السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2015-05-31

حكمة الأسبوع



ما أتعس من لايملك شيئا من الصَّبر.

كيف هانت عليهم وهي معلقة بالعرش؟!

تؤلمني ظاهرة بدأت تسري في مجتمعنا سريان النار في الهشيم..
تدخل في البيوت وتفسدها! وتتغلغل بين الأسر وتحطمها!
ظاهرة في ديننا هي (كبيرة) من الكبائر.. ومع ذلك قد نراها في بيوت المستقيمين على الدين! فليست خاصة بالأقل تمسكا بالدين!
إنها قطيعة الرحم..
ففي مجتمع إسلامي كان يفخر بعلاقاته الاجتماعية المميزة أصبحنا نسمع قصصا محزنة عن قطيعة الرحم, ليست بين الأقارب فقط ..بل بين أقرب الأقارب!
صرنا نسمع عن تقاطع بين الإخوة والأخوات , وعن تقاطع بين الأشقّاء ..بل سمعت عن تقاطع بين توأمين ! ..عن أختين اجتمعتا في بطن واحد! يالله كيف هانت عليهما تلك البطن التي جمعتهما؟!
وليتها قصص وقفت على قطيعة بل وصلت إلى نزاعات في المحاكم؛
يخبرنا أحد القضاة أن أكثر القضايا في المحاكم هي قضايا النزاع بين الإخوة على الميراث, وكيف أنهم وصلوا لدرجة من القطيعة البشعة بسببه, فانظر كيف استغل الشيطان حب الإنسان للمال ليرتكب مسلم متدين كبيرة من الكبائر.. وعملا مقيتا يبغضه الله!
انظر كيف جرتهم القطيعة إلى أعظم الذنوب وهو عقوق الوالدين.. فهم يعلمون أنه عمل يحزن ويغضب والديهم, كيف هانت عليهم الرحم التي جمعتهم؟!.. الرحم التي أمر الله بصلتها في كتابه الكريم وأمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بها في أكثر من حديث! الرحم التي هي من الإيمان : {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه} البخاري ومسلم, الرحم التي ورد في الحديث أنها معلقة بالعرش : (الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله, ومن قطعني قطعه الله) البخاري ومسلم, الرحم التي قرن الله تقواه بها حيث قال تعالى :{ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} النساء.
بل إنه سبحانه توعد قاطعها بوعيد تقشعر منه الأبدان, قال تعالى:
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} , أي عقوبة أشد من اللعن والطرد عن رحمة الله؟!.. أي عقوبة أعظم من الصمم عن الحق,والعمى عن الخير؟!..
قال الإمام ابن عشور رحمه الله في تفسيرها:
"وفي الآية إشعار بأن الفساد في الأرض وقطيعة الأرحام من شعار أهل الكفر , فهما جرمان كبيران يجب على المؤمنين اجتنابهما".
بل إن عقوبة قاطع الرحم من العقوبات المعجلة في الدنيا قبل الآخرة, ففي الحديث :" ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا, مع ما يدِّخر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرحمِ " رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه,وصححه الالباني.
أتساءل عن هؤلاء القاطعين للرحم كيف يمرون على هذه الآيات؟!
ربما هذا مصداق الآية , فهم استحقوا عقوبة القطيعة التي هي الصمم والعمى عن الحق :"فأصمهم وأعمى أبصارهم" فهم لا يرونها ولا يسمعونها وإن كانت أعينهم مفتوحة وآذانهم سليمة!, نسأل الله السلامة والعافية!
أتساءل عن هذا الرجل الذي يصلي , ويصوم , ويحج , ويجتهد في العبادة ليحقق أمنية كل مسلم وهي"دخول الجنة", ثم يقطع رحمه! وهو يسمع بحديث صحيح في البخاري ومسلم : {لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ}؛ ربما هذا القاطع لرحمه يتحجّج بمقاطعة أقاربه له ! ربما يهوّن على نفسه القطيعة لأنّه ليس المبادر والمجاهر بها
ألا فليعلم أن عذره غير مقبول!
لست من يقول هذا! بل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ليس الواصل بالمكافئ, ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها} رواه البخاري.

ألا فليعلم أنه يصلهم لله!, ويمتثل لأمر الله, ويتغافل عن أذاهم لله,
وينتظر المكافأة من الله, فلا ينتظر منهم جزاء ولا شكورا؛
ليكن في تعامله معهم عظيما كأبي بكر رضي الله عنه الذي كان ينفق على ابن خالته الفقير, ولما قذف بعض المنافقين عرض عائشة رضي الله عنها كان ابن خالته ممن خاض معهم, فأوقف الصديق النفقة وحلف أن لا ينفق عليه, وبعد أن أنزل الله آيات براءة الصديقة أنزل قوله تعالى في سورة النور:
{وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ِ}, قال أبوبكر رضي الله عنه : بلى! أي"بلى أحب أن يغفر الله لي"! ما أبشع القذف والطعن في العرض!.. وما أعظم العفو والصفح!.. وما أجمل تلك القلوب النقية!.. وكما أن (عقوبة) قطيعة الرحم معجلة في الدنيا قبل الآخرة, كذلك (ثواب) صلة الرحم معجل في الدنيا قبل الآخرة!
من يصل رحمه لله.. فليبشر بسعة الرزق , وطول العمر, والذكر الحسن الذي يبقى حتى بعد موته, إنه وعد من الله لا يخلف الله وعده, بشرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم :
{مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ} البخاري ومسلم ؛ وهذا ملاحظ كثيرا في حياتنا , فكم رأينا من واصل بارك الله له في رزقه وعمره.
وأختم بتعليق الشيخ ابن جبرين رحمه الله على الحديث السابق حيث قال :
"..أن الله يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن وصل رحمه وصل الله أجله ورزقه , وصلاً حقيقياً , وضده : من قطع رحمه , قطعه الله في أجله وفي رزقه.. "
فتاوى الشيخ ابن جبرين (54 / 13).
نسأل الله أن يكفي مجتمعنا قطيعة الرحم , وأن يعيدنا إلى واحة التراحم , ويجعلنا ممن قال فيهم :
{والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} الرعد.

سرعة الاستجابة

لله وكفى والصلاة والسلام على الرسول المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.... وبعد
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (24) الأنفال... ومع هذه الآية العظيمة نقف وقفة تربوية وهي أن هناك نوعين من الإجابة وهي :-
1. النوع الأول (الإجابة) : طبعاً يكون فيه إجابة ولكن يصحبها نوع من التأخر والبطء فمثلا (وضع الصلاة يسمع بعض الناس الأذان ثم يتباطأ حتى الإقامة ثم يتأخر فلا يحضر للصلاة إلا وقد ذهب بعضها أو ربما قد انتهت الصلاة ) فنلاحظ هنا إجابة بس فيه تأخر ولم تكن هذه الإجابة على الفور وقس على ذلك معظم أعمال البر من مساعدة المحتاجين والبر بالوالدين والحج والعمرة وغيرها ، والناظر لواقع بعض شباب الأمة لا يحضرون لصلاة الجمعة إلا في نهاية الخطبة الثانية أو في الصلاة والله المستعان ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على أبي بن كعب فقال : يا أبي وهو يصلي فالتفت أبي ولم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله فقال : السلام عليك يا رسول الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وعليك السلام ، ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال : يا رسول الله إني كنت في الصلاة ، فقال : أفلم تجد فيما أوحي إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم . قال : بلى ولا أعود إن شاء الله..
2. النوع الثاني (سرعة الاستجابة) : وهذا النوع يكون على الفور ، والمتأمل في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته لما نزل تحريم شرب الخمر تمت الاستجابة في نفس الوقت وأراقوا هذه الخمور حتى سالت الشعاب مع شدة تعلقهم بها قبل التحريم ولكنها سرعة الاستجابة ، وكذلك أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعد اسلامه مباشرة خرج يدعو إلى هذا الدين فاسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة الله أكبر ما اسرع هذه الاستجابة وكذلك ابن عباس رضي الله عنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات وكان عمره عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم (13-14) سنة فقط ولكنه أصبح حبر الأمة وبحر الأمة وترجمان القرآن ، بينما نجد الكثير من شباب الأمة في هذا العمر بوضع مختلف ، انظر إلى ما هي اهتماماته وميوله وما لديه من القرآن والعلم الله المستعان .
اسأل الله تعالى أيها الأخوة أن يصلح أبناءنا وبناتنا وشباب المسلمين في كل مكان وأن يقيهم شر الفتن والشهوات والمغريات ونسأل الله تعالى أن ينصر دينه وكتابة وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأن يرزقنا وإياكم سرعة الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ......

2015-05-28

قبل أن تغيب شمس والديك!

 يذكرني طلـوع الشمس" شيخا"!
وأذكـره لـكـل غـروب شـمـس!*

هناك أيام حزينة نعلم أنها آتية لا محالة! نعلم أنها سنة الله في خلقه!
نعلم أنها قدر الله وقضاؤه!
لكننا نهرب ونفزع من مجرد التفكير بها!
من تلك الأيام المؤلمة رحيل شيخي ومهجة قلبي وقرة عيني أبي الحبيب..رحمه الله وأموات المسلمين وجمعني به في دار كرامته,
لست اليوم أكتب مقالا تأبينيا فيه! فلا يشعر بألم الجرح إلا صاحبه..
لكني أكتب هنا وقفات لكل من يرفل بنعمة وجود والديه أو أحدهما!
الوقفة الأولى :
حافظ على الباب! حافظ على مخرج النجاة , ومصعد الدرجات!
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : "الوالد أوسط أبواب الجنة ، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه"
رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني,

