الذي سيظل قمة سامقة يقضي المسلم حياته في السعي للاقتراب منها، الجيل الذي يبرز ترجمة تعاليم القرآن ويجعلها حية بين الناس، وقد فاقوا مَن بعدهم ليس بكثير صيام ولا صلاة، ولكنها تلك القلوب التي عمرت بالإيمان والتعلق بالله، وترجمته إلى واقع عملي شمولي وسطي، يضمن الاستمرار في المسير وتحقيق التوازن، فحين يتعلق الشاب بجيل الصحابة، حتما سيتعلم منهم الإخلاص.
    سيتعلم منهم الإخلاص عندما يتأملهم بقلبه وهم يتركون الأموال والضيعات والأهل والأوطان ويقيمون في أرض غريبة لا مال لهم فيها ولا أهل امتثالا لأمر الله ورسوله.
    سيتعلم منهم الإخلاص عندما يعطي النبي صلى الله عليه وسلم صحابيا نصيبه من الغنيمة فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمي إلى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال: إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم). 
    فكان همه لقاء الله والجنة فصدق الله وصدقه الله
    سيتعلم الإخلاص وهو يرى أمير المؤمنين يعزل خالد بن الوليد القائد العسكري العام ليصبح جنديا عاديا في الجيش ولا يبالي أينما وضع قدمه فإنما هي لله، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المقام لجمع أطرافها.
    ثانيا: التوازن بين الترغيب والترهيب:
    فمن الخطأ أن يطرح المربي مسألة الإخلاص ويطرق بابها، من خلال مطرقة الترهيب وحده، بل تشويق النفس وترغيبها أيضا له فعل مماثل، وباجتماعهما معا يتحقق التوازن في شخصية المتربي، فهي صورة من لزوم الخوف والرجاء معا للعبد، فهما له كالجناحين للطائر، إذا طار بأحدهما دون الآخر سقط.
    فالقرآن – ومثله السنة - لم يزجر النفوس فقط عن الشرك والعمل لغير الله، ولكنه شوقها كذلك لنيل رضا الله بتحقيق الإخلاص، دون الاقتصار على أحدهما، فهكذا النفس تساق بالخوف والرجاء معا.
    فتقرأ في كتاب الله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 146]، وترى تشويق النفس إلى لقاء الله ثم بيان السبيل إليه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
    وفي المقابل يزلزل كيانك قول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7].
    وكذا حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار قارئ القرآن والمتصدق والمجاهد، حيث كانت أعمالهم تلك رياء الناس.
    ثالثا: الاهتمام بالبناء الإيماني
    فعندما يتربى الشاب على تعميق الصلة بالله والتعرف على عظمته، والزهد في الدنيا بمعناه الحقيقي، وارتباط القلب بالآخرة وما عند الله - وكل ذلك من معاني تحقيق لا إله إلا الله - فلن يبقى في قلبه شهوة حب الظهور والشهرة والعمل ليراه الناس، بل يبددها، كما قال ابن القيم رحمه الله: "وكلما عظم نور هذه الكلمة (أي لا إله إلا الله) واشتد، أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنبا إلا أحرقه".
    ويقول ابن القيم أيضا: "فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا".
    رابعا: التوجيه العقلي للمقارنة والنظر في المآلات:
    فيوجه دائما بالخطاب العقلي، وتعويده مخاطبة نفسه بمنطق الحرص على المنفعة، والمقارنة بين المصالح والمفاسد، والنظر في عاقبة العمل لغير الله.
    ولله در الإمام ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين إذ يتناول هذه المسألة فيقول: "الشرك طهر قلبك منه، كيف أطهر نفسي منه ؟ أطهر قلبي بأن أقول لنفسي إن الناس لا ينفعوني إن عصيت الله ولا ينقذوني من العقاب وإن أطعت الله لم يجلبوا إلي الثواب .
    فالذي يجلب الثواب ويدفع العقاب هو الله، إذا كان الأمر كذلك فلماذا تشرك بالله عز وجل، لماذا تنوي بعبادتك أن تتقرب إلى الخلق ولهذا من تقرب إلى الخلق بما يتقرب به إلى الله ابتعد الله عنه وابتعد عنه الخلق".
    وأذكر مقولة رائعة للإمام ابن باز رحمه الله وهو ينصح طالب العلم بالإخلاص، ويوجه بأن الشهرة آتية آتية لمن يطلب العلم، فإن كان الأمر كذلك فلم يضيع على نفسه ثواب طلب العلم بأن يكون طلب الشهرة غرضه؟!
    إن من شأن هذا المنطق أن تفتر معه شهوة حب الشهرة والحصول على ثناء الناس ومدحهم، لتجتمع معها العوامل الأخرى فتضيف له قوة نفسية وقلبية تمكنه من السيطرة على باعث الرياء.
    خامسا: المتابعة الجيدة
    وهي من لوازم التربية التي لا تقتصر على التلقين والتعليم، ومن ثمرات متابعة وملاحظة المتربي أنها تتيح اكتشاف مواطن الضعف فيه، ومن ثم يبدأ المربي في علاجه وتقويمه، ومن جهة أخرى تحديد ما يصلح وما لا يصلح معه من الأنشطة، والتريث قبل تصديره لعمل قد يفاقم لديه المرض أو الضعف.
    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على متابعة وملاحظة وتفقد أصحابه، حتى بصر بأحوالهم ومواطن القوة والضعف لديهم، ومن ثم علم ما يناسب كلا منهم وما لا يناسبه، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تتأمرن على اثنين و لا تولين مال يتيم).
    وقطعا هذه الكلمات ليست كافية شافية، لكنها فقط إشارات لأهم ما ينبغي التركيز عليه في الأطر التربوية عند تناول قضية الإخلاص وتربية الشباب عليه.

    متلازمة داون.. أسبابها وأعراضها

    ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

    بمناسبة اليوم العالمي لمتلازمة داون.
    متلازمة داون.. أسبابها وأعراضها
    تشوه جيني يسبب تأخر النمو البدني والعقلي
    «الرجاء عدم تجاهلنا، أو اشاحة النظر عنا عندما نقترب منك، لان مثل هذه التصرفات لن تبعد عنا الاعاقة. لم نختر ان نكون معاقين، ولكن حتما يمكنك اختيار الطريقة التي تتقبلنا بها!».
    السيدة آنا فورست، سفيرة النوايا الحسنه لمنطقة البحيرات، مدافعة عن احتياجات وحقوق ذوي الاعاقات العقلية.
    مما لا شك فيه ان الكثير من الآباء يشعرون بالصدمة وخيبة الامل اذا شُخص طفلهم بمتلازمة داون. وبعد التغلب على الصدمة الاولى يجد معظمهم ان الطفل هو مثل اي طفل آخر، جميل وخاص، يحتاج الى كل الحب والرعاية التي يحتاجها الاطفال في مثل عمرهم. تُعرف متلازمة داون بأنها مرض ينجم عن تشوه جيني يسبب تأخرا في النمو البدني والعقلي. ووفقا للجمعية الوطنية لمتلازمة داون، فإن هذا التشوه واحد من أكثر التشوهات الكروموسومية شيوعا، وذلك لحدوث حالة من بين كل 800 الى 1000 طفل. ويوجد في اميركا فقط اكثر من 350 الف شخص مصاب بهذا المرض، مع وقوع حالة بين كل 800 مولود، في حين ان الارقام في بريطانيا تبين ان حوالي 600 طفل يولدون سنويا بمتلازمة داون، اي حالة في كل 1000 ولادة. أما في منطقة الخليج فقد اظهرت الدراسات ان حالات متلازمة داون تقدر ما بين 1 الى 3 في كل 1000 مولود. اكتشف الطبيب البريطاني جون لانجدون داون المرض في عام 1887، وسميت متلازمة داون من بعده. ولكن لم يعرف السبب الحقيقي للمرض الا في عام 1959. متلازمة داون الآن معترف بها كواحدة من الاحتياجات الخاصة التي يمكن ان تؤثر على الناس. وفي عام 2006، خصصت المنظمة العالمية لمتلازمة داون 21 مارس كيوم عالمي لمتلازمة داون. وفي هذا اليوم تنظم وتشارك المنظمات المتخصصة بمتلازمة داون في جميع انحاء العالم في مناسبات مختلفة لرفع مستوى الوعي العام بمتلازمة داون.
