السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2015-11-29

دركات الظلم




الحمد الله الذي حرم على عباده الظلم والطغيان وأوعد الظالمين بالعقوبة والخسران وجعل دعوة المظلوم مستجابة لإقامة العدل والميزان وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، الذي حرم الظلم على نفسه فأفعاله وأحكامه دائرة بين العدل والإحسان .
الحمد الله الذي دعاء إلى المحبة والسلم ومنع البغي والظلم.
الحمد الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى من بني عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً.وبعد:

فإن الظلم عاقبته وخيمة ، ولا يصدر إلا من النفوس اللئيمة، آثاره متعدية خطيرة.
والمتأمل لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجد نصوصاً كثيرة قد ذمت الظلم وحذرت العباد منه ، وقد ذكر الله تعالى الظلم في أكثر من 240 موضعاً في كتابة وهذا دليل على خطره.
وقد وصف الراغب الأصفهاني الظالم بأنه: يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس، ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تقاضي العدالة بالطبع والخُلق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة، فقد انسلخ من الإنسانية.
وحرم الله الظلم بين عباده، ليحفظوا بذلك دينهم وتستقيم دنياهم، وليصلحوا بترك الظلم آخرتهم وليتم بين العباد التعاون والتراحم بترك الظلم، وليؤدوا الحقوق لله وللخلق .
وكم من دعوة مظلوم قصمت ظهر طاغية والعدل أساس الملك، ولا يظلم ربك أحد، كم من بيوت كانت تعج بالظالمين، ماتوا فصارت الديار بلاقع، كم من ظلمة قطع الله دابرهم.
فإن ظلم الظلمة أقبح الظلمات وهي أشد من ظلمة الليل لأن ظلمته مربوطة بظلمه يوم القيامة يوم الهول والنشور.
الظالم جعل الله عقوبته أن يعاقب بآثام من ظلمه، ويكون ذلك عقوبة له على ظلمه، وعلى ما أكتسبه لا أن يكون مؤخذاً بذنب غيره، أو معاقباً على ظلمه ثواب صبره على ما أصابه، فقد قال الله تعالى ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب))

ويعاقب الظالم بذهاب حسناته وعقوبة ما جنى المظلوم، وذلك جزاء ظلمه وعقوبة ما جنته يداه ولسانه وقلمه.
ولا جرم أن الظلم وخيم العاقبة، شديد النكاية، يمزق أهله كل ممزق، ويبيدهم شر إبادة، يخرب الديار ويقصم الأعمار، والله جعل على أهله دماراً ومأثما، فكم قصم به من أمم، وفرق به جماعات، وخرب به حصون ، وأفنى به جيلاً، وسقطت به دول وحكومات،وأهلك به أمماً قال الله تعالى (( وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين )).( ( الأنبياء: 11 ))
وقال عز وجل ((وتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ))( النمل: 52 ).
فما بال أقوام يظلمون الناس بغير حق، ويعذبون العباد ويظنون أن السلطة التي في أيديهم والمال الذي في خزائنهم والقوة التي في أجسادهم هي حصون تمنعهم من الله تعالى ألا فليعلموا أن الله بطش شديد .
فحق المظلومين يهدر، وسيوف - الظالمين تحز رقاب المستضعفين- ألا فاتقوا الله تعالى مظالم العباد ، بأخذ أموالهم، والتعرض لأعراضهم، وتضييق قلوبهم، والإساءة إلى الخلق في معاشرتهم، فإن ما بين العبد وبين الله تعالى فالمغفرة إليه أسرع.
ودعوة المظلوم تفعل ما تفعله الأسنة اللامعة، والسيوف القاطعة، والظالم مشؤوم، وصاحبه ملوم، فلا يغتر الظالم بعدم، عجلة الله بالعقوبة، فما يعجل إلا الذي يخاف الفوت، وقدرة الله نافذة ، فهو يمهل ولا يهمل، وكما يقال لو بغى جبل على جبل لدك الله الباغي منهما.

فيا مبادراً بالظلم ما أجهلك ، إلى متى تغتر بالذي أمهلك، كأنه قد أهملك ، فكأنك بالموت وقد جاء بك وأنهلك، وإذن بالرحيل وقد أفزعك الملك ، وأسرك البلاء بعد الهوى وعقلك،وأنت على وزر عظيم وقد أثقلك وقد أثقلك يا مطمئناً بالفاني ما أكثر زللك، ويا معرضاً عن النصح كأن النصح ما قيل لك، وقد نزلت بهم الفواجع ، وحلت بهم الموجع .
فكم في المجتمع من الظلم بين فئاته يقع على العمال الوافدين الذين لم يعطوا حقوقهم ، وكم من أرملة قتل زوجها ظلماً، وكم من ثكلى فقدت أولادها بغياً ، وكم يتيم قتل أباه غدر وكم من شعب طرد من بلده عسفاً، كم من فقير هدمت بيته أشراً وبطراً ، كم من الظلم يقع من الوالدين على أبنائهما وعلى الوالدين من أبنائهما؟ كم هم الذين يظلمون أقاربهم ويظلمون جيرانهم وزملائهم؟ سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل، بأكل حقوقهم أو التقصير في واجباتهم فالأب الظالم لبناته بالتحجير عليهن، أو عضلهم من الزواج لأجل رواتبهن أو رغبة في خدمتهن له.
والزوج الظالم لزوجته ومنعه حقوقها أو ربما الزوجة تظلم نفسها وزوجها بمنعه حقه، أو صده عن بر والديه، أو صلة رحمة ، أو إنفاقه فضل ماله فيما لا يحل وليتق الله الزوج الظالم ويتفكر لو دعت الزوجة عليه في حالة الظلم فلعل الله يقبل دعاءها فيهلك الظالم ولو بعد حين.
أو يظلم الأب لأولاده كأن لا يعدل بينهم في الوصية وكأن يرى منهم المنكر ولا ينكره عليهم أو يأتي إليهم بالمنكرات ويدعوهم إليها كمن يأتي لأولاده بالدش وغيره.
والمسئول في دائرته وسلطانه حين يحابي قرابته على سبيل مصلحة الناس فيه ظلم لنفسه ولأمته.
فليحمد الله المظلوم بعد ظلمه أنه مظلوم وليس ظالم فإذا جاء الظالم نادماً يطلب منه العفو والصفح فليتذكر قول الله عزوجل (( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )).
فكل من ظلم لعلها توقظه فإن لم يعد إلى الحق فلينتظر نصيبه من العقوبة كما حصل لغيره كثير والله المستعان.