فكم من سعيد بوجود باب الجنة في بيته! تهب عليه نسائمها صبحا ومساء.. تهب عليه كلما حيّا والديه أو قبّل رأسيهما..أو قضى لهما حاجة يطلبانها!
وكم من بائس ضيع هذا الباب وغفل عنه ولم يتنبه إلا حين أُغلق!
الوقفة الثانية :
لا تؤجل ولا تستصغر أي عمل يسعدهما, حتى البسمة! أليست "الكلمة الطيبة صدقة"؟! فكيف إذا كانت لأحق الناس بحسن صحابتك؟!
ولا تؤجل حتى المكالمة الهاتفية معهما! فلا تعلم متى تقبض روحهما!
فقد كنت في مكة المكرمة وكان لدي خبر جميل هو عمل خيري لوالدي ووالدتي ,وأجلت الخبر يومين حتى أقابلهما وأبشرهما وأرى تهلل وجهيهما وسعادتهما به!
وجاءني نعي والدي قبل أن أضمه وأبشره أو حتى أودعه!
يالله! كم كانت تلك الساعات ثقيلة وأنا عائدة إلى الرياض!
كم بكيت وأنا أسمع المنادي يقول" نحن على مقربة من مطار الرياض"!
كنت أقول في نفسي وأنا أبكي بكاء مرا : أي رياض؟! أي رياض غاب عنها ربيعها؟!
وحين وصلت..وفي الطريق استوحشت من شوارعها! ونخيلها! هل كانت تعلم برحيله؟!
فيامن حياته مازالت منوّرة بوالديه استمتع بهما قبل رحيلهما!
والقفة الثالثة :
قد يصدر من والديك - بدون قصد - كلمات قاسية ..فلا يوسوس لك الشيطان بالانتصار لنفسك! إنهما والداك!
إنهما اللذان أمرك الله بخفض جناح الذل لهما { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } , وفي الحديث :
{ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله} رواه ابن ماجه وصححه الألباني,
فإذا كان كظم الغيظ مع أخيك المسلم له هذا الأجر العظيم عند الله فكيف مع اللذين وصاك الله بهما؟!
كيف باللذين قال الله عنهما { فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا }؟!
قال علي رضي الله عنه: لوعلم الله شيئاً في العقوق أدنى من " أف " لحرّمه!,
وقال عروة بن الزبير: مابر والديه من أَحَدَّ النظر إليهما,
بل قال علي رضي الله عنه: من أحزن والديه فقد عقهما.
الوقفة الرابعة :
تذكر حين توفق إلى بر والديك أنها نعمة عظيمة من الله,
فكم من غافل مشغول بالدنيا وزينتها عن والديه!مشغول عن أعظم أسباب الفوز بالجنة,
روي {عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت:من هذا ؟ فقالوا: حارثة بن النعمان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلكم البر كذلكم البر (وكان أبر الناس بأمه).}رواه أحمد وصححه الألباني,
تأمل كيف استحضر رسول الله من بين أعمال هذا الصحابي الجليل فقط بره بامه!
ولا غرابة في ذلك فإن بر الوالدين في الإسلام مقدم حتى على الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام!
روي {عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال:
( الصلاة على وقتها) قال: ثم أي؟ قال: ( بر الوالدين ) قال ثم أي؟ قال: ( الجهاد في سبيل الله )}البخاري ومسلم.
بل إن رضا الله في رضاهما , روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم { رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما} صحيح الجامع.
الوقفة الخامسة :
ثق أن من البر الحرص على جو الوئام بينك وبين إخوتك,
فمن المعلوم أن أكثر مايكدر صفو الوالدين حصول خصام أو جفوة بين بعض أولادهما, فحرصك على ما يسعدهما من أعظم البر , وتزيد عظمته حين يقترن بالصبر على ما قد يصدر من إخوتك لأجلهما فتجمع أجر البر والصلة والصبر{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }؛
وأخيرا تذكر وصية الله لك بالدعاء لهما : { وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } ,
قال سفيان بن عيينه في قوله تعالى { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ }: من صلى الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه عقبهما فقد شكرهما,
بل قال بعض الصحابة: ترك الدعاء للوالدين يضيق العيش على الولد,
وقد ذكر بعض المفسرين أن الدعاء للوالدين نعمة من الله ودليله أن الله بعد ذكره دعاء الابن لوالديه :
{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ..}
أن الله قال بعدها :
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} ؛
ختاما!
هذه خواطر كتبتها بعد أن غاب أحد والديّ, ووقفات أذكّر بها كل من تكتحل عيناه برؤية والديه , وإن كان البر لايتوقف بموتهما , بل قد تكون حاجتهما للبر بعد الممات أشد لانقطاع عملهما!
ولكن وجودهما بهجة للقلب لا تُنسى , ورضا للنفس لا يُثمّن , وسكينة للروح لا تعوّض,
فتمتع ببر والديك قبل أن تغيب شمسهما!

حياة بلا قلق أو توتر

من منا لا يعاني في حياته من التوتر أو القلق ويبحث عن السعادة والاطمئنان في هذه الحياة ؟ من منا لا يرغب في الراحة والطمأنينة في حياته الدنيا وفي الآخرة – بإذن الله تعالى؟
لو سألت هذا السؤال 100 شخص ستجد أن الجميع يتفقون على إجابة واحدة! ” نعم كلنا يرغب في ذلك!! ” ولو تأملت لسان حال هؤلاء جميعاً ؛ ستجد أن السواد الأعظم منهم يعمل عكس ما يرغب ويتمنى!! حقيقة هي معضلة!
قرأت مرة كتباً لخبير التنمية البشرية الراحل د. إبراهيم الفقي ـــ بعنوان ” حياة بلا توتر ” يؤكد فيه – رحمه الله تعالى : ” أنه لا يوجد إنسان تعيس، ولكن توجد أفكار تسبب الشعور بالتعاسة، إن لم تكن سعيداً داخلياً لن تكون سعيداً خارجياً وإن لم تكن كما أنت الآن لن تكون سعيداً عندما تصبح ما تريد، وإن لم تكن سعيداً بحياتك الآن لن تكون سعيداً بأي حياة”. باختصار إن لم تعش الجنة الآن في حياتك فلن تعيش الجنة بالمقابل بعد مماتك! إلا أن يشاء الله تعالى.
وسؤال المليون الآن!! كيف أعيش الجنة الآن؟
يؤكد د إبراهيم الفقي – أن كثيرا من الناس ينتظر أن يحدث له شيء بعينه حتى يشعر بالسعادة، كما يظن بعض الناس أن “الشعور بالسعادة” هو نتيجة النجاح، ولكن العكس هو الصحيح حيث إن ” النجاح ” هو نتيجة الشعور بالسعادة، ويدلل على صحة كلامه باستعراض أمثلة من حياة المشاهير مثل ألفيس بريسلي، داليدا فقد امتلكوا كل ما تمنوا وحققوا النجاح والشهرة ومع ذلك لم يكونا سعيدين في حياتهما، وأنهوا حياتهم بالانتحار.
ليتابع قائلاً لا يوجد إنسان تعيس ولكن توجد أفكار تسبب الشعور بالتعاسة، وأنه إذا لم يكن الإنسان سعيداً بحياته فإنه لن يكون سعيداً بأية حياة، فلا يوجد طريق إلى السعادة لأنها هي الطريق ، فالسعادة الحقيقية تكمن في حب الله تعالى واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ومن أحبه الله تعالى فقد حاز جنة الدنيا والآخرة.
السعادة الحقيقة الخالية من القلق والتوترات ؛ هي حياة يملؤها الرضا بما كتبه الله تعالى لك. هي رغبة العيش بسنن ونواميس هذا الكون الفسيح { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. [الزلزلة].
يا صديقي – إن السعادة في متناول أيدينا ولكننا لا نشعر بها لأننا ننظر إلى ما لدى الآخرين ونتمنى الحصول عليه، ولا نرضى بما هو بين أيدينا، فإذا أردنا السعادة في الدنيا وهي الجنة الآن!! فلتكن قلوبنا نقية لا تحمل حقداً ولا ضغينة لأحد، ولنجعل الصفح والتسامح مبدأنا في الحياة، ولننظر إلى عيوب أنفسنا ونصلحها، ولنجعل أهدافنا راقية وعالية وننشغل بمحاولة تحقيقها.
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال : كنا في المسجد عند رسول الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة)، قال: فدخل رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، فسلم على النبي وجلس، قال: ولما كان اليوم الثاني قال: (يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة)، قال: فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس، تنطف لحيته من وضوئه، مُعلقاً نعليه في يده فجلس، ثم في اليوم الثالث، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: فقلت في نفسي: والله لأختبرن عمل ذلك الإنسان، فعسى أن أوفّق لعمل مثل عمله، فأنال هذا الفضل العظيم أن النبي أخبرنا أنه من أهل الجنة في أيامٍ ثلاثة، فأتى إليه عبد الله بن عمرو فقال: يا عم، إني لاحيت أبي – أي خاصمت أبي – فأردت أن أبيت ثلاث ليال عندك، آليت على نفسي ألا أبيت عنده، فإن أذنت لي أن أبيت عندك تلك الليالي فافعل، قال: لا بأس، قال عبد الله: فبت عنده ثلاث ليال، والله ما رأيت كثير صلاةٍ ولا قراءة، ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب ذكر الله، فإذا أذن الصبح قام فصلى، فلما مضت الأيام الثلاثة قلت: يا عم، والله ما بيني وبين أبي من خصومة، ولكن رسول الله ذكرك في أيامٍ ثلاثة أنك من أهل الجنة، فما رأيت مزيد عمل!! قال: هو يا ابن أخي ما رأيت، قال: فلما انصرفت دعاني فقال: غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا أحسد أحداً من المسلمين على خير ساقه الله إليه، قال له عبد الله بن عمرو: تلك التي بلغت بك ما بلغت، وتلك التي نعجز عنها[أخرجه أحمد (3/166)، والبيهقي في الشعب (6605)].
انظر – يا صديقي – كيف أن سلامة الصدر، وخلوه من الحسد، بلغت بصاحبها تلكم المنزلة الرفيعة، فقليل من الأعمال الخالصة يجعلها الله سبباً لنيل صاحبها الخير والفضل ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء ) [الجمعة:4]، هذا الفضل العظيم لمن وفقه الله فسلم صدره، وصح إيمانه، ورضي بما قسم الله له، ولم يحسد أحداً من المسلمين، على خير ساقه الله إليه، لا يحاول التنقص منه، ولا الحط من قدره، ولا تشويه سمعته، ولا إلحاق الأذى به بأقواله وأعماله، بل هو متقٍ لله، راضٍ بقسم الله، عالم أن الله أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين.
أمر آخر – يا صديقي – تأكد أن المال والجاه وغيرهما من ماديات الحياة المعاصرة ليسو من أسباب ” السعادة ” فزيادة المال – مثلاً – يتبعها زيادة إنفاق وزيادة الصراع والهموم، ولذلك يجب أن نتوقف ونسأل أنفسنا لماذا نحن متوترون وقلقون؟ فربما نجد الأسباب واهية وغير حقيقية. إن الحياة في العصر الحديث الذي نحيا فيه تجعل من اليسير أن نعتقد أن المال وتراكم الأشياء المادية حولنا هما اللذان سيوفران لنا السعادة، ولكن المشكلة هي أنه كلما تراكمت الأشياء احتجنا إلى المزيد، وكلّ ما نملكه لا يبدو كافياً أبداً. لا المال ولا الأشياء المادية ولا حتى علاقاتنا الاجتماعية تجعلنا سعداء، قد نملك بعض اللحظات السعيدة، ولكنها تبدو غير ملائمة، وقد نبدأ في الشعور بأننا محاصرون في الحياة وقد نتساءل ما البديل؟
ما هذا الشيء الذي بداخلنا ويجعلنا ننشد السعادة من خارج أنفسنا؟ إنه “الأنا” الأنا هي ذاتك الزائفة.. هي ذاتك غير الحقيقية!! هي تلك الذات أو ذلك الجزء الذي بداخلنا ويهتم بالأشياء الخارجية. “الأنا” دائماً نحاول تبرير وجودها بحياتنا بزعم أنها تسعى لما فيه صالحنا، إذ إن أجسادنا تحتاج إليها للبقاء، ومن السهل ملاحظة أن “الأنا” ترى في السعادة والحب وراحة البال أعداءً لها، لأننا عندما نستمتع بحالتنا النفسية فنحن إنما نستمتع بكينونتنا الروحية، فنرى العالم مختلفاً تماماً عن محاولته “الأنا” تصويره لنا. وفي النهاية فسعادتنا أو تعاستنا تقاس بالدرجة التي تقبل بها النصيحة من “الأنا”.
إذاً ما الطريقة للتخلص من التوتر والقلق؟ في الحقيقة – يا صديقي – لا توجد طريقة ناجعة وفعالة – مع احترامي – لكل ما قُدم من أدبيات نفسية بهذا الشأن! القلق والتوتر ما هو إلا رسالة حقيقية من الروح التي تقطن ذلك الجسد! فأنت روح طاهرة تعيش تجربة جسدية في هذه الدنيا!! وبالتالي يجب أن نتعامل مع القلق والتوتر على أنهما رسولا سلام لا نذر حرب! (إن كل ما حققته ليس سوى نتيجة لكل ما كنت تفكر فيه!). التوتر يؤثر على الناس باختلاف هواياتهم، ووظائفهم، وبيئاتهم، ونحن نعمل بجد طيلة حياتنا من أجل أن نشعر بالتوتر، فمثلاً: تمنيت أن تعمل في وظيفة راقية، وأن يكون لديك سيارة ومسكن وغيرهما، فإذا تحققتْ لك أمنياتك فإنك تعود إلى نقطة البداية وتطلب المزيد، والتوتر مرافق لك في كل ذلك، وهو يختلف باختلاف الناس وهمومهم، فمنهم من يساعده التوتر لتحقيق المراد، بينما آخرون يؤدي بهم إلى الشعور بالإحباط واليأس.
تروي الأسطورة الصينية أن شيخاً أراد أن يعرف الفرق بين السعداء والتعساء، فذهب وسأل أحد الحكماء قائلاً: هل أخبرتني ما الفرق بين السعداء والتعساء؟ قاده الحكيم إلى قصر كبير، فما إن نزلا إلى البهو، حتى شاهدا أناساً كثيرين تمتد أمامهم الموائد عامرة بأطايب الطعام، وكانت أجسادهم نحيلة، وتبدو على سماتهم علامات الجوع، وكان كل منهم يمسك بملعقة ضخمة طولها أربعة أمتار، لكنهم لا يستطيعون أن يأكلوا، فقال الشيخ للحكيم: لقد عرفت هؤلاء، إنهم التعساء.
ثم قاده الحكيم إلى قصر آخر، يشبه القصر الأول تماماً، وكانت موائده عامرة بأطايب الطعام، وكان الجالسون مبتهجين، تبدو عليهم علامات الصحة والقوة والنشاط، وكانت في يد كل منهم ملعقة ضخمة طولها أربعة أمتار أيضاً، فما إن رآهم الشيخ حتى صرخ قائلاً: هؤلاء هم السعداء، ولكني لم أفهم حتى الآن الفرق بين هؤلاء وأولئك؟ فهمس الحكيم في أذنيه قائلاً: السعداء يستخدمون نفس الملاعق..لا ليأكلوا بل ليطعم بعضهم بعضاً، فالأنا سبب التعاسة..ونحن طريق السعادة.
يا صديقي العزيز – نصيحتي لك للعيش في جنة الدنيا بأن تيعش واقعك ولا تعيش في المثاليات فأنت تريد من الناس ما لا تستطيعه فكن عادلاً، مكتبتك المنزلية هي بستانك فتنزه فيه بين الحين والأخر لا تنظر إلى الدنيا بنظارة سوداء، فأنت الذي تلون حياتك، ليس في ساعة الزمن إلا كلمة ” الآن ” وليس في قاموس السعادة إلا كلمة واحدة هي ” الرضا “. احرص على البذل والعطاء، فتمام المتعة أن نرى الآخرين يستمتعون، وتمام السعادة أن نرى الآخرين سعداء.
يقول خبراء علم النفس. ضعف التقدير الذاتي هو سبب كل مشاكل الإدمان في العالم. ومن شعور الإنسان بالدونيّة هو من أشد ما يجعله غير متزن نفسياً، على الإنسان أن يقّدر نفسه بنفسه، فلا يوجد أي إنسان سلبي، وكل الناس قادرون على النجاح، وانتظار التقدير من الناس لا طائل من ورائه أبدا، فكل مشغول بحياته الخاصة ومشاكله سبب قوي جداً للإحساس بالتعاسة.. تصرّف كما أنت.. لا تكذب لإرضاء الآخرين.. لا تتصنّع ولا تتكّلف! فقط عش كل لحظة كأنها آخر لحظة في حياتك ، وقدّر قيمة الحياة.