    * سبب متلازمة داون
    * يتكون جسم الانسان من خلايا، وكل خلية لها نواة في المركز حيث يتم تخزين الجينات. فالجينات تحمل الرموز المسؤولة عن كل الخصائص الموروثة، وتتجمع في شكل يشبه القضيب، تعرف باسم «الصبغيات» (كروموسومات). عادة يرث الطفل المعلومات الوراثيه من الاب والام على حد سواء في شكل 46 كروموسوما، 23 من الام، ومثلها من الأب. وتحدث متلازمه داون بعد أن تبدأ الخلايا فى الانقسام بعد إخصاب البويضة مباشرة فى الرحم، فالخلايا الطبيعية تحتوي على 46 كروموسوما، ويحدث خلل في انقسام الكروموسوم رقم 21 عند الاطفال المصابين بمتلازمة داون. وهنالك ثلاثة انواع من متلازمة داون: • اختلال الصيغة الصبغية 21 (Trisomy 21)، وهو النوع الاكثر شيوعا، مسؤول عن 95? من جميع الحالات. يحدث عادة نتيجة لخلل اثناء انقسام الخلايا عقب تخصيب البويضة مباشرة، عندما لا يحدث انقسام عند زوج الكروموسوم 21، ويتكرر ويتطور الكروموسوم الاضافي عند كل الخلايا لتصبح 47 كروموسوما. • Mosaicism، عندما يحدث خلل في الانقسامات الاولى للخلايا ولكن ليس انقساما كاملا، ما يؤدي الى وجود 46 كروموسوما في بعض الخلايا و47 في الاخرى. و Mosaicism مسؤول عن 1 ـ2? من حالات متلازمة داون. والاطفال المتأثرون عادة تكون لديهم اعراض اخف. • انتقال Translocation، يحدث عندما ينقسم جزء من كروموسوم 21 عند انقسام الخلايا ويتعلق بكروموسوم آخر، عادة كروموسوم 14. مجموع عدد الكروموسومات سيظل46. ولكن بسبب وجود جزء اضافي من كروموسوم 21، فإنه توجد خصائص متلازمة داون. وهذا النوع يمثل 3 ـ4? من الحالات. لم يعرف بعد السبب وراء الكروموسوم الزائد او الناقص. الا ان العامل الوحيد المعروف بارتباطه بمتلازمة دوان هو عمر الام. وكلما تقدمت الام فى السن زادت نسبة ولادة انجاب طفل بمتلازمة داون. وكمثال اذا كان عمر الام 35 عاما فهنالك فرصة 1 في 350 من ولادة طفل مصاب. اما في سن 45 عاما، فتزيد النسبة الى 1 في 30. واذا انجبت الام طفلا مصابا بمتلازمة دوان، فاحتمال ولادة طفل آخر مصاب ترتفع الى 1 في 100.
    * ما هي أعراض متلازمة داون؟
    * لدى الطفل المصاب بمتلازمة داون سمات محددة يمكن التعرف عليها منذ الولادة. وتتراوح أعراض متلازمة داون بين معتدلة الى حادة، واكثر سمات متلازمة داون شيوعا هي: • تسطح الوجه.
    تسطح مؤخرة الرأس. عينان واسعتان متباعدتان. ميل العينين الى أعلى. آذان صغيرة. كبر اللسان مقارنة مع الفم، وقد يكون بارزا. طوية في كف اليد. ضعف العضلات. قصر القامة.
    يكون الطفل المصاب بمتلازمة داون متخلفا عقليا، وأثبتت الدراسات أن مستوى الذكاء لدى المصابين أقل من الطبيعي بالنسبة لاعمارهم بسبب اعاقتهم. المشاكل الصحية المرتبطة بمتلازمة داون الأطفال المصابون بمتلازمة داون، تزداد نسبة اصابتهم بمشاكل صحية تشمل: امراض القلب الخلقية. زيادة الاصابة بالالتهابات بسبب مشاكل في مناعتهم. مشاكل في التنفس.
    اعاقة في المسالك الهضمية. مشاكل الغدة الدرقية.
    مشاكل في السمع.
    ضعف البصر وصعوبة التخاطب. مشاكل التغذية. زيادة نسبة الاصابة بسرطان الدم عند الاطفال. التوحد في 10? من الحالات. وقد اظهرت الابحاث ان الاطفال الذين يعانون من متلازمة داون والتوحد تتأثر مقدراتهم المعرفية والتطور الاجتماعي والعاطفي لهم. ان نمو الطفل المصاب بمتلازمة داون يكون بطيئا جدا ومتأخرا عن اقرانه، لكن المهم عدم اليأس والتخلي عن الامل فإنه سينمو، ولكن ببطء. فقد يحتاج الطفل الى ضعف المدة التي يحتاجها الاطفال الآخرون للجلوس، المشي، الزحف او الكلام. كما قد يأخذ وقتا اطول في تعلم مهارات مثل الأكل والشرب، او في التدريب على استخدام القعادة.
    * كيف يتم التشخيص والعلاج؟
    * تشخيص متلازمة داون يتم من خلال فحص الكايروتايب (karyotype) للكروموسومات. توجد فحوصات يمكن اجراؤها أثناء الحمل، لمعرفة احتمال اصابة الطفل بمتلازمة الداون. للأسف لا يوجد علاج محدد لمتلازمة داون، لكن معظم الامراض المرتبطة به يمكن علاجها. عادة، التشخيص المبكر وما يصاحبه من متابعة وعلاج للمرض تكون نتائجه افضل بالنسبة للطفل. الفريق الذي سيتولى متابعة طفلك عادة ما يشمل متخصصين في مجالات مختلفة: اطباء القلب، وطبيب اطفال، طبيب نمو الاطفال، وغيرهم. أما فريق الرعاية فقد يشمل ايضا اختصاصيين في العلاج المتخصص في الكلام، وفي العلاج البدني والعلاج المهني. وعادة ما يستفيد الطفل من التدخل المبكر، وهو برنامج متخصص للاطفال الذين يعانون من متلازمة داون للتخفيف من اعراضها في سن مبكرة عن طريق انشطة مختلفة. ومعظم البلدان في الوقت الراهن قد ادخلت مثل هذا البرنامج في مناطق مختلفة.
    * ماذا يمكن للأم أن تفعله؟
    * انه امر طبيعي عند تشخيص المرض، ان يغلب عليك شعور الرفض، والنكران أو الشعور بالذنب واحيانا عدم الرغبة في التعامل مع الطفل. هذا رد فعل متوقع ولا بد منه، لكن حاولي التغلب على هذه المشاعر وتذكري أن لديك طفلا جميلا يحتاج لرعايتك ومحبتك.
    أثبتت الدراسات أن معظم الاباء والامهات وجدوا أن التثقيف حول المتلازمة ساعدهم على التغلب على مخاوفهم وهمومهم. تعلمي أن تكوني قوية من اجل طفلك، وساعديه في التعلم واكتساب مهارات جديدة. وكون أن طفلك معاق، لا يعني ابدا ان طفلك غير ذي نفع ويعتمد اعتمادا كليا عليكم، بل يعني انه يحتاج الى مساعدة قليلة منك لمساندته فقط. وكما تقول آنا فورست:«ساعدنا عندما نحتاج الى المساعدة، لكن بما يكفي ليمكننا استكمال ما كنا نفعل وحدنا» < اقتراحات.. لمساعدة طفلك 1. حاولي أن تقوي رابطتك بطفلك. وبتقربك منه يمكنك ان تدركي ما يحتاجه دون ان يطلب. 2. تعرفي على متلازمة داون، من خلال مختلف القنوات الاعلامية المتاحة في المكتبات والانترنت. 3. اعتني بنفسك، خذي وقتا للراحة ولا تجهدي نفسك. انت بحاجة الى كل القوة اللازمة لتربية طفلك تربية طبيعية بقدر الامكان. 4. حاولي معرفة ما اذا كان هناك برنامج التدخل المبكر بالقرب منكم، بحيث يمكنك اخذ طفلك اليه. 5. اقرئي كثيرا لطفلك ببطء وبعبارات واضحة، لمساعدته في تطوير مهاراته اللغوية. 6. حاولي أن تأخذي طفلك كل ستة اشهر للكشف عن سمعه. ويوصى بمواصلة فحص السمع الى ان يبلغ الطفل 10 سنوات. 7. حاولي ان ترضعي طفلك رضاعة طبيعية ان امكن، فحليب الام قد يحميه من الامراض. 8. ابتكري وسائل للعب وتعليم طفلك مهارات مختلفة. 9. استمتعي بالوقت الذي تقضينه مع طفلك. الطفل المصاب بمتلازمة داون حنون والفرحة نهجه في الحياة. 10. قفي موقفا ايجابيا واعلمي أنك قد رزقت بطفل لديه مواهبه الخاصة والفريدة من نوعها.


    2017-03-17

    إنهم كانوا قبل ذلك مترفين...!



    • الترف: المبالغة في التنعم والإيغال إلى درجة نسيان الحقوق. 
    • الترف له جانبان، مادي: التوسع الدنيوي اللاهي المتعالي، ومعنوي: المنتهي للكبر والبطر، والأول غالبا سبب ومقدمة للآخر. 
    ليس مجرد التنعم الدنيوي ضرَّ هؤلاء، ولكنه ترف سار بلا وعي وانزجار.  ولذا كره السلف الدنيا ومبالغاتها لئلا تنتهي بهم إلى هوة سحيقة، ومستنقع ضحل..!  جاءت الآية تعليلا لما نالهم من العذاب والتنكيل، وأن الترف المطغي، عذاب مضنٍ..! 
    كسر النفس عن كِبرها وثرائها من أصعب الأمور، ويحتاج إلى تزكية داخلية متينة . 
    من صفات المترفين رد الحق، والصدود عن الشرائع، والتوسع في المناعم . 
    ممارسة الرفاهية بالمحرمات، وتجاوز الحدود، باب لا يلجه إلا قساة القلوب. 
    قسوة القلب مفتاح كل بلية، ونافذة كل معصية، وعنوان التجرؤ على خطيئة . 