منصور محمد الشريدة

الإحسان عبادة الأبرار


الإحسان مستق من «الحُسن» الذي هو الجمال والبهاء لكل ما يصدر من العبد من خطرات ونبرات وتصرفات، وهو أعلى مقامات الرفعة الإنسانية والمفتاح السحري لكل أزماتها وجسر سعادتها الأبدية، وكفى الإحسان شرفا أن البشرية جمعاء اتفقت على حبه ومدحه وأجمعت على كره ضده من كافة صنوف الإساءة، ولذلك أولى الإسلام الإحسان عناية بالغة وجعله أسمى هدف تصبو إليه نفوس العابدين، وهو طريق الوصول لمحبة الله تعالى ومعيته ورحمته، بل ورؤيته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، في جنة الخلد، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
من أبلغ الأقوال في الإحسان قول من أوتي جوامع الكلم –صلى الله عليه وسلم-: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» [البخاري ومسلم]
ففي هذه الكلمات النبوية الجامعة من مقتضيات المراقبة والخشية والإنابة والإتقان والإتباع وصفاء السريرة .. ما فيه صلاح الدنيا والآخرة. فبين صلى الله عليه وسلم أن الإحسان على مرتبتين متفاوتتين، (أعلاهما) عبادة الله كأنك تراه، وهذا «مقام المشاهدة»، وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه حيث يتنور القلب بالإيمان وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان، وهذا هو حقيقة مقام الإحسان. ولذلك لما خطب عروة إِلَى ابن عمر ابنته وهما في الطواف لم يجبه بشيء، ثم رآه بعد ذلك فاعتذر إِلَيْهِ، وقال: «كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا».[الحلية، أبو نعيم]
(الثاني): «مقام المراقبة» وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه، فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى؛ لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله تعالى وإرادته بالعمل، قال الحارث المحاسبي: «أوائل المراقبة علم القلب بقرب الرب»، وقال بعض السَّلف: «من عمل لله عَلَى المشاهدة فهو عارف، ومن عمل عَلَى مشاهدة الله إياه فهو مخلص».
ويتفاوت أهل هذين المقامين بحسب نفوذ البصائر لذلك قال النووي –رحمه الله-: (وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين، وهو عمدة الصديقين، وبغية السالكين، وكنز العارفين، ودأب الصالحين).
وقالوا أيضا في الإحسان: «فعل الخيرات على أكمل وجه». «تحسين الظاهر والباطن». «الإتيان بغاية ما يمكن من تحسين العمل المأمور به، ولا يترك شيئاً مما أمر به». «امتلاء القلب بحقيقة الألوهية كأنه يشاهد الله عياناً». «مراعاة الخشوع والخضوع».
وبالجملة فالإحسان هو الذي خُلقنا من أجله، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} ثم بيّن الحكمة فقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2].
والإحسان ذروة الأعمال، وهو أن تقدم الفعل من غير عوض سابق، بل يساء إليك ولا يسعك إلا أن تقدم الإحسان، كما فعل يوسف الصديق عليه السلام {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 46-48] فعاملهم بالإحسان فلم يعبر لهم الرؤيا فقط بل أعطاهم الحل معه {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ}.
بل إن الذي يستلفت النظر في قصة يوسف عليه السلام كثرة تكرار صفة الإحسان، فكان محسنا مع ربه ومع الناس –وهما متلازمان- فقد سمى الله قصته {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ} [يوسف:3] أي من أحسنه.
ورتب على الإحسان إيتاءه الحكم والعلم مع الشباب {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:22]
ووصفه السجناء بذلك {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36]
وبه مكنه الله تعالى في الأرض {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:56]
وقال له إخوته وهم لا يعرفونه {قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:78]
وقال عن نفسه وأخيه {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90]
ثم أثنى على ربه بإحسانه إليه {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100]
فلم يذهب إحسانه سدى، فكل إحسان يفعله العبد حتى فيمن لا يستحقون لابد أن يكافئه عليه الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60] فاصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن صادف أهله فهو أهله، وإن لم يصادف أهله فأنت أهله.
والإحسان خير مكانة يتبوأها العبد لأنه إن أساء وسعه بعده الإيمان ثم الإسلام، أما من يعيشون على الحد الأدنى للإسلام فهو مع النقص مهدد بكفر الاعتقاد أو كفر النعمة.
قال ابن تيمية: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين ثلاث درجات: أعلاها الإحسان، وأوسطها الإيمان، ويليه الإسلام. فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مؤمن محسنا، ولا كل مسلم مؤمنا ..)، ثم قال: (وأما الإحسان فهو أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإيمان، والإيمان أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإسلام، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين).
وخلق الإحسان يتسع ليشمل القول والعمل والعبادات والمعاملات .. فهو إكسير الحياة الذي يحيلها طيبة متآلفة، لذلك جعل الله تعالى رحمته ومحبته جائزة المحسنين {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]
كما أن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [الترمذي]
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم** فطالما استعبد الإنسان إحسان
وأعظم ثمرات الإحسان قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] الحُسْنَى: أي البالغة الحسن في كل شيء، من جهة الكمال والجمال، وهي الجنة، وقد ثبت عن النبي في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة، ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك الإحسان من المناسبة، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه، جزاهم على ذلك العمل النظر إليه عياناً في الآخرة {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن:60] وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم:31]
إن الإحسان هو الأمارة الدالة على الفوز والنجاة. فمن كان من أهل السعادة، عمل عمل المحسنين، ومن كان من أهل الشقاء عمل عمل المسيئين. فهو طريقك وهدفك ومحل كدك ونصبك .. روى الطبراني عن أبي سلمة عن معاذ –رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أوصني. قال: «اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر والعلانية بالعلانية» [حسن لغيره، الألباني]
د/ خالد سعد النجار