نصائح غالية ( كتاب الفوائد لـِ ابن قيم الجوزية )



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
فهذا كتاب ( الفوائد ) يحتوي على سَوانح أفكار ، وبديع أزهار ، ونتائج خواطر ضَمَّتها الجُذاذات ، وبديع نقولات حوتها الكُناشات ، وفوائد عزيزة ، ولطائف فريدة ، ومواعظ ونقولات ، قيدها العالم الإمام ، شيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد ، المعروف بابن قيم الجوزية ، أخترت منها ما أدرِج تحت العنوان ( نصائح غالية ) ..
أسأل الله أن ينفع بها .
- اشتر نفسك اليوم ، فإن السوق قائمة ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك البضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير قال عز وجل : ( ذَلِكَ يَوْمُ التَغَابُنِ ) [ التغابن : ٩ ] ، وقال عز وجل :( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ) [ الفرقان : ٢٧ ] .
- العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملاء جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه .
- إذا حملت على القلب هموم الدنيا وأثقالها ، وتهاونت بأوراده التي هي قوته وحياته ، كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها ، فما أسرع ما تقف به .
- من تلمح حلاوة العافية هانت عليھ مرارة الصبر .
- الغاية : أول في التقدير ، وآخر في الوجود ، مبدأ في نظر العقل ، منتهى في منازل الوصول .
- ألفت عجز العادة ، فلو علن بك همّتك ربا المعالي لاحت لك أنوار العزائم .
- إنما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور .
- نزول همة الكسَّاح دلاه في جب العذرة .
- بينك وبين الفائزين جبل الهوى ، نزلوا بين يديه ونزلت خلفه ، فاطو فضل منزل تلحق بالقوم .
- الدنيا مضمار سباق ، وقد انعقد الغبار وخفيَ السابق ، والناس في المضمار بين فارس وراجل وأصحاب حمر معقرة .
- في الطبع شره ، والحمية أوفق .
- لص الحرص لا يمشي إلا في ظلام الهوى .
- حبة المشتهي تحت فخ التلف ، فتفكر في الذبح ، وقد هان الصبر
- قوة الطمع في بلوغ الأمل توجب الإجتهاد في الطلب ، وشدة الحذر من فوت المأمول .
- البخيل فقير لا يؤجر على فقره .
- الصبر على عطش الضُّر ، ولا الشرب من شرْعة منٍّ .
- تجوع الحرة ، ولا تأكل بثدييها .
- لا تسأل سوى مولاك ، فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليھ .
- غرس الخلوة يثمر الأنس .
- استوحش مما لا يدوم معك ، واستأنس بمن لا يفارقك .
- عزلة الجاهل فساد ، وأما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها .
- إذا اجتمع العقل واليقين في بيت العزلة ، واستحضرا الفكر وجرت بينهم مناجاة :
أتاك حديث لا يمل سماعة / شهي إلينا نثره ونظامه
إذا ذكرته النفس زال عناؤها / وزال عن القلب المعنى ظلامه
- إذا خرجت من في عدوك لفضة سفه ، فلا تلحقها بمثالها ، تلقّحها ، ونسل الخصام نسلٌ مذموم .
- حميتك لنفسك أثر الجهل بها ، فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها .
- إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بإحراق القادح .
- أوثق غضبك بسلسلة الحلم ، فإنه كلب إن أفلت أتلف .
- من سبق له سابقة السعادة ، دُلّٓ على الدليل قبل الطلب .
- سفر الليل لا يطيقه إلا مُضمر المجاعة .
- النجائب في الأول ، وحاملات الزاد في الأخير .
- الأرواح في الأشباح كالأطيار في الأبراج وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيئ للسباق .
- من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان ، فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله .
- كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا ، فإن الولد يتبع الأم 
- الدنيا جيفةٌ ، والأسد لا يقع على الجيف .
- الدنيا لا تساوي نقل أقدامك إليها ، فكيف تعدو خلفها ؟!
- الدنيا مجاز والآخرة وطن ، والأوطان أنما تطلب في الأوطان .
* الاجتماع بالإخوان قسمان :
أحدهما : اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت ، فهذا مضرّته أرجح من منفعته ، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ، ويضيع الوقت .
الثاني : الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر ، فهذا أعظم الغنيمة وأنفعها ، ولكن فيه ثلاث آفات : الأولى : تَزَيُّنُ بعظهم لبعض .
الثانية : الكلام والخلطة أكثر من الحاجة .
الثالثة : أن يصير ذاك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود .
وبالجملة ، فالاجتماع والخلطة لقاح : إما للنفس الأمارة ، وإما للقلب والنفس المطمئنة ، والنتيجة مستفادة من اللقاح ، فمن طاب لقاحه طابت ثمرته ، وهكذا الأرواح الطيّبة لقاحها من الملك ، والخبيثة لقاحها من الشيطان ، وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين ، والطيبين للطيبات .. وعكس ذلك .
والله عز وجل أجل وأعلم .

الإنصاف قيمة أخلاقية

إلى كل من يتهم ويتعدى على دين الإسلام ...
إلى كل من يتهم حبيبى محمد ويسيء اليه ..
إلى كل من يسخر من نبينا ويؤذينا فى مشاعرنا ..
قف قليلا ... فضلا لا أمرا .
ليس للإسلام ذنب فيما تراه منى من عيوب ..
فأنا مَنْ أتحمل عيوبى وسوء سلوكياتى ..
أنا من تلومنى وليس إسلامى ونبيىّ محمد .
ليس للإسلام ذنب فيما تراه من تصرفاتى التى لاتليق بدينى ولا بنبىّ محمد .
ليس للإسلام ذنب أننى أحد أبناؤه العاقين له العاصين لأمره ..
المبتعدين عن هديه وشرعه وسماحته..
اعلم ..
أن الإسلام..
رسالة الله للناس كافة ..
رحمة ..
هداية ..
سلام ..
سعادة ..
حب ..
تكافل ..
إحتواء للناس كافة ..
ضمان لغير المسلم تماما كالمسلم ..
ليس فى الإسلام إرهاب ..
ليس فى الإسلام عنف ..
الإسلام رسالة خالدة معطاءة ..
الإسلام نجاة وغوث للبشرية جمعاء ..
انظر الى نسبة المسلمين الذين يسيئون إلى إسلامهم ونبيهم ..
ستجدهم قلة ليست بالكثيرة ولا قدر لها ولا اعتبار ..
فى حين أن السواد الأعظم هو المحب , المسالم , الخلوق ..
انظر الى الخوارزمى العالم العربى المسلم ..
مَنْ تستمتع برياضياته وحساباته الآن ..
أليس هو مسلما معطاءً خلوقا نافعا لغيره بل للدنيا..
ألم يكن مسلما وغيره وغيره .
لو تعلمون مَنْ هو محمدا ؟
هو من أرسله الله للناس كافة ..
لم يرسله لنا كمسلمين وحدنا ..
فيامن تؤذوننا فى نبينا ..
والله إنه لهو الحق المبين ..
ذو الخلق المتين , الرؤوف الرحيم..
أرسله الله هداية ورحمة لنا ولكم وللعالمين ..
هو النبى المتواضع , السمح , البشوش .
هو من يعفو ويسامح ..
هو من يغفر للغير الذلات ..
هو من دعى الى الحب والسلام ..
هو من رفض أن يطبق الله الأخشبين ( الجبلين ) ..
على من آذوه وعنّفوه وأدموه فى قدميه الشريفتين..
ولو كان ما أراد لكانوا فى لحظة كالتراب تحت الأقدام ...
أخيرا ...
لا أنسى أن أتوجه بكلمة إلى نفسى و المسلمين كافة ..
01. لاتسيئوا الى دينكم فأنتم سفراءه..
02. رجاءً لاتشوهوه بسلوكياتكم ..
03. لاتبغضّوا الله والاسلام فى قلوب غير المسلمين ..
04. كونوا شامات وخير سفراء لدينكم ..
05. يا أخى أصلح نفسك أولا قبل أن تفكر فى إصلاح غيرك ..
06. إذا أصلح كل منا نفسه أولا سينصلح حال الدنيا من بعده .
07. اعلم أن الرفق ماكان فى شيء إلا زانه ومانزع من شيء إلا شانه .
08. دافع عن نبيك بسلوكك أنت , باتباعك لنبيك , بتسامحك , بعفوك , بأخلاقك.
09. لا تقل مالا تفعل .
10. كن نموذجا يفعل مايقول ..
11. لاتكن ممن قال الله عنهم : لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون.
12. اذا كان اسلامنا ونبينا معصومان محفوظان من الله فهذا لايعنى أن تقف مكتوف الأيدى
دافع بالكلمة بالمقال بل بما هو أهم وهو السلوك الإسلامى الأصيل  13. دافع عن دينك بسلاح الحب والأخلاق والإقتداء بنبيك .. كن قدوة .