    ما قسى قلب إنسان فأفلح، وما جفّ نبضه الديني والأخلاقي وعاين خيرا. 
    لذلك كان القلب عنوان هداية المرء أو انتكاسته..! 
    (( ألا وإن في الجسد مضغة...)) 
    الترف يورث الغفلة والجسارة، والضعف والتعاسة، والهزل وقلة المبالاة، والإهمال والبطالة. 
    لا يمكن لمترف أن ينتج وهو مسرف مختال، غافل متعال، عابث بلا عقلانية. 
    أضر الترف بمسلمين فكيف بكفار، وقد ضاقت قلوبهم، واسودت مسالكهم..؟! 
    المترف يتعالى ويكسر قلوب الفقراء ويعيش أجواء مختلفة، تحمله على نسيان الواجبات وارتكاب الموبقات . 
    وإذا خالطها قسا قلبُه وتعكر مزاجه وبات قليل الوعي والاتعاظ 
    لا يطيق المواعظ وينفر من الصلحاء ويعادي القائمين بالقسط، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . 
    لذا يعز مع الترف التواضع وخدمة الناس، بل يكبر الشيطان في نفوسهم ويجعل منهم مطايا للمعاصي والترويج لها. 
    ويتوالد الترف من بطر المال، وعدم وضعه في أهله، وتعطيل الزكاة الواجبة. 
    يتوالد أيضا من صحبة المترفين العابثين، من همهم الترفه المطلق، وكسر قلوب الفقراء والمحتاجين، واللياذ بالدنيا (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا..)) سورة المؤمنون . 
    ويتوالد أيضا من التعلق الواصب بالدنيا والاغترار بها، ونسيان الدار الآخرة والاستعداد لها(( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ))سورة البقرة. 
    وينتهي بصاحبه للغقلة والضياع وفقدان المسؤوليات، والتباهي وتكريس الطبقية .
    ويزيد الأسى والسوء حينما يطغى المترفون فينسون دينهم، ويفتحون ثغرات للعدو. 
    وتحرص الأعداء على تضخيم الترف ومواده لإشغال الناس واختراقهم بكل تغيير . 
    تنتهي حياة المترفين إلى عبودية شهوانية، وتعلق دنيوي ومالي، وتتساقط الأحلام والغايات
    (( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة)).

    رخصة قيادة الحياة


    القوة الناعمة هي القادرة في هذا العصر على التأثير والتوجيه،ومفتاحها التسامح العملي التطبيقي،فالتسامح واجب أخلاقي، وسياسي، وقانوني، وهو لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل، وإنما يعني إقرار الأفراد والجماعات والدول بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا، ونبذ التعصب والاستبدادية الفكرية

    والتسامح لا يعني كذلك تقبل الظلم الاجتماعي، أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل يعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم...مثله على حد سواء،والدعوة والتعليم؛بالحسنى،وبالعلم،وبالتواصل الحضاري الإيجابي معهم؛هي مفتاح التأثير الإيجابي عليهم للخير
    فالتسامح هو اتساع الكون للخلق بتنوعهم العرقي، والفكري، والثقافي، والعقدي الذي خلقهم الله عليه، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود، 118]، ليتعايش الجميع فيما بينهم ولتتكامل أدوراهم دون طرد أو إقصاء، مع حفظ التمايز والتنوع؛والتسامح بهذا القدر مبدأ إسلامي راسخ، تبدو ملامحه في كل تعاليم الدين وأحكامه،لأنه سلوك واقعي في حياة المسلمين وقيمة تمكين حياة لهم،
    فهو في الإسلام ليس بالكلام النظري المستهلك في قاعات التنظير، وإنما هو أسلوب حياة ومنهج مجتمع، ومن ثم عاشه المسلمون في مجتمعاتهم وطبقوه في حياتهم، سواء في علاقاتهم فيما بينهم، أو في علاقاتهم بغيرهم، ففي المدينة تكونت الدولةالمتسامحة التي حكمتها الوثيقة الفريدة في بابها التي جمعت بين أعراق مختلفة، وأنساب متشعبة، وثقافات متباينة، وديانات متعددة، فقد جاء فيها: "هذا كتاب من محمد
    النبي-صلى الله عليه وسلم- بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. إنهم أمة واحدة من دون الناس، وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا تناصر عليهم، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته،وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم..."
    والنص بكماله في [البداية والنهاية لابن كثير: 3/ 273]
    وهذا فيه بيان سعة سماحة الإسلام وسعة تعامله مع المخالف أيا كان،ولذا فإن ممايجدر التنبيه عليه والإشارة إليه إحياء هذه الروح الطاهرة في حياتنا...روح التسامح ،ورفع مستوى الوعي لإدراك ذلك،وأنه من أشرف مقامات من قام لبيان أمر الله جل وعز..
    إن التسامح هوالقوة الناعمة ، ومن جرب عرف.

    " النجاح الأسري " أطفالنا والتربية الإبداعية


    لقد اهتمت التربية الإسلامية بالطفولة وأولتها مكانًة عاليًة، وذلك لما لها من تأثير في مستقبل الفرد وبالتالي مستقبل الجماعات، لذلك كانت هناك عدة مؤسسات تربوية تعنى بالطفولة مثل المسجد، والمدرسة، ووسائل الإعلام. إلا أن أهم هذه المؤسسات على الإطلاق هي الأسرة، فالأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، ولذلك شرع الإسلام الزواج .

    ووضع أسسًا وقواعد لاختيار الزوجين، أهمها الاختيار على أساس الدين، لهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم راغبي الزواج بأن يظفروا بذات الدين، لتقوم الزوجة بواجبها الأكمل في أداء حق الزوج، وأداء حق الأولاد، على النحو الذي أمر به الإسلام ذلك لتنشأ أسرة صالحة تتسم بالرحمة، والمودة، والألفة، والمحبة، وتكون أساسًا لتربية الأجيال التربية الإسلامية التي تقود إلى رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بسعادة الدارين.
    والأسرة هي المكان الأول الذي يحتضن الطفل ويرعاه رعاية شاملة، لذا كان من المهم في بناء الأسرة المسلمة أن يستشعر كل من الأب والأم مسؤولياتهما المشتركة في تربية الأبناء. وخاصة مع وجود قوى تأثير خارجية. وهذه المسؤولية التي تقع على كاهل الآباء لا تختص فقط بمجال دون الآخر، فالأسرة لها دور في التربية الإيمانية، والجسمية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية. إن مواجهة العالم اليوم لتحديات متعددة ثقافية، واجتماعية، وفكرية، وتقنية، وموجات مختلفة من التغيير في كل الميادين يضاعف دور الأسرة ويزيد من المهمات التي يجب عليها القيام ا لتربية طفلها تربية إسلامية متكاملة.
    إننا نعيش في عصر الاختراعات والابتكارات والإبداعات، ومن هنا لابد للأسرة أن تنهض بدورها لتربي الطفل تربية إبداعية متميزة لتوجد للساحة الإسلامية أعلاما وًنجومًا أمثال الفارابي، وابن سينا، وابن النفيس، والرازي، وغيرهم من العلماء المبدعين الذين أثروا العالم الإسلامي بإبداعاتهم النفيسة. فالأمة الإسلامية اليوم تحتاج لمبدعين يعيدون لها مجدها وحضارتها حتى تصبح هذه الأمة كما كانت في السابق صانعة للحضارة 
    أولا: تعريف الأسرة:
    المعنى اللغوي للأسرة:
    جاء في لسان العرب بأنها: "الدرع الحصينة وفي تاج العروس: الدرع الحصينة كذلك. والأسرة من الرجل الرهط الأدنون وعشيرته ( لأنه يتقوى بهم 
    المعنى الاصطلاحي للأسرة:
    هناك تعريفات متعددة للأسرة تختلف باختلاف وجهات نظر معرفيها، ومن هذه التعريفات:
    الأسرة عند علماء الاجتماع: " المؤسسة الاجتماعية التي تنبعث من ظروف الحياة والطبيعة الإنسانية وهي ضرورة فطرية لحياة البشر واستمرارهم إن هذا التعريف قد ركز على الهدف من وجود الأسرة وهو استمرار الجنس البشري.
    الأسرة هي: نظام اجتماعي ذو خصائص مميزة، وحاجات فريدة، تربط أفراده علاقات قوية ومؤثّرة، بحيث إن أية خبرة تؤثر في أحد الأفراد يصل أثرها إلى الآخرين جميعًا.
    الأسرة هي: ذلك المجتمع الصغير الذي يتكون من الزوج والزوجة والأولاد، وتسوده المودة والرحمة، ويحدث فيه المران والتدريب على كيفية التعامل مع المجتمع الخارجي الكبير.
    ثانيًا: أهمية الأسرة:
    لا يخفى على أحد منا ما للأسرة من أهمية بالغة في تربية الأبناء وتنمية مداركهم وربطهم بالتمتع الخارجي، فهي بمثابة وسيط ينقل ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده لأفرادها. ومن هم أفرادها؟ إنهم فلذات كبد الأب والأم اللذان يضحيان بكل غالي ونفيس من أجل هؤلاء الأبناء. فالأسرة هي المدرسة الأساسية لكل طفل والجماعة
    الأولية التي تغذي أبناءها بكل جوانب المعرفة والثقافة. ومن هنا تتضح أهمية ثقافة ومعرفة الوالدين بشؤون التربية وما ينتج عنها من ثمار.