50 حكمة قرآنية ونبوية في الدين والدنيا



 الحمد لله وكفي والصلاة والسلام علي من اصطفي وبعد..
ما أحوجنا في عصر اختلطت فيه الأمور والمعايير وفشت فيه المنكرات وكثر فيه الكلام والحكم والأمثال الشعبية من هنا وهناك دون النظر إلي قائلها ومعناها الفاسد والمخالف لشرع الله- تعالي - وتعاليمه السامية في كثير منها.
ومن ثم رأيت أن أجمع بعضًا من كلام الله وأقوال النبي -صلي الله عليه وسلم -التي
تحتوي علي حكم وكلها حكم, مع شرحها من تفسيرات وأقوال أهل العلم ليستوعب معناها الشرعي بعيدا عن التفسير بالهوي الذي برع فيه البعض من أهل الأهواء والبدع دون النظر إلي عواقب ذلك والله المستعان.
حكم من القرآن الكريم
1- أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
قال ابن جريج: { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ } أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس، فعيرهم الله بذلك، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة. تفسر ابن كثير"
2-ولَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
يقول تعالى: وفي شَرْع القصاص لكم -وهو قتل القاتل -حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المُهَج وصَوْنها؛ لأنه إذا علم القاتلُ أنه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتلُ أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح، وأبلغ، وأوجز."تفسير ابن كثير"
3- واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
هي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام . . من الركيزة الأولى . . أساسها الاعتصام بحبل الله - أي عهده ونهجه ودينه - وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر ، ولا على أي هدف آخر ، ولا بواسطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة! ا-ظلال القرآن"
4- وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك- السعدي
5-وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا
هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة، وحالة { مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ } بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها،والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه.- السعدي
6- وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم.. ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه- السعدي
7- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
يقرر تعالى الأخوة الإسلامية ويقصر المؤمنين عليها بين أفرادهم وعدم التساهل في ذلك { واتقوا الله } في ذلك فلا تتوانوا أو تتساهلوا حتى تسفك الدماء المؤمنة ويتصدع بنيان الإِيمان والإِسلام في دياره – تفسير أيسر التفاسير
8- ياَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
أي: وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه؛ فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة. –ابن كثير
َّ9- ولَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه (3) وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا.
{ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب.- السعدي
10- يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فـ { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي- السعدي
11- لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا
هذه آداب شرعية، أدّب الله بها عباده المؤمنين، وذلك في الاستئذان أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم حتى يستأنسوا،أي: يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده. وينبغي أن يستأذن ثلاثًا، فإن أذن له، وإلا انصرف –ابن كثير
12- يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
يعني: طرائقه ومسالكه وما يأمر به، { وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } : هذا تنفير وتحذير من ذلك، بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها.- تفسير ابن كثير
13- قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
فالعلم الحق هو المعرفة . هو إدراك الحق . هو تفتح البصيرة . هو الاتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود . وليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن ، ولا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى ، ولا تمتد وراء الظاهر المحسوس . - ظلال القران
14- إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
قال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو مُتَجَلّد لا يرى منه إلا الصبر –ابن كثير
15-مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
ملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله تعالى " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " –تفسير القرطبي
16-وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
وأما التحدث بنعمة الله وبخاصة نعمة الهدى والإيمان فهو صورة من صور الشكر للمنعم . يكملها البر بعباده ، وهو المظهر العملي للشكر ، والحديث الصامت النافع الكريم –ظلال القران
17-أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
لأن خلقه للمخلوقات، أدل دليل على علمه، وحكمته، وقدرته-السعدي
18- خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالْعَفْوُ ضِدُّ الْجُهْدِ ، أَيْ خُذْ مَا عَفَا لَكَ مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ وَأَخْلَاقِهِمْ ، وَمَا أَتَى مِنْهُمْ وَتَسَهَّلَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ ، وَلَا تُدَاقَّهُمْ وَلَا تَطْلُبْ مِنْهُمُ الْجُهْدَ وَمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْفِرُوا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِّرُّوا وَلَا تُعَسِّرُوا قَالَ :
خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي .-تفسير المنار
19- فاتقوا الله ما استطعتم
يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ذلك بالاستطاعة والقدرة.- السعدي
20- وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها
التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا. فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة، أو مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها. –السعدي
21- إنما يخشى الله من عباده العلماء
أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى -كلما كانت المعرفة به أتمّ والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر. - ابن كثير
22- قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
أي : الذين يعلمون أن ما وعد الله به من البعث ، والثواب ، والعقاب حق ، والذين لا يعلمون ذلك ، أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله ، والذين لا يعلمون ذلك ، أو المراد : العلماء والجهال ، ومعلوم عند كل من له عقل أنه لا استواء بين العلم والجهل ، ولا بين العالم والجاهل .– فتح القدير للشوكاني
23- لئن شكرتم لأزيدنكم
أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها- ابن كثير
24- فاذكروني أذكركم
معنى الآية: اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، قاله سعيد بن جبير. وقال أيضا: الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن- القرطبي
25- إن ربك لبالمرصاد
فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم . فلما أن كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب ، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط ، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب . حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية ، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد .-في ظلال القران
26- فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
أي: تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم، { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } ، كما قال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا } [النساء: 49].-ابن كثير
27- ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا
لا تُعرِضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك، وابسط وجهك إليهم
وقوله: { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا } أي: جذلا متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله-ابن كثير
28-وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا
أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا } أي: عنه.-ابن كثير
حكم من السنة النبوية الصحيحة
29-إنما الأعمال بالنيات
والمراد بالأعمال : الأعمال الشرعية
ومعناه : لا يعتد بالأعمال بدون النية مثل الوضوء والغسل والتيمم وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والإعتكاف وسائر العبادات- ابن دقيق العيد
30-احفظ الله يحفظك
(( احفظِ الله )) يعني : احفظ حدودَه ، وحقوقَه ، وأوامرَه ،
ونواهيَه ، وحفظُ ذلك : هو الوقوفُ عندَ أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتنابِ ، وعندَ حدوده ، فلا يتجاوزُ ما أمر به ، وأذن فيه إلى ما نهى عنه ، فمن فعل ذلك ، فهو مِنَ الحافظين لحدود الله -جامع العلوم والحكم لابن رجب
31- خالقِ الناس بخلق حسن
والخلق الحسن فسر بتفسيرات: منها أنه بذل النَّدَى وكف الأذى؛ يعني أن تبذل الخير للناس، وأن تكف أذاك عنهم..وقال آخرون: إنّ الخُلق الحسن أنْ يُحسِن للناس بأنواع الإحسان، ولو أساءوا إليه.-قاله صالح آل الشيخ
32-استوصوا بالنساء خيرا
استوصوا بالنساء خيرا يعني اقبلوا هذه الوصية التي أوصيكم بها وذلك أن تفعلوا خيرا مع النساء لأن النساء قاصرات في العقول وقاصرات في الدين وقاصرات في التفكير وقاصرات في جميع شئونهن فإنهن خلقن من ضلع- قاله ابن العثيمين
33-كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الخطاب للأمة جميعا يبين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان راع ومسئول عن رعيته والراعي هو الذي يقوم على الشيء ويرعى مصالحه فيهيئها له ويرعى مفاسده فيجنبه إياها كراعي الغنم - قاله ابن العثيمين
34-لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا
قال النووي :أي تأتلف قلوبكم وفيه مصلحة عظيمة من اجتماع قلوب المسلمين وتناصرهم وتعاضدهم ولهذا قال بعضهم إنه أدفع للضغينة بغير مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية
35- اتقوا دعوة المظلوم
أي اجتنبوا دعوة من تظلمونه وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم على أبلغ وجه وأوجز إشارة وأفصح عبارة لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم فهو أبلغ من قوله تظلم وهذا نوع شريف من أنواع البديع يسمى تعليقا- قاله الشوكانى في فتح القدير
36- التأني من الله والعجلة من الشيطان
وكثيرا ما يلاحظ المرء وهو في الجماعة عددا من المصلين عن يمينه أو شماله بل ربما يلاحظ ذلك على نفسه أحيانا مسابقة الإمام بالركوع أو السجود وفي تكبيرات الانتقال عموما وحتى في السلام من الصلاة -قاله الشيخ صالح المنجد
37- لا تغضب
ففي هذا الحديث الحث على أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب وأن لا يسترسل فيه لأنه يندم بعده كثيراً.-قاله ابن العثيمين
38-دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
قوله دع أي اترك ما يريبك بفتح الياء أي تشك فيه ولا تطمئن إليه إلى ما لا يريبك أي إلى الشيء الذي لا ريب فيه . .-قاله ابن العثيمين
39-اتبع السيئة الحسنة تمحها
أتبع السيئة الحسنة تمحها أي إذا عملت سيئة فاتبعها بحسنة فإن الحسنات يذهبن السيئات ومن الحسنات بعد السيئات أن تتوب إلى الله من السيئات فإن التوبة من أفضل الحسنات -قاله ابن العثيمين
40-المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف
مؤمن القوي: يعني في إيمانه وليس المراد القوي في بدنه، لأن قوة البدن ضرراً على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفع في الدنيا والآخرة صارت محمودة، وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة .- قاله ابن العثيمين
41-الحياء شعبة من الإيمان
الحياء صفة محمودة لكن الحق لا يستحي منه فإن الله يقول { وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ } .. ولهذا جاء في الحديث إن مما أدرك الناس من النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت .-قاله ابن العثيمين
42-هلك المتنطعون
هلاك ضد البقاء يعني أنهم تلفوا وخسروا والمتنطعون هم المتشددون في أمورهم الدينية والدنيوية ولهذا جاء في الحديث لا تشددوا فيشدد الله عليكم .-قاله ابن العثيمين
43-ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا
يعني أن الإنسان إذا عفا عمن ظلمه فقد تقول له نفسه: إن هذا ذل وخضوع وخذلان فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله ما يزيد أحدا إلا عزا فيعزه الله ويرفع من شأنه.-قاله ابن العثيمين
44-الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان
الطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر ولا يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا وقيل غير ذلك وأما قوله [ والحمد لله تملأ الميزان ] فمعناه : أنها لعظم أجرها تملأ ميزان الحامد لله تعالى وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها- قاله ابن دقيق العيد
45- البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك
يعني : أن حسن الخلق أعظم خصال البر كمال قال [ الحج عرفة ] أما البر فهو الذي يبر فاعله ويلحقه بالأبرار وهم المطيعون لله عز و جل
والمراد بحسن الخلق : الإنصاف في المعاملة والرفق في المحاولة والعدل في الأحكام والبذل في الإحسان وغير ذلك من صفات المؤمنين- ابن دقيق العيد
46-القرآن حجة لك أو عليك
فمعناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك- قاله ابن دقيق
47-لَقنوا موتاكم لا إله إلا الله
يحتمل اْن يكون أمره - عليه السلام - بذلك لأنه موضع يتعرض فيه الشيطان لافساد اعتقاد الانسان ، فيحتافي إلى مذكًر ومنبه له على التوحيد ، ويحتمل أن يريد بذلك ليكون آخرَ كلامه ذلك ، فيحصل له ما وعد به - عليه السلام - فى الحديث الآخو : (من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله دخل الجنة)- قاله القاضي عياض
48-لا يدخل الجنة قاطع رحم
من قطع أقاربه الضعفاء وهجرهم وتكبر عليهم ولم يصلهم ببره وإحسانه وكان غنياً وهم فقراء فهو داخل في هذا الوعيد محروم عن دخول الجنة إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليهم- قاله الذهبي
49-كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .
كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل سبحان الله أعطى الله نبيه جوامع الكلم، هاتان الكلمتان يمكن أن تكونا نبراسا يسير الإنسان عليه في حياته كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل والفرق بينهما أن عابر السبيل ماش يمر بالقرية وهو ماش منها .
وأما الغريب فهو مقيم فيها حتى يرتحل عنها، يقيم فيها يومين أو ثلاثة أو عشرة أو شهرا، وكل منهما لم يتخذ القرية التي هو فيها وطنا وسكنا وقرارا –قاله ابن العثيمين
50-إنما الأعمال بالخواتيم
قال ابن رجب : فالخواتيم ميراث السوابق وقال ابن دقيق العيد : لما كانت السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة . جاء في الحديث : " إنما الأعمال بالخواتيم " .
وانقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير ، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور ، ولله الحمد .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
سيد مبارك