المخرج لنيل النصر والفرج


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الرسول المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.... وبعد
يقول تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) الأنفال ... في هذه الفترة خاصة تخوض الأمة وخصوصاً بلادنا الحبيبة حالة حرب ضد المد الرافضي المجوسي الحوثي الخبيث الذي عاث في الأرض الفساد باسم الاسلام فسفك الدماء وقتل الأبرياء ورمل النساء ويتم الأطفال وهدم بيوت الله وأغلق حلق الذكر والقرآن .... إلخ مع هذا نقول للعالم كل العالم أن النصر قريب بإذن الله وأن هذا الدين منصور إلى قيام الساعة جاء في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا ... يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ". لذلك الآيات السابقة تشمل على أسباب النصر التي إذا إذا عملنا بها وعمل بها جنودنا البواسل على ثغور هذا البلد الحرام لتحقق النصر بإذن الله تعالى وهي كما يلي :
1) الثبات أمام العدو على أرض الجهاد والثبات على هذا الدين .
2) الإكثار من ذكر الله وخصوصاً أمام العدو وفي أرض الجهاد .
3) طاعة الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه لذا معصية العاصي أياًّ كان موقعه تكون سبباً في هزيمة الأمة
4) طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر وتصديقه فيما أخبر .
5) البعد عن النزاع والتفرقة وتشتيت الصف وهذا يورث الانهزامية والضعف بل يؤدي إلى تقدم العدو
6) الصبر في مواطن الفتن والحروب وملاقاة العدو واستشعار (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وفي الحديث ( من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة ) الفواق : ما بين الحلبة والأخرى ، ويقول صلى الله عليه وسلم (لغبارٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها )
7) البعد عن الرياء والسمعة والبطر والعمل على تصحيح النية وسلامة القصد حتى يتحقق النصر وتنال الشهادة وما أشد حاجة الأخوة المرابطين لتذكيرهم بهذا الأمر والتأكيد على هذا الجانب المهم .
هذا هو المخرج الإلهي لنيل النصر والفرج وهذه هدية نبوية للمجاهدين على الثغور يقول صلى الله عليه وسلم ( للشهيد ست خصال : يغفر ذنبه مع أول قطرة من دمه ويؤمن فتنة القبر ويؤمن الفزع يوم القيامة ويشفع في سبعين من أهل بيته ويلبّس تاج الوقار الياقوتة فيه خيرٌ من الدنيا وما فيها ، ويزوّج بسبعين من الحور العين ) هنيئاً لكم هذا الأجر وهذا الفضل أيها الأشاوس الأبطال .
اللهم أنصر إخواننا على الثغور اللهم سدد رميهم وصوب رأيهم وثبت أقدامهم ووحد صفهم وانصرهم على القوم الكافرين .
اسأل الله تعالى أيها الأخوة أن يصلح أبناءنا وبناتنا وشباب المسلمين في كل مكان وأن يقيهم شر الفتن والشهوات والمغريات ونسأل الله تعالى أن ينصر دينه وكتابة وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأن يرزقنا وإياكم سرعة الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ......

2015-05-22

حكمة الأسبوع



ضع الحزن جانبا ، وتذوق بساطة الفرح ؛ فغيرك مبتسم وهو أتعس منك

2015-05-18

سـهام في العمق!!

لا تغتر بما تعلم، حيث أن ما تجهله يدعو للخجل!! 

لا تدَّعي الحرية؛ لأنك أسير لحظات عمرك التي تفنى سريعاً، ومن ثم أسير ما عملته فيها!! 
أيها الذنوب تعاظمي حقارةً بجوار عفو الله ورحمته، ولكن إياك أن تتعاظمي في عيني لأني سوف اطمس معالمك في لحظة صدقٍ واحدةٍ مع الله !! 
بالغ أيها المتكبر في تكبرك؛ حتى تزداد صغاراً تحت وطأة الأقدام يوم القيامة !! 
لو نطقت المقابر لقالت :"أيها المغرور تمهل، فلسوف أحيل حاضرك ماضياً، وأُلبسك من الفناء رداءً بالياً، ولن ينفعك في بطني إلا ما كان من العمل خالصاً ولشرع ربي موافقاًً ".
أيها التاجر الفاجر ليتك ما تاجرت !! حيث لم تزدك التجارة إلا زيادة من رصيدك في العذاب عن كل ربح حققته من الحرام !!
ما رأيك أيها المتجرئ على الله بفعل فاحشة الزنى في تناول فنجانٍ من قيح المومسات الذي سوف تتجرع مرارته أطناناً يوم القيامة؟! على الأقل كي تتعود مذاقه النتن إلم تتدارك نفسك بالتوبة العاجلة على ما تجرأت به على الله من قبيح الفعال !!
عفوا أعلم أن لك مقدار من دنياك كبير، ولكن لدينا أوامر بأن نقدمك طعاماً للديدان !!) القبر( 
لا . . لن أصارحك بالحقيقة نظراً لمرارتها . . فلن أحدثك عن الموت وصرعته، ولا القبر وضمته، ولا القيامة وشدتها، ولكن سوف أسألك عن شيء واحد فقط، أخشى أن تتقطع له نياط قلبك لو وقع بك على غير استعداد!! هل هيأت نفسك لفقدان كل شيء في لحظةٍ مباغتةٍ ليس فيها هوادة؟! فلا سعة دار ولا أهل ولا ولد؟؟ . . رجاء لا تحزن . . ولكن فقط حاول أن تهيئ نفسك لهذه اللحظة بعملٍ صالحٍ ترجو به من الله أن يجمعك بأحبائك في جمع سعادةٍ لا تشقى بعدها أبداً. 
يا سكان الأرض . . ما لي أرى الدنيا تغير ثوبها منكم كل مائة عام، فتغيبكم في ظلام قبورها؛ لتأتي بغيركم فيواصلون مسيرة الاغترار الزائف على ظهرها!! عجباً وربي !!
هل رأيت وهماً أشد من الاغترار بلحظات العمر التي لا تتوقف عن الفناء لتسحب بساط العمر بهدوء من تحت أقدامنا ليصبح كل منا في لحظة مباغتة أمام مواجهة صارخة مع الموت وسكراته والقبر وظلماته وموقف القيامة بأهواله ؟! فهلا استيقظت قليلاً _ رجاءً _ قبل فوات الأوان؟! 
إدمان المعصية يدعو لمزيد من التخدير . . فهلا أدخلت نفسك المصحة الوحيدة للعلاج من هذا الإدمان؟ (ألا وهي الصحبة الصالحة التي تزيد خيرك وتضيق على وساوس الشر في نفسك)

تخيل نفسك قلم رصاص !!


في البدء ..
تكلم صانع قلم الرصاص إلى قلم الرصاص قائلا : هناك خمسة أمور أريدك أن تعرفها قبل أن أرسلك إلى العالم.. فَتَذَكرْها دوماً وستكون أفضل قلم رصاص ممكن .. 
أولاً: سوف تكون قادراً على عمل الكثير من الأمور العظيمة ولكن فقط!! إن أصبحت في يد أحدهم. 
ثانيا: سوف تتعرض لـ(بري) مؤلم بين فترة وأخرى، ولكن هذا ضروري لجعلك قلماً أفضل.
ثالثاً: لديك القدرة على تصحيح أية أخطاء قد ترتكبها.. 
رابعاً: دائما سيكون الجزء الأهم فيك هو ما في داخلك فاهتم به أعظم الاهتمام .. 
خامساً: مهما كانت ظروفك فيجب عليك أن تستمر بالكتابة وعليك أن تترك دائماً خطاً واضحاً وراءك مهما كانت قساوة الموقف..
وفَهِمَ القلمُ ما قد طُلب منه، ودخل إلى علبة الأقلام تمهيداً للذهاب إلى العالم بعد أن أدرك تماماً غرض صانعه.. 
والآن أخي..
ضع نفسك محل هذا القلم.. وتذكر دائما ولا تنسَ هذه الأمور الخمسة وستصبح أفضل إنسان ممكن.. 
أولاً: ستكون قادراً على صنع العديد من الأمور العظيمة.. ولكن فقط إذا ما تركت نفسك بين يدي الله.. ودع باقي البشر يقصدوك لكثرة المواهب التي امتلكتها, فعليك بالإخلاص وكثرة الدعاء.
ثانيا: سوف تتعرض لبري مؤلم بين فترة وأخرى, بواسطة الابتلاءات و المشاكل التي ستواجهها وتواجهك، ولكنك ستحتاج هذا البري كي تصبح إنساناً أقوى من ذي قبل .. 
ثالثاً: ستكون قادراً على تصحيح الأخطاء والنمو عبرها " فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " والعاقل من استفاد من أخطاءه .. وأخطاء غيره .. وكان غيره عبرة له ولم يكن هو عبرةً لغيره .. 
رابعاً: اعلم أن الجزء الأهم منك سيكون دائماً هو داخلك " القلب .. وما أدراك ما القلب"
إن في الجسد مضغةً إذا صلُحت.. 
خامساً: في أي طريق مشيت ، فعليك أن تترك أثراً .. و بغض النظر عن الموقف، فعليك دائماً أن تخدم دين الله في كل شيء..
*كن قلماً مختوما عليه* (وقف لله)
وأترك أثراً قبل الرحيل ..
كلٌّ منا هو كقلم رصاص
تم صنعه لغرض فريد وخاص
وبواسطة الفهم والفطنة والذكاء وسلوك طرق الصواب .. نواصل مشوار حياتنا في هذه الأرض واضعين في قلوبنا هدفاً ذا معنى وعلاقة يومية مع الله ..
إن لم تكن تعلم فاعلم أنه قد تم خلقك من أجل أهداف عظيمة فاعقلها وافهمها وقم بها على الوجه المطلوب .. 
فإلى كل من يعمل لوحده ( كن متعاوناً مع الآخرين .. ولا تعمل لوحدك )
فمع الآخرين يكون شكلك مرتبا وأذوق .. وعند ربك أحب وأنفع ..