    والأسرة هي المحضن الأساسي والأول للطفل والتي تؤثر في تصرفاته وسلوكه وآدابه وأخلاقه ولغته،فأول تأثير يتلقاه الطفل في حياته هو تأثير الأشخاص الذين يحيطونه،وهم والده وأهله في المنزل والأسرة " محضن حساس وخطير، إنها مصنع وأي مصنع؟ مصنع الأبطال والعلماء، والتقاة والأتقياء، أو مصنع للعابثين اللاهين والمجرمين المتسكعين"" وقد أثبتت التجارب العملية أن أي جهاز آخر غير جهاز الأسرة لا يعوض عنها، ولا يقوم مقامها، بل لا يخلو من أضرار مفسدة لتكوين الطفل وتربيته"، فمن الصعب إيجاد بديل آخر عن المترل يزود الطفل باحتياجاته الخاصة.
    والتاريخ الإسلامي يقدم لنا نماذج من شخصيات عظيمة كان للجو الأسري أثرًا في بزوغها وإبداعها، فعلى سبيل المثال الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين عندما أتت به أمه أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسّلم لما قدم المدينة، فقالت له: هذا أنس غلام يخدمك فقبله. فأثرت تلك الصحبة أيما أثر، وفي هذا يقول الإمام الذهبي رحمه الله:"فصحب أنس نبيه صلى الله عليه وسلم أتم الصحبة، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر، وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة والأسرة هي لبنة من لبنات المجتمع ، والقاعدة الصلبة التي يقوم عليها بناء المجتمع ، فإذا قامت كل أسرة بتربية أبنائها التربية الإسلامية صلح المجتمع بأسره ونهضت أمة الإسلام وظهر الإبداع في أبنائها. فعلى الآباء أن يتقوا الله في هذه الأمانة لأنهم مسؤولون عنها يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ويقول الإمام الغزالي رحمه الله : "اعلم أن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه جوهرة ساذجة، وهي قابلة لكل نقش، فإن عود الخير نشأ عليه، وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه، وإن عود الشر نشأ عليه، وكان الوزر في عنق وليه، فينبغي أن يصونه ويؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم، ولا يحبب إليه أسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذاكبر.
    رابعًا: دور الأسرة المسلمة في التربية:
    إن وظيفة الأسرة في تربية الأطفال هي وظيفة متكاملة متناسقة متوازنة لجميع جوانب ومطالب نموهم، "فالطفل وحدة واحدة، مكونة من جسم، وعقل وروح. وهذه الوحدة تنموبشكل مطرد ومترابط، والعناية بأحد جوانب هذه الوحدة، يؤثر تأثيرًا مباشرًا في جوانبها الأخرى"( ٤ولهذا سوف يتم تناول الجانب الإيماني والخلقي والنفسي والعقلي والاجتماعي والجسمي وذلك لأهميتها بالنسبة للطفل، ولكن بشيء من الاختصار باعتبار أنها ليست هي موضوع الدراسة الأساسي. أما الموضوع الأساسي وهو الجانب الإبداعي فسيفرد له فصل خاص بإذن الله تعالى، مع العلم بأن هذه الوظائف مجتمعة تؤثر تأثيرًا مباشرًا وقويًا في تربية الإبداع لدى الطفل. كما وسوف يتم التركيز في هذه الوظائف على مرحلة الطفولة من سن 06 إلى 12
    أو لا: دور الأسرة في التربية الإيمانية: إذا أتم الطفل سبع سنين من عمره دخل في سن التمييز، ومنهم من يميز قبل ذلك، ولهذه المرحلة متطلبات إيمانية تناسبها، ويترتب على الأسرة تعويد الطفل عليها.
    والمقصود بالتربية الإيمانية "ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان، وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام، وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة الغراء". وأصول الإيمان هي أركان الإيمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام، " فما أجمل أن " تربي الأسرة المؤمنة وليدها في جو مفعم بالإيمان، يشرق فيه القلب على الجوارح فتنطق بتوحيد الله، وتعمل بأوامر الله، وتؤدي فرائض الله، وتتلو كتاب الله، فتلتقط مخيلة الطفل هذه الصورة الإيمانية السلوكية وتعرضها على الفطرة، فتزداد الفطرة بذلك نفحًا وإشراقًا."فإذا تربى خيال الطفل على الصور الإيمانية، فإن ذلك سيؤثر في إنتاجه الإبداعي الذي سيكون مسخرًا لنفع الأمة الإسلامية.
    بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الإيمانية:
    ١. حث الطفل على تعلم القرآن الكريم: إن القرآن الكريم ليؤثر تأثيرًا عظيمًا في إصلاح النفوس وتزكيتها، ومما لاشك فيه أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. يقول ابن خلدون رحمه الله تعالى: "اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات.وسبب ذلك أن التعليم في الصغر أشد رسوخًا، وهو أصل لما بعده )فحفظ القرآن للطفل وتدارسه يعين على تربية الإبداع لديه
    ٢. حث الطفل على التعرف على صفات النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه الكريمة:
    معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وما جبل عليه من الأخلاق الكريمة، وما أيده الله عز وجل به من المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة، ومعرفة سيرته صلى الله عليه وسلم، وما أيده الله عز وجل به من الانتصارات، ومن المحبة في قلوب أتباعه، فكل ذلك يزيد الإيمان بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن معرفة إبداعاته صلى الله عليه وسلم يجعل منه قدوة إبداعية تحث الطفل المؤمن أن يقتدي بها.
    ٣. حث الطفل على التفكر في مخلوقات الله: أشار القرآن الكريم في مواضع عدة إلى التفكر في مخلوقات الله عز وجل وكيف أبدع سبحانه وتعالى ذلك الخلق، هذا التفكر يمكن أن يكون أداة لتنمية الإبداع في نفس الطفل قال تعالى : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" .
    ٤. حث الطفل على القيام بالعبادات: الطفولة ليست مرحلة تكليف للقيام بالعبادات وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب " حتى يتعلم الولد أحكام العبادات منذ نشأته، ويعتاد أداءها والقيام بها منذ نعومة أظفاره، وحتى يتربى كذلك على طاعة الله، والقيام بحقه، والشكر
    له،والالتجاء إليه، والثقة به، والاعتماد عليه، والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع." وللعبادة فوائدها العظيمة والعجيبة على نفسية الطفل "فهي تشعره بالاتصال بالله تبارك وتعالى، وتهدئ من ثوراته النفسية، وتلجم انفعالاته الغاضبة، فتجعله سويًا مستقيمًا لأنه في هذه الفترة لا تغلب عليه الشهوات، مما يجعل روحه تتجاوب أكثر فأكثر." فهذا الهدوء النفسي والضبط الانفعالي التي توفره العبادة من العوامل الأساسية لتنمية الإبداع، قال رسول الله صلى الله عليه "علموا ابناءكم الصلاة لسبع"
    النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لأنها شعار الدين، وعمود الإسلام، ومن أعظم مظاهر الإيمان. "ويقاس على الصلاة الترويض على بعض أيام الصوم إذا كان الولد يطيقه، وتعويده
    الحج إذا كان الأب يستطيعه."كما وأنه لابد أن يعتاد الطفل على أن كل عمل صالح يقوم به فهو عبادة ويجب أن يبتغي به وجه الله تعالى. فاستذكاره لدرسه عبادة، ونومه المبكر عبادة، وترتيبه لغرفته عبادة، وإبداعاته المفيدة لمجتمعه عبادة، وهكذا.
    ثانيًا: دور الأسرة في التربية الجسمية:
    إن سلامة الجسد أمر ضروري للطفل حث عليه الدين الإسلامي وجعل من حقوق الطفل على والديه الاهتمام بسلامته وصحته، فالطفل صحيح الجسم يكون ذا بنية قوية وذا عقل راجح ومن ثم يستطيع النجاح والإبداع في حياته العملية ويكون فردًا ناجحًا مبدعًا في المجتمع فالإنسان وحدة متكاملة من الجسد والعقل والروح لايمكن تجزئته ولذا وجب الاعتناء بجميع الجوانب حتى ينشأ الطفل صحيحًا سليمًا. وهناك أحاديث كثيرة تبين ضرورة العناية بالجسد حتى يستطيع المسلم القيام بواجباته الدينية من صلاة وصيام وجهاد وحج وغير ذلك قال رسول صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" 
    بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الجسمية:
    1 المحافظة على نظافة البدن والملبس والمكان
    2. إتباع القواعد الصحية في الأكل والشرب والنوم: على الوالدين تعليم أطفالهما كيفية الأكل والشرب والنوم السليم كما حثنا عليه رسولنا الكريم في كثير من الأحاديث، "عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" فمازالت تلك طعمتي بعد.