2015-11-26

موسى عليه السلام قدوة للشباب


بعد ما قتل موسى الرجل القبطي ، فر هارباً من مصدر حنى وصل الى ماء مدين قال الله تعالى : " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ " ( القصص : 23 ) فوجد موسى عند البئر جماعة كثيفة العدد من أناس مختلفين ولاحظ في مكان أسفل من البئر امرأتين تمنعان غنمهما عن الماء ، تنتظران حتى يسقى الرعاء وينصرفوا ثم بعد ذلك يتقدموا هم ليسقوا أغنامهم والأولى عند ذوي المروءة والفطرة السليمة أن تسقي المرأتان أولاً وأن يفسح لهما الرجال ويعتبوهما وكان موسى في ذلك الموقف يعاني من المشقة والألم من عدة أسباب :
- ينتابه ألم بدني من جراء السفر الطويل في الصحراء الجرداء من مصر الى ارض مدين 
- فضلاً عما كان يعانيه من الخوف من جراء مطاردة فرعون وجنوده له ويبحثون عنه في كل مكان لينالوا منه 
- فضلاً عن آلامه النفسية من مفارقته أهله في مصر مضطراً في غير ارادة منه 
- فضلاً عن كونه غريباً وسط قوم لا يعرف فيهم أحد ولا يعرفه منهم أحد والغريب أضعف ما يكون 
- فضلاً عن كون الموقف ذاته كان في وقت سطوع الشمس والجو ممتلئ بالحرارة بدليل قوله تعالى " ثم تولى الى الظل " 
فهل حالت هذه المعوقات موسى دون ان تثور فطرة موسى وتتحرك نخوته وتتجلى شهامته وكرم أخلاقه وحسن تربيته وطيب نشأته بل سارع موسى وتحرك فسقى للمرأتين وهو مكدور مجهود 
وهنا يبدو لنا ان الامر بالنسبة له عادة أي تربى على مثله وواجه مواقف كثيرة شبيهة بهذا الموقف بدليل عدم اعاقة تلك الاسباب موسى عن سقيه للمرأتين ، وهنا يأتي دور المربين في اهمية أخذ هذا الموقف نموذج لتربية الفتيان وتنشئتهم اضافة الى اخذ موسى عليه السلام كقدوة ومثلاً أعلى للشباب يحذو حذوه ويسلكوا مسلكه في التربية الاجتماعية فيتعلموا منه مساعدة الضعفاء والرحمة بالنساء والمروءة والنبل وكرم الاخلاق والايجابية الاجتماعية 
الاختلاط وآدابه 
نتعلم من خلال ما دار بين موسى عليه السلام وشعيب عليه السلام وبناته ، ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين المرأة والرجل وكيفية تربية البنات وما هي مواصفات
محمد سلامة الغنيمي


 

عشرة مكاييل....!

يسطعُ الحق سطوعاً لا حد له،،، فيُعرضون عنه،،! او يكذبونه، او يسطّحونه ويبسطونه،، فإذا ما نفعهم، جلّوه بمنائر فاقعة، وشهب لاهبة، تكاد تضر بالعين،،،!!
وهو وإن كان من طبيعة الدول الكبرى تجاه المسلمين، الا ان بعض مثقفينا ووسائل اعلامنا تتورط فيه، عن قصد او بغيره،،!! المهم أنها تحاكي المستكبرين الذين يصمّون آذانهم عن الحقائق، وأعينهم عن البراهين،،،!!
حتى ليخيل لك أنهم لا يفرقون بين حق وباطل، او يتعمدون الالباس،،،!! فما قيمة العقل حينئذ،،؟!
إلا كما قيل:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظرهِ// اذا استوت عنده الأنوار والظلَمُ ؟!
وإنْ تعجب فعجيب مسلك أولئك القوم،،!
فلم يعُد ديدنهم مكيالين وثلاثة، بل عشرة مكاييل،،، اجلّيها كالآتي :
1- التجاهل : بمعنى لست موجودا وان حضرت، وغائبا ولو تفاعلت، ومهملا ولو نجحت،،،!!
وخاسرا ولو تفوقت واكتسحت،،،!
2- البهتان : حيث لا ينفع سطوع حقك، ولا جلاء براهينك، ولا صدق نيتك، بل يُفترى عليك، وتلفق لك الاتهامات، ويُنفى كل فضلك ومزاياك،،، قال تعالى( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) سورة هود.
3- التسطيح: فدورك لا يعدو كونه موعظة متواضعة، او عملا مأخوذا، أو يحسنه كل أحد،،،! او مربع ضيق في مكان لا يقرأ من الصحيفة،،،!!
والعلم بضاعة مزجاة، والشهادة منخولة،،!
فيبخسونك جهارا، ويظلمونك ضحى ونهارا وفي القران (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى )) سورة المائدة.
4- التعمية: لا يكتفون بتجاهلك، بل يحرصون على الاستئثار بالمشهد ، والفاعلية فيه، ويحاصرونك إعلاميا بحيث لا تبزغ الا عن طريقهم،،،! وما صاغوه هو المجد المبين، والحق الجلي،،!!
5- الترويع : وممارسة الارهاب فكريا وثقافيا، وانك ضد الوعي والتنور ، والبلد ومقدراته وطاقاته ، بحيث يجعلونك تتنفس الهواء الملوث، وتستعطر النفاق المزيف ،ويحولون دون حرية واسعة، او هواء عطر، او نقاش مجتمعي نافع،،!
6- النفعية : لا احترمك الا حين أراك ورقة رابحة لي، او ستٓدُر علينا مصالح، او ستصرف شرا محتوما،،،! وحينما تنقضي المهمة سيجعلونك في مستنقع التهميش والمصادرة ،،، وينسون علمك وفضلك وكارزميتك،،،!!
7- الاجتزاء: لمفاهيم مشهورة كالتحضر، والاستطعام المدني ،،،،! يستطيبون فعله مع الصهاينة والأمريكان ، ويتباكون عليهم وعلى معاداتهم،،،!
وأنها تشويه للإسلام ، وضياع لدعوته وحكمته،،،!! واذا ما اصطلينا بهم، راغوا روغانا عظيما، ولم تسمع لهم حسا ولا رِكزا،،،!! مالأمر؟ وما الذي حدث؟!!
وحينها تدرك ان الرحمة والعدل قوانين ليست للعرب ولا للمسلمين، يوزعها شرذمة من المتصهينين والمنافقين والافاقين،،،،!
والفكر الديمقراطي وملفات حقوق الانسان لا تُذكر الا في بلدانهم، او حين يتضرر اتباعهم فكرا نهجا ،،؟!
أما إسلاميون مضطهدون، فلا ينطبق عليهم الحق الإنساني ولا القانون الدولي،،،،!
(( اتواصوا به بل هم قوم طاغون )) سورة الذاريات.
وتجد بعض بني جلدتهم يفريهم كالاعداء،،،،!!
8- الإسقاط : حيث تكبّر زلتك، وتُعظّم هفوتك، وتجعل في مصاف الكبائر، او الذنوب المستعظمة الشنيعة،،!!
والهدف اسقاطك امام الناس، وسلبك جماهيرك، وتشويه سمعتك،،،!!
9- التقلب: حيناً يتشدقون بالمبادئ، وساعات لا مبدأ ولا أصل للحوار والنقاش او المحاكمة الفكرية،،،!! فإذا ما ألزمتهم بأصولهم او مقدماتهم حادوا وتلونوا، وباتوا قلّبا كالحرباء لا يُعرف لها لون ولا طعم،،،!!
10- التجني : في الحوار والخصومة كما في الحديث ( وإذا خاصم فجر ) حتى لا تخرج بحق ولا تفقه باطل، ويرتفع الصوت، لتعم الضبابية، ويلتبس الامر على الناس، والله المستعان. وكأن الجعجعة والصوت العالي غطاء للفكر الصدئ البالي،،،!!
وهكذا هم صدى للأفكار الغربية، والرخيص منها على الخصوص، لا ينتمون لمبدأ ولا أصول ، ولا يستطعمون عدالة او إنصافا وتجردا، ثم تراهم بمثل هذه المكاييل المتنوعة،،،،! والسلام،،،
د.حمزة بن فايع الفتحي