2015-05-17

كيف تحل الطمأنينة في القلب



الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وبعد:
فإن الأمر الذي اجتمع عليه الناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم ,غنيهم وفقيرهم , شريفهم و وضيعهم , هو طلب الطمأنينة وتمني نزول السكينة في القلوب .
ربما ألم بأحدهم مرض , فلا يسعى بإزالته وتحمل وصبر وفي أحيانا كثيرة كتمه في نفسه , أما إذا حل بساحته ضيق واجتمع على قلبه غم فلا تسل عن حاله وحال من يعيش معه من أسرته والقريبين منه , ولقد جاء الدين الإسلامي العظيم لنفع الناس ومتى ما أخذوا بتعاليمه عاشوا حياة السعداء , وكانوا من أبعد الناس عن الهموم والغموم , ولعلي أن أضع أسباباً هي كفيلة - بإذن الله - بنزول السكينة في القلب , وحلول الطمأنينة في النفس , مستنيرا بتعاليم هذا الدين العظيم : ومن أهم الأسباب , وأعظمها أثرا هو :
1- الإيمان بالله تعالى والرضا به ربا ومدبرا لعبده :
فمن آمن بالله حق الإيمان وعرفه بأسمائه الحسنى ,وصفاته العلى ,عرف ربا كريما , وإلاها عظيما ,رحيما بالعباد , لطيفاً بالخلق , قريبا ممن دعاه , مجيبا للسائلين , عليما بالخفايا .
يقول عليه الصلاة والسلام \" ذاق طعم الإيمان من ورضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا\" أخرجه البخاري .
إن ألذ ما في الحياة هو الإيمان بالله تعالى , وهو الأساس في حلول الطمأنينة في القلب,والسكينة في النفوس , ولكن المؤمنين تتفاوت درجة إيمانهم , وأرفعهم درجة من امتلأ قلبه رضا بربوبية الله تعالى , وكان مع الله وبالله ولله في كل شأن من شؤونه , لقد فقه السلف الصالح هذه المسألة فطمأنت نفوسهم , وسكنت قلوبهم .
قال عبد الواحد بن زيد : الرضا : باب الله الأعظم ، وجنة الدنيا ، ومستراح العابدين . (6/56)تاريخ بغداد.
فاسع جاهدا - أيها المؤمن - في زيادة إيمانك بكثرة الطاعات والقربات وسترى أثراً عظيماً في نزول الطمأنينة - بإذن الله - .
وهي دعوة لغير المسلمين هنا ممن يعيشون الشقاء الحقيقي أن يتعرفوا على هذا الدين الذي هو كفيل بتبديل ذلكم الشقاء إلى سعادة , والضنك إلى الحياة الطيبة , لقد بين الله تعالى هذه الحقيقة للأبوين الكريمين (آباء البشر جميعا مؤمنهم وكافرهم) بقوله تعالى : \"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى 124وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 125قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا126قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسى127) سور طه
2- تفويض الأمر لله ويقين العبد أن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه:
إننا لفرط جهلنا لا ننظر إلا في الحاضر من الأقضية التي يقضيها الله تبارك وتعالى , حتى إذا توالت الأيام , وانكشف لنا بعض المكنون في مستقبلها قلنا الحمد لله على ذلك القضاء الذي قضاه الله وكنا له كارهين.
كم من شاب تمنى أن لو تزوج تلك الفتاة التي رغب بها ولكن حال بينه وبينها قضاء الله تعالى وقدره , حتى إذا ما إذا ما تزوج بغيرها وكانت السعادة تسكن بيته قال عندها: الحمد لله على هذا القضاء.
وكم من تاجر رغب في تجارة وتأسف على فواتها حتى إذا ما أظهرت الأيام خسارة مثلها من المشاريع حمد الله أن صرفه عنها ,أعرف أخا كريما كان ينوي الدخول في الأسهم وحال بينه وبين الدخول فيها حائل ونجاه الله من مغبة الخسائر التي اصطلى بنارها الكثير... في سلسة من القصص والصور , التي يجب عندها أن يكون العبد ريا منشرحا صدره عند كل قضاء يقضيه الله عليه مما يكره ,
أنا الفقير إلى رب البرياتِ ٭٭٭٭ أنا المسكين في مجموع حالتي 
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ٭٭٭ والخير ان يأتينا من عنده يأتي 
لا استطيع لنفسي جلب منفعةً ٭٭٭ ولا عن النفس لي دفع المضرات 
وليس لي دونه مولى يدبرني ٭٭٭ ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتي 
إلا بإذن من الرحمن خالقنا ٭٭٭ إلى الشفيع كما قد جاء بالآياتِ
ومن أعظم الأسباب:
3- حسن الصلة بالله , والإنطراح بين يديه , ودوام الخضوع له .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم \"إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة\" أخرجه أبو داود , وصححه أجمد شاكر كما في مقدمة عمدة التفسير(1/110)
إنها \"الصلاة \" ملجأ المتقين , وملاذ المؤمنين , بها الثبات عند الملمات , والطمأنينة عند نزول الكريهات .
أعرف رجل مات أكبر أبنائه في حادث عند بلوغ أشده – وكل أب يعرف منزلة الابن في هذا السن – فلما بلغه الخبر حمد واسترجع وقام يصلي إلى الصباح فنزل عليه من السكينة والطمأنينة ما جعله متحملا لهذا الخطب , جبلا عند هذا البلاء .
ومن أسباب الطمأنينة ونزول السكينة على القلوب:
4- استشعار قرب الفرج عند حلول المحن ونزول البلايا :
فالعاقل يعلم أن دوام الحال من المحال, وأن المرء متقلب بين الضراء والسراء والواقع يشهد أنه ما من نازلة إلا ارتفعت عن أصحابها فلِم هذا اليأس ,وكيف يسيطر القنوط على القلوب , فأبشر بزوال كل هم , وأيقين بتحول كل مكروه . دع الأيام تفعل ما تشـــاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجـــزع لحادثة الليالي فمـــا لحوادث الدنيا بقاء
تأمل معي قول الله تعالى \" فإن مع العسر يسرا *إن مع العسر يسرا\" لترى بشارتها للمكروبين والمهمومين , يقول الشيخ السعدي عند هذه الآية :
وقوله‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا‏}‏ بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا‏}‏ وكما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا‏)‏ ‏.‏ 
وتعريف ‏\"‏العسر‏\"‏ في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير ‏\"‏اليسر‏\"‏ يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين‏.‏ 
وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر ـ وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ ـ فإنه في آخره التيسير ملازم له‏.‏
5- ذكر الله وتلاوة القرآن :
يقول سبحانه وتعالى :\"ألا بذكر الله تطمئن القلوب \" هكذا تفصح هذه الآية بهذه الحقيقة العظيمة , وتوضح هذا الأمر بجلاء , لقد بحث الناس عن الطمأنينة في المال والشهرة (والسهرة) ولكنهم وجدوا سرابا خادعا, وبريقا كاذبا , وأما أصحاب الذكر المستديم فهم في راحة وطمأنينة لا يشعر بها إلا من ذاقها
قــــال أحد السلف : (( مساكيـــن أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيـــها 
قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله عز وجل ومعرفته وذكـــره ))
قــال أحد السـلف في ذلك : \" إنه لتمر بي أوقات أقول إن كــان أهـــل الجنـــة في مثل هذا إنهم لفي عيش رغيــــد \"
هل جربت أيها المؤمن أن تجلس منعزلا تذكر ربك وتناجيه , تتلوا كتابه وتتأمل في معاني هذا الكتاب العظيم 
يقول ابن تيمية \" إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة قيل وما هي :معرفته والأنس به جل وعلا \"
6 - العلم :
نعم العلم أعظم هبة من الله لعبده . به يعُرف به جل وعلا وتُعرف حدوده ونواهيه , ومن أعمر وقته بطلب العلم , كان في لذة وأنس لا تعدلها لذائد الدنيا كلها 
وإنك إن وقفت على سير من وجدوا هذه اللذة تملكك العجب من حالهم , وغبطتهم على ذلك السرور ولقد وصف الإمام الشافعي هذه اللذة بقوله :
سهري لتنقيح العلوم ألـذّ لي = من وصل غانية وطيب عنـاق
وصرير أقلامي على صفحاتها = أحلى مـن الدّوْكـاء والعشـاق
وألذ من نقر الفتـاة لدفهـا = نقري لألقي الـرمل عـن أوراقي
وتمايلي طربـا لحل عويصة = في الدرس أشهى من مدامة ساق
وأبيت سهـران الدجى وتبيته = نومـا وتبغي بعـد ذاك لحـاقي
إنه نموذج للحياة الطيبة التي كلن يعيشها العلماء , والأنس والسرور الذي كانوا عليه في حياتهم الدنيا , ولما كثر انشغالنا بالتوافه من الأمور صارت حياتنا ضنك وهم .
فدعوة إلى العلم وطلبه , وإن لم تستطع فلا أقل من تغذية الروح بالمطالعة في كتب أهل العلم, أنظر في تفسير آية , أو شرح حديث , أو سيرة عطرة , أو أبيات شعر مهذبة , وهكذا تتنقل بين هذه الأفياء وستجد سرورا بإذن الله تعالى .
7- أداء الحقوق والواجبات :
أن لهذا السبب أثر كبير في نزول السكينة والطمأنينة عند أصحاب القلوب السوية , وأرباب النفوس الكريمة ,لأن نفوسهم الكريمة تأبى التقصير في حق كل ذي حق .
وأعظم الحقوق حق الله تعالى من توحيده وأداء فرائضه , ومن كان مقصراً في حق الله تعالى ثم يروم سعادة فنقول له :رويدك إن الباب مغلق دونك بغير أداء هذا الحق .
ويتبع هذا أداء حقوق الوالدين والقرابة من زوجة وولد وكل ذي رحم قريب , فكل هذا من أسباب حلول الطمأنينة في القلب بإذن الله تعالى .
8- الإحسان إلى الناس :
سبب عظيم للأنس في الدنيا , مع نيل الأجر في الآخرة ..
جرب أن تعلم جاهلاً ,أو تُحسن إلى فقير , أو تزيل كرب مهموم , أو تُعين محتاجا ,أو تجلس بجوار مُصاب , وتأمل في الأنس السعادة التي تجدها في نفسك . 
إن الإحسان إلى الناس لا يفعله إلا الكمل من البشر ولذا كانوا أسعد الناس نفوساً , وأشرحهم أفئدة , فهل تكون منهم ؟ لتكون السعادة مكان الشقاء .
9- صدق الدعاء والإلحاح في الطلب :
لقد علم رسول رب العالمين عليه الصلاة والسلام أمته أن يلحوا على ربهم في الدعاء , وأرشدهم أن يصدقوا في الطلب ..
وإن لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
لقد من دعائه عليه الصلاة والسلام : \" اللهم إني أعود بك من الهم والحزن\"
نادي ربك وقل :
ألا أيــها المأمول في كل ساعة شكوت إليك الضر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي وهب لي ذنوبي كلها واقضي حاجتي
فرج الله هم كل ذي هم , وأنزل السكينة في كل قلب .