    3 تعويد الطفل على القيام بالتمارين الرياضية: الرياضة تقوي البدن وتجعله خفيفًا في حركته نشيطًا في القيام بأعماله وهي ضرورية لنمو الطفل، فاللعب بالنسبة للطفل"عمل هام جدًا، ومن خلال انغماسه في اللعب يطور كلا من عقله وجسده، ويحقق التكامل ما بين وظائفه الاجتماعية، والانفعالية، التي تضمن التفكير، والمحاكمات العقلية، وحل المشكلات، وسرعة التخيل، كما وتلعب البيئة الطبيعية، وتوجيه الآباء أدوارًا حاسمة في تطوير الطفل من خلال اللعب.
    4. الوقاية والعلاج من الأمراض: لابد على الوالدين من وقاية أطفالهما من المرض وذلك بتجنب كل ما يؤدي إليه، وذلك لأن الجسم المريض الهزيل لا يستطيع أن يكون مبدعًا منتجًا فعالا كما أن على الوالدين رقية أطفالهما صباحًا مساءً كما أرشدنا إلى ذلك سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، عندما كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما وإذا نزل المرض بالطفل فلابد من الإسراع إلى معالجة الطفل وعدم الإهمال في ذلك لأن ذلك قد يؤدي إلى نتائج تضر بالطفل، وقد "وضع صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة للأمة جميعًا كبيرها وصغيرها، وهي عدم ورود الإنسان المريض الذي يحمل مرضا معديًا إلى تجمع الناس، ولا أن يقوم بزيارة أحد، وذلك لتجنب إصابة المسلمين.
    ثالثًا: دور الأسرة في التربية العقلية:
    التربية العقلية هي: "تربية عقل الطفل بتغذيته بالمعرفة وتدريبه تدريبًا منظمًا على التفكيرالصحيح، والاستدلال الصادق والنظر البعيد حتى يستطيع أن يحسن إدراك ما يحيط به من المؤثرات المختلفة، والظواهر المتعددة بقدر ما يناسب سن الطفل وقدرته العقلية واستعداده الفكري على أن يكون ذلك بطريقة تحبب الطفل فيما يقدم له من معلومات ومعارف وبطريقة تحمله على التفكير فيها، وتشوقه إليها، وتثير انتباهه نحوها."
    فكما أن للأسرة أهمية بالغة في صحة الطفل الجسمية وسلامته، فلها كذلك ذات الأهمية في صحته العقلية " بما يسمعه الأطفال من حكايات وحوادث وقصص..وبما يوجهونه من  أسئلة ويتلقون عليها من أجوبة تغذي عقولهم أو تثير حب الاستطلاع فيهم، وتبعدهم عن الاعتقاد في الخرافات." فلقد حبا الله تعالى الطفل قدرات عقلية عظيمة ما على الأسرة إلا استخراجها وتنميتها وتوجيهها إلى الخير.
    ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين قدوة حسنة في اهتمامهم بالجانب العقلي ورعايته، فهذا لقمان الحكيم يوصى ابنه فيقول:" يابني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة. كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل
    السماء.
    رابعًا: دور الأسرة في التربية الخلقية:
    الأخلاق الفاضلة هي أجمل مايكتسبه الطفل، وكلما كانت راسخة ممتدة الجذور كلما استمرت معه ولازمته طوال حياته أسعدته وأسعدت من حوله، فهي بمثابة مرآة تنعكس فيها شخصيته ويتعامل مع الآخرين على أساسها، وهي من صفات المبدعين، فمن الأخلاق الفاضلة يولد الإبداع. وهذه الأخلاق مستمدة من الدين، فالإسلام هو الذي ينادي بحسن الخلق. ومن كان إيمانه قويًا حسنت أخلاقه والمقصود بالتربية الخلقية: " مجموعة المبادئ الخلقية، والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الطفل ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلى أن يصبح مكلفًا إلى أن يتدرج شابًا إلى أن يخوض خضم الحياة."
    بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الخلقية:
    ١. الوعظ والإرشاد: ويجب أن لايأخذ الوعظ والإرشاد منحىً واحدًا عن طريق التلقين والوعظ الكلامي بل لابد من التنويع في طريقة الوعظ، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون الوعظ عن طريق القصص والمواقف التربوية، فمن الخطأ أن نلجأ إلى وسائل الوعظ
    الكلامي والتلقين، وفرض المبادئ الخلقية فرضًا خارجيًا، والأولى أن نبني هذه التربية عن طريق الإيمان والاقتناع والخبرة التي تتم عن طريق التفاعل الاجتماعي." والوعظ والإرشاد لابد أن يكون حسنًا لينًا حتى يؤتي جدواه." ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"
    ٢. القدوة الحسنة: من أهم وسائل التربية تأثيرًا في نفس الطفل، لذا ينبغي على الأبوين أن
    يكونا قدوة صالحة في جميع تصرفاتهما قال تعالى:"لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة" والأطفال في رأي ابن خلدون "يتأثرون بالتقليد والمحاكاة والمثل العليا التي يروها أكثر مما
    يتأثرون بالنصح والإرشاد." والطفل وإن كان لايدرك كل ما يراه، فإنه يتأثر به كله، فهناك جهازان شديدا الحساسية في نفسه هما: جهاز الالتقاط، وجهاز المحاكاة، وقد يتأخر الوعي قلي ً لا أو كثيرًا، ولكن هذا لا يغير شيئًا من الأمر، فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير( وعي كامل، وهو يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه أو يسمعه 
    ٣. تعريفهم بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام: اعتنت طائفة من أهل العلم بجمع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مؤلفات، لذا فإن على الآباء الاطلاع على هذه المؤلفات العظيمة وروايتها لأبنائهم لتكون خير وسيلة لاقتفاء أثرها والسيرعلى منهاجها .
    خامسًا: دور الأسرة في التربية النفسية:
    المقصود بالتربية النفسية: "تربية الولد منذ أن يعقل على الجرأة والصراحة، والشجاعة، والشعور بالكمال، وحب الخير للآخرين، والانضباط عند الغضب، والتحلي بكل الفضائل ( النفسية والخلقية على الإطلاق. والاهتمام بنفسية الطفل أمر ضروري له فائدته العظيمة في تنمية الإبداع لديه "لأن الطفل الذي يتلقى مزيدًا من العناية في حال حاجته لها يكون جيد السلوك بدونها ، أي عندما يكون في وضعه العادي الطبيعي 
    بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية النفسية:
    ١. إشباع الحاجات النفسية لدى الطفل: " إن الأسرة هي المجال الطبيعي الذي فيه يحقق الطفل إشباع حاجاته الأساسية إلى الحب والتقدير والأمن والطمأنينة، إلى الشعور بالنجاح والازدهار، إن هذه الحاجات النفسية تستمر معه طوال حياته في مرحلة طفولته ثم مراهقته ثم شبابه إلى أن يغدو رجلا يواجه مسؤولياته كفرد ثم كرائد لأسرته الجديدة، وعضو في مجتمع أكبر هو مجتمع الإنسانية فهناك الكثير من الحاجات النفسية التي لابد من إشباعها
    لدى الأطفال وذلك لأن أشياعها يجعل منه مبدعًا منتجًا فيما بعد، أما فقدانها فإنه يؤدي إلى انحرافات سلوكية يصعب علاجها بعد ذلك. وقد ذكر بعض من علماء التربية كثيرًا من : هذه الحاجات منها الحاجة إلى الحب والمحبة: فالطفل الذي لا يشبع هذه الحاجة، فإنه يعاني من الجوع العاطفي ويشعر أنه غير مرغوب فيه.
    الحاجة إلى الحرية والاستقلال: يحتاج الطفل إلى تسيير أموره بنفسه دون معاونة الآخرين  مما يزيد من ثقته بنفسه، فيجب تشجيع التفكير الذاتي المستقل لدى الطفل ومعاملته على أن له شخصيته المستقلة ووجهة نظره الخاصة. فهذه من الأمور التي تنمي لدى الطفل روح الإبداع. الحاجة إلى سلطة ضابطة موجهة: لأن سلوك الطفل ما زال غير ناضج وخبراته فجة، إلا أن هذه السلطة يجب أن تراعي مستوى الطفل وأن تكون حازمة حنونة في نفس الوقت. الحاجة إلى التحصيل والنجاح: هذه الحاجة أساسية في توسيع مدارك الطفل وتنمية شخصيته، لذا فهو بحاجة إلى تشجيع الكبار وغرس روح الشجاعة فيه.
    الحاجة للتقدير واحترام الذات: هذه الحاجة تساعده في تحسين سلوكه لأنه يسعى  للحصول على المكانة المرموقة التي تعزز ذاته، وتؤكد أهميتها.
    الحاجة إلى الأمن والطمأنينة: إن الطفل يحتاج إلى الرعاية في جو آمن، يشعر فيه بالحماية  من كل العوامل الخارجية المهددة.
    ٢٢. تحقيق الاستقرار الأسري: إن الاستقرار الأسري أمر في غاية الأهمية في سبيل تربية أطفال أسوياء مبدعون منتجون. فكثرة الخلافات بين الوالدين والطلاق وكثرة انشغال الآباء عن أبنائهم يفقد الأسرة استقرارها وبالتالي يشعر الأطفال بفقدان الأمن وتنطبع لدى الأطفال صورة سيئة عن المستقبل الذي سيواجهونه. لذا على الآباء أن يفكروا كثيرًا قبل الاسترسال مع خلافاتهم، وأن يدركوا أثر هذه الخلافات الأسرية على أطفالهم الذين هم أغلى ما يملكون.