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ- وَمَضات مِن الظلال

يكاد يجمع الذين كتبوا في مناهج المفسرين على أَنَّ تفسير الظلال للشهيد الأديب المبدع الأستاذ سيد قطب رحمه الله وصف أدبي متميز للحياة كما يرسمها القرآن الكريم، وهو -كما يقول الدكتور فهد الرومي في كتابه :دراسات في علوم القرآن (ص: 165) - منهج لم يسبق إليه من قبل، فمنهج التذوق الأدبي للقرآن الكريم، والتفاعل مع المجتمع الذي ترسمه الآيات، ومطابقته مع المجتمع الحاضر للخروج بمعالم التصحيح ورسم مسار الدعوة والعودة إلى الله، ثم دراسة الإيقاع الصوتي والجرس اللفظي للكلمات القرآنية، ودراسة التراكيب؛ منهج لم يسبق له مثيل في علم التفسير. أ. ه
ومن الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها وتناسب الظروف التي يمر بها دعاة الحق قوله تعالى : » فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ... « وقد ورد هذا النص في القران الكريم في ثلاثة مواطن ، ومهما قال المفسرون في تأويل كل موطن من المواطن الثلاث فإنَّ أحدا منهم لن يستطيع تصويره بمثل هذه الصورة الحية الفريدة التي صورها بها صاحب الظلال، وإنَّ أحدا منهم -في نظري- لن يجد فيها أبدع ولا أروع ولا أصدق انطباقا على الواقع النفسي والواقع المعاش من كلامه رحمه الله، و على الرغم من أَنَّ النص هو هو، إِلَّا أنَّ تفسيره لا يكاد يوجد فيه تكرار ، بل هو تقرير لمعان جميلة وقيم نبيلة بصور جديدة تعين الانسان على فهم كتاب الله ومواصلة السير الي الله وهو يقارع الباطل حتى يدمغه ويزهقه ، فلنعش مع تفسير سيد رحمه الله للمرات الثلاث:
المرة الاولى: في آخر سورة الروم ، وهي السورة التي أكد الله في مفتتحها أنَّ الغلبة والنصر ليس لمجرد وجود الأسباب وحدها، و إِنَّما لا بد أن يقترن بها قضاء الله وقدره ، قال تعالى: » لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ « [سورة الروم :الآيتان 4،5]، ويختم الله عز وجل السورة بقوله » فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ «[سورة الروم : الآية: 60]، يقول سيد قطب رحمه الله في تفسيرها : يأتي الإيقاع الأخير في صورة توجيه لقلب الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ومن معه من المؤمنين ، إنه الصبر وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلا نهاية! والثقة بوعد الله الحق، والثبات بلا قلق ولا زعزعة ولا حيرة ولا شكوك.. الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين، ومن تكذيبهم للحق وشكهم في وعد الله. ذلك أنهم محجوبون عن العلم محرومون من أسباب اليقين. فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين. مهما يطل هذا الطريق، ومهما تحتجب نهايته وراء الضباب والغيوم! وهكذا تختم السورة التي بدأت بوعد الله في نصر الروم بعد بضع سنين، ونصر المؤمنين. تختم بالصبر حتى يأتي وعد الله والصبر كذلك على محاولات الاستخفاف والزعزعة من الذين لا يوقنون.
فيتناسق البدء والختام. وتنتهي السورة وفي القلب منها إيقاع التثبيت القوي بالوعد الصادق الذي لا يكذب، واليقين الثابت الذي لا يخون.. في ظلال القرآن (5/ 2778) 
المرة الثانية : في سورة غافر التي تعالج عدة قضايا جوهرية منها قضية الحق والباطل و قضية الدعوة والتكذيب ،و قضية العلو في الأرض والتجبر بغير الحق، وبأس الله الذي يأخذ العالين المتجبرين..ومنها قصة فرعون، وما آل إليه أمره هو وجنده، قال تعالى في نهاية هذه القصة » فَاصْبِرْ. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ«[سورة غافر : الآية: 55]، يقول سيد رحمه الله في تفسيرها : وهنا يجيء الإيقاع الأخير في هذا المقطع، توجيها لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ومن كانوا معه من المؤمنين في مكة في موقف الشدة والمعاناة. ولكل من يأتي بعدهم من أمته، ويواجهون مثل الموقف الذي كانوا فيه، .. الدعوة إلى الصبر.. الصبر على التكذيب. والصبر على الأذى. والصبر على نفخة الباطل وانتشائه بالغلبة والسلطان في فترة من الزمان. والصبر على طباع الناس وأخلاقهم وتصرفاتهم من هنا ومن هناك. والصبر على النفس وميولها وقلقها وتطلعها ورغبتها في النصر القريب وما يتعلق به من رغائب وآمال.
والصبر على أشياء كثيرة في الطريق قد تجيء من جانب الأصدقاء قبل أن تجيء من جانب الأعداء! «فَاصْبِرْ. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» .. مهما يطل الأمد، ومهما تتعقد الأمور، ومهما تتقلب الأسباب. إنه وعد من يملك التحقيق، ومن وعد لأنه أراد. في ظلال القرآن (5/ 3087)
المرة الثالثة: في سورة غافر أيضا في مقطع يكشف فيه الحق سبحانه عن مرض يحيك في صدور أهل الباطل ، إِنَّه مرض الكبر الذي يمنع صاحبه من التسليم بالحق ، و يدعوه إلى الجدال فيما لا جدال فيه والتطاول إلى ما هو أكبر من حقيقته، ومحاولة أخذ مكان ليس له، ولا تؤهله له حقيقته. وليست له حجة يجادل بها، ولا برهان يصدع به. إنما هو الكبر وحده، ثم يختم المقطع بتوجيه النبي- صلّى الله عليه وسلّم- إلى الصبر فيقول سبحانه «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ» .. [سورة غافر : الآية: 77]
يقوله سيد رحمه الله في تفسيرها: يوصي الله عز وجل نبيه بالصبر على ما يجده من كبر ومن جدال، والثقة بوعد الله الحق على كل حال. سواء أراه الله بعض الذي يعدهم في حياته، أو قبضه إليه وتولى الأمر عنه. فالقضية كلها راجعة إلى الله، وليس على الرسول إلا البلاغ، وهم إليه راجعون، وهنا نقف أمام لفتة تستحق التدبر العميق. إن هذا الرسول الذي يلاقي ما يلاقي من الأذى والتكذيب والكبر والكنود، يقال له ما مفهومه: أد واجبك وقف عنده. فأما النتائج فليست من أمرك. حتى شفاء صدره بأن يشهد تحقق بعض وعيد الله للمتكبرين المكذبين ليس له أن يعلق به قلبه! إنه يعمل وكفى. يؤدي واجبه ويمضي.
فالأمر ليس أمره. والقضية ليست قضيته. إن الأمر كله لله. والله يفعل به ما يريد.
يا لله! يا للمرتقى العالي. ويا للأدب الكامل. الذي يأخذ الله به أصحاب هذه الدعوة. في شخص رسوله الكريم. وإنه لأمر شاق على النفس البشرية. أمر يحتاج إلى الصبر على أشواق القلب البشري العنيفة. لعله من أجل هذا كان التوجيه إلى الصبر في هذا الموضع من السورة. فلم يكن هذا تكرارا للأمر الذي سبق فيها. إنما كان توجيها إلى صبر من لون جديد. ربما كان أشق من الصبر على الإيذاء والكبر والتكذيب؟! إن احتجاز النفس البشرية عن الرغبة في أن ترى كيف يأخذ الله أعداءه وأعداء دعوته، بينما يقع عليها العداء والخصومة من أولئك الأعداء، أمر شديد على النفس صعيب. ولكنه الأدب الإلهي العالي، والإعداد الإلهي لأصفيائه المختارين، وتخليص النفس المختارة من كل شيء لها فيه أرب، حتى ولو كان هذا الأرب هو الانتصار من أعداء هذا الدين! ولمثل هذه اللفتة العميقة ينبغي أن تتوجه قلوب الدعاة إلى الله في كل حين. فهذا هو حزام النجاة في خضم الرغائب، التي تبدو بريئة في أول الأمر، ثم يخوض فيها الشيطان بعد ذلك ويعوم! في ظلال القرآن (5/ 3097) 
نسأل الله أَنْ يثبتنا على الحق و أَنْ ينصر الاسلام وأهله المدافعين عنه و أَنْ يَخْذُل الحاقدين والكارهين وَالْمُرْجِفين في كل مكان ، آمين
أحمد عبد المجيد مكى

مَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ.. سُنَّةُ لا تتخلف أبدا

المقصود بالسُّنَّة هنا: القانون العام الذي يحكم أفعال البشر وسلوكهم ، ويتسم هذا القانون بالثبات والاطراد، ويدل على اطراده أن الله تعالى قصّ علينا قصص الأمم السابقة وما حلّ بها لنتعظ ونعتبر، قال تعالى : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا} سورة فاطر الآية 43 .
قال العلامة السعدي (المتوفى: 1376هـ) في تفسيرها : فمكرهم إنما يعود عليهم، وقد أبان الله لعباده ، أنهم –أي أهل الباطل-كذبة في ذلك مزورون، فاستبان خزيهم، وظهرت فضيحتهم، وتبين قصدهم السيئ، فعاد مكرهم في نحورهم، ورد الله كيدهم في صدورهم. فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنة الله في الأولين، التي لا تبدل ولا تغير، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد، أن يحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء، ما فعل بأولئك.انتهى كلامه رحمه الله
ويتصف هذا القانون أيضا بالعموم أي يسري حكمه على الجميع دون محاباة ولا تمييز ، قال تعالى : (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) , والمعنى: لَيْسَ الأمر بالأماني التي هي أحاديث النفس المجردة عن العمل ،ولكن من يعمل سوءاً يلق جزاءه ؛ لأن الجزاء -بحسب سنّة الله تعالى- أثر طبيعي للعمل لا يتخلف عنه .وبناء عليه فمجرد الانتساب إلى أي دين كان، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها .
ومن السنن الالهية في الناس قوله تعالى {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18] ومعناها: مَنْ أراد الله إهانته فلن يُكرمه أحد، لابنُصْرته ولا بالشفاعة له، فلا كرامة إلا بإكرام الله، ولا عزة إلا بعزة الله، لأن الأمور كلها بيده ، وهذا النص جزء من آية كريمة تسمى آية سجود المخلوقات ، وقد أكثر ابن القيم رحمه الله من الاستشهاد بهذا النص على عقوبة وآثار الذنوب والمعاصي في أكثر من موضع من كتابه الداء والدواء ، المسمى أيضا الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ،وقد جاءت هذه المواضع متناثرة ، وهَا أَنَا ذَا أجمعها لأخواني القراء مع بعض الزيادات والتوضيحات ، ولكن قبل أَنْ أسوقها اذكرك أخي القارئ بأَنَّ من كبائر الذنوب : الكذب والافتراء والبهتان و الكبر و الظلم و الفساد وقتل النفس بغير حق . وقد نهى النبي النبي صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين البهيمة ووليدها ، ورأى أطفالا يلعبون بعصفور صغير و أُمُّهُ تحاول أنْ تأخذه منهم فقال النبي للصبية:من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها !!
والآن إِلى كلام ابن القيم رحمه الله :
- من آثار الذنوب والمعاصي: أَنَّهُ ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يَسْتَقْبِحُ مِنْ نَفْسِهِ رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها،.وهذا الضرب من الناس لا يعافون، وتسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب.
- ومنها: أَنَّ كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل. فالعلو في الأرض بالفساد، ميراث عن قوم فرعون.والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود.فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم، وهم أعداء الله.
- ومنها: أَنَّ المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه.قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصَوه، ولو عزّوا عليه لَعَصَمهم، وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: {ومن يهن الله فما له من مكرم} ، وفي الحديث: « وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» وإِنْ عَظَّمَهُمُ النَّاسُ في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه.
- ومنها : أَنْ يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمره واستخف به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظمه الناس، وكيف ينتهك عبد حرمات الله، ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق؟ وقد أشار سبحانه إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أركس أربابها بما كسبوا، وغطى على قلوبهم، وطبع عليها بذنوبهم، وأنه نسيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيعهم كما ضيعوا أمره، ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له: {ومن يهن الله فما له من مكرم} [سورة الحج: 18]
- ومنها: أَنَّ غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم. فلا يكفيه عقاب ذنبه، حتى يلعنه من لا ذنب له.وكان أبو هريرة يقول: إن الْحُبَارَى لتموت في وكرها من ظلم الظالم. والْحُبَارَى نوع من الطيور ،قال ذلك حين سمع رجلاَ يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه. وقالها مرة اخرى حين سمع آخر يقول: كل شاة معلقة برجلها،
- ومنها: أَنَّ المعصية تورث الذل ولا بد؛ لذا كان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك. قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهَملَجَتْ بهم البراذين، إنَّ ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى اللهُ إلا أن يُذِلَّ من عصاه. ومعنى الهملجة: أي حسن سير الدابة في سرعة وبخترة. والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب.
- ومن عقوباتها: أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره، وتسد طرق العلم، وتحجب مواد الهداية. وقد قال مالك للشافعي لمّا اجتمع به: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية. ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحلّ، وظلام المعصية يقوى، حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم. فكم من مَهْلكٍ يسقط فيه، وهو لا يبصره ، كأعمى خرجِ بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب. فيا عزّةَ السلامة، ويا سرعةَ العطب! ثم تقوى تلك الظلمات، وتفيض من القلب إلى الجوارح، فيغشى الوجهَ منها سوادٌ بحسب قوتها وتزايدها !!
- ومن عقوباتها: أنها تجعل صاحبَها من السِّفْلة بعد أن كان مُهَيًّأ لأن يكون من العِلْية. فإنّ الله خلق خلقَه قسمين: عِلية وسِفلة، وجعل أهل طاعته أكرمَ خلقه عليه، وأهلَ معصيته أهونَ خلقه عليه ، وجعل العزّة لهؤلاء ، والذلّة والصغار لهؤلاء. فكلّما عمل العبد معصيةً نزل إلى أسفل درجة، ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين. وكلّما عمل طاعة ارتفع بها درجة، ولا يزال في ارتفاع حتى يكون من الأعلَين. وها هنا أمر وهو أنّ العبد قد ينزل نزولًا بعيدًا أبعدَ مما بين المشرق والمغرب ومما بين السماء والأرض، فلا يفي صعودُه ألفَ درجة بهذا النزول الواحد، كما في الصحيح : "إنّ العبد لَيتكلّم بالكلمة الواحدة، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب".فأيُّ صعود يوازي هذه النَّزْلَةَ ؟.انتهى كلام ابن القيم ملخصا ومرتبا ، اللهم ياعزيز لا تذلنا بين خلقك ولا بين يديك ، آمين
أحمد عبد المجيد مكى

 