خواطر متفرّقة


إذا افتقدت الطريق الذي تشعر معه بدفء القرب من الله فهذا يعني أنك على حافة هاويةٍ من الضياع، فتوقف على الفور ولا تواصل السير في دروب الضياع حتى لا تنزلق قدمك في تلك الهاوية السحيقة، واستجمع قوى التوبة والإنابة إلى الله في قلبك لعلك تفلح في التماس الطريق نحو الله والجنة مجدداً، حيث به تكون النجاة ولا نجاة لك إلا به.
سبحان الله . . ما أعجب تلك النفس البشرية، قد وضُعت لها كافة اللوحات الإرشاد المؤدية بها إلى طريق السلامة دون لبسٍ إو إيهامٍ، وانهمرت عليها الآيات والأحاديث مبيّنة ما فيه خير الأنام، إلا أن النفس البشرية بما فيها من جهالة تأبى إلا أن تعاين بنفسها ما تم تحذيرها منه، فكانت العاقبة هي الضياع والشعور بتخلي العناية الربانية عنها، إذ كيف يلتمس لها العذر بعدما عاينت ببصرها النور فأبت إلا المضي في الظلام، فاللهم عفواً منك ثم عذراً فقد تمت المفاصلة في نفسي بين طرق النجاة والهلاك، فعاملني اللهم بما أنت أهله ولا تعاملني بما أنا أهله، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة واغفرلي برحمتك يا أرحم الراحمين.
مزيد من التعمق في الدنيا يعني المزيد من البعد عن الله والدار الآخرة، فاستدر بنفسك عن هذه الطريق الموحلة التي لن يصيبك من وحلها إلا هوان القلب وعداوة الخلق وحيرة البال وضياع العمر ثم يأتيك الموت على حين غرة وأنت منغمس في كل هذه الألوان من البلايا، فهل تُرى يمكنك الخلاص من هذا التردي في لحظة خاطفة لكي تدرك بنفسك حسن الخاتمة؟! هيهات هيهات حين مناص!! فإن القلب الذي يُثقل بهموم الدنيا لا تجد هموم الآخرة له سبيلاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
للخوف سبب واحد وللأمن سبيل واحد، أما الخوف فإن سببه في المقام الأول عدم سكينة القلب بالله تعالى، إذ أن العبد الذي يسكن قلبه بالأنس بمولاه لا تؤثر فيه حوادث الدنيا مهما عظمت إذ كفى بالله لقلبه مؤنساً، وهل يُفزع القلب المستأنس بربه شيئاً من أمور هذه الدنيا الحقيرة؟! أما سبيل الأمن الأوحد فهو بذل الغالي والنفيس للفوز بالدار الباقية بصدق النية وصواب العمل، إذ أن استشعار رجاء عمار الآخرة يلقي بظلالٍ من الأمن والطمأنينة على نفس العبد خلال أيام عمره القصيرة في هذه الدنيا سريعة الزوال، وهل يعادل النجاة من أهوال يوم القيامة أي نوع من الأمان؟ فاللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك، ونجنا برحمتك من فتن الدنيا وعذاب الآخرة، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وأنت سبحانك نعم المولى ونعم النصير.
إرغام النفس على طاعة الله ومراقبته في السر والعلن تحتاج لعزيمة صادقة وإخلاص قلبٍ لا يتوانى ولا يتيح مجالاً للتردد في هذا الإرغام، ولعل المرء يعاني شيئاً من المشقة في بداية الطريق، إلا أنه بعد تجاوز صعوبة هذه المرحلة سوف يشعر بلذة لا تعدلها لذة، إنها لذة حلاوة الإيمان والأنس بالله تعالى، فإنه حين يلمس دفئهما في قلبه لا يمكنه التفريط فيهما بحال ولو أنّ له الدنيا وما عليها، فاعقد العزم على مواصلة رحلة إذعان النفس وإرغامها على طاعة الله تعالى، ولا تتردد فإن النهاية محفوفة بسعادة لا تعدلها سعادة أبداً.
من المستحيلات استيعاب أماني طول الأمل خلال ما قسمه الله لنا من قصر العمر، فاجمح زمام نفسك عن مواصلة السير وراء الأوهام، واحرص على ما ينفعك من عملٍ صالحٍ تنجو به يوم القيامة من هول يوم المحشر، واستعن بالله ولا تعجز، فإنما الأمر صبر ساعةٍ يعقبها نعيم لا يحزن المرء بعده أبداً.
إذا منَّ الله عليك بالبصيرة التي تفرق لك بين أحوال أهل الدنيا الغافلين وأهل الآخرة الناجين، وما ينبغي عليك فعله لتجنب طريق الهالكين والفوز بطريق الفالحين، فخرّ ساجداً لله والهث بحمده أن اصطفاك بهذه البصيرة قبلما تباغتك الخاتمة بسوئها؛ فتهلك مع الهالكين نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
حياة القلب بطاعة الله نبع من الحياة لكل من يحيط بصاحب هذا القلب من حوله، فهي حياة لنفسه وحياة لأهله وحياة لأصحابه وحياة لمجتمعه الذي يعيش فيه؛ لأنه لو لم يكن يملك قلباً حيّاً ما دلّهم على خيرٍ ينجيهم، ولا حذّرهم من شرٍ قد لا تتجلى لهم عواقبه الوخيمة إلا يوم تبلى السرائر فما لهم من قوة ولا ناصر، فليحمد الله كل من رزقه الله صحبة عبدٍ صالحٍ يملك مثل ذلك القلب الحي.
من صاحبك لدنياك فكن على حذرٍ فوريٍ منه، فإنه صلاحية صحبته تنتهي فور انقضاء حاجته الدنيوية منك، بل لعله ينقلب عليك عدوّاً وحاسداً لما رآه عليك من نعم الله تعالى، أما من صاحبك لدينك ولم يرغب في دنياك، فاعضض على صحبته بالنواجذ لأن بركتها تمتد إلى قيام الساعة، بل يظلك الله بصحبته في ظلّهِ يوم لا ظلَّ إلا ظلّه.
يا ترى هل ما نحياه في هذه الدنيا هو الحقيقة أم أنه الحلم والخيال الذي يسرق أيام عمرنا دون أن نشعر لنواجه على حين غرّة الحقيقة المفزعة التي سوف نستيقظ عليها يوم الفزع الأكبر حين البعث والنشور؟! أكاد أصرخ في كل ما حولي من ديكورات وخلفيات هذا الحلم الذي نعيشه أن انكشفي فما وراءك من أهوال أشد بكثير من إغراءاتك السفيهة _ سريعة الزوال _ والتي لا تورث صاحبها إلا خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
السم الزعاف الذي يدسه الشيطان في أيام حياتنا هو الغفلة التي تحجب العقل عن التفكر في العواقب والقلب عن استشعار مراقبة الخالق؛ وبالتالي تنساق كافة أعضاء الجسد تباعاً لمؤثرات الشهوة في ظل التأثير على يقظة العقل والقلب، فالعين بالنظر والأذن بالسمع واللسان بالنطق والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، فإذا كان يوم القيامة وجد العبد حصاد عمره جبالاً من الأوزار ينأى عن حملها كانت الغفلة وحدها السبب فيها، فتحت تأثيرها وقعت منه المعصية !! وتحت تأثيرها نسي ما كان منه من فعل تلك المعصية !! وتحت تأثيرها غفل عن أن الله يحصي عليه كل معصية!! حتى تراكمت منه وصارت كالجبال!! فانتزع زمام نفسك من رحى الدوران في تلك الغفلة، حتى تسعد بنجاة لا يعرف لها طريقاً أحد من هؤلاء الغافلين، واعلم أنه ما أنت إلا عدد وكل يوم يمر عليك ينقص من هذا العدد، حتى تجد نفسك في نهاية المطاف بين يدي من لا تخفى عليه خافية.
اللذة العاجلة مطب للنفس البشرية، والسعيد من استطاع تطويع هذه الرغبة حسبما يرضي الله تعالى، حتى يصل بها إلى مرتبة استشعار حلاة الإيمان وزينته في قلبه، وبغض الكفر والفسوق والعصيان، وحيينها فقط يمكنه بلوغ مرتبة الراشدين.
إذا أردت النجاة بصدق فتعامل في جميع شؤون حياتك من منطلق الضعف مع الله والمذلة له وتسليم جميع الأمور إليه سبحانه، والجأ من حولك إلى حوله ومن قوتك إلى قوته، ومن ضعفك وعجزك إلى سلطانه وقدرته؛ فإنك حيينها سوف تستشعر دفء القرب من الله وقوة الصلة به، وحلاة الشوق والحنين إليه، وإياك ثم إياك أن تغتر بنفسك وتظن فيها القدرة على فعل أي شيء دونما عونه ومشيئته، فإنك بذلك تؤذن بهلاك نفسك وإلقائها في وادٍ سحيقٍ من المذلة والمهانة يصعب معه استشعار أنك حتى ولو ذبابة أو أن لك قيمة أحقر الذباب!! 
عجيبة تلك النفس التي لا حدود لتمردها، فتراها حين تستشعر العجز والحرمان جزعة خائفة تلتمس النجاة في أي اتجاه، وتراها حين تستشعر الغنى والمنعة متمردة طاغية تستحقر كل ما حولها ولا تذعن لموعود الله، وهي بين الحالتين مدَّاً وجزراً، ولا سبيل لإنماء خيّرها وتقليل شرِّها سوى بإرغامها على الإذعان لصوت الحق الذي يحدو بها إلى رحاب الله تعالى، ففي ظلال رحابه سوف يتطاير شرها ويتكاثر خيرها حتى لا يكاد يعرف الشيطان لها سبيلاً، وحيينها فقط سوف تسعد بها ولها الحياة، وسوف يزداد شوقها جنَّات الله.
الله أرحم الراحمين، فعطاؤه رحمة ومنعه رحمة وإمهاله رحمة وابتلاؤه رحمة، فكم أعطانا ليهب لنا الأمل، وكم منعنا لينجينا من الزلل، وكم أمهلنا لعلنا نسترجع، ولم يبتلينا إلا لكي نتوب ونرجع، فكل أمره مع عباده رحمة، وكل شأنه في تدبير أمورنا رحمة فوق رحمة، فما أقسى هذه القلوب التي ابتعدت عن الالتصاق بمنبع هذه الرحمة!! وما أشد جرم هذه النفوس التي أبت الاستجابة لداعي هذه الرحمة، وذلك حينما فتح أمامها أبواب التوبة ليرحمها من لهيب ذنوبها ومعاصيها، فرحماك ربي ثم عوداً إذ كيف نتجافى عن رحمتك ونحن أحوج ما نكون إليها؟! وكيف نعرض عنك وقد فتحت أمامنا أبوابها وأنت الغني عنَّا، فاغفر اللهم زلتنا واغسل حوبتنا واسلل سخائم قلوبنا وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وهب لنا من رحمتك ما ينجينا من شر نفوسنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بين الدنيا والآخرة مأساة تتكرر وفجيعة تتوالى، فتجد الدنيا في إدبارٍ دائمٍ وعلى الرغم من ذلك تجد الخلق يهرولون وراءها ويبذلون مهجتهم في سبيل تحصيلها، في حين أن الآخرة في إقبالٍ آزفٍ غير أنهم لا يكترثون بها!! وبين دفتي رحيل الدنيا وإقبال الآخرة طامة كبرى وآزفة تجعل القلوب لدى الحناجر كاظمين، فهل من مبصر لهذه الحقيقة قبل فوات الأوان؟! وهل من منتزع لنفسه من براثن الغفلة قبلما يحل البلاء الهوان ؟! فإن كل مبررات الغفلة ليس لها يوم القيامة أي حظ أو نصيب، وإنما تحل محلها فقط الحسرة والندامة!! فهل من مسترجع؟!
بداية طريق الزلل خطوة تتغافل فيها عن تقوى الله، وتهون الأمر على نفسك مبرراً لها التجاوز بأي وجه من الوجوه، ومن ثم يعرف الشيطان كيف ينتقل بك من خطوة إلى أخرى حتى تجد نفسك في نهاية المطاف قد وقعت في هاوية سحيقة من الانزلاق!! فاجمح زمام نفسك عن غيها بكثرة ذكر الموت وما يتلوه من ظلمة القبر وفوات فرصة الحياة كلها واستحالة عودة أي لحظة منها لتدارك التوبة!! واعلم أن صبر ساعة الدنيا يهيئك برحمة الله للفوز بنعيم الآخرة الذي لا ينقضي، فاستجمع قوى نفسك واعزمبها على تقوى الله تكن من المفلحين.
أياً كانت عوامل الإغراء متدنية فيما حرّم الله من معاصي؛ فإن الشيطان كفيل بأن يزينها لك ويجعلها في عينك من أعظم اللذات التي يمكنك الحصول عليها إذا أنت أتحت له فرصة الدخول إلى قلبك على حين غفلة من تقوى الله تعالى مكَّنته من الوسوسة إلى نفسك، كما أن الشيطان كفيل أيضاً بأن يجعل لذَّة الشهوة الحلال حقيرة وضيعة في عينك مهما بلغت مغرياتها فقط لأنها حلال، وهو لا يريد لك إلا الهلاك بالحرام ومزيد من الزهد في الحلال، حتى يسهل عليه تدميرك بمعصية الله، فكن يقظاً لخواطر نفسك ولا تنأى بها عن مراقبة الله عز وجل حتى تكون من الناجين.
وقود النفس على طريق مواصلة تقوى الله تعالى يتمثل في أهمية المراقبة، وتجديد التوبة وكثرة الاستغفار ودوام ذكر الله تعالى على كل حال ومخالطة الصالحين من عباد الله تعالى، والبعد عن مواطن الشهوات والشبهات، وأخيراً كثرة ذكر الموت والبلى.
من استأنس بالله كفاه، ومن أعرض عنه ابتلاه، وأقل لون من ألوان هذا الابتلاء هو استشعار الوحشة وإصابة القلب بالضيق والقلق والشعور بالخوف والهلع وعدم الطمأنينة بحال.
ما وجدت أكثر من حب المال فتكاً بالنفوس وتدميراً للعلاقات ولو كانت بين متحابين، حيث أن سحر تأثيره على النفوس لاسيما الضعيفة منها أقوى بكثير من وقع السحر على المسحورين!! فرحماك ربي . . اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا حتى لا نهلك مع الهالكين.
التقييد عن فعل الخيرات علامة عدم التوفيق من الله، أما سألت نفسك لم ذاك ؟!
لابد من وضع خارطةٍ لنفسك، توضح لك معالم الطريق نحو النجاة بها إلى رضوان الله تعالى، إذ ستقف من خلال هذه الخارطة على مواطن الضعف والخلل في نفسك فتجتنب أسبابهما، وستستشعر مواطن الخير فيها فتنمي مصادرها، وبذا تكون النجاة بعد توفيق الله تعالى وبحمده. 