    وقد أسفرت دراسات عديدة "عن وجود ارتباط موجب بين التوتر الذي يشيع في جو الأسرة نتيجة لخلافات الوالدين، وبين أنماط السلوك لدى الأبناء... كالغيرة والأنانية والخوف وعدم الاتزان الانفعالي."
    ٣٣. تكوين اتجاهات إيجابية نحو الأطفال: تقبل الآباء لأطفالهم بكمالهم ونقصهم يسهم في تدعيم الصحة النفسية لهؤلاء الأطفال، بعكس حالة الآباء النابذين لأبنائهم والذين لا يقدمون لهم الحب ولا يهتمون بشؤون حياتهم مما يضر بصحتهم النفسية. لذلك فإن على الآباء أن يكونوا اتجاهات إيجابية نحو أطفالهم دون مغالاة أو تقتير، وأن يتمتعوا بهم ويعطونهم كل الفرص المواتية للنمو والنضج واكتساب الخبرة، وأن لا يحرموهم من هذا بدافع الخوف عليهم 
    سادسًا: دور الأسرة في التربية الاجتماعية:
    المقصود بالتربية الاجتماعية: "تأديب الولد منذ نعومة أظفاره على التزام آداب اجتماعية فاضلة، وأصول نفسية نبيلة تنبع من العقيدة الإسلامية الخالدة، والشعور الإيماني العميق، ليظهر الولد في المجتمع على خير ما يظهر به من حسن التعامل، والأدب، والاتزان، والعقل الناضج، والتصرف الحكيم وقد اهتم الإسلام بالتربية الاجتماعية "لأنها تمثل الظواهر السلوكية والوجدانية المترتبة على التربية الدينية والخلقية والنفسية، والأسرة هي التي تنقل القيم والمعايير والثقافة من المجتمع إلى أبنائها بصورة انتقائية بمعنى أنها تنتقي مايلائم أطفالها من القيم والمعايير والثقافة السائدة في المجتمع وذلك وفقًا للشريعة الإسلامية ومن ثم تخرج الأسرة أبناء يكون لهم تأثيرهم القوي في مجتمعاتهم.
    بعض الوسائل المعينة على تحقيق التربية الاجتماعية:
    ١. تعليم الآداب والأحكام الشرعية في الحياة الاجتماعية: إن التربية الإسلامية معين لا ينضب من الآداب الاجتماعية التي لو غرستها الأسرة في أبنائها وطبقوها التطبيق الصحيح لكان المجتمع مجتمعًا إسلاميًا رفيع المستوى. ومن الآداب الاجتماعية آداب الطعام والشراب، وآداب المشي والكلام والجلوس، وآداب التعامل مع الكبار والمعلم والجار والصديق،وآداب الاستئذان وغيرها الكثير الكثير من الآداب الاجتماعية التي ينبغي على الآباء تعليمها لأبنائهم وذلك لأن ممارسة هذه الآداب من قبل الطفل تزيد من ثقة الطفل بنفسه مما يشجعه على الإبداع في مستقبل حياته 
    ٢. تنمية قدرة الطفل على إقامة علاقات اجتماعية ناجحة: على الوالدين تعويد وتدريب أطفالهما كيفية التعامل مع الآخرين (الأصدقاء ،الجيران، الأقارب، زملاء الدراسة) ليعيشوا حياتهم مع أفراد المجتمع بيسر وسهولة ويكونوا علاقات حميمة مع أفراد مجتمعهم. فالتعامل البارع مع الآخرين إبداع في حد ذاته، فالطفل يتعلم التعاون مع الآخرين واحترامهم واحترام آرائهم ومراعاة مشاعرهم عندما يمارس ذلك في محيط أسرته فينشأ على كره التباغض، والتحاسد، والهجر.
    ٣٣. تنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية: الشعور بأن الفرد مسؤول عن الجماعة المحيطة به أمر في غاية الأهمية فالفرد مرتبط ارتباطًا شديدًا بمجتمعه، ومن الصعوبة بمكان الحياة بدون المجتمع أو بمعزل عنه،فالمجتمع هو مصدر لأنسه وأمنه وسعادته، وعلى كل فرد في هذا المجتمع واجبات ومسؤوليات نحو مجتمعه، ولذا كان لزامًا على الوالدين تنمية هذه المسؤولية في نفوس أطفالهما من الصغر حتى يألفوها في الكبر
    أولا :تعريف الإبداع:
    الإبداع في اللغة:
    الإبداع في اللغة مشتق من الفعل بدع أو أبدع. وقد ورد معنى الإبداع في كثير من معاجم  اللغة مثل:
    مختار الصحاح: "ب د ع أبدع الشيء اخترعه لا على مثال، والله بديع السماوات 􀂃 والأرض أي مبدعهما، و البديع المبتدع و المُبتدع أيضا، و أبدع الشاعر جاء بالبديع وشيء بدع بالكسر أي مبتدع وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع ومنه قوله  " ما كنت بدعا من الرسل" مما سبق يتضح أن المعنى اللغوي للإبداع هو الإتيان بالجديد الذي لا سابق له.
    الإبداع في اصطلاح علماء الإبداع:
    بعد الاطلاع على العديد من الدراسات التي تناولت الإبداع، اتضح أنه لا يوجد تعريف جامع مانع للإبداع، فمفهومه يختلف من باحث لآخر ومن فئة لأخرى، وذلك الاختلاف يعود لاختلاف الزاوية التي ينظر كل منهم للإبداع مما أدى إلى وجود عدد كبير من التعريفات. إلا أنه يمكن تصنيف هذه التعريفات إلى أربع فئات كما أشار إلى ذلك عدد من الباحثين في مجال الإبداع( ١) منهم: خليل المعايطة، وزيد الهويدي، وسعيد العزة، وفتحي جروان، وسناء حجازي، وهذه التصنيفات هي:
    ١. تعريفات تركز على العملية الإبداعية أو الكيفية التي يبدع المبدع عمله ومن هذه التعريفات:
    تعريف تورانس( ٢: يعرف تورانس الإبداع على أنه: " عملية تشبه البحث العلمي، فهو 􀂃 عملية الإحساس بالمشاكل، والثغرات في المعلومات، وتشكيل أفكار أو فرضيات، ثم اختبار .( هذه الفرضيات و تعديلها حتى يتم الوصول إلى النتائج"( ٣  " هو قدرة عقلية يحاول فيها الإنسان أن ينتج ( فكرة ، وسيلة ، أداة، طريقة...) لم تكن􀂃 ( موجودة من قبل، أو تطوير رئيسي لها دون تقليد، بما يحقق نفعًا للمجتمع."( ٤( "الإبداع عملية مزج عناصر في قالب جديد يحقق فائدة معينة. "( ٥ 􀂃 " جهد مكثف، أثناءه ينتج الشخص شيئًا غير محدد بأي ظروف خارجية، وهو يمنح 􀂃
    ( المتعة أثناء العمل ويمنح الرضا عندما يكتمل."( ٦٢. 
    تعريفات تركز على السمات الشخصية للمبدعين ومنها:
    تعريف جيلفورد الإبداع سمات استعدادية تضم طلاقة التفكير ومرونة التفكير( والأصالة والحساسية للمشكلات وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات
    ٣. تعريفات تركز على الإنتاج الإبداعي ومنها:
    الإبداع هو:"عملية ينتج عنها عمل جديد يرضي جماعة ما أو تقبله على أنه مفيد
    عمل هادف يقود إلى نواتج أصيلة وغير معروفة سابقًا التميز في العمل أو الإنجاز بصورة تشكل إضافة إلى الحدود المعروفة في ميدان معين  " الوحدة المتكاملة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعية التي تقود إلى تحقيق إنتاج جديد  ( وأصيل،وذي قيمة للفرد أو المجتمع الذي يعيش فيه
    ٤. تعريفات تركز على البيئة المبدعة:
    ويقصد بالبيئة المبدعة: " المناخ بما يتضمنه من ظروف ومواقف تيسر الإبداع أو تحول ( دون إطلاق طاقات المتعلم الإبداعية
    ومن هذه التعريفات:
    الإبداع هو: " إنتاج جديد يتوصل إليه الفرد من تفاعله مع المثيرات البيئية المتاحة" 
    الإبداع هو:" ظاهرة اجتماعية ذات محتوى ثقافي وحضاري، وأن الفرد يصبح جديرًا  بصفة المبدع إذا تجاوز تأثيره على المجتمع حدود المعايير العادية، وبهذا المعنى يمكن النظر للإبداع باعتباره شكلا من أشكال القيادة التي يمارس فيها المبدع تأثيرا شخصيا واضحا على الآخرين". إلا أن هناك بعض التعريفات قد جمعت بين هذه الفئات ومنها:
    الإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا ما وجدت  بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتاجات أصيلة وجديدة سواء بالنسبة لخبرات الفرد أو خبرات المؤسسة أو المجتمع أو العالم إذا كانت النتاجات من مستوى الاختراقات الإبداعية في أحد ميادين الحياة الإنسانية١
    الإبداع هو: " عملية عقلية تعتمد على مجموعة من القدرات العقلية o (الطلاقة،والمرونة،والأصالة) وسمات الشخصية( الشخصية المبتكرة)،وتعتمد أيضًا على بيئة ميسرة لهذا النوع من التفكير، لتعطي في النهاية المحصلة الابتكارية وهي الإنتاج الابتكاري
    ( الحلول الابتكارية لمشكلة ما) الذي يتميز بالأصالة والفائدة والقبول الاجتماعي وفي نفس ( الوقت يثير الدهشة لدى الآخرين."( ٢ وهناك تعريفات أخرى للإبداع لا تدخل ضمن التصنيفات السابقة الذكر ومنها:
     الإبداع هو: " أن ترى مالايراه الآخرون." ( ٣ 􀂃
    " الإبداع يحدث عندما يستطيع الفرد إدراك العلاقة بين شيئين بطريقة ما لينبثق عنها 􀂃 ( ظهور شيء ثالث مخالف لشكليهما الأولين." ( ٤ " الإبداع نمط حياة، وسمة شخصية، وطريقة لإدراك العالم، فالحياة الإبداعية هي تطوير 􀂃 لمواهب الفرد واستخدام لقدراته، فهذا يعني استنباط أفكار جديدة وتطوير حساسيته ( لمشاكل الآخرين." للتسهيل على الباحثين في هذا المجال صنفت هذه التعاريف إلى أربع فئات: o  فئة ركزت على العملية الإبداعية، وفئة أخرى ركزت على السمات الشخصية للمبدع، وفئة ثالثة ركزت على الناتج الإبداعي، أما الفئة الرابعة فركزت على البيئة الإبداعية.