مكائد شياطين الإنس والجن

إن الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] أما بعد :
فقد قدر الله تعالى على آدم وذريته من بعده الابتلاء بغواية الشيطان وكيده ، حين نصب لهم العداوة مبكرًا واتخذ على نفسه عهدًا بإضلالهم ، فاتبعه من اتبعه من أبالسة الإنس ، فعززوا جهوده ، بل بارزوه فيها فتفوقوا عليه فعم الشر وظهر الفساد في البر والبحر .
ولا يخفى على أحد أن كيد إبليس أصل الشرور في الأرض ، ولكن ما قد يلتبس على البعض أقسام أتباع الشيطان ، فإن من أتباع الشيطان وحزبه من غرر بهم وخدعهم بعد أن كان مقصدهم إلى الخير ، ومنهم من التحق بحزب الشيطان طواعية واستمراءً للمعاصي وحبًّا في الباطل ، ومنهم من ترأس أحزاب الشيطان وكان من كبار أعوانه ؛ بل تحول الوضع إلى أن يكون الشيطان تابعًا له من خلفه يؤزه أزًّا ويدفعه دفعًا - والعياذ بالله - {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175]
ولشيطان الإنس وشيطان الجن حال واحد ، ومنهما يكون الحذر على نفس الوجه لاستعمالهما نفس المكائد والدسائس ، ولاتسامهما بنفس الصفات والشرور ، ولاتحاد هدفهما في إضلال البشرية ؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]
فما فتأ القرآن الكريم يذكر إبليس وجنوده ويحذر منهم في مواضع عدة وصور شتى ، كيف لا وهو دليل البشرية وهاديهم إلى الصراط المستقيم ؟
فوقفت طويلًا أتأمل الآيات الكريمة التي ورد ذكر الشياطين فيها وتحذير الناس منهم ، فكانت لي الوقفات التالية علها أن تكون ذكرى تنفع المؤمنين ؛ فالعاقل الفطن يزيد حرصه إن علم أن هناك من يتربص به ويعد خسارته نصرًا وضلاله مكسبًا ، خاصة إن تبين له مداخل هذا العدو وطرقه {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين} [الأعراف: 16، 17]
وها هو الشيطان نفسه يفطن إلى أن من مقاصد العبودية لله شكره بالعمل بالصالح ؛ لذا أعد عدته وجمع جنده لصده عن الطاعات وللحيلولة بينه وبين تحقيق فلاحه ، وما عساه أن يوصف من اتخذ عدوه خليلًا وسلمه عنقه ليسوقه إلى هلاكه بعد أن يبرأ منه {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِي} [الحشر: 16]
وإن أول ما سن إبليس من سننه ، تلك السنة المنكرة في التكبر والعلو والطغيان {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] فقال إبليس {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين} [الأعراف: 12] فألقى إبليس في قلوب أتباعه الكبر والعجب والتنكر للنعمة ونسبها لغير صاحبها ؛ فقال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] وقال فرعون: {يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْت} [الزخرف: 51]
ثم بدأت أول قصص غواية الشيطان لآدم وزوجه ، حين سمى لهما الأشياء بغير أسمائها ، وزين لهما المعصية وجملها وجعل فيها الفوز والخلود ، وهذا ديدن شياطين الإنس وأوليائهم الذين يوحي بعضهم لبعض زخرف القول {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِين} [الأعراف: 20] فصورت المعصية على أنها سبيل الملك والخلود في النعيم.
ولغرور إبليس وتلبيسه حيل لا تخفى على كل ذي لب ، فلطالما تلبس بلبوس الناصح الأمين ؛ كما غرر بآدم وزوجه وذريتهما من بعدهما ؛ بل وأقسم على ذلك {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 21] ، وكم يفعله اليوم قرناء السوء من شياطين الإنس 
ومن المكائد المشتركة والحيل المتكررة لشياطين الإنس والجن على السواء نذر الوعود بالمكاسب العاجلة والتأمين من الخسائر المحتملة ، فيمنون أتباعهم بالنصر ويوهمونهم بالغلبة ، فإن حلت الهزيمة تبرأ بعضهم من بعض {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]
ومن مكائد شياطين الإنس والجن الشائعة في زمننا الحالي خاصة ، إلقاء الرعب في القلوب ، والوسوسة في الصدور ، وبث الخوف من العباد دون رب العباد ؛ فترى الرجل متقاعسًا عن الجهاد في سبيل الله ، ملجمًا فمه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بالحق ، مكبلة يده عن الذود عن حياض الدين {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [آل عمران: 175]
أما قصة الشياطين في التدرج في الإغواء فهي قصة أخرى وحكايات تطول وتطول ، وقد قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]
وكما ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين أن للشيطان مع ابن آدم مراتب في الغواية ؛ فهو يزين له الكفر المحض ، فإن فشل.. حرضه على أنواع الشرك ، فإن فشل.. لبّس عليه الحق بالباطل فأدخله في البدعة ، فإن رأى الرجل صالحًا كانت له محاولات أخرى ليخرجه من دوائر فضول المباحات إلى المكروهات ، ومن ثم صغار الذنوب ثم كبار الذنوب والفواحش - والعياذ بالله - بل حتى الزهاد العباد للشيطان معهم صولات وجولات .
ويتوالى التحريض وتستمر الإغواءات في أشكال الذنوب الدارجة والتي لا يكاد يخلو منها مجتمع بل لا يخلو منها بيت إلا من رحم ربي ، ومن رحم ربي قليل ، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } [الإسراء: 64] فمن منا سلم من تلبيس إبليس بعد هذه الآية ومن نجا من غوايته ؟ فاللهم سلم سلم ، وارزقنا السلامة والعافية .
أما عن جماعات الأبالسة وأحزاب الشيطان ، فلا تكمل لهم عدة ولا يكون لهم عتاد إلا بالصد عن ذكر الله ، فهو السلاح الفتاك الذي يستقطب به الأتباع وتكتمل به مجالس الهوى والضلال {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]
وهذه النقاط كم يندرج تحتها من وسائل وأشكال للغواية ، يسلكها العدو في ثوب الصديق ، ويضل بها القريب قبل البعيد ، فحري بالعاقل أن يتربص لشيطانه قبل أن يتربص به ، ويفتك به قبل أن يهلكه ، وأشد ما يكون الحذر من أخلّاء الإنس الذي يظن بهم الخير وهم قرناء الشر ( ولبئس القرين ) والله ولي المؤمنين وحاميهم ومحصنهم من شرور الإنس والشياطين وعل لنا وقفة قادمة بإذن الله في سبل صد كيد الابالسة والرد كيدهم إلى نحورهم والنجاة من حيلهم وتلبيسهم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ندى السجان

لا تكن كبالون الهواء


يحكى أَنَّ أعرابيا صاد هِرًّا فلم يعرفه، فتلقاه رجل فقال: ما هذا السِّنَّوْر؟ ولَقِيَ آخر، فقال: ما هذا الهر؟ ثم لَقِيَ آخر؛ فقال: ما هذا القط؟ ثم لَقِيَ آخر؛ فقال: ما هذا الضّيون؟ ثم لَقِيَ آخر؛ فقال: ما هذا الخيدع؟ ثم لَقِيَ آخر؛ فقال: ما هذا الخيطل؟ فقال الأعرابى: أحمله وأبيعه لعل الله تعالى يجعل لى فيه مَالًا كَثِيرًا !! فلما أتى إلى السوق قيل له: بكم هذا؟ فقال: بمائة. فقيل له: إنه يساوى نصف درهم. فرمى به، وقال: ما أكثر أسماءه، وأقلّ ثمنه!

إن الضجيج في مدح الذات وتضخيم الإنجازات أشبه بالسراب في طريق الواقع، أو كبيت من الرمال يبنيه الأطفال على شاطئ البحر ما تلبث موجة عالية أن تهيله في لحظات، ولقد أعتبر علماء النفس أن «هوس الأنا العليا» سببه الأساسي عدم الثقة بالنفس والخواء الروحي.

وبالإضافة إلى الشعور بالنرجسية واحتكار الثراء الذاتي نجد سلوكيات أخرى كعدم الاعتراف بالأخطاء. رفض التعاون مع الغير في إنجاز الأعمال. عدم الاكتراث بمجهود الآخرين. اتخاذ قرارات خاطئة. تعليق مسببات الفشل على الغير والمجتمع. تهويل المعاناة وتوهم أنه وحده من يتألم في هذه الحياة.

ولذلك تبقى الحقيقة الواقعية خير برهان على ذواتنا، فلا تقل من أنت، ولكن قل ماذا تحسن، وماذا أتقنت وماذا قدمت وماذا أضفت .. يقال أن سقراط كان جالساً ذات يوم مع أحد تلاميذه على حافة بركة فيها ماء راكد، فقال سقراط لتلميذه: ما في هذه البركة؟ قال التلميذ: إنه الماء. إلا أن سقراط بدأ يستدل له أن ذلك ليس ماء، وأورد عشرات الأدلة على ما ذهب إليه. واستسلم التلميذ لأستاذه رغم قناعته بعكس ما قال. غير أن سقراط مد يده إلى البركة، واغترف كفاً من الماء، ثم رماه في البركة، وقال لتلميذه: هذه الحقيقة أكبر دليل لك على أنه ماء، وأن ما ذهبت إليه ليس صحيحاً.

إن الإنسان الناجح يحمل مسئولية نفسه بل ومسئولية حياته كلها على عاتقه، وذاته تواقة لمعالي الأمور، لذلك هي ذات لا تعرف الكلل ولا الملل، وهمته تستعذب ألم المشاق في سبيل الوصول لقمة الظفر .. يقول "د.هارفيلد" أشهر الأطباء النفسانيين في إنجلترا في كتابه (علم نفس القوة): "الجزء الأكبر من الإرهاق الذي تعاني منه مصدره الذهن، أما الإرهاق الناتج عن مصدر جسدي بحت فهو أمر نادر. إذ إن الإنسان يستطيع العمل لأطول وقت ممكن دون الشعور بالتعب ما دام يستشعر المتعة في هذا العمل".

والذي ينشد التميز لا بد من أن يصبح بارعا في مهنته، ولا براعة من غير خبرة، ولا خبرة من غير تكرار وتدريب ومثابرة. وكما قال ميكيافيلي: "الأبرياء العزل من الخبرة والفطنة يهلكون".

عن أبان بن أبي عياش قال: قال لي أبو معشر الكوفي: "خرجت من الكوفة إليك في البصرة في حديث بلغني عنك. قال: فحدثته به". والمسافة بين الكوفة والبصرة 350 كم.