أيها المهموم ... لا تنحنِ


لماذا الهمّ ؟

1. لأنَّه يشغَل الفكر والنفس، ويقعدُ بالمرءِ عن الهمم والانطلاقِ نحو المعالي.
2. لأن الهمَّ قد يعوق المرء عن صحيح العبادةِ، ويُبعده عن كلِّ ما فيه من الخير الزيادةُ.
3. لأن الهمَّ إذا استفحل قد يُودي بصاحبه إلى الهلاك والمرض 
4. لأن المهموم دائمًا قد يعوق همُّه أداءَه لعملِه، وقبولَه على الخَلق من حولِه. 
5. لأن الهمَّ من الأمور التي استعاذ منها نبيُّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزَن )) .
6. لأنه وللأسف لا يوجد من الناس - إلا من رحم الله - من يرحم المهمومَ، ويتلمَّس له الأعذار، ويساعده في إزاحة همِّه، بل أكثر الشواهد تجدهم يزيدون المهموم همًّا بهم، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله
7. لأن تدَاعيات الدنيا وضياع الذوق من أخلاق كثير من خلق الله تسبَّب في إتعاب النفس وجلب الهم والغم 
أيها المهموم، أبشِرْ فالله أقرب من حبل الوريد
 أبشِر ... فالفرج قريب. 
 أبشر ... فالله مجيب.
 أبشِر ... فالله لن يُضيِّعك . 
 أبشر .... فكلُّ شيء له حل عند صاحب الحلول علام الغيوب 
 أبشر ... فالدنيا ساعة ولن تطولَ .. 
 أبشر .. فالعمر حتمًا زائل، وكلُّنا راحلون، والخلق أجمعون زائلون، ولن يبقى سوى مالك الملك 
 أبشر ... طالما أن الله معك ..
 أبشر ... طالما أن الله منحك يدين تستطيع أن ترفعهما . 
 أبشر ... طالما أن القرآن - كتاب الله - رفيقك في جيبك تقرؤه نهارك وليلك. .
 أبشر ... طالما أنك تحافظ على الوضوء الذي يغسل الخطايا، ويُنعش القلب ويطهِّر النفس .
 أبشر ... طالما أنك تُطيل الذكر، وتُعمل الفكر، وتصلي الوتر.. 
 أبشر ... طالما أنك متوكِّل دائمًا عليه.
أيها المهموم .... أما علمت ؟
أمَا علمت ... أنه كم من فشل كان سببًا في نجاح وتميُّز؟ . 
 أمَا علمت ... أنه كم من محنة كانت سببًا في مِنحة؟ . 
 أما علمت .. أنه كم من مرض كان سببًا في دخول الجنة ؟ 
 أما علمت ... أنه كم من ضِيق تبِعه سَعة؟ 
 أما علمت .. أنه كم من معيون ومحسود ومسحور قد شُفِي في لحظة؟ 
أما علمت .. أنه كم من فقير صار ميسورًا وذا مال؟ 
 أما علمت .. أنه كم من الشباب طال شوقُه للزواج لضِيق اليد ثم تزوَّج وفرح.
 أما علمت ... أنه كم من الفتيات طال انتظارهن للستر والعفاف، ثم تزوجْن وسعِدن ؟ 
 أما علمت ... أنه كم من عقيم شفاه الله، ورُزق البنين والبنات بعد ما ذهب حُلْمه ومات؟
أما علمت ... أنه كم من حُلْم تحقق، وكم من أمل صار واقعًا ومحققًا ؟ 
 أما علمت ... أنه كم من ليل طال سواده، ثم تحوَّل فجأة لصب مجيد وفجر سعيد؟ 
 أما علمت ... أن الهمَّ كفَّارة للذنب برحمة الله الكريم؟ 
أما علمت ... أن أكثر الناس بلاءًا هم الأنبياء والصالحون ثم الأمثل فالأمثل، وأنك من هؤلاء الأمثل؟ 
 أما علمت ... أن أهل البلاء يوم القيامة سيكرمهم الله بمكانة يغبِطهم عليها أهل العافية في الدنيا؟ 
أيها المهموم .... أَصْدُقُكَ القول: لا داعي للهمِّ.
 لا داعي للهم ... حتى لا تمرض وتتلقَّفك الوساوس والمخاوف.
 لا داعي للهم ... حتى لا تفشل وتخسَر.
لا داعي للهم ... حتى لا تصل - لا سمح الله - إلى القُنوط واليأس.
 لا داعي للهم ... فاليُسر قادم، ولا عسرَ إلا ومعه يُسرانِ.
 لا داعي للهم .. فوالله ما كان الصبر إلا وتبِعه النَّصر.
 لا داعي للهم ... طالما باب الله مفتوح، وطارقُه لا يخيب، فالله كريم.
 لا داعي للهم .. فإنَّ من كان الله معه فماذا يكون قد فقَدَ؟ .
 لا داعي للهم .. فإن من كان ربُّه هو همَّه فسيكفيه كل همٍّ.
 لا داعي للهم ... فإن من شغله ذكرُه، أعطاه ما لم يعطِ السائلين.

غيّرْ نفسَكَ تُسعِدْ حَياتَكَ .!

وهل يستطيع الإنسان أن يغيّرَ نفسَه ، ويُسعِدَ حياته .؟! فأينَ قدرُ الله إذن .؟! وأين ما يتحدّث الناسُ عنه من الحظوظ ، التي هي في نظرهم أشبهُ بالمنايا ، تخبط فيهم خبط عشواء .؟! إنّها إشكاليّة تثار في الأذهانِ وعلى الألسنة ، كلّما دُعيَ الإنسان إلى التغيير ، وإلى بذل الجهد وتحمّل المسئوليّة ..