    حاول جروان و عبادة أن يجمعا بين هذه الفئات الأربع في تعريف واحد. لاتدخل جميع التعريفات ضمن الفئات الأربع المذكورة، فهناك تعريفات تعتبر الإبداع o  في القدرة على الربط بين أشياء موجودة معروفة للوصول إلى شيء جديد غير معروف مسبقًا، أوهو رؤية الشيء الذي لا يستطيع الآخرون رؤيته، حيث أن هناك أمورًا كثيرة قد يراها كثير من الناس ولكن لا تشكل لهم أي قيمة، إلا أن الشخص المبدع عندما يراها يربطها بعلاقات أخرى فيخرج من ذلك بفكرة إبداعية. وهذا ما حدث مع نيوتن عندما  رأى التفاحة تسقط من الشجرة، فكثير من الناس يرون سقوط التفاحة ولكن رؤية نيوتن لذلك السقوط هداه إلى قانون الجاذبية. كما أن هناك من ينظر إلى الإبداع بمعناه الواسع   على أنه أسلوب حياة.
    عرض هذا الكم من التعريفات هو محاولة لإعطاء صورة شاملة عن الإبداع بجميع  أبعاده وذلك لأن معرفة ماهية الإبداع يسهل على الآباء البحث عنه و تنميته لدى أطفالهم.
    والتعريف الذي أتبناه هو تعريف الموسوعة الفلسفية العربية والتي تعرف الإبداع بأنه: "إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة في أحد المجالات   كالعلوم والفنون والآداب".( ١
    الإبداع والابتكار: هناك من فرق بين الإبداع والابتكار باعتبار أن الابتكار أعلى مستوى من الإبداع، "فالإنسان يمكنه أن يحقق الإبداع، ولكن قد يكون سبقه أو تساوى معه غيره، فبذلك يكون مبدعًا، ولا يكون في ذلك ابتكارًا. ولكنه عندما يصل إلى شيء
    ( مبدع لم يسبقه إليه غيره فهو الابتكار."(
    مستويات الإبداع:
    هناك عدة مستويات للإبداع، ولا تخلو حياة الفرد من الإبداع، فقد يكون إبداعًُا بسيطًا  كإبداع الطفل في حل مسألة حسابية، أو إبداع الفتاة في حياكة سترة جميلة جذابة. وقد يصل إلى قمته عند وصوله إلى المخترعات والمبتكرات التي تغير مجرى حياة المجتمعات. لذلك وضع العديد من الباحثين عدة مستويات للإبداع وقد يسميها البعض أنواع الإبداع، وهي: 
    ١. الإبداع التعبيري: وهو " تطوير أفكار فريدة بغض النظر عن نوعيتها، كما هو الحال في الرسوم العفوية للأطفال."( ٢)وكذلك كتابة قصة أو عمل لوحة فنية.
    ٢. الإبداع الابتكاري: "ويشير إلى البراعة في استخدام المواد لتطوير استعمالات جديدة لها ( دون أن يمثل ذلك إسهامًا جوهريا في تقديم أفكار أو معارف أساسية جديدة."( وهذا يعني استحداث شيء جديد لأول مرة إلا أن عناصره والأجزاء المكون منها موجودة من قبل ولكن تم إدخال تعديل وتغيير عليها يجعلها تأخذ شك ً لا جديدًا وتؤدي مهمة مميزة مثل اختراع الكمبيوتر.
    ٣. الإبداع التجديدي: " ويعني قدرة الفرد على دراسة نظريات أو قوانين أو مبادئ ( وتقديم إضافات جديدة."( ١ مثال على ذلك الهاتف المحمول، فقد كان الهدف من استخدام الهاتف المحمول هو التواصل بين الأفراد، فأضافوا إليه إضافات إبداعية مثل الآلة الحاسبة، والمنبه، والتقويم، و الكاميرا، وغير ذلك.
    ٤. الإبداع التخيلي: هو أعلى مستويات الإبداع وأندرها ويتحقق فيه الوصول إلى مبدأ ( أو نظرية أو افتراض جديد كليًا، مثال على ذلك أعمال أينشتاين في العلوم.
    صفات المبدعين:
    إن الإبداع متوفر لدى كل الأفراد، ولكن بدرجات متفاوتة من فرد لآخر، فهو ليس حكرًا على فئة دون أخرى. والبيئة لها دور في زيادة الصفات الإبداعية لدى الأطفال. وتلعب التنشئة الأسرية والظروف المحيطة دورًا هامًا في استمرار تنمية هذه الخصائص مع التقدم في السن، بينما قد يؤدي عدم توافر الرعاية السليمة إلى إخفاء كثير من هذه الخصائص. والصفات الإبداعية ليست ثابتة ولكنها تتطور من خلال التفاعل مع المحيط، وعليه فإن بعض الخصائص قد لا تظهر لدى بعض الأطفال في مراحل مبكرة من نموهم ولكن يمكن أن تظهر في مراحل متأخرة تبعًا للرعاية التي توفرها بيئاتهم .
    إلا أن هذه الصفات الإبداعية تبدو أكثر وضوحًا في الأشخاص ذوي الإبداع العالي، ثم إنها لا تتوفر جميعها في الشخص المبدع، فقد يتوفر بعض منها. وغياب بعضها لا يعني عدم القدرة على الإبداع. ويقرر شتاين أمر في غاية الأهمية بالنسبة لصفات المبدعين وهي " أنه ليس هناك رأي قاطع حول ما إذا كانت خصائص الشخصية تسبق ابتكارية الشخص أو تليها بمعنى هل كانت هذه الخصائص هي السبب في إبداعية الفرد أم أنها من نتائج هذه الإبداعية.
    يصنف عدد من الباحثين خصائص المبدعين إلى ثلاث فئات وهي:
    خصائص معرفية. 􀂃
    خصائص الشخصية والانفعالية. 􀂃
    خصائص تطورية. 􀂃
    أو لا: الخصائص المعرفية:
    تضم الخصائص المعرفية للمبدعين مجموعة من السمات والقدرات وأساليب معالجة المعلومات والتي يمكن ذكر بعض منها فيما يلي:
    ١. القدرة على التعامل مع الألفاظ والرموز المجردة : حيث يظهر الأطفال في الأسرة وفي المدرسة القدرة اللغوية والقدرة على استخدام الكلمات في جمل تامة، كما أنهم  يظهرون قدرة واضحة في استخدام الأعداد ومدلولاا بشكل متقن رغم حداثة سنهم،
    لذلك من أهم القدرات التي يتصف ا المبدع هي قدرته على فهم الرموز واستخدامها ( بشكل صحيح. ( ١
    ٢. حب الاستطلاع : يمتلك الفرد المبدع رغبة قوية في التعرف على ماحوله وفهمه وذلك عن طريق قوة ملاحظته للأشياء وطرح الكثير من الأسئلة. وهنا لابد للآباء أن يكونوا على درجة من الوعي لإجابة أسئلة أطفالهم بجدية وعدم إهمالها، بل وعلى العكس
    من ذلك فلابد من تشجيعهم على إثارة الأسئلة ومناقشتها معهم. فالطفل المبدع " دائم السؤال عن كل ما يقع عليه حسه، ويريد أن يعرف كيف ولماذا حدثت الأشياء وذلك ( بتوجيه كثير من الأسئلة الاستثارية."( ٢ وحب الاستطلاع يتضمن الخصائص التالية:
    أ- "الاستجابة الإيجابية للعناصر الجديدة أو الغريبة أو المتعارضة أو الغامضة في البيئة، والتحرك نحوها، ومحاولة استكشافها.
    ب - إظهار الفرد حاجة أو رغبة نحو مزيد من المعرفة لنفسه ولبيئته.
    ج - تفحص البيئة بحثًا عن الخبرات الجديدة.
    د- المثابرة في فحص أو استكشاف المثيرات من أجل مزيد من المعرفة.
    ٣. قوة الذاكرة: يمتاز الفرد المبدع بقدرته على اكتساب كم هائل من المعلومات وحفظها في وقت قصير، وذلك يعود إلى الغايات والأهداف التي يرمي إليها من جراء اكتسابه لهذه المعلومات. فالذاكرة عملية معقدة تتطلب إرادة من جانب الفرد في عمليتي الحفظ والتذكر والعملية المعقدة بحد ذاتها ذات شطرين:
    جانب ذاتي: يتوقف على حالة الفرد النفسية، ووضعه الجسمي، وما يرمي إليه من غايات وأهداف في الحفظ.
    جانب موضوعي: يتعلق بالمادة المراد حفظها، ونوعها، والتكرار، والتسميع والتاريخ الإسلامي مليء بالمبدعين الذين برزوا في الحفظ أمثال أبي هريرة رضي الله عنه الذي كان من أحفظ الصحابة، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أكثر حديثًا من أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.( 
    ٤. الاستقلالية: الفرد المبدع لديه الرغبة للعمل بمفرده، واكتشاف الأشياء بطريقته الخاصة، والتمتع بكفاءته الذاتية، وعدم التبعية لغيره. والاستقلالية أيضا في إصدار الأحكام.
    و" استقلال المبتكر في تفكيره وعدم خضوعه إلى ما هو مألوف يبدأ بإدراك الفرد لما لا يدركه الآخرون ممن يعملون في مجاله
    ٥. قوة التركيز: وتعني " القدرة على تركيز الانتباه والتفكير في مشكلة معينة زمنًا طوي ً لا، وبمعنى آخر هو التركيز على العمل الذي يقوم به الفرد لفترات لا حد لها بصورة تمكنه من ( الوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه."( ٣ فالفرد المبدع يتمتع بقدرة فائقة على التركيز سواء عند إيجاد حل لمشكلة أو عند القيام بمهمة ما دون المبالاة بالمشتتات من حوله من ضوضاء وغيرها، ودون الالتفات إلى ما يصادفه من عقبات وذلك لأن جل تفكيره في الهدف الذي يسعى لتحقيقه.
    ٦. حب القراءة: يتصف الأفراد المبدعون بأنهم يحبون القراءة والمطالعة للكتب المتنوعة والمتعمقة،"وحتى قبل تعلم القراءة فإنهم يظهرون مستويات متقدمة من التطور اللغوي والقدرة اللفظية."( ٤) فهم يميلون إلى قراءة العلوم والتاريخ والتراجم والقصص والشعر وقراءة كتب الكبار ومجلاتهم، ويصرفون جزءًا كبيرًا من وقتهم في القراءة المتعمقة برغبة قوية في المعرفة. ويمكن تلخيص نتائج العديد من الدراسات التي أجريت في مجال القراءة بالنسبة
    للأطفال المبدعين وهي: "سن مبكرة يتعلمون عندها القراءة
    ميل غير عادي للقراءة.  نضج مبكر في قراءة كتب الكبار.
    . تنوع الاهتمامات: يتصف المبدعون بتنوع اهتماماتهم وهواياتهم وكثرتها ، وربما كانت الدافعية والفضول والقدرة على الاستيعاب هي التي تقود إلى تطور مستويات متقدمة من الاهتمامات"
    . الخيال الخصب: يغلب على المبدع التخيل في جميع المواضيع،"وهو مؤشر إيجابي للاستعداد الإبداعي ومعناه انطلاق الأفكار غير التقليدية بحرية دون تقييد أو تقييم، فالأطفال الذين يشتركون في التخيل من المحتمل أن يكونوا مفكرين خياليين، ونشاط التخيل ( بما فيه اللعب التخيلي يزيد من الذخيرة السلوكية للطفل وينمي التفكير الإبداعي لديه  "فالمبدعون من العلماء هم أناس حالمون عبروا حدود الحقائق إلى مرافئ الخيال لكي يعودوا مرة أخرى إلى عالم الحقائق ويحولوها إلى أشياء أقرب للخيال."( ٦)ويمكن للأسرة أن تحفز خيال الطفل بتوفير قصص الخيال العلمي لهم ومشاركتهم في قراءتها.
    .القدرة على النقد: فالمبدع يمتلك القدرة على النقد من جانبين: إحداهما نقد مواطن القصور أو الخطأ، والثانية إيجاد البدائل المقترحة للحلول محل مايحذف أو يعدل. "ولا يقتصر المبدع على نقد الآخرين، بل هو ينقد نفسه بصفة مستمرة. وقد يكون هذا هو سر التطور المستمر للعمليات الإبداعية التي يضطلع عليها الشخص المبدع ، فهو لا يخجل إذا ما اكتشف معايب معينة فيما انتهى إليه من نشاط إبداعي. وإذا كان هذا هو حاله إزاء نفسه، فإنه حاله أيضا إزاء الآخرين الذين يهتم بأعمالهم وأنشطتهم."( ١) ومما يلاحظ على العالم المبدع التحلي بالشك العلمي " مما يدفعه إلى ملاحظة الظواهر بشكل دقيق، واكتشاف الأخطاء أو العلل، والتعرف على الفروض الباطلة والحقائق الزائفة واستبعادها
    ثانيًا: الخصائص الشخصية والانفعالية:
    ١.حس الدعابة و المرح: يمتلك المبدعون حس الدعابة والمرح، ولقد قام تورانس بدراسة للمقارنة بين مجموعة من أطفال المدارس الابتدائية ذوي الإبداع العالي ومن هم أقل منهم إبداعًا، فوجد أن تلاميذ المجموعة الأولى أكثر مرحًا، ولديهم شهرة واسعة بين زملائهم لما يقدمون من أفكار غريبة
    ٢.تقدير الذات: تقدير الذات يعني "تقييم الفرد لذاته، ودرجة ثقته بقدرته وتميزه ونجاحه وقيمته." (واتصاف المبدعين بهذه الصفة يؤدي إلى " التمتع بروح المغامرة، وعدم الخوف من الظهور بشكل معارض أو مخالف للآخرين، وزيادة الشعور والرغبة في التحدي، مع عدم التخلي عن مستوى الالتزام الاجتماعي) فهو يقدر ذاته كما يقدر الآخرين ويحترم آراءهم. ولقد ظهرت هذه الصفة بشكل واضح في عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عندما وجد لنفسه الأحقية في تناول الشراب بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لتحصل له البركة من سؤر النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من وجود من هو أكبر منه سنًا. ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : والله يا رسول الله لن اوثر بنصيبي منك أحدا" فتله رسول الله في يده .
    ٣.القيادية: يتصف المبدعون بالقدرة على التأثير على الآخرين، وإقناعهم، وتوجيههم. 
    ومن مظاهر القيادية التي يتصفون بها القدرة على التفكير، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات والالتزام بها ، والثقة بالنفس، وركوب المخاطر إذا لزم الأمر، والعمل باستقلالية، والصدق مع النفس، والتوجه الإيجابي لمساعدة الآخرين عند الحاجة، والمبادرة
    ٤.المثابرة وطول النفس: بمعنى أن المبدع يستطيع أن يقوم بعمل واحد فترة طويلة من الزمن بلا ملل أو ضجر وقد يمتد هذا العمل إلى سنوات، وقد يستغرق ساعات طويلة يوميًا في سبيل الوصول إلى نتيجة إبداعية. "وفي الواقع فإن لدى كثير من الناس استعدادات طيبة للإبداع ولكنهم لا يتمتعون بطول النفس والمثابرة وإعطاء العمل الإبداعي حقه من الوقت والجهد وبذلك فإنهم يجهضون طاقتهم الإبداعية قبل أن تبلغ إلى مرحلة جني الثمار الإبداعية."( ٢) وهذه المثابرة تعود إلى إحساسهم الشديد بالمسؤولية تجاه ما يقومون به من أعمال إبداعية. وفي التاريخ الإسلامي الكثير من النماذج الإبداعية التي اتصفت بذه الصفة، فهذا الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى "قد استمر في تنقيح كتابه الموطأ سنين طويلة،
    أخرج خلالها علماء المدينة كتبًا كثيرة في الأحاديث لآثار الصحابة أسموها الموطآت فسبقوه فيها، فقيل لمالك: شغلت نفسك بهذا الكتاب وقد شركك فيه الناس وعملوا أمثاله، وأخرجوا ما عملوا، فقال: ائتوني بما عملوا. فأتوا به فلما فرغ من النظر فيها، قال: لا يرتفع إلا ما أريد به وجه الله. والحق أن شيئًا من تلك الكتب لم يذكر بعد"، أما الموطأ فقد أنجزه مالك بن أنس بعد أن قضى فترة طويلة، فكان إبداعًا بحد ذاته. والعالم الفذ البيروني الخوارزمي، كان مثابرًا على طلب العلم والمعرفة حتى أنه كان على فراش الموت فطلب من عالم يعوده جوابًا لمسألة ما، فبكى العالم وقال له: أعلى فراش الموت ( تطلب العلم، فرد البيروني: أخشى أن ألقى ربي جاهلا.
    يتبع ....