وقال حماد بن زيد الإمام الحافظ: "إذا خالفني شعبة تبعته، لأنه كان لا يرضى أن يسمع الحديث عشرين مرة، وأنا أرضى أن أسمعه مرة".

والكاتبة الأمريكية "مار غريت ميتشل" مؤلفة كتاب (ذهب مع الريح) كتبت الفصل الأول من كتابها سبعين مرة، قبل أن تستقر على صيغته النهائية.

والعلم زينة الإنجازات ومادة حياتها ووقود حركتها، ولقد كشفت دراسة حديثة أن الأشخاص المتعلمين أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب، وأكثر تحفُزا لتحقيق الإنجازات، ويتمتعون بصحة أفضل من أولئك الذين يتركون المدرسة في الصغر.

ففي دراسة قام بها «معهد التعليم» في بريطانيا كشفت التأثيرات العاطفية والنفسية والجسدية للتعليم. حيث يقول معدوا الدراسة: إن التعليم يساعد الأفراد على إدارة حياتهم بشكل أفضل، والتغلب على المشاكل التي تعترضها، مثل: البطالة والطلاق ووفاة الأقرباء والأصدقاء.

وتساعد المهارات التي يتعلمها المرء أثناء الدراسة على تفهمه للحاجة إلى مزيد من المهارات، كما تساعده على كيفية استخدام مهارات الآخرين.

كما أشارت الدراسة إلى أن المتعلمين يتمتعون بصحة جيدة، وأنهم استخدموا الخدمات الطبية الوقائية بشكل أفضل، والتزموا بالقيود الغذائية التي تحتمها المتطلبات الصحية.

كذلك أشارت الدراسة إلى أن المتعلمين يعاملون معاملة أفضل من الأطباء مقارنة بالأشخاص غير المتعلمين أو الذين يحملون مؤهلات علمية أدنى.

إن العمل يبقى معرضا للخطر إذا لم يدعمه العلم .. يقول برنتيس مولفورد: "عندما كنت أحفر لأول مرة في حياتي منجماً من الذهب في كاليفورنيا. قال لي عامل قديم من عمال المعادن: أيها الشاب، أنت تجهد نفسك بشكل سيئ، وعليك أن تضع كثيراً من ذكائك في معولك. وحين فكرت بهذه الكلمة رأيت أن عملي يحتاج إلى التعاون بين الذكاء والعضلات. يحتاج الذكاء لقيادة العضلات، ويحتاجه لوضع الحفار في المكان الذي يستطيع فيه أن يرفع كثيراً من التراب بقليل من القوة، ويحتاجه لقذف التراب إلى خارج الحفرة. وقد رأيت أنني كلما استكثرت من وضع التفكير في المعول فإنني أحفر بصورة أفضل ويصبح العمل لعباً بالنسبة إلي وأستطيع الاستمرار به. ورأيت أيضاً أنه كلما تحول تفكيري عن عملي يصبح صعباً علي".

قبيح بالمرء أن ينشغل بالمظهر عن الجوهر، وبالقشر عن اللباب، وهو في مثل هذه الحالة كمثل بالون الهواء الذي يخدع الطفل حجمه وبريق لونه وسهولة ارتقائه في أفق السماء، حتى أن هذا الطفل البريء ليندهش أشد الهشة حين يرى تبدده عند أول لمسة من سن دبوس يختفي جرمه بين أصابع اليد الواحدة، غير مدرك أن الفاعلية لا تتوقف على حجم ولا لون، ولكنه التأثير الذي يصعب على جموع الكسالى أن يستسيغوا طعمه.

د. خالد سعد النجار


ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات..

أقرأ قوله تعالى في سورة سيدنا يوسف: " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليَسجُنُنَّه حتى حين "
فأرى فيها ما يلي:
1- ليس قرار سجن يوسف صادراً بناء على أوامر الوزير الاول وحده - الذي ربّى سيدنا يوسف في بيته ورعاه – إنما القرار في سجن يوسف رغباتُ النبلاء والوزراء الذين رأت زوجاتهم – في ضيافة امرأة العزيز – شاباً وسيماً خرج عليهنّ بأمرها،تريد أن تثأر منهنّ حين خُضنَ في قصة حبها للشاب الجميل يوسف ، فدهشن من جماله فجرحن أيديهنّ دون أن يشعرن وهنّ مأخوذات بحسنه الآسر، وكنّ يسخرن من حبها لفتىً اشترته بمالها ، وكان ينبغي عليها أن تحب نبيلاً من النبلاء أو فارساً أو وجيهاً ، أما أن تحب خادمها ومتبنّاها فهو ( ضلال مبين) وخطأ كبير لا يليق بمقامها. 
2- والواو في ( رأوا) دليل على أن الرجال غاروا من ميل النساء ليوسف وطلبن إليه الفاحشة كما فعلت امرأة العزيز ، ودليل طلبهنّ تصريح امرأة العزيز أمامهنّ برغبتها فيه دون مواربة ( فذلكنّ الذي لُمتُنّني فيه ،ولقد راودتُه عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليُسجنّنّ،وليكونَنْ من الصاغرين) وما صراحتها الشديدة أمامهنّ إلا لأنهنّ رغبن ما رغبتْ، كما أن الملك حين رأى يوسف يريد البراءة قبل خروجه من السجن – ولا يفعل هذا إلا الواثقُ بنفسه الصادق في حياته- تبنّى موقف يوسف ووثق به وقال للنساء يتهمهنّ بمراودته ( ما خطبُكُنّ إذ راودتُنّ يوسفَ عن نفسه) فأقررن بذلك واعترفنّ بنصاعته وسوء دخيلتهنّ وقبح ما طلبنّ منه.
3- لماذا قرروا السجن ولم يتخذوا قراراً آخر كأن يُباع أو يُغرّب فيبتعد عن نظر النساء فينسَينه ، ولعل الجواب : إن الإبعاد لا يمنع العاشقات أن يبحثن عنه ويتابعنه فكيد المرأة كبير ، هذا ما قاله العزيز حين علم الحقيقة، فقال قولته المشهورة ( إنه من كيدكُنّ إنّ كيدكنّ عظيم) أما السجن فيبقيه حبيساً تحت أنظار أولي الأمر وليس للنساء أن يزرنه في السجن أو يلتقينه. وسينسيهِنّ الزمنُ يوسف ، فليبقَ في السجن بضع سنين.
4- ينبغي أن يكون السجن للخاطئ لا للشريف الطاهر ، وكان من المفروض أن يكرّم يوسفُ لشرفه وطهارته أما أن يُعاقب بجريرة غيره فهذه وهدة الفساد ودرَك الظلم وهمجية البشر حين تنقلب المفاهيم وتتمكن الأهواء في نفوسهم.فيعاقب المحسن ويُكافأ المذنبُ ، إنها سنة الجاهلية في ترك الشريف دون عقاب ومحاسبة الضعيف وحده على ذنب اقترفه ،أو يكون ضحية النظام الفاسد وقرباناً للمتنفذين . وما أكثر ما نراه في حياتنا التافهة هذه.
5- ( من بعد ما رأوا الآيات) والآيات هنا الدلائل والبراهين على انغماس نسائهم في الرذيلة حتى أخمص أقدامهنّ ، وبعد أن صار يوسف مهوى قلوب النساء وغاية أمنياتهنّ، ومدار حديثهنّ . مجتمع فاسد لا ضابط من الأخلاق يضبطه ، ومن أشد الأمور قساوة على الرجال أن يروا نساءهنّ يعزفن عنهم وينشغلن بغيرهم . وكان الأولى أن تكون التربية والأخلاق صمامَ الأمان في المجتمعات فيعرف كل امرئ حقه وحق غيره فيقف عند حدّه ولا يتعداه.
6- ولأنه بريء فسوف يُسجن ( حتّى حين) حين تيئس النساء منه – في سجنه- وينسَينَه ، أهي سَنة أو سنتان أو أكثر بين السجناء بأنواعهم الكثيرة المتعدّدة!؟.وعليه أن يتحمل قرارَ السادة ، أليس غريباً بينهم ضعيفاً لا سند له ،اشتراه سيدهم بماله ، فعليه أن يرضى بما يتخذونه دون اعتراض . ...هكذا كان ، وطال سجنه سنوات سبعاً ونسيه السادة أو تناسوه كعادتهم ، لولا لطف الله تعالى وحكمته التي أرادت للبشرية أمراً لا ندريه ... حتى كانت رؤيا الملك ، وكانت الحرية ... 
الدكتور عثمان قدري مكانسي