ومن ثمّ فقد أردت أن أقطع الطريق عليها بهذا العنوانِ المستوحى من الآية الكريمة : ( .. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ) الرعد .
وتوضيحاً لهذا الأمر بما لا يدع مجالاً للريب ، فإنّ الإنسان يستطيعُ في هذه الحياة أن يصنعَ مستقبله الزاهرَ ، ويشيد برجَ سعادته بيديه مستمدّاً عون ربّه وتوفيقه قبل كلّ شيء .. وذلك منطقُ التكليف الذي تقوم عليه حياة العباد في هذه الدنيا ، وهو سرّ وجودهم فيها ..
وإذا كان علماء النفس والاجتماع يختلفون ، ويشتدّ الجدل العقيم بينهم ، والتنازعُ بغير جدوى : أيّ الأمرين أشدُّ تأثيراً في حياة الإنسان وأعمقُ نفوذاً : الوراثةُ أم البيئة .؟! فإنّ ممّا ينبغي ألاّ يختلفَ عليه اثنان : أنّ الإنسان أعطي الإرادةَ والهمّةَ والعزيمةَ ، ليكون له قوّة التغيير لما يكون عليه بفطرته ، وما يرثه من بيئته ، وليكون في نهاية المطاف مسئولاً عن عمله ، مجزيّاً بسعيه ..
فإن لم ينل بسعيه ما تصبو إليه نفسه ، وتسمو إليه همّته فحسبه أن ينال الأجر على نيّته الصادقة ، وافياً غير منقوص ..
فقد يكون الإنسان ذكيّاً بفطرته ، أو متوسّط الذكاء أو غبيّاً .. وقد يكون هادئ الطبع ، أو حادّ المزاج عصبيّاً .. وقد ينشأ في بيئة متقدّمة ، أو متخلّفة ، فقيرة أو غنيّة .. وقد يعتاد عاداتٍ حسنةً ، أو سيّئة .. ولكنّه يستطيع في ذلك كلّه ألاّ يكونَ كأمثاله سلباً أو إيجاباً .. وواقع الحياة يشهد بهذه الحقيقة ، ويقدّم عليها ما لا يحصى من الأمثلة ..
ـ يستطيع حادّ الذكاء أن يوظّف ذكاءه في عمل جادّ مثمر ، فيكون ذكاؤه خيراً عليه ، وعلى مجتمعه وأمّته ، كما يستطيع أن يوظّف ذكاءه في الشرّ والمكر والفساد ، فيكون مجرماً عاتياً ، ويكون ذكاؤه شرّاً عليه ، وعلى مجتمعه وأمّته ..
ـ ويستطيعُ محدود الذكاء أن يبذلَ جهداً أكبر ويجتهدَ ، فيسبق من هو أذْكى منه ، وأوفرُ حظّاً في المال ، ورقيّ البيئة ..
ـ ويستطيع الناشئ في بيئة فقيرة متخلّفة أن يسبق أولي الجدّ والغنى ، ومن توفّرت لهم كلّ أسباب الرقيّ والتقدّم ..
وكم رأينا في الناسِ نماذج من ذلك : فكم من فقير معدِمٍ أصبح من أثرياء العالم .؟! وكم من وارثٍ لمجدٍ مؤثّل ، وغنىً لا يحيط به نظر أو فكر .. آل أمره إلى فقر مُدقِعٍ ، وعُدمٍ موجع .؟! ومقدّمات ذلك ظاهرة لمن نظر وتدبّر ، وبحث عن الأسباب ، ووضع يده على العلل ..
ومن ظنّ الأمر ضرباً من الحظّ الأعمى ، لا معنى له ولا تبرير ، فقد ركب مركب الشطط الأحمق ، وتمادى في سوء الظنّ بربّه ، والجهل بحكمته وعدله ، ولم يفقه سنن الحياة ، ولم ينتفع بعبرها .. ولا يظلِمُ ربّك أحداً ..
وإنّ العظماء بحقّ هم الذين نهضوا ببيئتهم ، وسموا بأحسابهم وأنسابهم ، ولم يركنوا إلى تراث موهوم ، ولا مجد مزعوم ..
ولعلّ هذه المقدّمة كافية بين يدي خطوط عامّة لمنهج ، يحقّق لمن يأخذ به التغيير الإيجابيّ ، ويسعد حَياتَه بإذن الله :
1 ـ وأوّل هذه الخطوط العامّة : الإيمان الصادق بالله تعالى ، وما يقتضيه من حقائق إيجابيّة ، كالتوكّل على الله ، وتعلّق القلب بالله ، وتَفويض الأمر إليه ، والاعتقاد الصادق أنّه سبحانه مالك الملك ، وأنّه النافع الضارّ وحده ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع .. وهي حقائق تشمل حياة الإنسان من أوّلها إلى آخرها ، وكلّ ما نذكره بعدها داخلٌ فيها بوجه أو بآخر ..
2 ـ وإنّ من حكمة الله الظاهرة ظهور الشمس في رابعة النهار أنّ الله تعالى ربط الأسبابَ بالمسبَّبات ، والنتائج بالمقدّمات ، ففقه سنن الله تعالى ، والعمل وفقها ، والأخذ بالأسباب التي أقامها لابدّ له من ثمرة بإذن الله ، فكيف يتسرّب اليأس والقنوط إلى نفس من يحمل هذه العقيدة ، ويُقعِدُ همّتَه ، ويقتل طموحه .؟!
وما أكثر الذين يهملون الأخذ بالأسباب ، وينتظرون أن يبتسم لهم الحظّ ، ويبحثون عنه هنا وهناك ، حتّى من أبواب الحرام .؟! ويضيّعون أعمارهم بمثل هذا العبث .!
3 ـ والتصوّر الصحيح للمثل الأعلى من أهمّ ما يعين الإنسان على التغيير في نفسه ، وإسعاد حياته ، وهو يحمل عدّة معانٍ أهمّها :
أ ـ أنّه القيم العليا التي يؤمن بها الإنسان ، ويقيم حياته عليها ، ولا يرضى أن يتنازل عنها أمام أيّ ضغطٍ من الضغوط ..
والإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته ، وما يليق به جلّ وعلا من صفات الكمال يضع للإنسان القيم العليا التي يجب أن يؤمن بها ، ويتطلّع إلى تحقيقها ..
2 ـ وهو بمعنى آخر : " الإنسان الكامل " ، الذي يكون الأسوة الحسنة للإنسان في كلّ شأنٍ ، وليس من أحدٍ كذلك إلاّ النبيّ المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، فقد أمر الله العباد بذلك ، فقال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (21) ) الأحزاب .
وهذا الأمر يقتضي أن يدرس المؤمن سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم دراسة المحبّ الصادق ، الحريص على التأسّي والاتّباع ، وأن يعرف سننه الكريمة ، وشمائله العظيمة في كلّ شأن من شئون الحياة .
ولا يتمّ للإنسان هذا الأمر إلاّ بالتلقّي عن العلماء العاملين ، ومجالستهم ، ودراسة سىر الصالحين وتراجم حياتهم ، وتدبّر كلامهم ، وقد كان لهم أوفر الحظّ من ميراث النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهديه في العلم والعمل ، فلا عجب أن كانوا منارات الهدى للناس في كلّ عصر ..
والتلقّي عن العلماء العاملين لا يعني الرجوع إليهم في كل شأنٍ فحسب ، بل ينبغي أن يكونَ الإنسان قريباً من العلماء قربَ المشْورة الدائمة ، وطلب النصح في كلّ خصوصيّاته ، وذلك ما يجعل الإنسان على بيّنة وهدىً في جميع أموره ..
4 ـ ومن الخطوط العامّة لمنهج التغيير الإيجابيّ : علوّ الهمّة ، والثقة بالنفس ، من غير عجب بها ولا غرور ، " فما ترك من الجهل شيئاً من رضي عن نفسه " ، وعلوّ الهمّة من الإيمان ، وهو يدلّ على شرف النفس وسموّها ، وتطلّبها لمعالي الأمور ، ونفرتها من الدنايا ، وأيّ شيء يدعو دنيّ الهمّة إلى التغيير .؟! وإنّ الله تعالى يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها ، وما أحسن قول الشاعر :
وإذا كانت النفوس كباراً تعبتْ في مرادها الأجسامُ
ويقترن علوّ الهمّة بالثقة بالنفس ، فلابدّ لعالي الهمّة من أن يكون واثقاً بنفسه ، ثقة تعينه على العمل بهمّة ، وتذلّل له العقبات ، ولكنّ آفة الثقة بالنفس في كثير من الناس أنّها تبلغ حدّ العجب بالنفس والغرور ، فبينهما حجابٌ رقيق ، لا يدركه كثير من الناس ، ولا يميّزونه .. والعجب بالنفس والغرور هو من ضيق عَطَن الإنسان ، وقلّة خبرته بالحياة ، ومعرفة ما عند الآخرين من طاقات وإبداعٍ ..
5 ـ ومن الخطوط العامّة لمنهج التغيير الإيجابيّ : قطع العوائق ، والتخفّف من الملهيات والعلائق ، فالعوائق تقتل الطموح ، وتصدّ عن تحقيق الأماني ، وكثرة الاشتغال بالملهيات والعلائق يُضيّع العمر في توافه الأمور ، ويجعل الإنسان يدور في فلك ضيّق ، لا يحقّق هدفاً ، ولا يبني شرفاً .. والاعتدال أصل في حياة المسلم لا معدى عنه .. وما أكثر ما تضيع الأعمار بالملهيات ، وتقتل بتوافه الأشياء .! فلا يصحو الإنسان على نفسه إلاّ بعد ضياع الشباب والصحّة والفراغ ..
6 ـ ومن الخطوط العامّة لمنهج التغيير الإيجابيّ : الحذر كلّ الحذر من غلبة اليأس من النفس ، وسوء الظنّ بالآخَرين ، فما من شيء يقعد الإنسان عن العمل ، ويقتل فيه روح الجدِّ والطموح مثلُ اليأس من إصلاح النفس ، ومن قدرتها على تغيير واقعها .. وما اصطاد الشيطان الإنسان في شَرَك لا فكاك له منه ـ إلاّ أن يشاء الله ـ مثل ما اصطاده في شرك اليأس وَالقُنوط من رحمة الله ، ومبدأ ذلك اليأس من إصلاح النفس .. وهو وسوء الظنّ بالآخَرين أخوان متلازمان ، وصنوان لا يفترقان ..
فاليأس من إصلاح النفس ، يعطّل طاقات الإنسان ، ويجعله يتآكل ويضمحلّ ، وسوء الظنّ بالآخَرين .. يمنع من رؤية محاسنهم ، والانتفاع بهم ، فيتأكّد في نفسه اليأس من التغيير .. وتلك مهلكة الإنسان ومقتله ..
7 ـ ومن الخطوط العامّة لمنهج التغيير الإيجابيّ : الحرص على الاستخارة والاستشارة في الأمور كلّها ، فالاستخارة من علامات قوّة الإيمان بالله تعالى ، وما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار ، ومن استشار جمع إلى عقله عقل الناس ، وإلى علمه علم غيره وخبرته ..
وإذ كان الإنسان أمام اختيارات عديدة في كلّ مرحلة من مراحل حياته ، فالاستخارة والاستشارة يمكن أن تحدّد له الاختيار الأفضل لمسيرة حياته ، وحسن مآله ..
وينبغي أن يستشار في كلّ شأن أهل الخبرة فيه والاختصاص ، وأن يُحسِن الإنسانُ اختيار من يستشيره ، فما كلّ من كان قريباً من الإنسان تحسن استشارته ، والأخذ برأيه ، وأوّل شرط في المستشار أن يكون من أهل العقل والحكمة ، والدين والأمانة ، والخبرة في الحياة ، المشهود لهم بحسن الفهم والنظر في العواقب ..وبعد ؛ فما أسهلَ الكلامَ وأصعبَ العملَ ! وما أحسنَ البيانَ إذا ترجمَ إلى عمل ! بل ما أحسن البيان العمليّ ، الذي يتّصل بالقلب ، ويحرّك المشاعر .! أفتطمعُ أيّها المربّي والداعية ! في تغييرِ منْ حولك ، وما حولك ، وتلومُ مَن يُقصّرُ في ذلك ، وأنت تعجزُ عن تغييرِ نفسِك ، ولا تلومها على ذلك .؟!
وقد يظنّ بعض من يقرأ هذا المقالَ أنّه ملْتزمٌ بهذه الحقائق لا يخرجُ عنها ، ولو دقّق النظر في حياته وسلوكه لرأى أنّه إذا أخذ ببعض هذه الحقائق ، فإنّه لا يلتزم بهَا كلّها ، وإذا التزم بها في بعض الأمور ، فإنّه لا يلتزم بهَا كلّ شأن .. وربّما كانت ضرورتُه إليها فيما لا يلتزم به فيها أشدَّ وأكبرَ .. وإنّما ينبغي أن تكون هذه الحقائق هدي سيرة ومنهج حياة ، لِتُؤتي ثمراتها الطيّبة في تقويم السلوك ، وسداد المواقف ، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل